حتى لو لم يصرّح لايل باسمه، لكان أوين قد عرفه من اللحظة التي وقع بصره عليه.
فوجه لايل المبتسم تداخل في عيني أوين مع ملامح زوجته السابقة، أرينيل.
وجهه الشاحب كمن تذكّر ماضٍ غابرٍ، غرق في سحابةٍ من الذكريات.
فملامح أرينيل، كما احتُفِظ بها في ذاكرة أوين، قد تجمّدت في عشريناتها، إذ لم يرها منذ ذلك الحين.
كانت أرينيل إحدى الكاهنات العاملات في المعبد.
وُلدت بقوة روحية لا يُستهان بها، فغالبًا ما كانت تخرج في مهمّات تطهير أو تسافر إلى بلادٍ أخرى لمساعدة المحتاجين، وكانت امرأةً نبيلة الأخلاق.
وأوين، قد أحبّها طويلًا في صمت.
من قبل أن تلتقي بدوق مارسين.
“أماه، ألا ترين كم هو وسيم؟”
انطلقت فجأةً نبرة موران الحماسية، فأفاق أوين من شروده وحدّق بابنته التي كانت تتحدث مع إيفريت.
بشرتها التي اسمرّت من الشمس كانت تختلف تمامًا عن بشرته، لكنها ورث منه كل شيء آخر.
من الشعر الأبيض، إلى تلك العينين الذهبيّتين المتألّقتين.
تذكّر أوين حين كان يكره لون عينيه الذهبيتين، تمامًا كما كان دييغو مارسين في شبابه.
كان يشعر أحيانًا، حين تنظر إليه أرينيل بثبات، وكأنها ترى فيه صورة ذلك الرجل.
“يبدو شابًا جدًّا، ومع ذلك هو قائد للفريق!”
من نبرة صوتها المفعمة بالحماسة، أدرك أوين كم أن موران مُعجبة به.
“شاب وسيم وموهوب أيضًا.”
علّقت إيفريت بإعجاب، بدت وكأنها تتناغم تمامًا مع ابنتها، كأن بينهما تفاهم فطريّ.
وحده أوين بدا كمن لا ينتمي إلى هذا الحوار، يتلبّسه جوّ قاتم ثقيل.
“جيّد، تمسّكي بذلك الشاب جيّدًا. لو تزوّجتما، ربما يتخلّى عقلك عن حبّ الترحال.”
لم يكن تعليقًا مناسبًا لابنته التي لم تبلغ سن الرشد بعد.
لكنّ إيفريت كانت تأمل إن كانت ابنتها ستتزوّج باكرًا، فليكن الزوج رجلًا لامعًا وسيمًا.
بل ولم تمانع أن تنتقل ابنتها للعيش مع زوجها في بلدٍ آخر، فذلك أهون من تجوّلها خارجًا وسط الوحوش.
“لا أعلم متى ستعودون إلى الوطن، لكن قبل ذلك، لا بد أن…!”
أوصدت موران كفّها الصغيرة بحزم كمن يُقسم على شيء عظيم.
وكان حديثها مع والدتها قد بلغ نهايته وكأنهما أتمّتا فصول روايةٍ مكتملة.
وحين لم يَعد أوين يحتمل، انتفض واقفًا صارخًا:
“ما هذا الكلام الفارغ الذي تتحدثان به؟ زواج؟ أي زواج؟!”
أن تتحدّثا عن زواجها من ابن دوق مارسين وأرينيل؟! حتى كمزحة، لم يكن هذا مقبولًا.
ثمّ إنّ ذلك الفتى هو…
“احم!”
بينما كانت إيفريت وموران تحدّقان فيه مشدوهتَين من انفجاره الغريب، تنحنح رود، الذي دخل للتو وكأنّه يعلن وجوده.
وفي اللحظة ذاتها، التفتت أعين الثلاثة نحو رود و لايل.
“أ-آه… هل انتهيتم من ترتيب الأمتعة؟”
تساءلت إيفريت وهي تغطّي فمها بخجل، خشية أن يكونا قد سمعا حديثها مع ابنتها.
“نعم، لم يكن معنا الكثير من الأمتعة أصلًا.”
أجاب رود وهو ينظر بحذرٍ إلى لايل. أما لايل، الذي اجتذب أنظار الجميع، أغمض عينيه للحظة وفتحها.
“سأخرج قليلًا.”
لم يكن يبدو متأثّرًا كثيرًا بكلام الآخرين عنه.
لكن وقبل أن يخرج، رمق أوين بنظرةٍ سريعة.
وكان أوين يتأمله بوجهٍ مُرتاب، يتفحّص ملامحه عن كثب.
العيون الذهبية المشرقة، الشعر الأسود القاتم، والوسامة المبهرة التي جعلت موران وإيفريت تُثرثران بلا توقف.
باستثناء العينين، لم يكن في ملامحه ما يُشبه أوين أبدًا.
تأمّله مجددًا ثم عضّ على داخل شفته وأشاح ببصره.
أحقًا… اصبحت أرينيل خليلة لدوق مارسين؟
حتى إن لم يكن متأكدًا من هوية الطفل الذي كان في رحمها، فقد عقد أوين قراره في قلبه بالفعل.
الطفل الذي كان في رحم أرينيل يومًا ما حين كانت زوجته… لا بد أن يكون هذا الفتى.
***
بدأت تُصبح مزعجة بالفعل.
نظر لايل إلى موران التي كانت تمشي لصقًا به.
كان الفرسان الآخرون قد غادروا كلٌّ في سبيل جمع المعلومات، تاركين لايل وموران خلفهم.
وكانت موران، بذريعة أنّها ستدلّه على الطريق، تتبعه كظلّه.
قبل القدوم إلى مملكة مايتن، كان الوضع مقبولًا، لكن بعد أن حقّق هدفه، ازداد شعوره بالإزعاج.
وخاصةً بعد لقائه بأوين، الذي لم يمنحه أي شعور بالإنجاز أو الرضا، ما أضاف خيبةً فوق خيبته.
“سيدي القائد…”
لاحظت موران كم أصبح صامتًا بعدما بقيا بمفردهما، فاضطرت لأن تبدأ الحديث.
“ما الذي جاء بك من الإمبراطوريّة إلى هنا؟”
في الواقع، كانت قد سمعت عن السبب من كاميلا في طريقها.
لكن لم تجد موضوعًا آخر للحديث، فتظاهرت بالجهل وسألت.
وكان لايل، الذي يملك حاسّة سمعٍ دقيقة، قد أدرك غايتها، لكنه أجاب رغم ذلك.
“…كنت أبحث عن شخصٍ عزيز فُقد أثره، ثم سمعت مؤخرًا عن تكرار حالات الاختفاء هنا في مملكة مايتن، فجئت.”
كان هذا أطول ما سمعته موران منه على الإطلاق. لكنّها لم تشعر بالفرح.
لأنها أدركت أن جوابه كان رفضًا مُقنّعًا.
لكنّها تجاهلت ذلك أيضًا.
“هل تقصد… الماركيزة؟”
قالتها بصوتٍ يملؤه خيبة الأمل، بل وربما جُرحٌ خفي.
فكر لايل بسخرية في مدى هشاشتها، إذ بالكاد تعرفه.
لكنّه لم يُظهر شيئًا.
“كنتِ تعلمين أننا فرسان تابعون لأسرة الماركيزة؟”
“ها؟ أ-آه، سمعت هذا من السيّدة كاميلا في الطريق!”
انتبهت فجأة إلى زلتها، فأسرعت تمزج الحقيقة بالكذب.
“لكن لم أسمع أكثر من هذا! أقسم بذلك!”
بدأت تُراكم الأكاذيب في محاولةٍ فاشلة للإنكار.
أومأ لايل بلا مبالاة، وكأنّه يتغاضى عن كذبها عمدًا.
“صرتُ قائدًا للفرسان لأنني أحببتها.”
لم يكن ذلك منذ زمنٍ بعيد، لكنّه بدا له وكأنّه قد مرّ دهرٌ منذ أن اتّخذ قرارَه ذاك.
حينها لم يتوقّع أبدًا أن تصل الأمور إلى هذا الحد.
ولم يعد هناك سببٌ حقيقيٌ يدعوه للبقاء في منصب القائد.
لكنّه ظلّ متشبثًا به، فقط لأجل لوسي.
فهو قد تلقّى من لوسي الفِرقة، وكل ما جاء منها، كان غاليًا عليه.
“ه… هل تحبّها كثيرًا؟ إلى أيّ حد؟”
رغم ما سمعته للتو، سألت موران مرّةً أخرى، متشبّثةً بذرة أمل.
“إلى حدّ الموت من أجلها.”
قالها لايل بابتسامة خفيفة، كمن يُجهز الضربة القاضية.(لايل يقصف و لا يبالي🤣)
لابد أن تلك الكلمات مبالغ فيها.
مثلما يُبالغ الناس عادةً حين يذكرون الموت.
لكنّ موران، رغم ذلك، لم تستطيع أن تُخفي غيرتها.
‘أن تُحَبّ بهذا الشكل… كيف سيكون الشعور؟ لعلّه يشبه امتلاك العالم بأسره؟’
***
“دعني! قلتُ لك دعني!!”
كانت سيقان نباتٍ سميكة قد أمسكت بكاحلي ولم تشأ أن تتركني.
تجاهلت مقاومتي المستميتة وسحبتني إلى داخل الغرفة، بينما كنت أركلها برجلي الأخرى بشراسة.
“ما بك هذه المرة؟! لقد طرقت الباب قبل أن أدخل!”
ركلت الساق النباتية بكل ما أوتيت من قوة، لكنها لم تتحرك.
أيّ منزل هذا الذي يُربّي نباتات حية؟!
عندما فتحتُ الباب الثاني والثالث ولم يكن فيهما شيء، شعرتُ بالأمان… وكان هذا خطأي.
من كان يتوقّع وجود نبات حيّ في الغرفة الرابعة؟!
حتى مظهره الأسود بالكامل يُظهر أنّه ليس نباتًا عاديًا.
أنا متأكدة أنه ليس مذكورًا في أي موسوعة!
“أنا لا أُؤكل أصلًا! لن تُحبّ طعمي!!”
أيّ نبات غبيّ هذا الذي يسحبني؟ لا فم له ولا معدة!
هل هو من الوحوش أيضً
ا…؟ لا أدري.
وحش أو لا… أنا خائفة فقط.
“آآااه! أنقذوني! أما من أحد هنا؟!”
زحفت على الأرض، أبحث بيديّ عن شيءٍ أتمسّك به.
لكن لم يكن هناك ما أتشبّث به.
“لو متّ هنا، سألعنك يا لايل حتى بعد موتي!!”
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 100"