مرت أسبوعان منذ وصول إيديث إلى القصر.
لدهشتها، كانت هذه أكثر أيّام حياتها هدوءًا.
كان الجميع لطيفًا ومتفهّمًا، قلقين بشأن كيفيّة تكيّف فتاة صغيرة مع بيئة جديدة.
الجميع، ما عدا لوسيون – الشخص الوحيد الذي كان يهمّها حقًا.
“إذن، هو غير موجود اليوم أيضًا؟”
“آسفة يا آنسة إيديث.”
انحنى أوسكار، الحارس الواقف خارج باب لوسيون، معتذرًا برأسه.
“لا بأس يا أوسكار. لا داعي للاعتذار.”
“سأتأكّد من إخبار السّيّد لوسيون أنّكِ كنتِ تبحثين عنه عندما يعود.”
‘ليس أنّ لوسيون سيهتمّ.’
منذ ذلك اليوم، كان لوسيون يتجنّبها تمامًا، وابتسامة مريرة عبرت وجه إيديث.
“أراك لاحقًا.”
كان من الواضح أنّه يتجنّبها عمدًا، لكن إيديث قرّرت ألّا تضغط عليه.
مهما قاوم، كانت تعتقد أنّه مع الوقت سيتغيّر.
مع ذلك، لم تتوقّع أن تلتقي به بهذه السّرعة.
“إذن، هنا كنتَ تختبئ.”
تمتمت إيديث بهدوء وهي تشعر بالهزيمة عندما رأت لوسيون متكوّرًا على أريكة في زاوية المكتبة البعيدة.
“لقد جئتُ إلى المكتبة مرّات عديدة.”
كان حرفيًا “يختبئ على مرأى من الجميع”.
مدّت إيديث يدها نحو لوسيون النائم لكنّها سحبتها بسرعة.
لم ترغب في إزعاجه بلمسه دون إذن مرّة أخرى.
بدلاً من ذلك، غطّته ببطانيّة وهو يرتجف من البرد، ثمّ جلست بجانبه.
“لقد ساء الأمر.”
نظرت إيديث إلى الهالات السّوداء تحت عينيه، والتي بدت أغمق من قبل. بعد تفكير، أخرجت ورقة وبدأت تكتب.
لم تكن تعرف كم مضى من الوقت عندما سمعت حركة بجانبها. دون أن ترفع عينيها عن كتابها، قالت:
“هل نمتَ جيّدًا؟”
“…ما الذي -؟ كيف وجدتيني هنا؟”
نهض لوسيون فجأة حالما فتح عينيه ورأى شعرها الفضّي المألوف.
“جئتُ لأقرأ هنا. وجدتك صدفة وقرّرتُ أن أنتظر لأتحدّث إليك.”
“ليس لديّ ما أقوله لكِ.”
توقّف لوسيون للحظة عندما لاحظ البطانيّة التي تغطّيه، لكنّه ركلها بعنف ومرّ بجانبها.
“هل تكرهني لهذا الحدّ يا سيّدي الصّغير؟”
تجمّد لوسيون عند سؤال إيديث. عندما التفت إليها، كان تعبيره باردًا كالجليد.
“نعم، أكرهكِ.”
“لماذا؟”
سخر لوسيون منها.
“هل ستفرحين بأن تُجبري على الزواج من شخص لم تقابليه من قبل؟ يُعاملكِ كحيوان للتكاثر؟ وكيف أعرف أنّكِ لستِ هنا بنيّة خفيّة؟”
أومأت إيديث، معترفة بصحّة كلامه.
“أنتَ محقّ. أنا أيضًا لن أرغب بذلك.”
رفع لوسيون حاجبًا، متفاجئًا بمدى سهولة موافقتها.
“لكن حتّى لو رفضتَ، الزواج سيستمرّ كما هو مخطّط.”
“وماذا في ذلك؟”
“فلماذا لا نضع بعض الشّروط؟”
“لن تكون هناك حاجة لشروط إذا لم نتزوّج أصلاً.”
تجاهلت إيديث احتجاجه ورفعت إصبعًا واحدًا.
حدّق بها لوسيون، يفكّر ‘ما الذي ترمي إليه؟’
“أوّلاً، العقد سيدوم ستّ سنوات. بعدها سننفصل، وسأغادر بمفردي.”
في العشرين، العمر الذي سيقرّر مصيرها.
إذا نجحت، ستغادر دون ندم. إذا فشلت، سينتهي الزواج بموتها.
“إذا كانت هذه خطّتكِ، فلماذا تزعجين نفسكِ بالزواج أصلاً؟”
كان لوسيون محتارًا، مصدومًا من سماعها تتحدّث عن الطّلاق قبل الزواج حتّى.
“هذا ليس خيارًا. أنا أريد هذا الزواج.”
هزّت إيديث رأسها ورفعت إصبعًا ثانيًا.
“ثانيًا، باستثناء العلاج، لن أتواصل معك. حتّى لو تشاركنا غرفة، سأبقى بعيدة.”
“هذا أمر مفروغ منه.”
إذا لم يكن لديهما أطفال في المستقبل، ستتحمّل إيديث اللوم، مما يجعل الطّلاق أسهل.
بعد أن خطّطت لكلّ شيء، رفعت إيديث إصبعًا ثالثًا وأخيرًا.
“ثالثًا، لن أطلب أيّ شيء من عائلة الدّوق.”
لوسيون، الذي كان يستمع بهدوء حتّى الآن، قاطعها فجأة.
“رابعًا، لا تتوقّعي الحبّ. لا تفكّري حتّى أنّني سأقع في حبّكِ. لن يحدث ذلك أبدًا، ولا حتي بعد مليون سنة.”
“لا تقلق، لن تكون هذه مشكلة أبدًا.”
الحبّ؟ لم تحلم إيديث به من قبل.
بينما ظلّت إيديث هادئة، كان لوسيون هو من تفاجأ.
كان قد قال تلك الكلمات فقط ليؤذيها، ليختبر مدى إصرارها. لكن بدلاً من ذلك، أخذته إيديث على محمل الجدّ وأضافتها كشرط آخر فورًا.
“سأبقى بعيدة عنكِ وأركّز فقط على كسر لعنتك. هذا كلّ شيء. يمكنك أن تعتبريني طبيبتك الخاصّة.”
لم يهمّها كيف تُعامل.
ما تحتاجه إيديث هو اسم “فروست” مرتبطًا باسمها.
حتّى لو كان مجرّد لقب فارغ.
سلّمت إيديث لوسيون العقد الذي أعدّته بينما كان نائمًا.
“لن تكون في وضع سيّئ يا سيّدي الصّغير.”
نظر لوسيون بين إيديث والعقد، وتعبير اهتمام ظهر على وجهه.
حاول قراءة نواياها، لكن عينيها الصافيتان لم تكشفا شيئًا.
“هل أنتِ جادّة بشأن هذا؟”
“لقد وقّعتُه بالفعل. يمكنك الاحتفاظ بالعقد.”
رسالة إيديث كانت واضحة – كانت تترك كلّ شيء بين يديه.
“أنتَ تدرك أنّه سيتعيّن علينا أن نُمسك أيدينا خلال يوم التّبريك، أليس كذلك؟”
يوم التّبريك.
كما يوحي الاسم، كان احتفالًا
لمباركة مستقبل العروسين، يمثّل بداية زواجهما.
عادةً، يتلقّى الأزواج التّبريك خلال حفل زفافهما، لكن بما أن إيديث ولوسيون تخطّيا ذلك، حدّدا يومًا منفصلاً له.
مدّت إيديث يدها الصّغيرة.
“لماذا لا نحاول الإمساك بالأيدي الآن، كتدريب؟”
“لا.”
رفض لوسيون بصراحة، لكن إيديث لم تتضايق.
“لا تقلق. ما تخاف منه لن يحدث.”
مرّة أخرى، دفعت إيديث نفسها بجرأة، كما تفعل دائمًا. اعتاد لوسيون على هذا النّمط الآن.
بعد مراقبتها خلال الأسبوعين الماضيين، كان متأكّدًا من شيء واحد:
إيديث ليست من النوع الذي يتراجع.
‘حسنًا. ربّما إذا أخفتها الآن، ستتركني وشأني أخيرًا.’
بعد تردّد قصير، أمسك لوسيون بيد إيديث الصّغيرة.
توقّع تمامًا أن تتراجع وتسحب يدها من لمسته الباردة كالجليد والألم الناتج عنها.
لكن بدلاً من ذلك، ابتسمت إيديث بإشراق، كأنّها تستمتع بنسيم بارد.
كان ذلك غريبًا. الناس دائمًا يتراجعون عندما يلمسونه.
فلماذا بدت خدّاها المحمرّتان… سعيدتين؟
“…أليس باردًا؟”
“إنّه منعش.”
في اللحظة التي لمست فيها يده، عرفت إيديث.
لعنة لوسيون، التي أرعبت الجميع، لم تكن تهديدًا لها.
“وكيف تشعر أنتَ يا سيّدي الصّغير؟ أليس دافئًا؟”
عندها شعر لوسيون – دفء حارق ينتشر من أيديهما المتصلة. سحب يده بعنف، كأنّه احترق.
“إنّه دافئ، أليس كذلك؟”
“م-من أنتِ؟”
تلعثم لوسيون، متراجعًا، مصدومًا من الدفء الذي لم يشعر به من قبل.
ابتسمت إيديث وهي ترى عينيه ترتعشان في حيرة.
“ألم أقل لكَ؟ كنتُ أعرف أنّني سأكون مفيدة.”
غير قادر على إخفاء ذهوله، هرع لوسيون خارج المكتبة، خطواته متعثّرة.
هذه المرّة، لم توقفه إيديث.
بمجرّد أن يختبر أحدهم هذا الدفء اللطيف، سيعود من تلقاء نفسه.
“مع ذلك، آمل أن يعود قريبًا.”
في النهاية، لم تكن مختلفة، بعد أن تذوّقت تلك الحلاوة بنفسها.
حرّكت إيديث أصابع اليد التي لمست يده.
✦ ✦ ✦
“تحيّة لكِ يا آنسة إيديث.”
مالت إيديث برأسها، ناظرة إلى الرجل الذي يسدّ طريقها. لم تره من قبل.
كان لديه شعر بنّي مجعّد، ونظّارات سميكة تخفي عينيه تقريبًا، ومعطف أبيض مكرّمش.
في تلك اللحظة، تحدّثت بيكي، التي كانت تقف خلفه.
“هذا سايمون. طبيب عائلة فروست.”
“طبيب العائلة؟”
“نعم، أنا سايمون لامبارد، طبيب عائلة فروست.”
على الرغم من مظهره المجعّد، انحنى بأدب.
“لماذا يريد طبيب العائلة رؤيتي؟”
“طلب السّيّد فحصًا صحيًا لكِ يا آنسة إيديث. ألم يُخبركِ أحد؟”
أوه، الآن تذكّرت.
كان قد تنهّد في وقت سابق، معلّقًا أنّ ذراعيها نحيفتان جدًا لدرجة أنّها ستجد صعوبة في تقطيع طعامها، وأصرّ على إجراء فحص.
“لكن ألم يكن ذلك مقرّرًا لاحقًا هذا المساء؟”
“نعم، لكنّني كنتُ فضوليًا جدًا بشأنكِ يا آنسة إيديث، لذا سمحتُ لنفسي بالوصول مبكرًا قليلاً.”
اقترب سايمون وبدأ يدور حول إيديث، يفحصها وهو يتحرّك. كان ذلك مزعجًا.
“لم أستطع إلّا أن أتساءل عن أيّ نوع من الفتيات ستتزوّج السّيّد لوسيون.”
“سايمون، توقّف عن مضايقة الآنسة إيديث.”
“مضايقة؟ هذا مجرّد فضول طبيب.”
عندها أدركت إيديث شيئًا.
‘هذا الرجل غريب بعض الشّيء.’
المترجمة:«Яєяє✨»
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
في مشكلة حالياً في الموقع تتعلق بأرشفة الفصول الجديدة بعد نشرها، وراح يتم حلها قريباً إن شاء الله.
وكإجراء احتياطي نرجو منكم الاحتفاظ بنسخة من الفصل بعد نشره على الأقل لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لو صار أي خلل مفاجئ.
كما نوصي بمراجعة الفصل المنشور خلال هذه الفترة للتأكد من ظهوره بشكل سليم، ومن عدم حدوث أي خلل تقني أو أرشفة خاطئة.
نعتذر عن الإزعاج، وشكراً على صبركم وتعاونكم الدائم
— إدارة الموقع Hizo Manga
التعليقات لهذا الفصل " 5"