لم يتبقَ إلا القليل حتى العطلة.
“ميليسا، العطلة على الأبواب!”
صحتُ بحماسٍ وأنا أتخيّل لقاء جدتي وأختي ديوليتا بعد غيابٍ طويل.
“أجل، وفترة الامتحانات قريبةٌ أيضًا.”
“…….”
لكن الواقع كان الردّ الذي تلقّيته.
كما قالت ميليسا، تجري الأكاديمية امتحاناتٍ مرةً واحدةً كل فصلٍ قبل العطلة.
بمعنى آخر، الامتحانات أيضًا باتت وشيكة.
“هل درستي للامتحانات؟”
واصلت ميليسا بتوبيخٍ خفيف.
“أم، خلال الحصص بجدية…”
“لن أطالبكِ بإعداد الدروس مسبقًا لأنّ الوقت قد فات، لكن راجعي على الأقل. إن واجهتِ شيئًا لا تفهمينه، سأساعدكِ، فأخبريني إذا احتجتِ.”
“آه، حسنًا…”
بهذه الكلمات، أسرعت ميليسا نحو القاعة المجاورة حتى لا تتأخر عن حصتها.
‘سأعود إلى السكن وأراجع للامتحانات…’
على الأقل، أردتُ تحقيق نتائجَ أفضل مما كانت عليه في امتحانات القبول.
تعهّدتُ بهذا الحماس سرًا، ثم التفتُ نحو النافذة. في تلك اللحظة، لمحتُ خصلة شعرٍ مألوفة عبر النافذة.
كان دوين سينباي.
السينباي، كعادته، يغطي عينيه بخصلات شعره الكثيفة اليوم أيضًا.
كان رأسه متوجّهًا نحوي، فشعرتُ وكأنّ أعيننا التقت.
بترددٍ خفيف، أومأتُ برأسي لأحييه.
لحسن الحظ، يبدو أن دوين السنباي كان ينظر إليّ بالفعل، إذ لوّح لي بيده.
ربما بفضل زياراتي المتكررة للمكتبة خلال الفصل، أصبحتُ الآن أتبادل التحية مع السنباي خارجها.
بالطبع، السبب الذي جعل السنباي يتذكّر وجهي كان محرجًا بعض الشيء بالنسبة إليّ.
***
“أم، أودّ تمديد الإستعارة…”
كم مرةً مدّدتُ الإستعارة بالفعل؟
هذا هو السبب الذي جعل سينباي يتذكّر وجهي.
كنتُ أمدّد إعارة أي كتابٍ أستعيره ثلاث أو أربع مراتٍ على الأقل.
الكتاب الأول الذي استعرتُه، وكان يتحدّث عن الشياطين من منظور البشر، مدّدتُ إستعارته أربع مراتٍ تقريبًا.
في النهاية، لم أتمكّن من قراءته وانتقلتُ إلى كتابٍ آخر.
لكن الكتب الأخرى لم تكن ممتعةً أيضًا.
‘ربما هذا المجال لا يناسبني ببساطة.’
لكن يبدو أنني لم أترك انطباعًا سيئًا لدى البروفيسور بنديك، ربما لأنني، رغم كثرة التمديدات، كنتُ أحرص على تمديد الإستعارة قبل انتهاء الموعد.
“الكتب المتعلقة بهذا الموضوع مملة، أليس كذلك؟”
سألني دوين سينباي دون أن يفتح سجل الإستعارة.
“نعم انها ليست ممتعة… ويصعب قراءتها…”
كل كتب الشياطين التي قرأتُها حتى الآن كانت كذلك.
“لأن الكاتب يفرض آراءه بأسلوبٍ أحادي.”
تحدّث وكأنه يعرف محتوى الكتب. هل يمكن أن يكون مهتمًا بهذا المجال؟!
“هل قرأتَ هذه الكتب، سينباي؟”
إذا عرفت انه كان مهتمًا بالشياطين، كنتُ سأطلب منه أن يوصي بكتابٍ سهل القراءة.
“…نعم، قرأتُها. لقد قرأتُ جميع الكتب المتعلقة بالشياطين في المكتبة.”
عادةً، يمكنني أن أفهم ما يفكّر به الشّخص من عينيه.
لكن مع دوين سينباي، الذي لا يُظهر عينيه أبدًا، كان من الصّعب تخمين تعابير وجهه.
“لحظةً من فضلك.”
بينما كنتُ أتساءل عن الجو الذي بدا ثقيلًا فجأة، نهض سينباي من مكانه واختفى بين رفوف الكتب.
انتظرتُ بهدوءٍ حتى عاد.
عندما ظهر مجددًا، كان يحمل كتابًا رقيقًا في يده.
“هذا عبارة عن مجموعة قصصٍ مستندة إلى أحداثٍ حقيقية، لذا سيكون أسهل قراءةً من الكتب الأخرى.”
لم أطلب منه التوصية بعد، لكنه عرف.
نظرتُ إليه بنظرةٍ مليئةٍ بالإعجاب، فارتفعت زاوية فمه قليلًا.
“أردتُ إخباركِ منذ مدة، لكن لا تتحدّثي عن الشياطين أو تسألي عنها أمام الآخرين. قد يُساء فهمكِ على أنكِ من عبدة الشياطين أو مهرطقة.”
كنتُ واعيةً تمامًا لهذا الأمر.
أومأتُ برأسي موافقةً، ففتح أخيرًا سجل الإستعارة وكتب عنوان الكتاب واسمي.
“ومع ذلك، يبدو أنكِ حذرة، إذ تخفين الكتب التي تستعيرينها دائمًا تحت كتب التخصص، وهذا مطمئن.”
عندما سمعتُ كلامه، أدركتُ سبب نظراته الغريبة للكتب التي كنتُ أستعيرها.
يبدو أنه، إلى جانب اهتمامه بهذا المجال، أراد تحذيري أيضًا.بمجرد أن فهمتُ نواياه، بدأتُ أقلق عليه.
“أم… سينباي، هل…؟”
إذ كان دائمًا منعزلًا في المكتبة ومهتمًا بالشياطين…
‘أليس من الممكن أن يُساء فهمه من زملائه على أنه من عبدة الشياطين أو مهرطق، فيتعرّض للتنمر؟!’
إن كان الأمر كذلك، فإن إخفاءه لعينيه قد يكون له تفسير.
يمكن للإنسان أن يهتم بمجالاتٍ متنوعة. كيف يمكن أن ينبذوا صديقًا بسبب اهتماماته؟!
كان هذا أمرًا لا يمكنني تصوره.
“…أعرف ما تفكّرين به، لكن الأمر ليس كذلك.”
ربما قرأ تعابير وجهي المتغيّرة، فقال بنبرةٍ جافة.
في تلك اللحظة، سمعتُ صوت فتح نافذةٍ من الخلف وصوت طالبٍ ذكر.
“دوين، هيا نذهب لتناول الطعام!”
يبدو أن صديقه جاء ليأخذه.
يا لها من مصادفةٍ مثالية.
“…آسفة، آسفة.”
أسرعتُ بالاعتذار إلى السينباي.
“…لا بأس، أشكركِ على قلقكِ.”
بقدر ما كنتُ قلقةً بصدق، شعرتُ بالحرج بنفس القدر.
***
عدتُ إلى غرفتي وفتحتُ الكتاب الذي أوصى به السينباي.
كانت التواريخ مكتوبةً بجانب كل قسمٍ في الفهرس، كأنها قائمةٌ بالأحداث المرتبة زمنيًا.
“…….”
القصة الأولى في الفهرس كانت عن امرأةٍ أساءت فهم شيطانٍ صغيرٍ ظنته إنسانًا وربّته، وكان ذلك قبل ولادتي بزمنٍ طويل.
اعتبرت المرأة الشيطان الصغير جزءًا من عائلتها بصدق، وكأنها والدته الحقيقية، فإعتنت به.
أخبرها أحد الجيران بالحقيقة.
“هذا الطفل ليس إنسانًا! لقد تعرضتِ للخداع!”
فقالت المرأة البطلة.
“كما قلتَ، هذا الطفل ليس إنسانًا، لكنه لم يخدعني.”
أقرّت بذلك بهدوءٍ وكأنها كانت تعلم منذ البداية.
تنهّد أهل القرية جميعًا لردها غير المتوقّع. كيف يمكن أن تحتفظ به وهي تعلم حقيقته؟
فكّر الناس المحيطون بها وبالطفل.
‘لقد سحرتها الشياطين.’
لإنقاذ المرأة التي سحرتها الشياطين، سجنها أهل القرية في زنزانةٍ تحت الأرض.
كانوا يزورونها يوميًا و يتكلمون معها ، لكنها لم تُصغِ إليهم.
مرّ الوقت في الكتاب.
ذبلت المرأة، وتوقّفت زيارات أهل القرية فجأة.
بينما كانت على وشك الموت جوعًا، فُتح باب السجن الذي ظل مغلقًا لفترةٍ طويلة، ودخل رجل.
“لقد مات الجميع.”
“…….”
“أنتِ، بسببكِ وذلك الشيطان…! كل شيء بسببكِ!”
صرخ الرجل الشاحب خوفًا وهو يكسر قفل السجن بفأسٍ ويدخل.
تبيّن أن الشيطان كان يقتل أهل القرية بحثًا عنها، وكان هذا الرجل الناجي الوحيد.
نظرت المرأة بعيونٍ ضبابيةٍ إلى الرجل الذي كان ينظر إليها بنظرة احتقار.
كانت آخر صورةٍ رأتها في عينيها هي شفرة الفأس التي رفعها الرجل عاليًا نحو السقف.
“…….”
انتهت القصة هنا.
أذهلني المحتوى الكئيب أكثر مما توقّعتُ، فلم أجد ما أقوله.
‘إذًا، ماذا عن الشيطان…؟’
بالرغم من أنها قصةٌ عن الشياطين، إلا أنها في النهاية كانت تتحدّث عن المرأة التي سحرتها الشياطين.
انتقلتُ إلى الصفحة التالية التي تحمل العنوان الفرعي التالي وأنا أشعر بالضيق.
على الرغم من أن معظم القصص كانت كئيبة، إلا أنها، كما قال السنباي، كانت الأسهل قراءةً من بين كل الكتب التي استعرتُها.
ثم وصلتُ إلى الفهرس الأخير.
كانت قصة من العام الذي يسبق ولادتي، أي العام الذي وُلد فيه لايل.
الحرب بين الشياطين والبشر.
على وجه الدقة، حربٌ بين ملك الشياطين والبشر.
ظهر الملك، الذي لم يُظهر نفسه أبدًا، فجأةً دون سابق إنذار وبدأ بقتل البشر بكثرةٍ باستخدام قواه الشيطانية.
لوقف المذبحة المفاجئة، اتّحد الكهنة والفرسان لخوض الحرب ضد ملك الشياطين.
استمرّت الحرب لما يقرب من عامٍ، وانتهت بمقتل ملك الشياطين على يد إنسان.
كُتب أيضًا أن الشخص الذي هزم الملك وقاد الحرب إلى النصر هو إدوين، الكاهن الأعلى الحالي في المعبد.
“همم…”
قرأتُ الكتاب الذي أوصى به السنباي، لكنني لستُ متأكدةً إن كان مفيدًا حقًا.
أكثر ما استفدتُه هو أن حربًا وقعت في العام الذي وُلد فيه لايل، وأن ملك الشياطين قُتل.
بسبب المحتوى الودود وغير الودود في آنٍ معًا، لم أشعر أنني حصلتُ على فائدةٍ كبيرة.
شعرتُ ببعض الإحباط.
اتكأتُ على ظهر الكرسي وضغطتُ على عينيّ المتعبتين من القراءة المستمرة بظهر يدي.
“ماذا عن الامتحانات…؟”
بغض النظر عما إذا كان الكتاب مفيدًا أم لا، كانت القصص فيه قصيرةً نسبيًا وسهلة القراءة.
لكن بسبب ذلك، سأضطر إلى دراسة امتحانات بعد غدٍ في يومٍ واحد.
***
بعد إنهاء امتحان المادة الأخيرة، خرجتُ من القاعة مع الحشود.
أول ما فعلتُه هو النظر إلى سقف الردهة.
“لقد كتبتُ كل الإجابات…”
لسببٍ ما، تذكّرتُ امتحانات القبول.
شعرتُ بنفس الشعور المقلق الذي شعرتُ به آنذاك.
انتظرتُ فتح باب القاعة المجاورة وأنا خاليةٌ من الثقة تمامًا.
عندما فُتح الباب أخيرًا، خرجت ميليسا أولًا بتعابير واثقة وهي تمرّر يدها في شعرها.
“هل أدّيتِ الامتحان جيدًا؟”
كان صوتها حادًا وكأن كارثةً ستقع إن لم أؤدّي جيدًا.
أومأتُ برأسي لأطمئنها وقُلت.
“لقد كتبتُ كل الإجابات.”
تغيّرت تعابير ميليسا المتغطرسة بسرعةٍ إلى تعبيرٍ يقول.
“حسنًا، هذا أفضل من لا شيء.”
ترجمة:لونا
التعليقات لهذا الفصل " 39"