# الفصل السادس والثلاثون
‘هيلينا… مستحيل.’
ليس الوقت المناسب لمقابلتها. هيلينا لم تصل إلى الإمبراطورية بعد.
“رينا…”
لا تعرف من هي رينا، لكن يبدو أنه أخطأ بشخص آخر.
لم يكن مخمورًا، لكن الخلط بينها وبين شخص آخر يعني أن حالته العقلية مضطربة.
كان إدوين يرتجف وهو يلهث بصعوبة. كان جبينه مبللًا بالعرق البارد.
“أيها الدوق الصغير، اهدأ أولًا.”
“…لا بأس. أخوكِ سيحميكِ.”
“أخوكِ؟”
آه، تذكرت.
‘إنه يبحث عن سيرينا.’
سيرينا داير.
أخته الصغرى المتوفاة.
ابنة الدوق والدوقة، التي ربياها كالذهب والياقوت. أحبها إدوين كثيرًا لدرجة أنه كان يحملها ويرعاها.
تلقت الأميرة كل الحب، لكنها توفيت بحادث مأساوي في مركبة.
حادث، أو بالأحرى، قتل مدبر.
هاجم رجل يحمل ضغينة ضد عائلة داير المركبة التي كانت تقل الأميرة.
في طريق ضيقة فوق جرف، انقلبت المركبة تحت الهجوم، وطارت الأميرة من الصدمة وسقطت في الهاوية.
آنذاك، كان إدوين هو من كان في المركبة معها.
لقد فقدها لأنه ترك يدها.
لأنه كان ضعيفًا، ناقصًا، لم يستطع حماية أخته.
كلام فارغ. كان إدوين طفلًا آنذاك. كم قوة يمكن أن يمتلكها صبي في الثامنة؟
لكنه ألقى باللوم على نفسه، وظل الحادث صدمة كبيرة له.
‘قصة معروفة.’
حتى قبل أن تستعيد إيديث ذكرياتها، كانت هذه حقيقة يعرفها الجميع منذ زمن بعيد.
كل مواطن في الإمبراطورية يعرفها.
وفقًا لذكرياتها، كان شعر سيرينا داير فضيًا مثل شعر إدوين.
وكان شعر إيديث فضيًا مثلهما.
‘وكنتُ أمد يدي نحوه وأنا أسقط.’
حركتها اللاواعية أثارت صدمته.
فتاة بنفس المظهر والعمر تقريبًا.
رأى إدوين الأميرة تتداخل معها.
‘لا يوجد هنا من لا يستحق الشفقة.’
تنهدت إيديث وهي تتمتم.
“معصمي يؤلمني.”
فجأة، خفف إدوين قبضته، لكنه لم يترك يدها.
استسلمت إيديث لفكرة إبعاده، وبالكاد أخرجت ذراعها الحرة لتعانق ظهره.
“لا بأس. لم أمت.”
“رينا…”
“ولم أُصب.”
داعبت إيديث ظهره بلطف.
“بفضلكَ، أنا بخير وحية.”
على عكس نبرتها الرقيقة، كانت عيناها تنظران إليه بحزن.
‘كنا أعداء لدودين، فما هذا الوضع؟’
ومع ذلك، بفضل إدوين، نجت. همست إيديث له بصدق.
“شكرًا لإنقاذكَ إياي.”
عاد تنفس إدوين إلى طبيعته ببطء، وارتخى جسده المتيبس تدريجيًا.
ثم انهار جسده فاقد الوعي نحو إيديث.
“أي، أيها الرجل؟”
تقلصت إيديث، لا تعرف ماذا تفعل برأسه المدفون في كتفها.
‘فقدَ وعيه، فلماذا لا يزال يمسك يدي؟’
بينما كانت تكافح لتحرير يدها،
“كوليك، هل أنتما بهذا القرب؟”
جلسَ هيدن، ممسكًا بجنبه، على الدرج، متهاويًا.
على الرغم من حالته المزرية، رفعَ إصبعه الصغيرة وضحكَ. عبست إيديث بعنف.
“تتحدث هكذا وأنتَ في هذه الحالة؟ ولعلمكَ، أنا متزوجة.”
“النبلاء وشأنهم.”
تمتمَ هيدن، وهو لا يزال ينزف، أن الزواج في هذا العمر علامة نهاية العالم.
*كوليك.* بصقَ الدم المتدفق ومسحَ فمه.
“بالمناسبة، ما اسمكِ؟”
يا لها من سرعة في السؤال. نظرت إيديث إليه بنظرة مزرية وفتحت فمها.
“إيديث فروست.”
“…فروست؟”
كان يعلم أنها آنسة نبيلة، لكن فروست؟
“أعلم أن الدوق الصغير فروست هو الابن الوحيد.”
“نعم، تزوجته.”
لم يسمع هيدن عن زواج الدوق الصغير…
تذكرَ وجه الفتى الذي كان ملتصقًا بها، وكأن كل شيء في العالم مزعج.
“إذن، ذلك الفتى ذو الوجه المتذمر هو الدوق الصغير فروست.”
“صحيح.”
“إذن، أنتِ الآن تخونينَ الدوق الصغير؟”
“هيدن، هل جربتَ أن تُخاط شفتيكَ؟”
“هل هناك من جرب؟”
“ماذا عن تجربة ذلك الآن؟”
أغلقَ هيدن فمه تحت تهديدها المرعب بمنحه تجربة خاصة.
‘الأمور تزداد تعقيدًا.’
بدا هادئًا، لكن عقله كان يدور بسرعة غير مسبوقة.
فروست وداير.
لقد استفزَ ركيزتي الإمبراطورية، مما يعني سكينين على رقبته.
على الرغم من أن هيدن بخيل يحب المال أكثر من أي شيء، إلا أنه يعرف قيمة حياته.
‘انتهى الأمر. سأتخلى عن كل شيء.’
اختطاف الموهوبين للسحر، وعرض إيديث، كل شيء سيُرمى.
المهمات وكل شيء، من الأفضل له أن يغادر الإمبراطورية.
*كونغ.* هزَ هيدن رأسه وأنّ وهو ينهض.
بدأت حواسه تتلاشى، وجسده يصرخ أنه وصل إلى الحد.
ضيّقت إيديث عينيها، متسائلة، وقالت:
“ستذهب بهذه الحالة؟”
“آه، نعم. يجب أن أفعل.”
“إذا ذهبتَ هكذا، ستنهار بعد خطوات. أنتَ تعلم ذلك، أليس كذلك؟”
“نعم.”
كان هيدن يعلم. إنها مقامرة.
إما أن يبقى هنا ويُقتل على يد جنود فروست القادمين، أو يهرب ويموت من النزيف.
في كلتا الحالتين، إذا كان مصيره الموت، فمن الأفضل أن يراهن على خيار أفضل.
تنهدت إيديث من غبائه وأشارت له أن يقترب.
“هذا صعب.”
“بسرعة.”
سحبَ جسده الثقيل وقفَ أمام إيديث، فضغطت يدها الصغيرة على جنبه.
*أوليك.* بلل الدم الساخن قفازاتها تمامًا.
“لا أستطيع استخدام سحر الشفاء، لكن يمكنني كي الجرح لوقف النزيف. أفعلها؟”
“…ها، هاها!”
انفجر هيدن بالضحك على اقتراحها غير المألوف. هذه الفتاة ليست عاقلة حقًا.
من أين أتت هذه الفتاة المشاكسة؟
“لمَ تسألينَ؟ افعليها فورًا.”
“أنتَ من طلب، فتحمل جيدًا.”
*تشيييك.* مع رائحة مقززة للحم المحترق، تصاعد دخان أبيض.
“كر، كريك!”
تدفق الدم من شفتيه المشدودتين، وانفجرت الأوعية في عينيه المفتوحتين.
بعد لحظة، سحبت إيديث يدها.
“تحملتَ جيدًا.”
“…لن أفعلها مرة أخرى.”
توقف النزيف. لمسَ جنبه، حيث لا يزال يشعر بالحرارة، وتنفسَ بصعوبة بوجه شاحب. لو أرخى حذره قليلًا، لفقدَ وعيه.
لذا، أصبحت حواسه أكثر حدة، تصرخ بالخطر.
عبسَ هيدن من أصوات الأشخاص المحيطين بالمبنى.
“إيديث.”
“ماذا؟”
فوجئت إيديث بسماع اسمها من هيدن وأغمضت عينيها.
“رأيتُ أن قدميكِ سريعتان، فبالتأكيد أنتِ جيدة في الهروب.”
تصلبت إيديث من نبرته المنخفضة المتوترة.
“عندما أعطي الإشارة، اركضي.”
“إلى أين؟”
“إلى أي مكان.”
نهضَ هيدن، الذي كان منحنيًا، وكشفَ عن أسنانه وهو يرى مجموعة من الرجال المقنعين بالأسود يدخلون واحدًا تلو الآخر.
رفعوا أسلحتهم بحذر منه.
*كيدوك.* ضحكة خشنة تشتت في الهواء.
“يبدو أنهم ينوون تنظيف المكان.”
يبدو أن الكي الذي قدمته إيديث بمرح لن يفيد، فمصيره أن تُثقب جسده ثقوبًا جديدة.
ضحكَ هيدن وهو يربت على الندبة المحروقة في جنبه.
“سأكسب لكِ بعض الوقت.”
“لكن!”
إذا استمر الأمر هكذا، سيكون هيدن، وإدوين الفاقد للوعي، في خطر.
دفعَ هيدن إيديث المترددة وقام بإجبارها على الوقوف.
“الآن. اركضي!”
في اللحظة التي أعطى فيها هيدن الإشارة،
*كاانغ!* تحطم النافذة، وظل ضخم غطى رأس إيديث.
“كيرا.”
رنَ صوت مألوف في أذني إيديث.
“اقتليهم جميعًا.”
*كررر!*
قفزت كيرا بسرعة وعضت خصر أحد القتلة.
* * *
“حماية إيديث هي الأولوية!”
“لا تتركوا أحدًا، اقبضوا عليهم جميعًا!”
حاصر جنود عائلة فروست، الذين وصلوا بعد اتصال أوسكار، الرجال المقنعين.
*كررر! كرر!*
عبثت كيرا بالمنطقة كسمكة في الماء، مثقبة أجساد الأعداء.
حاول الأعداء المذعورون مهاجمتها، لكن أسلحتهم ارتدت دون أن تترك خدشًا.
تدفقت الصرخات والدماء من كل مكان.
*تشالبك، تشالبك.*
مشى لوسيون في طريق غارق بالدماء، دون أن يلقي نظرة على محيطه.
كانت عيناه الحمراوان موجهتين إلى مكان واحد فقط.
“لوسيون…؟”
عندما رأى إيديث تقف مرتبكة، تسارعت خطواته دون وعي.
“إيديث!”
“لوسيون!”
عند صوته، ابتسمت إيديث بمرح وركضت نحوه.
عندما رأى وجهها المختلط بالفرح والراحة، عاد قلبه المتوقف للنبض بقوة.
لم يتمالك لوسيون نفسه، فجذب إيديث إلى حضنه وأحاطها بقوة.
عندما تلامست أجسادهما، سمعَ دقات قلب إيديث. دفنَ لوسيون رأسه في عنقها مع النبض المنتظم.
*كورلوك.* كأن جسده، الذي كان مغمورًا في الماء، سُحب إلى اليابسة عندما التقى بإيديث.
انفتحت أنفاسه المحبوسة.
تنفسَ لوسيون بعمق، وأحاط رأسها وهمس:
“لنعد إلى البيت.”
* * *
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 36"