كان الوقت الذي يُظَنّ أنّ أرينيل حملت فيه بالطفل، هو حين كانت منشغلةً بتنفيذ مهامّ التّطهير، غائبةً عن المنزل أكثر ممّا هي فيه.
في تلك الفترة، كانت تقضي أيّامها خارج البيت، ولا تعود إليه إلّا مرّةً كلّ أسبوع، أو حتّى مرّةً في الشّهر.
وكانت غالبًا ما يرافقها في تلك المهمّات دوق مارسين نفسه.
وهذه حقيقةٌ لا يرقى إليها الشّك، لأنّ أرينيل روتها بنفسها.
وفي تلك المدّة بالذّات… حبلت أرينيل.
“…….”
بعد أن غادر دييغو، ظلّ أوين جالسًا في قاعة الطّعام الخالية، يُحدّق بلا انقطاعٍ في التّقرير الطبّيّ الملقى على المائدة أمامه.
شعور الخيانة، لا مجرّد الشّك، اجتاحه دفعةً واحدة.
***
“الطّفل الذي في بطنك… هل هو حقًّا طفلي؟”
توجهت الخيانة بطبيعة الحال نحو أرينيل.
فقد قطّبت وجهها فجأة وكأنّها سمعت كلامًا لا يُصدّق.
‘هل تُحاول التّغابي؟’
لكن أووين كان قد توصّل، من تلقاء نفسه، إلى النّتيجة الّتي تُرضيه.
ناولها التّقرير الطّبّيّ الّذي أخذه من دييغو، فتناولته منه بهدوء.
“……ولِمَ هذا؟”
إنّه مجرّد تقريرٍ طبّيّ، لا أكثر.
فلماذا يُعطيها إيّاه فجأةً وهو يتكلّم بهذه النّبرة؟
ظلّت تحدّق فيه وفي الورقة، وعلى وجهها تعبيرٌ حائر.
“دوق مارسين جاءني، وقال إنّك أخبرتِه أنّ الطّفل الذي في بطنك هو ابنه.”
“ماذا؟”
ردّت بصوتٍ مُرتفع، وكأنّها سمعت ضربًا من الجنون.
بل وتساءلت في قرارة نفسها إن كانت أذناها قد خانتاها.
“هل الطّفل حقًّا طفلي؟”
“……أوين، هل جننت؟”
حتّى كلمة “يا زوجي” التي اعتادت أن تُصدّر بها كلامها، أسقطتها في شدّة غضبها.
لم تستطيع أن تستوعب أنّ أوين يشكّ فيها استنادًا إلى كلام دييغو بالذّات، لا أيّ شخصٍ آخر.
“الطّفل ليس ابنه. هذا الطّفل… وُلد بيني وبينك أنت.”
لم يدم غضبها طويلًا، فما لبثت أن استعادَت هدوءها وسوّت شعرها إلى الخلف وهي تُنكر بحزم.
مهما كانت دوافعه للشّكّ، كان عليها أوّلًا أن تُزيل هذا الالتباس.
“ثمّ إنّي لم أُعطِيه هذا، ولا قلتُ له يومًا أنّ الطّفل ابنه. فلا تشكّ بي…”
“وكيف لي أن أُصدّق هذا؟”
“……؟”
للحظة، ظنّت أنّها لم تسمع جيّدًا.
هل قال للتّوّ إنّه لا يصدّقها؟
وبالمعنى الآخر، أنّه يُصدّق دييغو أكثر منها.
“……ذلك الرّجل الّذي كان يُريد أن يتّخذك عشيقة… كيف أصدّق أنّه لم يبقى بينكما أيّ شعور؟”
“أوين… كفاك.”
“وأنتِ لا تفعلين سوى قول لا، من دون أن تُقدّمي برهانًا.”
“……أنكر لأنّه ليس صحيحًا، لكن كيف أُبرهن على هذا أصلًا؟ لم أُرسل له شيئًا كهذا!”
شعرت كأنّها تُخاطب جدارًا، فصرخت في وجهه بعجزٍ مكتوم.
كان مزاجها أصلًا مُتقلّبًا في الآونة الأخيرة، وهي تعرف أنّ السبب هو حملها.
لكنّها كانت تدرك أنّ الانفعال يؤذي الطّفل في أحشائها، فأخذت تتنفّس بعمقٍ محاولةً تهدئة نفسها.
“لا تُحوّل هذا إلى شجار. لا تنخدع بكلامه. أنا لا أُريد أن أغضب… فهذا سيضرّ الطّفل أيضًا.”
“…….”
في تلك اللحظة، رمق أوين بصره نحو بطنها بنظرةٍ باردة، فيما كانت هي تضمّ بطنها بين ذراعيها النّحيلتين وكأنّها تحميه.
وفي أعماق عينيه، سكنت غيمةٌ من الشّكّ.
فعضّت أرينيل شفتها السّفلى حتّى سال دمها، مغلوبةً بشعور الظّلم.
***
كان أوين، في حقيقة الأمر، يحمل في صدره عقدةَ نقصٍ مريرة تجاه دييغو.
فبينما هو أحبّ أرينيل زمنًا طويلًا دون أن ينالها، استطاع دييغو أن يظفر بها في لحظة، ولم يظفر هو بدوره إلّا بعد أن تراجع دييغو.
وكانت ثقته بنفسه ضعيفةً إلى حدّ أنّه افترض، في لا وعيه، أنّ أرينيل لو خُيّرت بينه وبين دييغو لاختارت الأخير.
هكذا طالَ بينهما البرود أكثر ممّا ظنّا.
وفي النّهاية، وجدت أرينيل نفسها تتّصل بدييغو من تلقاء ذاتها، فجاء إلى بيت الزوجين وكأنّه كان ينتظر هذه الفرصة.
وكان أوين قد خرج للعمل، فاستغلّ دييغو غيابه.
“هذا ما اقترفته بيديك! تحمّل مسؤوليّتك فورًا!”
رمَت أرينيل التّقرير على صدره، ثمّ قبضت على ياقة ثوبه تصرخ في وجهه.
فاكتفى بابتسامةٍ ساخرة، كأنّ حركاتها هذه مُضحكة.
ثمّ انحنى ببطء، يهمس في أذنها:
“ألا تعلمين أنّ زوجك الّذي يُصدّق كذبي بسهولة، هو المشكلة الحقيقية… لا أنا الذي كذبت؟”
ارتجف جسد أرينيل من وقع كلماته، فهي كانت غاضبةً من كليهما… لكنّ أوين كان مصدر الخذلان الأكبر.
ارتعش جسدها كلّه، فيما تابع دييغو وهو يستقيم واقفًا:
“كفّي عن العناد وعُودي إليّ. سأقبل حتّى الطّفل الذي في بطنك.”
كأنّه يقول:
من اجل أن أنالك، ألن أتحمّل هذا القدر البسيط؟
بالطّبع، لو عادت إليه، لم يكن ليمنح الطّفل لقب مارسين، التزامًا بوعدٍ قديمٍ الدوقة مارسين.
لكن لاحقًا، حين منح لايل اسم عائلته، لم يكن ذلك إلّا لحماية الطّفل تنفيذًا لوعده لأرينيل.
فهو يعرف أنّ حمله اسم مارسين سيجعل الآخرين يتردّدون في التعرّض له.
ولم يخطر بباله ولا ببالها أنّها ستسلّم ابنها ليديه يومًا ما.
وكيف لها أن تتوقّع هذا، وهي لم تكن تدري أنّ أوين كان قريبًا يسمع همساتهما؟
همساتٌ كافية لزرع أوهام قاتلة في قلبه.
فالزّوجان اللذان قلّ بينهما الحوار، يتضخّم الشّكّ بينهما ككرة الثّلج.
وما إن سمع أوين ما سمع، حتّى ترك البيت إلى غير رجعة… تاركًا أرينيل وطفلها.
***
خرج مباشرةً من الإمبراطوريّة إلى أقرب الممالك، مملكة مايتن.
فهو لم يعد يحتمل العيش في روتانيا مع أرينيل ودييغو.
وسرعان ما اشتعلت الحرب بين البشر والشّياطين، وعمّ الخرابُ على البلاد.
دبّ الرّعب في القرى، وتشرّد الفقراء، وفقد أوين ماله القليل.
وكان من أنقذه هي إيفريت، إذ تعارفا صدفةً وسط هذه المحنة، وتساندا حتّى نشأت بينهما مودّة.
وبعد عامٍ من الحرب، تزوّجا.
ومن هذا الزّواج وُلدت موران.
وخلال كلّ هذا، كان أوين واثقًا أنّ أرينيل صارت عشيقة دوق مارسين.
حتّى حين رأى طفلها بعد عشرين عامًا، ظلّ مطمئنًّا أنّه اتّخذ القرار الصّائب يوم تركها.
كان اسمُ مارسين المقرونُ بـ لايل، وشَعرُه الأسود، كفيلَين بإثبات أنّه ابنُ دييغو بلا ريب.
***
“اللع*نة… لقد خانتني في النّهاية…”
هكذا تمتم أوين، وقد علاه سكر أطفأ فيه كلّ قُدرةٍ على التّماسك، قبل أن يُسقط رأسه على الطّاولة.
وكان اسم أرينيل يتردّد بين كلماته المبعثرة، فلا صعوبة في معرفة من يقصد.
أمّا لايل، فقد حوّل نظره عنه ببرود، مشيحًا إلى الفراغ.
إذًا، والده تخلّى عن أرينيل دون أن يُصغي إليها، لأنّه لم يتحمّل عقدة نقصه أمام دييغو.
وكانت الخلاصة الموجزة لقصّةٍ مطوّلة، لا تُثير في لايل سوى ابتساماتٍ مُكظومة.
أم مسكينة.
لقد شفق عليها، وفي الوقت نفسه، كان كأنّه يكتشف أنّه ما زال قادرًا على أن يحمل مشاعر إنسانيّة تجاه إنسان.
“احمد ربّك أنّك لست ابنا لواحدٍ من أمثالي.”
قالها بنبرةٍ ساخرة، ورأسه ما يزال على الطّاولة.
وما إن خرجت الكلمة من فمه، حتّى اشتعلت شمعةٌ كانت قد انطفأت، فأنارت الغرفة فجأة.
وفي تلك اللّحظة…
“أه!”
قبض لايل على شعر أوين، رافعًا رأسه بعنف ليُرغمه على النّظر إليه.
فصرخ أوين ألمًا، وفتح عينيه جاحظًا يحدّق في وجهه.
“ما الّذي تفعله…!”
لكنّ ملامح لايل ملأت ناظريه.
“انظر جيّدًا… لترَى ابن مَن أنا.”
قالها، وابتسامةٌ قصيرة تعلو شفتيه.
في الحقيقة، لم يكن يهمّه أصلًا من يكون أبوه.
لكنّه فعل هذا من أجل أرينيل الرّاحلة.
“في ذلك الوقت… لم تتخلى عن أمّي وحدها.”
شقّ…
صدر صوت تمزّق الخشب، إذ تحطّمت الطّاولة المليئة بزجاجات الخمر أمامهما.
ومع زوال الحاجز، شدّ لايل قبضته أكثر على شعره.
لكن أوين لم يعُد يصرخ احتجاجًا…
“آ… آه…”
كلّ م
ا فعله أنّه ارتجف وأصدر أنينًا بليدًا.
كان يحدّق في وجه لايل بلا رمشة، وكأنّه يرى شيئًا يستحيل تصديقه.
فشعره الأسود أخذ يبهت، ويصير أبيض، تمامًا كلون شعر أوين.
وكان هذا… الدّليل الوحيد، والبرهان القاطع على حقيقة أنه والده.
ترجمة:لونا
https://t.me/+qYEu3UlKRFJjMjk0
رابط قناتي بالتيليجرام
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 107"