الفصل 113
الفصل 113
كُـنغ، كُـنغ! كُـنغ!
بدوراتٍ قصيرةٍ، دوّى دويٌّ مدوٍّ متتابع.
تشييييك……
حين اصطدمت النار بالماء، تصاعد البخار.
غطّى البخار الكثيف السماء كلّها، وتحتها تعالت صرخات البشر الفارّين من الوحوش.
وفي تلك اللحظة، اخترقت يدُ لايل البخارَ الحارّ وامتدّت نحو أمام دايوس.
“لايل، أأنتَ حقًّا تنوي قتلي……؟”
تعمّد دايوس أن يتظاهر كمن ارتعب، فانكمش بجسده.
غير أنّ لايل، بلا أن يرمش عينًا، قبض على وجهه وسحقه إلى الأسفل.
“آخ!”
دوّى صوت تحطّم السقف مع صرخةٍ حادّة لدايوس.
“اللعنة! أأنتَ حقًّا تريد فعل هذا مع المرأة التي تحبّها؟!”
صرخ دايوس غاضبًا وهو يجرح بذراعه يدَ لايل التي قبضت على وجهه بمخالب حادّة.
ومع ذلك، لايل لم يُبالي بالجُرح العميق، واكتفى بهزّ ذراعه ليتساقط الدم.
“ومع ذلك، فأنت لست لوسي.”
أجاب ببرود، وكأنّ الأمر لا يعنيه ما دام ليس هو المعنيّ المباشر.
استغلّ دايوس تلك اللحظة، فانقلب ونهض مبتعدًا بخطواتٍ واسعة.
“لكن لا أنكر أنّ غضبك منذ قليل كان شبيهًا بغضب لوسي.”
وبمجرّد أن هزّ ذراعه، انقشع البخار الذي كان يحجب الرؤية.
ابتسم دايوس بابتسامةٍ مسعورة وانقضّ على لايل، وسرعته هذه المرّة فاقت سرعة خصمه.
تواصل العراك بينهما برهةً.
كُـنغ!
وهذه المرّة لايل هو من سقط للخلف.(لاععع زوجييي😭)
كوااادك–.
تحطّم السقف مرّةً أخرى.
لكن، بخلاف دايوس، ظلّ لايل يحدّق بهدوء في الظلّ الذي اعتلى جسده، بلا أيّ ملامح ألم.
“أنا من يُحبّ أن يكون في الأعلى.”
قال دايوس بابتسامةٍ ماكرة وهو يُلقي بشَعره الأرجواني خلف كتفيه. الوضع أشبه بما حدث قبل قليل.
“لو كنتَ إنسانًا، لعضضتُ رأسك حتى أفتك بك.”
تلألأ القتل في عينيه القرمزيتين.
على عكس توقّعات دايوس، كان لايل يتقن قوّة الملك أكثر مما ظنّ.
لقد بلغ حدّ إتقان طريقة صناعة الوحوش، فسرعة تطوّره بدت أسرع من أيّ شيطانٍ حديث الولادة.
دايوس تردّد لحظة.
كان يظنّ دومًا أنّه إن لم يستطع قتل الملك والوعاء معًا، فالأجدر أن يبدأ بقتل الملك أوّلًا، ثمّ يخلُص من الوعاء الناقص بعد ذلك.
لأنّ موت أحدهما يمنح الآخر كلّ القوّة فيكتمل.
لكن بعد أن رأى لايل اليوم، تغيّر رأيه قليلًا.
لا ينبغي أن ينجو أيٌّ منهما.
ورغم أنّه كان يتعامل معه على سبيل المزاح، شعر دايوس أنّ لايل كان يردّ بالمثل ويجاريه.
وبسرعةٍ حاسمة، أغمض دايوس عينيه ثمّ فتحهما. آن أوان الانسحاب.
فقد أنجز هدفه منذ البداية.
استعاد اتزانه، وقال بنبرةٍ متعجرفة:
“اليوم سأدعك وشأنك.”
قهقه لايل ساخرًا من كلماته.
كاد أن يثور مجدّدًا، لكن دايوس كبح نفسه وهمّ بالنهوض.
إذ بيد لايل تقبض على معصمه.
“إلى أين؟ لم تجب بعد عن سؤالي.”
انتشرت برودة قاتلة على معصمه.
“والمكان مناسب تمامًا.”
تمتم لايل بكلماتٍ مبهمة.
وفي اللحظة التالية–.
فوووم! انجذبا سويًا إلى أسفل السقف.
ارتبك دايوس وحاول تحرير معصمه من قبضته.
لايل لم يكفّ عن الضحك، وكأنّ الماء هو مملكته.
غلوووك……
ومع طول الغرق، راحت فقاعات الهواء تتسرّب من فم دايوس.
فقد كانت قدرته النارية لا تنسجم مع الماء أصلًا، بل وكان يتجنّب الاقتراب منه عادة.
وكأنّ لايل قد أجرى معالجة خاصّة على المياه، إذ إنّ سحر دايوس لم يعمل فيها البتّة.
“ما بك؟ تنفّس.”
ظنّ أنّه من الطبيعي أن يختنق في الماء، لكن الأمر هنا كان مختلفًا.
إذ إنّ هذا المكان كان معدًّا لنقل السحر، وبالتالي كان التنفّس ممكنًا فيه.
“هاه؟”
وبلا وعي، أخذ دايوس نفسًا عميقًا، فإذا بالنور يغمر عينيه.
“……؟”
شعر وكأنّه خرج من أعماق البحر فجأة.
ألقى نظرةً مذهولة حوله، فإذا به في غرفةٍ، وجسده فوق سريرٍ تكسوه أغطية كثيرة.
حينها فقط أدرك أنّ لايل استعمل سحر الانتقال، وأنّه قد جلبه إلى مخبئه.
“أجننت؟”
تمتم دايوس مذهولًا وهو يتفحّص المكان، غير قادرٍ على فهم نوايا لايل.
انزلق بصره نحو جانب السرير، حيث النافذة محجوبة بستارة. ثمّ إلى يمينه.
“…….”
تلاقى بصره مع امرأةٍ تحدّق فيه وفي لايل بالتناوب.
‘الملك……!’
ولم يستغرق الأمر طويلًا ليدرك أنّها لوسي.
***
ما الذي أراه بحقّ؟
أمام ناظري، امرأةٌ تحمل وجهي تمامًا، تجلس فوق لايل.
أهو حلم؟
سريعًا فركتُ عيني بكفيّ، أبحث عن أثر النعاس.
كيف أفسّر هذا المشهد إن لم يكن حلمًا؟
أن ارى امرأةً تشبهني تمامًا فوق لايل ط، بل وكلاهما مبلّلان حتى العظم؟
نعم، لا شكّ أنّه حلم.
طالما أنّني كثيرًا ما حلمتُ بمراقبة لوسي الأصلية و لايل، فليس غريبة ان انظر إلى هذا المشهد.
ابتسمتُ لنفسي باقتناع.
لكن… هذا الحلم بدا مختلفًا عن سابقه.
“…….”
“…….”
‘ماذا… ما الذي تنظرين إليه؟’
إذ إنّ لوسي الأخرى كانت تحدّق بي مباشرة، وكأنها تُدرك وجودي.
بينما تقطب حاجبيها بوجهٍ متوتّر.
لم يسبق أن حدث ذلك في أحلامي قطّ.
لم يسبق لي أن واجهت موقفًا كهذا في أيّ من أحلامي.
فأربكني الموقف.
لكن ذلك لم يدم طويلًا.
مددت يدي أتحسّس السرير لأمسك بالوسادة، ولمّا قبضت عليها ارتجفت.
في أحلامي، لم أستطع لمس شيء، فما بالُ هذا الآن؟
‘إن كان يمكنني الإمساك بالأشياء…!’
نهضتُ فجأة وأمسكتُ الوسادة، ثمّ صرختُ موجهةً إيّاها نحو وجه لوسي:
“أنتِ! منذ المرة السابقة وأنا ناقمة عليكِ! كيف تجرؤين أن تخاطبي جدّتي بعدما احترام ؟!”
بووم!
ارتطمَت الوسادة في وجهها بقوّة.
“ما…!”
أرادت الاعتراض، لكنّني عاجلتُها بضربةٍ ثانية.
“ولِما أبكيتِ الطفل أيضًا؟!”
قرّرتُ أن أستغلّ هذه الفرصة لضربها ما استطعت.
ضربتها بالوسادة بكلّ ما أوتيت من قوّة، حتى لم يسبق لي أن ضربت أحدًا هكذا في حياتي.
ظننتُ أنّها ستثور عليّ، لكنّها لدهشتي التزمت الصمت وتحمّلت.
إلى أن أُنهِكتُ أنا نفسي، فسقطتُ متعبَة.
حينها فقط رأيتُ أنّ لايل لا يزال ممسكًا بمعصمها.
“تتجرّؤون أن تهجموا عليّ اثنين ضدّ واحدة…؟”
برقت عينها القرمزية وسط شعرها المبعثر.
ارتجفت، وأخفيتُ الوسادة خلف ظهري، متمنّيةً أن لا يترك لايل يدها، مواجهةٌ مباشرة معها تعني هزيمتي المؤكّدة.
لكن سرعان ما خطرت في بالي فكرة:
‘تُرى… ما الذي كانا ينويان فعله في هذا الوضع أصلًا؟’
كادت الأفكار السوداء تراودني، لولا أنّ صوت لايل قطعها:
“هذا ليس ردّ الفعل الذي توقّعته.”
كان صوته مفعمًا بخيبةٍ خفيفة.
حقًّا، هذا الحلم بدا واقعيًّا على نحوٍ مريب.
“ألستِ تغارين؟”
كلماته كانت جليّة، وقاسية في وضوحها.
“غيرة؟ عن أيّ غيرة تتحدّث…… أأنتَ تقول إنّ هذا ليس حلمًا؟”
تسرّبت إلى داخلي ريبةٌ ثقيلة.
‘إن لم يكن حلمًا، فهذه التي تشبهني، من تكون إذن؟’
ارتجفتُ، وأحضنتُ الوسادة إلى صدري.
“حلم؟”
دفع لايل تلك المرأة التي تشبهني بقسوة، ونهض جالسًا.
لم يرق لي أن أرى مَن يحمل وجهي يُعامَل بخشونة هكذا أمامه.
لقد بدا وكأنّها أنا حقًّا.
“أيّ واقعٍ أصدقّ من هذا؟”
قال وهو يكشف عن جرحٍ عميقٍ في ساعده، لا يزال يلتئم ببطء أمامي.
“أأنتَ مصاب؟!”
شهقتُ وقد باغتني هول إصابته.
نظر إليّ لحظةً بعينين متسعتين، ثمّ ارتسمت على وجهه ابتسامة.
وردّد بصوتٍ مليءٍ بالرضا:
“هذا أيضًا ليس سيّئًا.”
‘ماذا قال منذ قليل؟’
لم أستطيع إلا أن أتساءل.
التعليقات لهذا الفصل " 113"