كلّ نفسٍ يتنفّسه يجعل أعصاب إيديث مشدودة، ودقّات قلبها تغطّي على كلّ الأصوات الأخرى.
وأخيرًا—
“…نعم، أقبل.”
كان صوته أخفّ، كأن ثقلًا قد رُفع عن كتفيه.
“بهذه النذور، أعلنكما زوجًا وزوجة.”
استدارت إيديث إلى لوسيون، وجهها يضيء بابتسامةٍ مشرقة.
“فلترافقكما بركات الحاكم في مستقبلكما معًا.”
تساقط ضوء النجوم من الأعلى.
* * *
استمرّت إيديث في فرك رأسها حيث وضع الكاهن الأعلى يده.
“هل أبدو مختلفة؟”
“ولمَ قد تكونين كذلك؟”
رمقها لوسيون بنظرةٍ تأنيبية، وهو يفكّ ربطة عنقه بعد انتهاء المراسم.
لكن إيديث، التي حقّقت هدفها المنشود أخيرًا، كانت في حالةٍ من البهجة جعلت حتى نبرته الجافة تبدو كلحنٍ عذب.
أصدر لوسيون صوت استياء وهو يرى ضحكتها تتفجّر بلا سيطرة، مع ابتسامةٍ ساذجة على وجهها.
“هل هذا حقًا بهذه الأهمية؟”
“بالطبع! أنا سعيدةٌ جدًا.”
ردّت إيديث بابتسامةٍ خجولة، فرحها يتألّق في كلّ جزءٍ منها.
“مجرد وجودي بجانبك، سيدي الشاب، يجعلني سعيدة.”
تنهّد لوسيون وهو يلتفت بعيدًا.
“لا تذهبي وتقولين مثل هذا الكلام لأيّ أحد.”
“لمن سأقوله غيرك، سيدي الشاب؟ آه، ربما لوالدي.”
جعل ذكر والده لوسيون يتشنّج بوضوح، وهو يهزّ رأسه كأنما يطرد فكرةً مزعجة.
“اللورد لوسيون، نحن جاهزون،” نادى كاهنٌ يرتدي رداءً أبيض.
استدار لوسيون إلى إيديث، وحدّق فيها محذّرًا:
“لا تتجوّلي. ابقي هنا.”
“حسنًا.”
وافقت إيديث، ولوّحت له بابتسامةٍ مرحة رغم معاملته لها كطفلةٍ تحتاج إلى مراقبةٍ دائمة.
تُركت وحيدةً في غرفة الصلاة، ففتّشت إيديث في جيبها وألقت حلوى في فمها.
انتشر الطعم الحلو على لسانها، مما جعل جسدها يرتاح.
‘كان اليوم مرهقًا جدًا.’
كانت مستلقيةً، تحدّق في الفضاء، عندما صرّ الباب مفتوحًا.
“عدتَ بهذه السرعة؟”
“هل كنتِ تنتظرين أحدًا، يا آنسة؟”
لم يكن الصوت للوسيون.
“من أنت؟”
نهضت إيديث بسرعة، وتراجعت خطوةً بينما دخل شخصٌ مظلم الغرفة.
كان القادم مغطّى برداءٍ أسود من رأسه إلى قدميه، يبدو مشبوهًا للغاية.
ولم يكن وحيدًا. كانا اثنين.
“سيدي، ستُرعبها إذا اقتربت هكذا.”
“أوه، حقًا؟ أعتذر.”
اعتذر الرجل على الفور وتراجع.
كان من الصعب تمييز إن كانا من الأخيار أو الأشرار.
‘لا يمكن أن يكونا من الأخيار.’
ملابسهما وحدها كانت تصرخ بالمشاكل.
“إذن، أنتِ من ابتلعته؟”
“ماذا؟”
“كنتُ أشكّ، لكنني لم أتوقّع أن يكون ذلك صحيحًا.”
تمتم الرجل لنفسه، وهو يفرك ذقنه بتفكير.
“آنسة، هل تمانعين إعادة ما ابتلعتيه؟”
“…هل تقصد هذا؟”
أخرجت إيديث حلوى من جيبها ورفعتها.
“ما هذا؟”
“حلوى.”
ابتسمت ببراءة، وعيناها تجولان في الغرفة بحثًا عن مخرج.
‘يجب أن أهرب.’
مهما كان ما يريدانه منها، لا يبدو شيئًا جيّدًا.
“طعمها مثل الفراولة.”
رمش الرجل للغلاف الوردي اللطيف للحلوى.
“لديّ نكهة العنب أيضًا.”
نظر الرجل بينها وبين الحلوى، مرتبكًا تمامًا، ثم انفجر ضاحكًا.
“مثيرٌ للاهتمام. معظم الناس كانوا سيُرعبون الآن…”
“ماذا؟”
“لا شيء. تبدو هذه الحلوى لذيذة. هل يمكنني أخذ واحدة؟”
“تفضّل. خذ اثنتين، يمكنك مشاركتها مع صديقك.”
طق، طق. وضعت حلويَين في يده، فتلقّت تربيتةً على رأسها.
“أنتِ لطيفةٌ جدًا. فليبارككِ الحاكم على هذا.”
“شكرًا، سيدي. وأنتَ أيضًا. الآن، إذا سمحت، هناك من ينتظرني.”
بدأت إيديث تتحرّك نحو الباب بحذر، لكنها لم تصل بعيدًا قبل أن تُوقف.
“انتظري لحظة. لديّ بضعة أسئلة.”
مدّ الرجل يده، وأمسك معصمها بلطف قبل أن تنسلّ. رفع يديه في إشارةٍ مطمئنة وهي تبدو مذعورة.
“إيديث!”
جذبت يدٌ كتفها للخلف، واتسعت عينا إيديث وهي تتعرّف على الشخص الذي يقف الآن بينها وبين الغرباء.
كان لوسيون.
“حسنًا، أليس هذا اللورد الشاب من عائلة فروست؟ لم نلتقِ منذ مدة.”
حدّق لوسيون في الرجل بنظرةٍ حادة على نبرته الودودة المبالغ فيها. حضوره وحده كان كالسيف يشقّ الهواء.
“ما الذي يفعله مجرمٌ مثلك هنا؟”
“تلك قصةٌ قديمة. يمكنك مناداتي سيد برج السحر الآن.”
“سيد؟”
سمعت إيديث هذا الكشف المفاجئ، فمالت رأسها محاولةً إلقاء نظرةٍ أفضل على الرجل، لكن لوسيون تحرّك فورًا ليحجب رؤيتها.
ابتسم سيد البرج، مستمتعًا بوضعية لوسيون الواقية. بدا كحصنٍ مصمّم على عدم السماح حتى بشعرةٍ منها بالظهور.
“هذه الآنسة اللطيفة قدّمت لي حلوى. هل تريد واحدةً أيضًا، أيها اللورد الشاب؟”
“حلوى؟”
تعرّف لوسيون على الحلوى في يد سيد البرج، فرمق إيديث بنظرةٍ حادة.
هزّت إيديث رأسها بذعر.
“لا! هو من طلبها، أقسم!”
تصلّبت عينا لوسيون، وتحوّلت نظرته الجليدية إلى سيد البرج.
“ليس لديك خجل. لم تجد أحدًا آخر لتسرقه، فاخترت فتاةً صغيرة؟”
“سرقة؟ ليس—”
“حقير.”
“مهلًا، لا—”
“ابتعد عن زوجتي واخرج.”
“زوجتي…؟”
“هيا بنا.”
تجاهل لوسيون تعبير سيد البرج المذهول واستدار.
كانت إيديث تستمتع بصمتٍ بمشاهدة جدالهما الأحادي، عندما أمسك لوسيون يدها فجأة وسحبها معه. التفتت إلى سيد البرج.
“…هل ناداني بالحقير؟”
“يبدو كذلك.”
تراجعت كتفا سيد البرج بخيبة، وربّت رفيقه على ظهره مواسيًا.
‘لا يبدوان طبيعيَين أيضًا،’ فكّرت إيديث، وهي تهزّ رأسها وتسرع لمواكبة خطوات لوسيون الطويلة.
عندما وصلا إلى مكانٍ منعزل، ترك لوسيون يدها فجأة، كأنما رماها.
“أنتِ حقًا—!”
ارتجفت إيديث من انفجاره المفاجئ، وارتفعت كتفاها إلى أذنيها.
“هل تستمعين أبدًا؟ لمَ دائمًا ما تورّطين نفسكِ؟ هل تدركين ماذا كان بإمكان هؤلاء فعله بكِ؟ وها أنتِ توزّعين الحلوى كأن الأمر لا يهم!”
بينما كان يوبّخها، قضمت إيديث شفتها السفلى.
لم يكن جديدًا أن تُوبّخ على أشياءٍ ليست خطأها. كان ذلك يحدث دائمًا.
لكن لمَ شعرت أن هذا غير عادلٍ هذه المرة؟
انفجرت كلّ المشاعر التي كانت إيديث تكبتها بداخلها.
“لم أفعل شيئًا خاطئًا! هم من اقتربوا مني! ظلوا يزعجونني، يقولون إن لديهم أسئلة. كيف كنتُ سأتجنّبهم؟”
“أسئلة؟ عن ماذا؟”
“كيف لي أن أعرف؟ جئتَ وقاطعتهم قبل أن يقولوا شيئًا!”
هف، هف.
ارتفعت كتفا إيديث من الانفعال. أدركت خطأها بعد لحظة، فتجمّدت ونظرت إلى لوسيون لترى ردّ فعله.
لكن لوسيون كان شاردًا بالفعل.
‘ماذا كانوا سيطلبون منها؟ ليس وكأنهم يحتاجون إلى توجيهات.’
استبعد فكرة أنهم كانوا يبحثون عن معلوماتٍ عنه أو عن عائلته.
لم يبدُ أن ذلك الرجل يعرف حتى من هي إيديث.
‘منحرفٌ مقزز. كان مهتمًا بها فقط.’
ساء مزاجه أكثر.
رفع لوسيون رأسه، مستعدًا لاستئناف توبيخها، لكنه توقّف عندما رأى تعبيرها.
كانت شفتا إيديث متدلّيتين بعبوس.
“توقّفي عن إخراج شفتيكِ هكذا.”
توقّفت طائعة، لكن نظرة العبوس بقيت على وجهها.
“ما الآن؟ ما مشكلتكِ؟”
“ناديتني باسمي قبل قليل…” تمتمت إيديث، وهي تركل حصاةً صغيرةً على الأرض.
“لا تختلقي الأمور. لم أفعل ذلك.”
“بلى، فعلتَ. عندما رأيت سيد البرج، صرختَ، ‘إيديث!’ ”
“….”
“وحتى ناديتني زوجتك.”
تجمّد وهو يتذكّر الموقف في ذهنه.
‘هل أنا مجنون؟ في ماذا كنتُ أفكّر؟’
تردّدت الكلمات في رأسه، وشعر لوسيون بوجهه يسخن.
“كنتُ أحاول فقط إبعاد ذلك الرجل—!”
“نعم، إذا قلتَ ذلك…” تمتمت إيديث بنبرةٍ كئيبة.
“كنتُ سعيدةً عندما ناديتني باسمي، لكن يبدو أنها كانت مرةً واحدةً فقط…”
رفعت عينيها إليه بعيونٍ كبيرةٍ حزينة، وشعر لوسيون أنه سيفقد عقله.
حتى كلبٌ مبتلّ سيبدو أقلّ شفقةً منها.
لم يتحمّل أكثر، فأغلق لوسيون عينيه وتمتم عبر أسنانٍ مشدودة:
“…إيديث. ها قد فعلتُ. سعيدةٌ الآن؟”
“نعم! هل هذا يعني أنكَ ستناديني باسمي الآن؟”
رؤيتها تستغلّ الفرصة بسرعة أزعجته لأسبابٍ لم يستطع تفسيرها.
“…أنتِ لا تفعلين ذلك بنفسك.”
“ماذا قلتَ؟”
“أنتِ لا تنادينني باسمي، فلمَ يجب أن أفعل أنا؟!”
استغرق الأمر لحظةً لتفهم إيديث كلامه، ثم رمشَت بدهشة.
“انتظر… تقول إنني يمكنني مناداتك باسمك أيضًا؟”
“نعم. سيكون غريبًا إذا كنتُ الوحيد الذي يفعل ذلك. على أيّ حال، نحن متزوّجان الآن…”
احمرّ وجهه، وكان إحراجه واضحًا.
كانت إيديث مبتهجة. لم تظنّ أبدًا أنها ستُسمح لها بمناداته باسمه. بدا ذلك أكثر ممّا تستحق.
“لوسيون.”
تألّقت عيناها الزرقاوان كالسماء بالعاطفة، مثل نجومٍ تتلألأ في الليل.
“آه.”
طريقة إضاءة وجهها، قريبًا جدًا منه، جعلت أصابع لوسيون ترتجف. شعر بشيءٍ غريبٍ وغير مألوف، فأدار رأسه بسرعة.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 13"