أطلقت لوسي، التي أنهت لتوّها ظهورها الأوّل في المجتمع، انطباعًا موجزًا.
فقد خرجت بحماسة إلى مكانٍ قيل إن أبناء النبلاء يتجمّعون فيه، لكنها فوجئت أنّ الأمر لم يتعدَّ كونه حفلًا يثرثر فيه الحمقى عن مفاخرهم، أو بالأحرى عن مفاخر آبائهم.
لوسي، التي كانت تتوق لرؤية صراعات ذكاء أنانيّة حادّة وممتعة، لم تجد في استعراضهم الساذج سوى مللٍ قاتل.
ومع ذلك، لم يخلو المكان تمامًا من المشاهد التي تستهويها.
“يقولون إنّ في دوقيّة مارسين ابنًا غير شرعيّ دخل إلى القصر، أليس كذلك؟”
“سمعتُ أنّه أحمق لا يُجيد شيئًا.”
نعم، أحمق.
لقد منحتُه مظهرًا أنيقًا لائقًا، ومع ذلك لا يعرف كيف يستمتع به، بل لا يفعل سوى مطاردتي بلا كلل.
“الآنسة لوسي من عائلة سويينت طيّبة حقًّا. لو كنتُ مكانها لاجتنبتُه خجلًا…”
“آه، أو ربّما لأنّ كليهما يحمل دماء العامة، فينجذب أحدهما إلى الآخر دون وعي؟”
كلّما ارتفع صوت ضحكات الصغار الذين لم يبلغوا سنّ الرشد بعد، ارتجفت رموش لوسي الطويلة المائلة في انحناءةٍ فاتنة.
لقد حصلت على ما كانت ترغبه من مشهد صراع ، لكن لسوء حظّها، كان الهدف هذه المرّة هي نفسها.
لم تكن تكره الشجار، بل على العكس، كانت تميل إليه.
وللأمانة، فهي تفضّل خوض المعركة بنفسها على مجرّد مشاهدتها.
لكن هذه المرّة بالتحديد، شعرت بأنّ الأمر غير مريح لسبب ما.
لماذا يُذكر اسم لايل كلّما أرادوا استفزازي؟
كان أكثر ما يثير ضيقها هو أن لايل أصبح مادّةً على ألسنتهم، ولهذا، على خلاف عادتها، لم تستمتع بهذه الأجواء رغم أنّها محبّبة إليها.
“أوّل مرّة في حياتي أسمع أنّني طيّبة.”
لم تكن عبارةً تليق بفتاةٍ لم تتجاوز الثانية عشرة، لكنّها خرجت من فمها وكأنّها أمر طبيعي.
أما الحاضرون الذين لم يفهموا مقصودها، فقد تبادلوا نظراتٍ حائرة.
“أنا لستُ طيّبة أبدًا، بل إنّ طبعي سيّئ.”
“يا إلهي، آنسة سويينت، ألفاظكِ وتصرفاتكِ…”
اغتنمت شابّة في الخامسة عشرة الفرصة لتلمّح بكلماتها، لكن لوسي قاطعتها بهدوء قاتل:
“لذلك، عندما أعود إلى البيت اليوم، سأقطع كلّ منابع المال عنكم.”
كان النبلاء ضعفاء أمام شرفهم وأموالهم، والمال خصوصًا ليس غاليًا على النبلاء وحدهم، بل هو من أكثر مواطن الضعف خطورةً لدى البشر عامّة.
ولهذا، اختارت لوسي عمدًا حضور حفلٍ يضمّ أبناء العائلات الأضعف من آل سويينت، لعل أحدهم يجرؤ على استفزازها فتسحقه بالواقع وتسخر منه.
وكانت تظن أنّ ذلك سيكون ممتعًا.
وبالفعل، نالت ما أرادت من السخرية، لكن ابتسامتها الخبيثة المألوفة اختفت منذ زمن، لتحل محلّها ملامح ضيقٍ واضحة.
“آه، صحيح… الآنسة كاين، هل تعلمين أنّ والدكِ البارون كاين يحتفظ بعشيقة؟”
“ه… هذا شأنٌ شخصيّ يخصّ أبي…”
“عشيقته رجل، على ما يبدو.”
“ماذا؟”
“على الأقل، لن يكون هناك أبناء غير شرعيين في حالتكِ، وهذا حظّ حسن.”
أطلقت كلماتها الأخيرة للفتاة التي التقطت عليها خطأً، ثمّ نهضت بهدوء وغادرت القاعة.
آه، مملّ.
ولو صنّفتُ الأمر، لكان أقلّ متعةً حتى من الجلوس مع لايل وحده.
وفوق ذلك، أشعر بضيقٍ غريب.
لماذا أنا منزعجة هكذا؟
كانت تعرف أنّها غاضبة، لكنّها لم تكن تعرف السبب.
وبقيت حائرة في أمرها حتى دخلت عربة الحصان باحة قصر آل سويينت.
وما إن توقّفت العربة، حتى ارتجف جسدها قليلًا.
ما الذي جاء به إلى هنا؟
دون أن تُفتح أبواب العربة، أدركت لوسي أنّ ضيفًا في انتظارها داخل القصر.
ترجّلت متجهّمة الملامح.
“لوسي!”
وأوّل ما وقع بصرها عليه كان لايل، ملامحه تقول إنّ لديه الكثير ليقوله.
وقفت لوسي صامتة، تحدّق في وجهه الغاضب، وفي خاطرها:
‘دلّلته كثيرًا، والآن صار يجرؤ على الغضب منّي.’
فكّرت أنّه وقح، لكنها لم توبّخه، فقد اعتادت منذ مدّة ألّا يُصغي دومًا إلى أوامرها.
يبدو مطيعًا أحيانًا، ثمّ يفاجئها بخروجه عن الخطّ.
ولم تستطيع أبدًا فهمه.
“لماذا كل هذا الضجيج هذه المرّة؟”
بأيّ سببٍ أتيت تُشعل الفوضى الآن؟
سألته وهي تجرّ التعب على ملامحها.
فقسّم لايل وجهه بمزيدٍ من العبوس وقال:
“ذهبتِ إلى حفلٍ اجتماعي، صحيح؟”
بمجرد سماعها هذا، عبر في ذهنها تلقائيًا وصف “الأحمق”.
هو أحمق، وهي تعرف ذلك أكثر من أيّ أحد.
ومع ذلك، فقد كانت كلمات الآخرين التي تنعته بذلك تثير غضبها.
تتفق معهم من وجه، وتختلف من وجه آخر.
“وماذا في ذلك؟”
ذهبتُ، فماذا ستفعل؟
لم تكن في مزاجٍ يسمح لها حتى بجدالٍ فارغ، وحاولت تجاوزه، لولا أنّه أمسك بمعصمها فجأة.
“قلتُ لكِ إنني لا أريدكِ أن تذهبي.”
هل قال ذلك فعلًا من قبل؟ ربّما… لكنها لم تلقي بالًا لكلماته وقتها.
كانت تراه يشتكي بمنعها، وهي تفكّر:
“أنا أريد الذهاب، فما شأنك أنت؟”
وهي الآن على الرأي نفسه.
“وماذا عساي أن أفعل؟”
زاد ضيقها سوءًا، فردّت بضيقٍ مماثل.
ارتعشت يد لايل القابضة على معصمها، لكنه لم يتركها.
وبينما كانت تفكّر أنّ عناده يزداد يومًا بعد يوم، تساقطت من عينيه دمعة.
“لا أريدكِ أن تُكوّني صداقاتٍ غيري.”
“……”
“لا أريد لعالمكِ أن يتّسع.”
كان يبكي بجمالٍ مذهل، حتى وهو في وسط دموعه ظلّت ملامحه البريئة مرتّبة وكأنها لوحة.
عرفت لوسي فورًا أنّ بكاءه هذا ليس جديدًا عليها، فقد اعتاد أن يفعل ذلك كثيرًا منذ سنوات.
ورغم أنّه صار أقلّ بكاءً في الآونة الأخيرة، فإنّها تذكّرت كيف كان يقضي أيامًا كاملة غارقًا في دموعه قبل عامين فقط.
لكنها لم تكن تبالي، ولم تواسيه يومًا، بل كانت تتركه حتى يتوقف من تلقاء نفسه.
كانت تدرك أنّه يبكي بسببها، لكنها لم ترَى داعيًا لتهدئته… إلى أن تغيّر شيء ما.
“هاه… فهمت، كفّ عن البكاء.”
منذ وقتٍ ما، صار من الصعب عليها أن تتجاهل دموعه.
“توقف عن البكاء، واترك يدي.”
فكّرت أن تنتزع يدها بالقوّة، لكنها توقّعت أنّه سيبدأ نحيبًا أعلى.
فأراحت ملامحها المستسلمة ولوّحت بمعصمها الذي ما زال يمسك به.
“لن تذهبي مجدّدًا، صحيح؟”
ربّما شعر أنّ جوابها السابق مراوغ، فسألها مؤكّدًا.
‘آه، كم هو مزعج.’
لكن هذه المرّة كان الإزعاج من نوعٍ آخر.
“لن أذهب، فقط أتركني.”
قبل أن أحطّم معصمك الآن.
كلمات كانت لتفلت منها بلا تفكير، لكنها صارت منذ مدّة تحسب كلامها وهي تراعي مزاجه.
“……”
أخيرًا أطلق سراح يدها، لكن بقايا أثر قبضته ظهرت كظلٍّ خفيف على بشرتها.
***
حين فتحت عينيها، أحسّت بوجود شخصٍ بقربها.
ولم تحتج لأن تدير رأسها لتعرف أنّه لايا، الذي كان نائمًا ملتصقًا بها.
“……”
انتهى بنا المطاف نائمين سويًا، وإن كان نومًا فقط.
ولو سُئلت عن السبب، لما وجدت جوابًا سوى أنّ الجوّ قد جرّها لذلك.
شعرت وكأنها خسرت، وظلّت تحدّق في السقف بعناد، قبل أن تلتفت إليه في النهاية.
كان غارقًا في نومٍ هادئ، جفناه البيضاوان محاطان برموشٍ طويلة وكثيفة.
“لا أريد لعالمكِ أن يتّسع.”
كم كان عمر لايل في الحلم؟ نحو الثالثة عشرة، على الأرجح.
لكن هل يمكن لطفلٍ في الثالثة عشرة أن يقول ذلك؟
فجأة، خطرت في بالها الأميرة كلوي.
كانت الأميرة تتحدث بعباراتٍ ناضجة للغاية.
أما لايل في الرواية الأصلية، فقد كان نضجه يميل إلى القسوة أكثر من الرصانة.
ومع ذلك، لم تشعر بنفور من سماع تلك الكلمات على لسانه، لعلّ السبب أنّ لايا الحالي صار في الآونة الأخيرة يكثر من هذه العبارات التي تقيد الآخر وتحبسه.
ورغم ذلك، يبقى أمر آخر… وهو أنّ لوسي في الرواية الأصلية كانت…
‘على الأقل تعرف أنّها شري
رة…’
كانت واعية لطباعها القاسية، وهذا جيّد.
لكنها، على الرغم من ذلك، لم تدرك سبب غضبها من أجله، مع أنّه كان واضحًا.
حتى أنا، أستطيع تخمينه.
لقد كان السبب على الأرجح أنّ الآخرين تحدثوا بالسوء عن لايل.
لكن، كيف لم تفهم ذلك؟
ترجمة:لونا
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 110"