الفصل 120
“دايوس قد مات.”
ما إن دخل دايلَر إلى الغرفة حتّى كان هذا أوّل ما نطق به إدوين.
“آه، نعم. أعلم ذلك.”
فقد اختفت كلّ الوحوش التي كان دايوس يسيطر عليها. وهذا يعني أنّ السيّد الذي شاركهم قوّته قد مات.
“آه، نعم. أعلم ذلك؟”
فجأةً ردّد إدوين كلمات دايلَر بنبرة استهزاء، ثمّ رمقه بنظرة ساخطة.
أدار دايلر نظره بعيدًا عن إدوين بهدوء.
“هل هذا كلّ ما لديك لتقوله؟”
“ماذا عساني… أن أقول أكثر من ذلك؟”
إن أردنا التدقيق، فدايوس لم يمت بسبب دايلر تحديدًا. ولا شكّ أنّ إدوين يدرك ذلك جيّدًا.
لكن بالنسبة إلى إدوين، لم يكن هذا مهمًّا.
لكنّ ذلك لم يكن مهمًّا عنده. فإدوين لم يكن يبحث إلاّ عن متنفسٍ لغضبه.
-بوم شكالاكا يا ابني!-
دوّى صوت انفجار، ومرت المنصّة بجانب وجه دايلر.
‘ها قد بدأ.’
شعر دايلر مباشرةً أنّ مزاج إدوين، باول، قد انفجر، فسارع لتعديل وضعيته استعدادًا لتجنّب أيّ شيء آخر قد يُقذَف نحوه.
لكن على عكس مخاوفه، لم تتواصل نوبة باول. بل على العكس، أخذ نفسًا عميقًا وابتسم بوجهٍ مريب.
كان يبدو راضيًا، رغم أنه انفجر غضبًا للتوّ.
‘ما الأمر…؟’
تراخى جسد دايلر وهو ينظر إليه باستغراب.
“أن يُهزم شيطان على يد وعاء، فهذا أمر مُخزٍ بالفعل…”
غطّى باول ابتسامته الملتوية بيده التي يرتدي بها قفّازًا أبيض.
“لكن ما صار واضحًا هو أنّ الوعاء كان يخفي شيئًا ما، لدرجة أنّه قتل دايوس نفسه.”
“لكن، ألم يكن دايوس هو من هاجم أوّلًا؟ أليس من المبالغة إعطاء الأمر هذا القدر من المعنى؟”
“لا. أنا مَن أعطى الأوامر. ودايوس لو كان في وعيه، لكان فضّل العودة حيًّا قبل أيّ شيء آخر.”
‘هممم. لكنّه كان شديد الانفعال… ربما لم يستطيع السيطرة على نفسه وقُتل بسبب ذلك.’
إلى هنا توقّف دايلر عن التفكير بصوتٍ مسموع، وأطبق فمه بقوّة. لو تهاون قليلًا، لخرجت كلّ أفكاره بلا قصد.
“أن يمنعه من الفرار تحديدًا… هذا يعني أنّ الطرف الآخر أيضًا لديه ما يريد إخفاءه.”
“هممم…”
كان باول يُظهر تقييمًا غريبًا مرتفعًا لدايوس
وفي هذه اللحظة، خمّن دايلر أنّ بينهما رابطة ما، بحكم طول فترة معرفتهما.
ففي النهاية، حقيقة أنّ دايوس قاتل لايل تُثبت أنّه نجح في التلصّص على ذكرياته.
وفوق ذلك…
“عدد الوحوش قد ازداد فجأة.”
استغلّ دايلر الفرصة ليقدّم كلّ ما لديه من تقارير دفعةً واحدة.
“عددها يعادل تقريبًا الوحوش التي اختفت بموت دايوس.”
“…….”
“وفي البلدان التي يُعتقد أنّها اصطدمت بدايوس، الخسائر فادحة بالفعل.”
عند سماع هذه الإضافة، تجمّدت ملامح باول، ثم غرق في تفكير عميق، وكأنّه يستعيد ذكرياتٍ قديمة.
“هذا يشبه كثيرًا ما حدث في الحرب القديمة ضد ملك الشياطين.”
“دايلر.”
“نعم.”
أجابه بسرعة، خائفًا أن يكون قد أثار غضبه مجددًا بحديثه الزائد.
“ألا ترى أنّه غريب أن يُقلّدني الملك؟”
أمال دايلر رأسه متردّدًا ثم قال:
“حين يستحوذ الحقد على قلب المرء، فما الذي لا يمكنه فعله؟”
“……هممم.”
بدا على باول علامات تفكير عميق من جديد. وبعد فترة صمت، تكلّم:
“هل قلتَ إنّ المفقودة هي لوسي سويينت، الماركيزة؟”
“نعم. ومضى الآن أكثر من ثلاثة أشهر على اختفائها، وما زالت أخبارها غامضة. أي أنّه في النهاية…”
توقّف لحظة، ثم ابتسم ابتسامة باردة وأكمل:
“لا أحد يعرف إن كانت حيّة أم ميّتة، أليس كذلك؟”
أخيرًا، أومأ باول برأسه موافقًا.
“حسنًا. بما أنّه لم يعد من السهل أن نجد أيّ أثر للملك، فاعتبروا لوسي سويينت هي الملك. ركّزوا جهودكم في البحث عنها.”
“مفهوم.”
“إذن من الأفضل افتراض أنّ الوعاء يستعدّ للحرب. والأرجح أنّه يُخفي الملك لديه.”
قال باول ذلك بلهجةٍ حاسمة. ولم يكن رأي دايلر مختلفًا كثيرًا.
***
شووشوو, اعوو……
ارتجفت أوراق الشجر، وتردّد صوت زئيرٍ حيواني.
تساءلت لوسي في خاطرها إن كانت يمكن ان تصدر الزواحف أصواتًا كهذه أصلًا.
‘إن كنت سحلية، فلتصدر اصوات كالسحالي فقط…’
ثمّ تذكّرت فجأة أنّها لم تسمع من قبل عن أصوات السحالي. لكنّ هذا لم يكن مهمًّا.
توارَت لوسي خلف شجرة، ومدّت رأسها بحذرٍ وسط وجهٍ متوتّر.
كان تمساحا وسحلية عملاقة يجولان بحثًا عنها.
‘لو تقدّمت قليلًا، سأصل إلى الخارج…’
بفضل جهدها المتواصل، نجحت لوسي في التسلّل حتى بلغت حدود أرض القصر، متجنّبةً عيون الوحوش. ولم يكن الحظّ بعيدًا عنها كذلك.
لكن، لم تكن متأكّدة إن كانت ستُمنح فرصة كهذه مرة أخرى.
‘الآن…!’
حين لم تعد تسمع خطوات الوحوش، انطلقت من خلف الشجرة بكلّ قوتها.
“هاهاها! سأهرب…!”
لكن، لو لم يكن هناك إغوانة عملاقة تحرس البوّابة ، لكانت خطّتها نجحت أخيرًا. [تونغ تونغ 💗
وقت الشروحات يوبييي🤏
العَيْدَشُونُ أو العَيدَشُوق أو الإغوانة أو الإغوانا أو سحلية أمريكية هي جنس من الزواحف العاشبة تتبع الفصيلة الإغوانية من رتبة الحرشفيات.]
“…….”
نفخت الإغوانة عنقها إلى أقصى حدّ، وأدارت عينيها الضخمتين نحو لوسي.
توقّفت حركتها تدريجيًا، ثمّ استدارت ببطءٍ إلى الوراء.
اقتربت منها خطوة بخطوة، حتى صارت أنفاسه الحارّة تلهب ظهرها. فعضّت لوسي على أسنانها بغضب.
“سـ… سأعود. أليس هذا ما تريد؟”
لكنّها لم تتركهت، وكأنّها تريد التأكّد بنفسها أنّها ستعود إلى القصر.
وما إن وصلت إلى حديقة القصر، حتى التفتت وعادت إلى مكانها.
تنفّست لوسي الصعداء بعمق، ثمّ قبضت على يدها المرتجفة بعناد.
‘بضع خطوات فقط كانت تفصلني…!’
متمتمة بغضب، خطت نحو الداخل. وكان أوّل من استقبلها هو ثعبان لايل.
و وحوش هنا وهناك…
ارتسمت على وجهها ملامح استسلام تام. تسلّق الثعبان ساقها بسهولة، وهي تتقدّم نحو الدرج دون أن تعيره اهتمامًا.
“هل خرجتِي قليلًا؟”
سألها رير وهو يخرج من غرفته في الطابق الثاني، وقد بدا وجهه منتعشًا كمن استيقظ للتوّ.
أما لوسي، فكانت أشبه بهيكلٍ متعب مغطّى بالغبار والتراب.
‘لماذا أعيش هكذا؟’
ألقت نظرة على كاحلها، ثم رفعت رأسها بحزم، وكأنها اتّخذت قرارًا مصيريًا.
فتحت فمها أخيرًا:
“…لو سمحتَ للثعبان بعضّ كاحلي، هل ستُخرجني من هنا فعلًا؟”
لكن، صوتها كان يرتجف على نحوٍ مخزٍ رغم قرارها الحاسم.
“وإن قلتُ نعم، هل ستسمحين فعلًا أن يعضّك؟”
اقترب لايل منها، ينزع الأوراق العالقة بشعرها المتّسخ بعناية.
كان الردّ بسؤالٍ آخر عادة سيّئة لديه.
زفرت لوسي بوجهٍ متجهم، ثمّ نظرت إلى الثعبان الملتفّ على ذراعها، ثم إلى لايل، وسألت بنبرة حادّة:
“مَن الذي سيعضّني… أنت أم هذا؟”
سؤال غير مألوف منها، فحتى لايل بدا متفاجئًا قليلًا.
توقّفت يده في الهواء لبرهة، ثم مرّرها على ذقنها مجددًا قائلاً:
“مَن تريدين أن يعضّك؟”
ارتجفت، إذ شعرت بالحرارة في مكان ملامسة أصابعه، فابتلعت ريقها متوترة وتمتمت:
“يا لكَ من… توقّف عن الردّ بأسئلة.”
“لو اخترتِني بدلًا من الثعبان، سأكون ممتنًّا جدًا.”
ابتسم ابتسامة فاتنة، جعلت إجابته تبدو محسومة سلفًا.
وبعد لحظة قصيرة من التفكير، قالت لوسي بتردّد:
“…لا أريد أن أُعضّ أصلًا…”
تنفّس لايل بخيبة أمل، وغمغم:
“أحقًا؟ مؤسف.”
بدا وكأنّه صادقٌ في حزنه.
لكن لوسي لم تفهمه على الإطلاق.
فلو كان حقًّا يريد عضّها، لما كان بحاجة إلى إذنها أصلًا.
بإمكانه فعل ذلك متى شاء.
“إذًا، لماذا تطلب إذني أصلًا؟”
‘يمكنك أن تعضّني متى أردتَ…’
قالت ذلك وهي تحرّك أصابع قدميها بتوتر، خشية أن يهجم فجأة.
“لأنني سأُحدث جرحًا في جسدك. ومن الطبيعي أن أستأذن قبله.”(الرجل المؤدب يوليييلليليليليليلي😭😭😭💗🤏)
لم يكن بوسعه إيذاؤها، ولا يجب أن يفعل ذلك أبدًا.
فهذا يُناقض جوهر وجوده ذاته.
لكن لوسي، التي لا تعلم هذا، استرجعت في ذهنها كلّ الأيّام القاسية التي عاشتها منذ أن حُبست هنا على يده.
“أنا ما زلتُ نعسان.”
قال لايل بصوتٍ مبحوح وهو ينظر إليها بوجهٍ متململ.
‘وماذا يعني هذا؟’
أجابته بوجهها فقط، دون كلام.
“ابقي بجانبي حتى أنام.”
اقترب منها بمداعبة ناعمة، داعكًا وجهه بشعرها. وبالطبع، لم يكن أمام لوسي إلا أن…
“…حسنا.”
أومأت بخجل، دون أن تدرك أنّ وجهها قد احمرّ بالكامل.
التعليقات لهذا الفصل " 120"