الفصل السابع والأربعون
ثورة عارمة تدور في صدره، مشاعر لا يعرف سببها، فانتفض لوسيون وقام بجذعه فجأة.
لم يستطع أن يبقى ساكناً.
“تريدينني أن أنظر في قلبي؟ ماذا بالضبط تريدينني أن أنظر إليه؟”
إيديث صديقته، وعائلته، وزوجته الوحيدة.
كان لوسيون يحب دفء إيديث، ورائحة الشمس التي تنبعث من حضنها.
معها يشعر بالسعادة، وتأتيه الضحكة فورًا.
وأحياناً كان يشعر بحنان بالغ.
إيديث تتظاهر بالنضج، لكنها في الحقيقة حمقاء لا تعرف حتى كيف تبكي.
في تلك اللحظات كان يريد أن يمسح دموعها، ويحتضنها، ويهدئها.
بالنسبة إلى لوسيون، إيديث كائن يجب أن يُعتزَّ به، ويُحمى، وهي ملكه وحده.
“هي ملكي، أليس كذلك؟”
بما أنها ملكه، فهو يريدها.
ومن الطبيعي أن يزيح كل من يطمع فيها، أليس كذلك؟
بينما كان يعضّ على أسنانه ويعيد كلماته في رأسه، اقتحم رأسٌ مجنونٌ مجال رؤيته فجأة.
“مرحباً، سيدي الشاب.”
“آه، اللعنة.”
رأى هيدن وجه لوسيون الذي يكبح شتيمة وصلت إلى حلقه، فقهقه.
بينما صدر لوسيون فوضى عارمة، كان وجه هيدن ساكناً مطمئناً، فازداد صدر لوسيون انقلاباً.
“اخرس.”
“جئت لأساعدك وتبدأ بالشتيمة؟”
“مساعدة؟ جئت لتثير المشاكل، أليس كذلك؟”
“لو أردت إثارة المشاكل لكنت فعلتها منذ زمن.”
ربما لم تكن كذبة، فجلس هيدن بجانب لوسيون وصار يقلب الأعشاب بهدوء.
ما هذه الخدعة؟
ضيّق لوسيون عينيه وراقب تصرفات هيدن بحذر.
طق، طق.
يد خشنة تقطف نبات البرسيم، ثم تبدأ بربطه بدقة غريبة.
شاهد لوسيون هذا المشهد الغريب قليلاً ثم أدار وجهه.
‘ما هذا الهراء؟’
ليس متفرغاً بما يكفي ليهتم بتصرفات هيدن المجنونة.
همَّ لوسيون بالنهوض، حينها فقط.
“سيدي الشاب.”
“ماذا؟”
طق، مدّ هيدن شيئاً له. كان قطعة عشب رديئة المظهر.
أنزل لوسيون جسده الذي كاد يقوم، وحدّق في البرسيم وقال:
“ما هذا؟”
“خاتم.”
“خاتم؟ هذا مجرد حفنة عشب.”
تس تس، نقر هيدن بلسانه وتمتم: لهذا السبب لا أحب النبلاء.
“أول مرة في حياتي أرى شخصاً لا يعرف خاتم العشب.”
“شخص؟”
“سيدي.”
غيّر هيدن اللقب بسرعة حين رأى حاجب لوسيون يرتعش.
“إذن ماذا أفعل به؟”
“حتى بعد أن أطعمتك بالملعقة لا تفهم؟”
تنهد هيدن وهزّ رأسه.
“تقولان إنكما زوجان، أليس كذلك؟ زوجان ولا خاتم واحد؟ هل هذا منطقي؟”
من هذه الكلمة تجمدت عينا لوسيون الشاخصتان.
“تكيل الكلام أنها ملكك، ولم تعطها شيئاً على الإطلاق، أليس كذلك؟”
أصاب هيدن الوتر الحساس، فارتعشت العينان المتجمدتان.
“لذلك حتى ذلك الوغد داير يظن إيديث عزباء ويتقرب منها هكذا.”
وفي النهاية، اشتعلت نار حادة في عيني لوسيون.
استمع هيدن إلى صوت طحن الأسنان كموسيقى خلفية وتابع كلامه.
“ربما لا تعرف بعد لأنك صغير، لكن بسبب هذه الأشياء ينفصل الأزواج والمتزوجون، ليس قليلاً.”
“……”
“حتى لو قالت إنها لا تهتم، فقد تكون محتفظة بالأمر في قلبها.”
يقول هذا، لكن إيديث بالتأكيد لا تفكر في شيء.
لكن لوسيون سيهتم.
هيدن يحكّه عمداً.
“لذلك أقول لك اصنع لها شيئاً كهذا وألبسها إياه. مرّت أشهر على زواجكما ولا خاتم واحد لسيدتي، أشفق عليها.”
من تأنيب هيدن صار عقل لوسيون أبيض فارغاً، فسقط بصره إلى الأسفل.
نظر إلى الخاتم العشبي الصغير، فتذكر يد كاليد اليسرى.
حتى والده المتوفى زوجته كان دائماً يضع خاتمه. الخاتم مهم لهذه الدرجة للأزواج.
لكنه حتى الآن لم يعطها شيئاً.
كوّر لوسيون قبضته بقوة.
“……شيء رديء كهذا لن يصلح. سأعطيها خاتماً مرصّعاً بالألماس.”
“طبعاً. هذا مجرد تدريب مسبق.”
قال ما يريد قوله. الباقي اختيار السيد الشاب.
نهض هيدن ونفض العشب عن بنطاله.
حينها أمسك صوت صغير كاد يتلاشى كاحله.
“……يا هيدن، لماذا تساعدني؟”
“في البداية كنت أنوي السخرية منك.”
نظر هيدن إلى وجه لوسيون المشوه من الأسفل وفرك ذقنه.
“لأنك مثير للشفقة.”
“……”
لم يقل من هو المثير للشفقة حقاً.
إيديث التي استعدت للنهاية منذ البداية؟
أم لوسيون الذي كوّن كارما بكلماته؟
فجأة أصبح يتساءل من سيفوز بين إيديث ولوسيون.
مهما كان الفائز، فالمشاهدة ستكون ممتعة على أي حال.
✦ ✦ ✦
في هذه الأثناء، بطلة أفكار لوسيون التي تملأ رأسه.
كانت إيديث تنزه كيرا. أو بالأحرى، تُسحب من قِبل كيرا.
“كيرا، هذا لا يؤكل!”
كانت كيرا مفتونة بفراشة فلفل حمراء ترفرف، فتعين عينيها اللامعتين وتطارد ذيلها الأحمر.
كرآآنگ!
“كيرا، اهدئي من فضلك!”
كلما ركضت كيرا ازداد صوت إيديث.
لا بأس بالمطاردة، لكن المشكلة أنها تدوس وتدمر الزهور التي يعتني بها البستاني بعناية.
جمعت إيديث الزهور المكسورة بسبب كيرا وحملتها في حضنها. صار لديها باقة كاملة بالفعل.
“لا أستطيع العيش هكذا.”
يالهي، لنخرج من الحديقة فقط.
ربما وصلت صلاتها، فركضت كيرا نحو ميدان التدريب.
تبعتها إيديث، ثم توقفت فجأة حين رأت في طرف عينيها شعراً أسود.
كان لوسيون.
جالس تحت الظل، منحني الجسم، يحرك يديه بشيء ما.
عند رؤية هذا المشهد، تذكرت حديثاً دار بينها وبين أوسكا قبل خروجها للنزهة.
[سيدة إيديث، هل حدث شيء اليوم بينكما أنتِ وسيد لوسيون؟]
[لماذا؟]
[سيد لوسيون لم يستطع التركيز في التدريب أبداً. عادة حين يحدث هذا يكون الأمر متعلقاً بكِ. هل تظنين شيئاً؟]
[آه……]
بالتأكيد بسبب حادثة الطلاق.
‘هيدن قال كلاماً لا داعي له.’
مهما كان مزاجه سيئاً، كان لوسيون دائماً يؤدي تدريبه بجد.
هل هو حزين إلى درجة عدم التركيز؟
في تلك اللحظة التي كانت تقلق فيها، خطرت لها فكرة لتحسين مزاج لوسيون.
وضعت إيديث الزهور التي في حضنها على الأرض بسرعة، وبدأت تقطف البتلات ورقة ورقة.
أحمر، أصفر، أزرق، برتقالي…
تكوّمت بتلات الألوان المختلطة كقوس قزح تدريجياً.
بعد أن تلطخت أطراف أصابعها، جمعت إيديث البتلات في طرف قميصها كسلة وهرعت إلى لوسيون.
“لوسيون!”
“إيديث؟”
حين التقت عيناه الحمراوان بها، رمت إيديث الزهور التي كانت تحتضنها في الهواء.
انهمر مطر من البتلات.
“هدية.”
تناثرت البتلات، وبينها عينان تلمعان كأنها ستنهمر.
“جميل، أليس كذلك؟”
نظر لوسيون إلى وجهها مذهولاً.
بتلات تطير مع الريح، وعطر زهور خفيف يلفّ المكان، وشعر إيديث المتطاير.
أنتِ وأنتِ تديرين شعرك خلف أذنكِ وتبتسمين ابتسامة عريضة.
في تلك اللحظة، شعر لوسيون به مباشرة.
أنه لن ينسى هذه اللحظة أبداً.
آخر أكتوبر، لا فراشات في هذا الوقت، ومع ذلك شعر وكأنه ابتلع فراشة، صدره يدغدغ.
دوم، دوم، دوم.
سُمع صوت طبول من مكان ما.
كان ذلك نوعاً من الحكم.
لوسيون فروست سيحب إيديث فروست.
مهما طال الوقت، سيحبها.
حين أدرك اسم المشاعر التي كانت تعذبه حتى الآن، خفض لوسيون رأسه بعمق.
‘كلام هيدن صحيح. كنت أحمق.’
تسرب ضحك خفيف من بين شفتيه المطبقتين.
صديقة؟ كلام مضحك.
كيف يمكن لمشاعر كهذه أن تكون صداقة؟ كيف أخطأتُ إلى هذا الحد؟
كلما تذكر خطأه السابق، كان يضحك أكثر.
أحمق.
أبله لا مثيل له في العالم.
سبّ نفسه بكل صنوف الشتائم، لكن عقله كان أصفى من أي وقت مضى.
حين بقي لوسيون مطأطئ الرأس دون كلام، سُمع صوت قلق من فوقه.
“غير جميل…؟”
عند هذا الصوت الحذر، رفع لوسيون رأسه.
نظر إلى وجه إيديث النقي وضحك.
“أحبها.”
أحبها. أحبكِ. كنت أفعل كل ذلك لأنني أحبكِ.
كانت تلك اللحظة التي أدرك فيها الفتى الحب.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 47"