الفصل 117
“باااااارد…”
تململت لوسي في فراشها، باحثةً عن الغطاء، إذ لم تعد قادرة على تحمّل برودة الجوّ.
لكنّ جسدها كان مغطّى بالفعل بشيءٍ ما، على عكس ما توقّعت.
مدّت يدها تتحسّس ذلك الشيء، لتشعر بملمسٍ متعرّجٍ خشن.
“آه…”
لكنّ الطقس لم يكن من المفترض أن يكون شديد البرودة بعد، فما زال الخريف في بدايته.
فتحت لوسي عينيها ببطء، ثمّ خفّضت بصرها نحو الأسفل.
“…”
وهناك، رأته.
ثعبانٌ ضخمٌ كان ملتفًّا حول جسدها بإحكام!
‘هكذا إذن… لهذا كنتُ أشعر بالبرد.’
اعتدلت لوسي جالسة وهي تُمسك بجسد لايل البارد وتتمتم بتذمّر:
“أكاد أختنق… وبارد أيضًا…”
كان جسد لايل، بصفته مخلوقًا دمويّ البرودة، يبعث الصقيع إلى جسدها حتى كاد يجمّدها.
أرادت الآن التخلّص منه فورًا، لكنّه لم يكن مستعدًّا للابتعاد عنها أبدًا.
كان يتشبّث بها طوال اليوم، وحتى في نومه يرفض أن يتركها، ممّا جعلها في غاية الانزعاج.(فين نادي الحسد احسدوهااا😭😭😭)
سَسَسَسَس…
ويبدو أنّ حركة لوسي أيقظته، إذ بدأ لايل يلتفّ حول جسدها أكثر، محكمًا قبضته، دون نيّة للتراجع.(حسد عيون الليزر فور ايفر😭😭😭)
“حسنًا… افعل ما تشاء…”
‘آه… أنا متعبة للغاية…’
أغمضت لوسي عينيها مجددًا، مستسلمة للنعاس.
***
الجوّ صافٍ.
الشمس مشرقة.
وقفت لوسي تحت أشعة الشمس، تمدّ ذراعيها إلى السماء وهي تأخذ نفسا عميقًا.
‘كم مضى منذ آخر مرّة خرجتُ فيها؟!’
كانت تشعر بفرحة حقيقيّة وهي تلمس الأرض بقدميها الحافيتين، تُدغدغهما برودة التراب.
إلا أنّ شيئًا واحدًا فقط أفسد عليها تلك السعادة.
سَسَسَسَس…
لايل كان يفرك وجهه على خدّها.
لم تخرج لوسي وحدها، بل ظلّ لايل متشبّثًا بها، ملفوفًا حول عنقها وكتفيها.
‘هل أستطيع الهرب الآن؟’
حاولت في البداية أن تخلّص نفسها منه…
لكنّها فشلت.
كانت قوّته تفوق تصوّرها، ولم ينفع معه أيّ جهد لإبعاده عنها.
لذلك، قرّرت أن تتجاهله مؤقّتًا وتركّز على الخطة الأهمّ:
‘سأهرب من هذا المكان، حتى لو كان لايل معي!’
شعّت عيناها بعزمٍ حديدي وهي تشدّ قبضتيها بإحكام، ثمّ عدّلت وقفتها استعدادًا للركض.
شَشْ، شَشْ، شَشْ، شَشْ…
وفي مكانٍ غير بعيد، كانت مامون تكنس الفناء بوجهٍ جامدٍ خالٍ من أيّ تعبير.
وكما وعدتها من قبل، تجاهلتها تمامًا وكأنّها غير موجودة، رغم رؤيتها لها خارج القصر.
وما إن أدركت لوسي ذلك، حتّى انطلقت ركضًا بكلّ ما أوتيت من قوّة!
المفاجأة أنّ لايل لم يتحرّك قيد أنملة، بل ظلّ متشبّثًا بها بهدوء.
خطّتها الآن بسيطة:
إذا بقي لايل ساكنًا، ستأخذه معها خارج حدود القصر، ثمّ… ستفكّر لاحقًا في ما ستفعله!
لحسن الحظّ، كان الطريق القديم الذي ظنّت أنّه اختفى لا يزال موجودًا، فتوجّهت بسرعة نحو الغابة.
كااااااااك! كااااااااك!
ارتفعت صرخات الغربان من فوق رأسها، فالتفتت عينا لايل إلى السماء، يراقبها بعينيه الذهبيّتين الباردتين.
لكن لوسي لم تُعر الغربان اهتمامًا.
سَسَسَسَس…
فجأةً، أخرج لايل لسانه الشبيه بالشعلة الرفيعة، وكأنّه يبتسم ابتسامة ماكرة بلا ملامح.
وتجمّدت خطوات لوسي في الحال، بينما أخذ جسدها يرتجف بلا وعي.
التفت لايل، متتبّعًا اتّجاه نظراتها، ثمّ رآهم.
“م-ماذا… ماذا…؟!”
ارتجفت كلماتها كما ارتجف جسدها نفسه.
غروووووو…
من بين ظلال الغابة، ظهرت أعينٌ حمراء متوهّجة، تتلألأ كالشرر بين الأشجار.
كانت وحوشًا سحريّة، تفترسها بنظراتها.
وبينما كانت لوسي تتراجع خطوة إلى الوراء، كان هناك قد فتح تمساحٌ أبيض ضخم فمه الهائل واندفع بخطوات قصيرة نحوها.
وفي الوقت ذاته، راحت وحوش أخرى تحدّق بها من بين أغصان الغابة المعتمة.
“آآآه… آه…”
ارتجفت شفاهها وهي تتمسّك غريزيًّا بجسد لايل الملفوف حول عنقها.
كان لايل يحرّك ذيله بسعادة، كأنّه يستمتع بالموقف!
“آآآآآآااااااه!”
صرخت لوسي بأعلى صوتها وهي تستدير عائدةً إلى القصر، تركض بكلّ ما تملك من سرعة.
كانت خطواتها المتلاحقة تصنع لحنًا متوتّرًا متزامنًا مع دقّات قلبها.
ورغم وعورة الطريق، لم تُصب قدماها الحافيتان بخدشٍ واحد، وكأنّ قوّة غامضة تحميها.
“آآآآآااااااه!”
شَقَّت لوسي الممرّ عائدةً، مارةً بسرعةٍ خاطفةٍ بجانب مامون التي ظلّت تكنس الأرض بهدوء دون أن يلتفت إليها، قبل أن تهرع إلى داخل القصر.
“هاهف… هاهف…”
استندت إلى الأرض بكلتا يديها، تلهث بعنف وهي تحاول استعادة أنفاسها.
‘كدتُ أُفتَرَس… نعم، لا شكّ أنّهم كانوا سيلتهمونني لو بقيتُ هناك…!’
رمقت جدران القصر المرتفعة بنظرات قلقة:
‘يا إلهي… هذا القصر مرعب! من كان يظنّ أنّ الخارج أخطر من الداخل!’
وفي تلك اللحظة، تدلّى ذيل لايل من عنقها بخفّة، فالتفتت إليه بعينين تقدحان شررًا وسألته بحدّة:
“تلك الوحوش… أهي ملكك أنت؟!”
أمال لايل رأسه وكأنّه لم يفهم السؤال، ثمّ التصق بخدّها، يفرك رأسه برقة.
لكنّ براءته المفتعلة جعلتها أكثر غضبًا.
***
“هيااااا!”
لم تستسلم لوسي، وحاولت مرارًا الخروج من القصر.
“آآآآاااااااااااااااااه!”
لكن في كلّ مرّة، كانت الوحوش تتربّص بها، فتضطر للعودة وهي تصرخ.
وظلّ لايل دائمًا معلّقًا حول عنقها، كظلّها الذي لا يفارقها.
وفي تلك اللحظة، التقت عيناها بعيني مامون، التي أنهت تنظيف الحديقة وكانت تراقبها بنظرة باردة.
صرخت لوسي غاضبة:
“قلتَ لي إنّه لا توجد فِخاخٌ أخرى!”
أجابتها مامون ببرودٍ مميت:
“قلتُ إنّه لا توجد فِخاخ داخل القصر.”
ثمّ حوّلت نظرها نحو لايل الملتفّ حول عنقها وتابعت:
“أما الوحوش… فوجودها ليس فخًّا بالمعنى الحرفي.”
أخذت لوسي تزمّ شفتيها، حانقة، بينما تابعت مامون بنبرة محايدة:
“إذا أردتي الاعتراض، فالأفضل أن تتحدّثي مع سيّدي.”
“أفعل ذلك كلّ يوم!”
رفعت حاجبًا بخفّة، ثمّ علّقت ببرود:
“غريب… فبالرغم ذلك، يبدو أنّ علاقتكما تتحسّن يومًا بعد يوم.”
فقبض لايل فجأةً على جسدها بقوّة، كأنّ كلام مامون أزعجه بشدّة.
“آآآآآخ!”
صرخت لوسي متألّمة بينما يضغط لايل عليها أكثر فأكثر.
لو كانت بشريّة عاديّة، لكانت عظامها قد سُحقت الآن، لكنّها لم تكن تدرك بعد أنّ جسدها لم يعد ضعيفًا كما كان.
ومع محاولتها الفاشلة لفكّ قبضته، أخذ لايل يفرك جبينه على ذقنها، كطفلٍ يتدلّل.
تنفّست لوسي تنهيدةً مستسلمة:
“حسنًا… افعل ما تشاء…”
ابتسمو مامون بخفّة وهي تراقب الموقف:
“أظنّ أنّكِ ضعيفة أمام المخلوقات المدللين سيدتي.”
“هاه؟!”
“أو ربّما أنتِ ضعيفة أمام الزواحف المدللة…”
“رجاءً! لا تجعليني أبدو وكأنّني مهووسة بالزواحف!”
“إذن أنتِ ضعيفة أمام الرجال المدللين؟”
شهقت لوسي بسرعة وهي تقول:
“أحبّ الزواحف! عندما كنتُ صغيرة، قرأتُ كلّ كتابٍ يمكن أن أجده عنها!”
ثمّ أمالت رأس لايل قليلًا وبدأت تدلّكه أسفل فكه بإصبعها برفق:
“انظر إلى هذه القشور اللامعة! كم أنتَ جميل!”
أغمض لايل عينيه مستمتعًا بلمساتها، فيما همست مامون ساخرة:
“فهمت الآن.”
ثمّ فكّرت في نفسها:
‘ربّما أحصل على زيادة في راتبي بعد كلّ هذا… رغم أنّ راتبي بالفعل يعادل رواتب عشرين شخصًا.’
***
وفي تلك الليلة…
بدأ جسد لايل يلمع فجأة وهو ملتفّ حول لوسي النائمة.
ثمّ تغيّر شكله تدريجيًّا حتى اتّخذ هيئة رجلٍ طويل القامة، لتُمسك يده العريضة بكتفها برفق.
“حان وقت ارتداء ملابسك.”
خرجت مامون من الظلال، وقدّمت له بعض الملابس بهدوء.
رمقها لايل بنظرةٍ حذرة، ثمّ أخذ الثياب وبدأ بارتدائها.
قالت مامون بهدوء، وهي تراقبه:
“يبدو أنّك تصبح أكثر دلالًا عندما تكون في هيئتك الأصليّة.”
أجاب لايل بابتسامةٍ هادئة:
“حين أتحوّل… تتحكّم غرائزي بي أكثر من عقلي.”
فكلّ شيطان يمتلك هيئة أصليّة تعكس طبيعته.
دايوس كان له شكل الماعز، و لايل كان الثعبان.
وحين يعود الشيطان إلى هيئته الحقيقية، تتحرّك غريزته قبل أيّ منطق.
لكنّ لايل كان استثنائيًّا إذ كان في الأصل بشريًّا، ممّا جعله أكثر عرضةً للمشاعر من غيره.
تمتم لايل وهو ينظر من النافذة إلى حيث تقف لوسي:
“هل تعلم؟ لوسي تبالغ في القلق على الآخرين عندما يتأذّون… ليس عليّ وحدي، بل على أيّ أحد. وهذا يزعجني أحيانًا.”
أجابت مامون ببرود:
“غريب… فالملك الذي أعرفه لم يكن يملك ذرّة تعاطف مع ألم الآخرين.”
ابتسم لايل بخفّة وهو يقول:
“ربّما أنا حالةٌ استثنائيّة.”
صمت مامون لبرهة قبل أن يسأل فجأة:
“هل كنتَ تتظاهر بالمرض إذن؟”
أجاب لايل وهو يزرر قميصه ببطء:
“نصفه كان حقيقيًّا… ونصفه الآخر كان تمثيلًا.”
فقد كان جسده يعاني فعلًا من آثار امتصاصه قوّة دايوس، لكنّه تظاهر بالعمى لغاياتٍ أخرى.
ولا يزال حتى الآن يشعر بالغثيان، إذ تسري طاقة دايوس المظلمة داخله كسمّ بطيء.
همس لنفسه وهو يحدّق في يده المرتجفة:
“يبدو أنّه لا يوجد شيء يمكنه أن يحلّ محلّ قوّة لوسي…”
التعليقات لهذا الفصل " 117"