وحين غاب الاثنان عن مرمى بصره، أطلق أوين زفرة عميقة كان يكتمها.
هكذا إذًا… كان دييغو دائمًا الحائل بينه وبين الاعتراف بما في قلبه.
قبل أن يظهر، كان المقعد بجانب آرِينيل ملكه وحده…
***
كان لقاؤها الأوّل بدييغو أثناء مهمّة إبادة، إذ تقدّم أحد العملاء بطلب لكلّ من المعبد وفرسان آل مارسين في الوقت نفسه.
وهذا أمر مألوف، إذ إنّ تكاليفه يتحمّلها العميل وحده، وزيادة الأفراد تُسرّع إنجاز المهمّة.
لكن بالنسبة لآرِينيل، كانت انطباعاتها الأولى عن دييغو سيّئة.
“لا أريد أن أتورّط معه شخصيًا.”
قالتها بصرامة بعد عودتها، إذ يبدو أنّ خلافات عدّة نشبت بينهما أثناء المهمّة.
غير أنّ الأقدار كانت تدفعهما إلى اللقاء مجدّدًا مرارًا، خاصة في أنشطة الإغاثة والخدمة العامّة التي تحرص آرِينيل على المشاركة فيها، وهناك كانت تصطدم به من جديد.
وبما أنّ شخصيّتيهما على طرفَي نقيض، كانت حواراتهما القصيرة تنتهي دومًا بمشادّات، ومعها تزداد آرِينيل نفورًا منه.
“لكنّه ابن الدوق… الأفضل أن تتحمّلي.”
كان أوين يذكّرها بذلك في كلّ مرّة تعود غاضبة بعد شجار معه، خوفًا من العواقب.
ومضت الأيام حتى جاء اليوم الذي فاجأته فيه بخبرٍ صاعق:
“قرّرتُ أن ألتقي بالدوق دييغو.”
وقالتها بابتسامة خجلة، مؤكّدة أنّها أرادت أن يكون أوّل مَن يعلم، لأنّه أقرب إليها من أيّ أحد.
لكن أوين لم يستطع تهنئتها.
بل كان معترضًا بشدّة:
“ذلك الرجل يملك ثاني أعظم سلطة بعد الإمبراطور. أمثاله لا يمكن أن يكونوا صادقين مع فتاةٍ من عامّة الشعب مثلنا.”
هزّها من كتفيها، راجيًا أن تستفيق.
لكنّها لم تغضب من شدّته، بل نظرت إليه مليًّا، ووجنتاها تحمرّان.
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟ أنا فقط… قلق عليكِ…”
وقبل أن يكمّل تبريره المتردّد، قالت بهدوء:
“أعرف.”
ابتسمت له ابتسامة شاكرة، وأمسكت يده برفق.
“أعرف أنّه ربما يزعجك كلامي، لكنّي ممتنّة لأنّك موجود.”
“هاه؟”
“غيرك، مَن كان ليقلق عليّ بهذا الشكل؟”
أليس كذلك؟
أضاءت ابتسامتها المشهد من حولها، كأشعّ
ة شمسٍ باردة منعشة.
ولأنّ آرِينيل بلا عائلة، كان أوين عائلتها الوحيدة… أخًا أو صديقًا.
كان ذلك يوجعه ويحزنه، لكنّه لم يجد في نفسه الجرأة ليعترف بما في قلبه، خاصّة بعد أن استولى دييغو على مكانه في حياتها.
التعليقات لهذا الفصل " 104"