“تريد وقتًا للتفكير؟”
سأل هاميل وكأنه يؤكّد.
“نعم.”
أجاب لايل دون أن يتراجع عن كلامه.
في الحقيقة، لم يكن اقتراح هاميل سيئًا بالنسبة إلى لايل.
بدلًا من قضاء الوقت في التدريب بهدوء، يمكنه رفع درجاته وإضافة خبرةٍ قيّمة إلى سجله كفارسٍ مستقبلي.
على الرغم من أنه تظاهر بعدم الاكتراث، كان لقب “ابن غير شرعي” يزعجه مؤخرًا.
لكن التخلي عن هذا اللقب تمامًا لم يكن سهلًا أيضًا.
لذلك، منذ التحاقه بالأكاديمية، فكّر لايل كثيرًا أثناء انتظاره لوسي.
ماذا يجب أن يفعل لإخفاء أصله المتواضع؟
“أنت تعلم أنك قد تموت، أليس كذلك؟”
وضع هاميل يده على جبينه كمن يواجه مشكلةً معقدة.
للصراحة، احتمال موت لايل كان ضئيلًا.
مهاراته في المبارزة تفوقت على معظم الفرسان، وكان أقوى من بعض المدربين في الأكاديمية.
ومع ذلك، ظل هاميل قلقًا لأن لايل، البالغ من العمر ثمانية عشر عامًا فقط، يعرّض نفسه للخطر.
“المدربون الآخرون لا يزالون على قيد الحياة، أليس كذلك؟”
قال لايل بنبرةٍ مازحة.
بالطبع، كان هذا مزاحًا يستطيع قوله لأنه واثقٌ من مهاراته.
لو سمع مدربٌ آخر هذا، لاعتبره وقاحة، لكن هاميل كان مختلفًا.
“أنا والمدربون الآخرون عشنا ما فيه الكفاية.”
رد هاميل مازحًا، لكنه لم يتمكن من إخفاء نظرة القلق في عينيه.
“حسنًا… على أي حال، لن نغادر فورًا. سننطلق بعد أسبوعٍ تقريبًا من بدء العطلة، لذا أخبرني بقرارك قبل ثلاثة أيام من المغادرة.”
تستمر العطلة لمدة شهرين ونصف تقريبًا، مما يعني أنه سيقضي شهرين خارج الأكاديمية.
أومأ لايل موافقًا، ثم انحنى بإيماءةٍ خفيفة.
“سأكون معكم في هذه المهمة. إذا قررتَ المجيء، سأضعك في الخطوط الخلفية.”
هدد هاميل بنبرةٍ منخفضة.
ومع ذلك، ظل لايل يبتسم طوال الوقت ولم يفعل سوى الإيماء.
***
“هاه… ماذا قلتَ…؟”
فابون، الذي تابعني أنا وميليسا بالأمس، أوقفني فجأة وطلب مني تخصيص بعض الوقت له.
بوجهٍ متعجب، تبعته إلى قاعةٍ دراسيةٍ خالية.
‘هل كان لنا أي تواصلٍ يستدعي حديثًا خاصًا؟’
ما الذي يريد قوله حتى يطيل هكذا؟
بعد انتظارٍ دام حوالي خمس دقائق، اعترف لي فابون فجأةً أنه يحبني.
‘هل أسأت السماع؟’
“أ، أحبكِ.”
لم يكن مزاحًا، فقد كان صوت فابون يرتجف بشدة، ووجهه محمّرٌ و كأنني لو لمسته سيتسبب لي حرقا.
“أنا؟”
“نعم…”
سألته مجددًا، لكن يبدو أنني لم أُخطئ السمع.
‘أليس هذا أول لقاءٍ لنا؟ فلماذا يحبني؟’
خشية أن أكون نسيتُ شيئًا، حاولتُ تذكّر أي شيءٍ بسرعة، لكن لم يخطر ببالي شيء.
“…….”
كانت هذه المرة الأولى التي أتلقى فيها اعترافًا بالحب.
لا أتذكّر حياتي السابقة جيدًا، لكن في هذه الحياة، كانت الأولى بالتأكيد.
أثار الموقف الجديد قلقًا خفيفًا بداخلي.
‘كيف أرفضه؟’
لم يكن لدي أي سببٍ لأواعد فابون.
لا أحبه، ولا أشعر بحاجةٍ ملحة للارتباط عاطفيًا.
‘كنتُ أنوي الانتظار حتى يرتبط لايل قبل أن أفكر في ذلك…’
صحيح أن هناك علاقاتٍ تبدأ ثم تتطور، لكنني لم أكن واثقةً من نفسي.
‘هل سأتمكن من الاهتمام بفابون إذا واعدته؟’
نظرتُ إلى يديه المعقودتين كمن يصلي، وغرقتُ في التفكير.
لاحظ فابون نظرتي، فتحوّل وجهه إلى اللون الرمادي.
“هل… هل أغضبتكِ بإعترافي؟ هل أزعجتكِ؟”
“ماذا؟ لا، ليس كذلك…”
“لكن تعابيركِ تبدو…”
ابتسم فابون بتردد ووجهٍ أكثر قتامة.
أدركتُ حينها أنني، من شدة تفكيري، كنتُ أعبس بعينيّ وجبيني.
حاولتُ تخفيف تعابيري بالضغط على جبيني بإبهامي، لكن التجاعيد العميقة لم تتلاشى بسهولة
.لا مفر.
تركتُ جبيني كما هو وبدأتُ أجيب عن اعترافه.
“اسمك فابون، صحيح؟ أنا…”
“انتظري لحظة!”
كنتُ سأقول إنني لستُ مهتمةً بالارتباط الآن، لكن فابون صرخ فجأة بصوتٍ عالٍ.
كان صوته مختلفًا تمامًا عن نبرته الخافتة السابقة، فاتخذتُ وضعية دفاعية بشكلٍ لا إرادي.
“يا إلهي، أفزعتني!”
“لا، لا داعي للرد الآن!”
صرخ مجددًا بصوتٍ هزّ القاعة الخالية.
“ليس الآن… هل يمكنكِ التفكير خلال العطلة والرد لاحقًا؟”
لماذا؟ألن يكون الأمر نفسه سواء رددتُ الآن أم لاحقًا؟بل قد يكون ذلك تعذيبًا له بالأمل.
بدأت تجاعيد جبيني تتشكّل مجددًا.
خاف فابون واستدار ليهرب.
“انتظر، فابون! أنا فقط، لستُ مهتمةً بالـ…”
حاولتُ رفضه على عجل خشية هروبه، لكن كلامي لم يخرج بسلاسة.
المشكلة أن فابون كان أسرع في الهروب مني في الكلام.
بحلول الوقت الذي ناديتُ فيه باسمه، كان قد فرّ بعيدًا.
مثلما حدث بالأمس، كان فتىً سريع.
لم نكن متوافقين، فأنا بطيئة في الجري.
بينما كنتُ واقفةً مشوشةً في مكاني، استدار فجأة ونظر إليّ.
‘ما هذا؟’
“أ، بالنسبة إليّ… أنا الابن الثالث لعائلة الكونت ميرين، لذا يمكنني أن أكون زوجًا مدخلًا إذا ورثتِ لقب الماركيز. ولم أحب أحدًا من قبل، لذا لستُ فاسقًا، وأيضًا… أيضًا… حسنًا، هذا كل شيء!”[تونغ تونغ 💫
وقت الشروحات😾
“زوج مدخل” في اللغة العربية يُستخدم للإشارة إلى الرجل الذي يتزوج من امرأة وينتقل للعيش مع عائلتها أو يصبح جزءًا من بيتها، بدلاً من أن تنتقل الزوجة إلى بيت زوجها كما هو معتاد]
ماذا يعني هذا؟
كان مذهلًا أن صوته وصلني من تلك المسافة، ومع ذلك تحدّث بسرعةٍ هائلة.
ثم اختفى فجأةً قبل أن أفتح فمي.
“أون… حسنًا…”
‘هل تلقّيتُ للتو اعترافًا بالحب؟’
لكن لماذا أشعر كأنني مدينةٌ له بدلًا من الشعور بالحماس؟
***
بدأت العطلة.
ومع ذلك، لم أكن سعيدةً جدًا.
فقد وُضعتُ في موقفٍ شبه إجباري للتفكير في اعتراف فابون خلالها.
يبدو أن فابون عاد إلى منزله فور بدء العطلة، إذ لم أره منذ ذلك الحين.
كان فتىً سريعًا من نواحٍ عديدة.
“منذ الأمس وأنتِ قليلة الكلام. هل هناك شيء؟”
كنتُ أنا وميليسا جالستين في مكانٍ للراحة بين سكن الفتيات والفتيان، نستمتع بأشعة الشمس.
في العادة، كنتُ سأملأ الصمت مع ميليسا بحديثٍ متنوع.
لكنني الآن كنتُ مشغولةً بالتفكير في المشكلة التي ألقاها فابون وهرب، فقلّ كلامي كثيرًا.
“همم… حدث شيءٌ غير متوقع…”
“شيء غير متوقع؟”
بالتأكيد كان غير متوقع.
أنا التي كنتُ مشغولةً فقط بأمور الحب الخاصة بالآخرين، تلقّيتُ اعترافًا.
والأسوأ أن الطرف الآخر هرب قبل أن أتمكن من رفضه.
‘ما هذا النوع من الاعترافات؟’
لم يكن الأمر مضحكًا تمامًا، لأن الشخص الذي اعترف بدا جادًا جدًا.
“تلقّيتُ اعترافًا بالحب…”
“…….”
“وقال ان عليّ التفكير خلال العطلة قبل الرد.”
“حقًا؟”
“نعم، لكنني شعرتُ أن هذا قد يكون قاسيًا عليه، فحاولتُ رفضه على الفور.”
“جيد.”
“لكنه لم يستمع وهرب.”
“…….”
تغيّرت تعابير ميليسا بشكلٍ غريب.
كانت تريد الضحك، لكن الأمر لم يكن مضحكًا تمامًا، فبدت تعابيرها مشوشة.
“قد يكون قولًا سيئًا، لكنني أشعر كأنني تحمّلتُ عبئًا غير متوقع.”
قلتُ بنبرةٍ جادة.
“أجل، قد يكون كذلك.”
وافقت ميليسا.
“لكن، ماذا لو…”
“ماذا لو؟”
“إذا كان وسيمًا جدًا، من عائلةٍ جيدة، ذا شخصيةٍ حسنة، ونظيفًا في علاقاته، ألن يكون من الجيد التفكير بجدية في الأمر كما اقترح؟”
قالت ميليسا بنبرةٍ أكثر جديةً من نبرتي.
تذكّرتُ فجأةً كلام فابون.
“أنا الابن الثالث لعائلة الكونت ميرين، لذا يمكنني أن أكون زوجًا مدخلًا إذا ورثتِ لقب الماركيز. ولم أحب أحدًا من قبل، لذا لستُ فاسقًا، وأيضًا… أيضًا… حسنًا، هذا كل شيء!”
“‘يبدو أنه كذلك.’”
صراحةً، لستُ متأكدةً من مظهره.
لم أرى في حياتي من هو أجمل من لايل.
إلى درجة أنني سأشعر بالإهانة إذا قيل إن هناك من هو أجمل منه.
“حقًا؟ إذا كانت هذه مواصفاته، فلربما التفكير أكثر ليس سيئًا…”
توقفت ميليسا فجأة، ناظرةً بوجهٍ غير راضٍ.
في الوقت نفسه، أمسكت يدٌ كبيرة بذقني برفق.
رُفع رأسي للأعلى بلطفٍ دون إرادتي.
فتحتُ عينيّ على مصراعيهما تلقائيًا، لكن الشمس لم تُعميني بشكلٍ غريب.
كان وجه لايل، المظلّل، يحجب الشمس عني من الأعلى.
“ما الذي يبدو كذلك؟”
شعرتُ ببرودة ذقني بين يديه. وكأن الهواء من حولي أصبح باردًا أيضًا.
ترجمة: لونا
التعليقات لهذا الفصل " 41"