هاااه.
كلّ نفس تخرجه كان يشكّل سحابة بيضاء مرئيّة في الهواء البارد.
ارتجف جسدها وهي تشعر بالبرد القارس يتغلغل في رئتيها.
ابتلعت إيديث ريقها، عيناها تفحصان غرفة النّوم التي أصبحت مغطّاة بالجليد بالكامل.
كانت أشواك جليديّة حادّة تبرز من الأرضيّة والجدران. غطّى الصّقيع النّوافذ، وتعلّقت جليدات ضخمة بشكل مخيف من السّقف.
كان الأمر كدخول قلعة جليديّة.
كراش—!
فجأة، طار كوب عبر الهواء، متّحطّمًا على الحائط خلفها.
خدش شظيّة حادّة خدّها، لكن إيديث لم ترمش حتّى. سال الدّم على وجهها، لكن شفتيها بقيتا مفتوحتين، صامتتين.
“أخبرتك ألّا تدع أحدًا يدخل! اخرج، الآن!”
جاء صوت لوسيون الغاضب من تحت البطانيّات، حيث كان متكوّرًا في كرة صغيرة.
مع دويّ عميق، كبرت أشواك الجليد أكثر.
كان الجليد كأنّه يحذّرها من الاقتراب، كأنّه يعزله. بدأ الجليد يشكّل حاجزًا بينهما، مثل قضبان السّجن.
لهذا لم يستطع أحد الاقتراب من لوسيون، رغم قلق الجميع عليه. خطوة خاطئة، وقد يُطعنون بالجليد.
كانت لعنة لوسيون خطرة جدًا عليه وعلى من حوله.
‘يجب أن أهدّئه.’
خطت إيديث خطوة حذرة للأمام. تصدّعت الأرضيّة المجمّدة بصوت عالٍ
تحتها، وانتشرت شقوق كشبكة العنكبوت مع كلّ حركة.
“ألم تسمعني؟ قلتُ اخرج!”
“سأذهب بمجرّد أن أنتهي من علاجك.”
خلافًا لتوقّعاته، أجاب صوت فتاة صغيرة. تحرّك الكتلة تحت البطانيّات.
نهض لوسيون من وضعه المتكوّر، لكن عندما وقعت عيناه على إيديث، عبس فورًا.
“كيف— أخبرتكِ ألّا تأتي! لماذا أنتِ هنا؟ هل أنتِ مجنونة؟ هل تريدين الموت؟”
“أبي أعطاني الإذن.”
“ها… لقد أرسلكِ هنا لتموتي، أيتها الحمقاء!”
“لا، أنتَ مخطئ.”
ظلّ صوت إيديث هادئًا وهي تبدأ بإطلاق طاقتها.
حتّى لا يصل الجليد، اللّعنة، إليها.
“لقد أرسلني هنا لأنقذك.”
مدّت إيديث يدها نحوه.
فزعًا، حاول لوسيون التّراجع، لكنّها كانت أسرع. أمسكته إيديث من ياقته وجذبته للأمام، مضربة جبهتها بجبهته.
“أغ!”
“آه!”
تأوّها معًا، متألّمين من الصّدمة المفاجئة.
“هل أنتِ مجنونة؟ ماذا تفعلين؟! اتركيني! ستصابين باللّعنة أيضًا!”
صرخ لوسيون، مصدومًا من دفء لمستها المفاجئ.
ادّعى أنّه مريض، لكن صوته كان عاليًا. عاليًا جدًا، في الحقيقة.
طنّت أذنا إيديث من الصّوت، ورفعت صوتها ليوازيه.
“أنا لا أتأثّر بلعنتك! أنتَ تعرف ذلك!”
لعنة لوسيون لم تستطع أبدًا أن تبتلعها.
“قوّتي أقوى من لعنتك!”
تمسّكت إيديث به بقوّة، طاقتها تتدفّق إلى لوسيون وهو يقاوم قبضتها.
تألّق الدفء من حيث كانت جبهتاهما متّصلتين، وضعفت مقاومة لوسيون تدريجيًا. توقّف عن محاولة دفعها بعيدًا.
عندما شعرت إيديث بهدوئه، خفّفت قبضتها على ياقته وأمسكت خدّيه الباردين كالجليد بلطف.
‘إنّه متجمّد. يجب أن أدفّئه.’
أذابت حرارتها بسرعة الطّبقة الرّقيقة من الصّقيع على خدّيه، وعاد اللّون إلى شفتيه الزّرقاوين.
أصبحت أنفاسه أدفأ، تلامس يديها بنعومة.
“لم يعد باردًا جدًا، أليس كذلك؟”
“…اتركيني. ما فائدة كلّ هذا؟ سأموت على أيّ حال. ستموتين أيضًا إذا بقيتِ قربي.”
للحظة، بدا مهدّئًا بدفئها، لكن بعد ذلك تدلّت كتفاه ورأسه انخفض، وضعه مليء بالاستسلام.
“لماذا تتصرّف هكذا يا سيّدي الصّغير؟ لوسيون فروست العظيم، يبدو مهزومًا هكذا؟ هذا لا يليق بكَ أبدًا.”
“هذا ليس مزاحًا.”
“بالضّبط. وأنا لا أمزح أيضًا. لن أموت.”
“ماذا تعرفين؟ هل لديكِ فكرة كم ماتوا فقط لأنّهم كانوا قربي؟”
“لا.”
‘كيف سأعرف ذلك؟’
رمشت إيديث وهزّت كتفيها. حدّق بها لوسيون، يريد بوضوح أن يقول المزيد ردًا على موقفها اللامبالي.
“لكنّني أعرف هذا. لا أنا، ولا أنتَ، ولا الدّوق، ولا أيّ شخص آخر في هذا القصر سيموت.”
“…”
“كلّما كنتَ في خطر، سأكون هناك لأنقذك. لأنّني حقًا أريدكَ أن تعيش يا سيّدي الصّغير.”
“…لماذا؟ أنتِ حتّى لا تحبّينني.”
“أنتَ محقّ. لا أحبّك،” قالت إيديث بصراحة. “أنتَ دائمًا غاضب، وتتجاهلني كلّما التقينا. كيف يمكنني أن أحبّك؟”
ارتجفت عينا لوسيون من صدمة صدقها القاسي.
‘لحظات مثل هذه تذكّرني أنّه لا يزال مجرّد طفل.’
رغم أنّها قالت ذلك، الحقيقة أنّ إيديث لم تكن تحمل مشاعر خاصّة تجاه لوسيون.
لم تحبّه، لكنّها لم تكرهه أيضًا. هذا كلّ شيء.
اقتربت منه لأنّ ذلك ضروري لبقائها. لم يهمّها أيّ نوع من الحياة عاشها لوسيون أو كيف كانت شخصيّته.
كان مجرّد وسيلة لغاية.
“لكن عندما سمعتُ أنّكَ مريض، قلقتُ. خفتُ أن يكون قد حدث لكَ شيء يا سيّدي الصّغير.”
بعد قضاء وقت معه، أدركت أنّ لوسيون لم يكن الشّخص الذي ظنّته في البداية. كان لطيفًا. وبدا… حزينًا.
نعم، حزينًا.
رغم ولادته في النّبلاء، عاش حياة مليئة بالمعاناة، غير قادر على الاستمتاع بامتيازات مكانته. لم تستطع إلّا أن تشعر بالأسف تجاهه.
“أعتقد أنّني تعلّقتُ بكَ بطريقة ملتوية ما.”
“ما الذي يفترض أن يعنيه ذلك حتّى…”
“لا أعرف. أنا فقط أريدكَ أن تعيش حياة طويلة يا سيّدي الصّغير. أريدكَ أن تأكل الكثير من الطّعام اللذيذ، وتسافر العالم، وتفعل كلّ ما أردتَ فعله.”
أرادت إيديث أن يختبر لوسيون كلّ الأشياء التي لم تتح لها الفرصة لفعلها.
لذلك، كما حملها لوسيون وهو يكافح ليتنفّس، رافضًا التّخلّي عنها، كانت إيديث الآن مستعدّة للتمسّك به.
“لذا ربّما هذا يعني أنّني أحبّك. حتّى ولو قليلاً.”
سحب لوسيون نفسًا حادًا عند كلمات إيديث الصّادقة.
“فلا تستمرّ في القول إنّني سأموت طوال الوقت. ستندم فقط إذا متّ فعلاً.”
‘لقد قال بالفعل إنّني سأموت مرّات كثيرة اليوم. إذا استمرّ، سأملّ من سماعه.’
بابتسامة مرحة، مدّت إيديث يدها نحوه.
“هيّا يا سيّدي الصّغير.”
“أعطني إذنك.”
حدّق لوسيون في إيديث، كأنّه في نشوة، قبل أن يحوّل نظره ببطء إلى يدها.
“لا بأس أن تأخذ يدي.”
‘إذا سمحتَ لي، إذن…’
“إذا أخذتَها،”
“…”
“لن أتركها أبدًا.”
‘حتّى اليوم الذي تتحرّر فيه من هذه اللّعنة، سأحميك’
“أنا…”
ارتجفت شفتا لوسيون.
رأت عدم الثّقة والخوف في عينيه، فابتسمت إيديث بلطف.
‘لا بأس. سأثبتها لكَ، مهما استغرق الأمر.’
“ذراعي تتعب.”
بعد لحظة تردّد، ورؤية تأفّفها اللطيف، لامست يده أطراف أصابع إيديث أخيرًا.
كان ذلك كافيًا.
بابتسامة مشعّة، جذبت إيديث يد لوسيون نحوها. اقتربت، غاصت مباشرة في عاصفة لعنته، وهمست بلطف في أذنه.
“عمل جيّد.”
✦ ✦ ✦
مع غروب الشّمس ببطء، تدفّق توهّج الغسق الأحمر عبر النّافذة، ملقيًا لونًا مائيًا على شعر إيديث.
استيقظ لوسيون.
‘متى نمتُ؟’
رفرف جفناه، لا يزالان ثقيلين بالنّعاس. انتشر دفء في يده اليسرى، فالتفت ليرى ما هو.
كانت إيديث، متكوّرة بوضعيّة غريبة، تتنفّس بهدوء في نومها.
حدّق لوسيون في اليد الصّغيرة النّاعمة التي تمسك بيده.
كم مضى منذ آخر مرّة أمسك فيها يد أحد؟
تسارعت دقّات قلبه من الدفء الغريب الذي يسري فيه.
“دافئ جدًا.”
دون أن يدرك، ضغط لوسيون على يدها قليلاً، ممّا جعل إيديث تطلق أنينًا صغيرًا.
“مم…”
تجمّد لوسيون كطفل أُمسك وهو يسرق الحلوى.
جالسًا هناك متصلبًا كلوح خشب، تحرّكت عيناه إلى خدّ إيديث المجروح، وبعد لحظة تردّد، تحرّك.
بحذر، أخرج يده من يدها وبحث في الطّاولة بجانب السّرير. وجد مرهمًا وفكّ غطاءه.
بينما كان يأخذ بعضه على إصبعه، توقّف.
‘ما الذي أفعله حتّى…؟’
كان بإمكانه بسهولة استدعاء شخص آخر ليفعل هذا.
لكن رغم علمه بذلك، وضع المرهم بلطف على خدّ إيديث.
“أنا فقط أردّ الجميل،” تمتم لنفسه، كأنّه يحاول تبرير أفعاله.
منزعجًا دون سبب، مرّر لوسيون يده في شعره وأرجح ساقيه فوق جانب السّرير.
رذاذ.
تحوّلت الغرفة إلى بركة ماء من الجليد الذائب. عبرها لوسيون وفتح الباب.
“سيّد لوسيون!”
صدم الخدم عندما رأوه واقفًا هناك بصحّة جيّدة، على عكس كلّ المرّات الأخرى التي كان يُحمل فيها فاقدًا للوعي.
متجاهلاً ردود أفعالهم المفاجئة، أشار لوسيون برأسه نحو مدخل غرفته.
“خذوها.”
تفاجأ الجميع عندما رأوا إيديث نائمة بعمق وسط الغرفة المدمّرة.
بينما كانوا يتردّدون، غير متأكّدين كيف يتصرّفون، دخل كاليد الغرفة.
تبعه لوسيون، يطحن أسنانه.
“أخبرتكَ بوضوح، إذا وضعت تلك الفتاة قدمها في غرفتي، سألغي الخطوبة. تتذكّر ذلك، أليس كذلك؟ ما لم يكن هناك خطأ في دماغك.”
“بالطبع أتذكّر. لقد قاطعت نومي الهادئ فقط لتقوله.”
ضحك كاليد، متذكّرًا تهديدات لوسيون تلك اللّيلة، لكن ابتسامته تلاشت بسرعة.
بنظرة هادئة ومتزنة، نظر إلى لوسيون.
“إذن، هل ستُلغيها حقًا؟”
“…”
“هل يمكنكَ حقًا التّخلّي عن يد إيديث؟”
المترجمة:«Яєяє✨»
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
في مشكلة حالياً في الموقع تتعلق بأرشفة الفصول الجديدة بعد نشرها، وراح يتم حلها قريباً إن شاء الله.
وكإجراء احتياطي نرجو منكم الاحتفاظ بنسخة من الفصل بعد نشره على الأقل لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لو صار أي خلل مفاجئ.
كما نوصي بمراجعة الفصل المنشور خلال هذه الفترة للتأكد من ظهوره بشكل سليم، ومن عدم حدوث أي خلل تقني أو أرشفة خاطئة.
نعتذر عن الإزعاج، وشكراً على صبركم وتعاونكم الدائم
— إدارة الموقع Hizo Manga
التعليقات لهذا الفصل " 9"