تحت سماء مايو الصافية المتأخرة، مسح رجلٌ عرقه ودخل نزلًا صاخبًا.
سأل الخادم على الفور: “كم عددكم؟”
“أنا وحدي فقط.”
“جيد. بقي مقعد واحد فقط هل تمانع في الجلوس مع شخصٍ آخر؟”
هزّ الرجل المنهك رأسه. قاده الخادم إلى طاولة كان يجلس عليها ثلاثة ضيوف بالفعل وطعامهم قد قُدّم. بدأ الضيف الجالس مقابل الرجل محادثة ودية.
“أعتقد أنّ الجو حارّ جدًا بالخارج. تفضّل، اشرب بعض الشاي.”
بعد أن أنهى الشاي، تنهّد الرجل بعمق ثمّ تذمّر.
“هذا النزل الرابع. النزل الثلاثة السابقة كانت ممتلئة تمامًا. بجديّة، أعلم أنّها حفيدة رئيس عشيرة بايكري، لكن هذا مجرّد احتفال بلوغ سنّ الرشد لفتاة صغيرة. لا أرى لماذا يجب أن يكون هناك هذا العدد من الضيوف.”
تبادل الضيوف السابقون النظرات وسألوا.
“ألستَ من هنا؟”
لوّح الرجل بيده وأومأ.
“إنّها ليست مجرّد حفيدته. من المرجّح أن تصبح الرئيسة القادمة للعشيرة، لذا يحاول الناس على الأقل تسجيل حضورهم.”
“هاه؟ رئيسة العشيرة؟ ماذا عن أبنائه؟ إنّها حتّى ليست الحفيدة الكبرى!”
“أهم. الحفيد الأكبر واجه بعض المشاكل، لذا سمعتُ أنّ حتّى الابن الأكبر لن يتمكّن من تولّي لقب الرئيس القادم للعشيرة. أعتقد أنّ رئيس العشيرة الحالي يريد فقط التأكّد من أنّ العشيرة ستنتقل إلى شخصٍ موهوب.”
“فتاة صغيرة كرئيسة للعشيرة؟ إذًا ماذا عن زواجها؟”
قلّب الضيف بجانب الرجل طعامه بعيدان الطعام.
“من المحتمل أن يأتي زوجها ليعيش معها داخل عشيرة بايكري. ما الذي يدعو للقلق؟”
“هو محقّ. هناك بالفعل الكثير من الأشخاص الذين يحاولون تقديم أبنائهم كمرشّحين محتملين.”
“سمعتُ أنّ الآنسة بايكري جميلة جدًا. أتمنّى لو أرى وجهها شخصيًا.”
“بالطبع. إنّها تأخذ ملامحها من السيّد الشاب الرابع لعشيرة بايكري. رأيته من بعيد مرّة، وعلى الرغم من المسافة، استطعتُ رؤية كيف كان يتألّق.”
“يبدو أنّه في أوّج شبابه، كانت الفتيات يرمين الزهور والمناديل طوال اليوم كلّما خرج إلى الشوارع.”
“همف، إذا كان هذا احتفال بلوغ سنّ الرشد الخاص بها، فلا يمكن أن تكون أكبر من خمسة عشر عامًا.”
سكت الضيوف.
“ويمكن أن تأخذ ملامحها من والدتها بدلاً من ذلك. هل نعرف حتّى من هي والدتها؟”
لم يقل أحد كلمة.
“لماذا سكت الجميع فجأة؟”
عندها اقترب الخادم منهم ومعه صحون.
“ها هي النودلز الخاصة بكم.”
كحّ الضيف السابق بجفاف ثمّ قال بنبرةٍ منزعجة:
“حسنًا. أنا متأكّد أنّ هناك قصة وراء كلّ هذا. دعونا نأكل فقط.”
ومع ذلك، واصل الرجل بعناد.
“بما أنّنا نتحدّث عن الموضوع، سمعتُ أنّها تمكّنت من النجاة بعد لقائها بالشيطان الإلهي.”
بقي الجميع صامتين.
“الناس يقولون الكثير عن ذلك أيضًا. ربما تكون عشيرة بايكري متورّطة بالفعل مع الطائفة الشيطانيّة—”
سأل الخادم، الذي كان يضع أطباق النودلز، بدهشة:
“ماذا قلتَ؟”
ضرب ضيفٌ سابق عيدان الطعام على الطاولة ووبّخ.
“هذا يكفي! هل تدرك حتّى ما تقوله؟”
“لماذا ينزعج الجميع؟ هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟ أنا فقط أقول إنّه لا دخان بلا نار. حتّى في تحالف الفنون القتاليّة—”
استعاد الخادم فجأة عيدان الطعام وطبق النودلز الخاص بالرجل.
صدم الرجل وقال: “ما معنى هذا؟!”
“ما الذي تعتقد؟ اخرج!”
“مـ-ماذا؟!”
“لن نبيع لك شيئًا. لا تدع الباب يصطدم بك وأنت تخرج. ها!”
“ما الذي يحدث؟! انظر هنا!”
* * *
مثلما كان الناس يثرثرون بالخارج بسبب احتفال بلوغ سنّ الرشد لبايكري يون، كان هناك الكثير من الضجيج داخل عشيرة بايكري بينما كان الناس يستعدّون لاحتفال بلوغ سنّ الرشد الخاص بها.
“آنستي، أيّ دبوس شعر ستستخدمين؟”
“الذي أعطاني إيّاه جدي، بالطبع.”
كان دبوس الشعر الذي أعطاني إيّاه جدي مزيّنًا بزخرفة فينيق. كانت ريشه مصنوعة من اليشم، وكان جميلًا بشكلٍ مذهل. كان ثقيلًا جدًا لارتدائه براحة، لكن كان يجب ارتداؤه في يومٍ مثل اليوم.
أعطاني والدي غطاء رأس مصنوع من العاج مزيّن بالمرجان واللؤلؤ. أعطتني السيدة شيم أقراطًا مزيّنة بالياقوت، وأعطاني بايكري ميونغ سوارًا ذهبيًا. تلقّيتُ أيضًا العديد من الهدايا من أماكن أخرى، لكنّها كانت كثيرة جدًا بالنسبة لفتاة في الخامسة عشرة واحتفال بلوغ سنّ الرشد الخاص بها. كنتُ أعلم أنّ تلك الهدايا تعني أنّهم يدعمون عائلتنا في نزاعنا ضد تحالف الفنون القتاليّة.
“هذا جميل أيضًا. يا للأسف.”
من بين قائمة الهدايا الفاخرة، كان الذي أرسلته عشيرة نامجونغ دبوس شعر جميل مزيّن بفراشة ذهبيّة وقطعة يشم بيضاء منقوشة بنمط زهرة اللوتس. بصرف النظر عن اليشم الأبيض المتلألئ، كانت الفراشة الذهبيّة النقيّة ترفرف وترتجف كلّما تحرّكت، كما لو أنّها سترفرف بعيدًا في أيّ لحظة. لم أستطع تخيّل عدد الحرفيّين المهرة الذين عملوا على هذه القطعة.
“إنّها ثمينة جدًا بالنسبة لي لأقبلها.”
“لن يفكّر أحد في ذلك.”
«بالضبط.»
التفتُّ لمواجهة سونهوك بعد سماع كلام التشي. في هذه الأثناء، تعلّمت بعض الفنون القتاليّة. لم تستطع التحدّث بسبب صدمة نفسية، لذا تمّ تعليمها كلام التشي بدلاً من ذلك لمعرفة ما إذا كانت تستطيع القيام بذلك.
كانت النتيجة نجاحًا في الواقع، كانت موهوبة جدًا من حيث الفنون القتاليّة. ومع ذلك، فضّلت سونهوك الامتناع عن التحدّث حتّى بعد تعلّم كلام التشي، واستخدمت يديها في كثير من الأحيان للتواصل.
أشارت سونهوك إلى ذراعها ورسمت دائرة. كنتُ أعرف جيدًا ما تعنيه. كانت تعني أنّ مثل هذه الهديّة هي أقلّ ما يمكن أن تقدّمه عشيرة نامجونغ، بالنظر إلى كيف أنقذتُ ذراع السيد نامجونغ وان بحبوب قمع المرسوم الإلهي.
عندما ابتسمتُ بشكلٍ غامض، قالت غومسوي: “بالحديث عن ذلك، ألن ترسلي ردًا إلى عشيرة نامجونغ؟”
ملأ الصمت الغرفة للحظة. نظرت سونهوك إلى الأسفل ورتّبت أغراضي وكأنّها لم تسمع ذلك.
“لقد فعلتُ بالفعل.”
“حسنًا، السيّد الشاب نامجونغ أرسل لكِ رسالة أيضًا.”
ملأ صمتٌ محرج الغرفة مرّة أخرى. عندما لم أستطع قول أيّ شيء رجوعًا، سمعتُ صوتًا من الخارج في تلك اللحظة للأفضل أو للأسوأ.
“السيّد أويغانغ هنا.”
دخل والدي إلى الغرفة وأشار إلى غومسوي وسونهوك، فغادرتا الغرفة بسرعة.
ملأتُ فنجان الشاي على الطاولة، مرّرته إليه، وسألتُ:
“ما الذي جاء بك؟”
كان احتفال بلوغ سنّ الرشد الخاص بي، لكن والدي كان من يرحّب بجميع الضيوف، لذا كان في الواقع أكثر انشغالًا منّي.
“ظننتُ أنّني سأكون مشغولًا جدًا بمجرد مرور الظهيرة. افتحيه.”
وضع صندوقًا خشبيًا أسود طويلًا على الطاولة. كانت نظرة واحدة كافية لمعرفة ما بداخله، لكنّني تظاهرتُ بالغباء ورفعتُ الصندوق بانتظارٍ كبير.
“ما هذا؟ هل هي هديّة؟ لكنّك أعطيتني بالفعل تلك الزينة للشعر.”
توقّفتُ بمجرد فتح الصندوق الخشبي.
“إنّه سيف.”
عندما رأيتُ الصندوق الطويل، خمّنتُ أنّ سيفًا بداخله. حتّى مع ذلك، لم أستطلع إبعاد عينيّ عن السيف الملفوف بالحرير الأحمر.
غمد أبيض نظيف بدون أيّ زخارف لم يكن فاخرًا، لكنّه بدا هادئًا جدًا. كان السيف يناسب تفضيلات والدي.
أخرجتُ السيف بعناية من الصندوق الخشبي وأمسكتُ بالمقبض. بينما أمسكتُ بالمقبض وسحبتُ، مع نقرة خفيفة، ظهر سيف أزرق حادّ للغاية من غمده.
سأل والدي بنبرةٍ فيها لمحة من التوتر:
“حسنًا، ما رأيكِ؟ هل ترغبين في تأرجحه بالخارج؟ نحتاج إلى رؤية ما إذا كان يناسبك.”
هززتُ رأسي.
“لا حاجة لذلك.”
الإحساس في يدي، الوزن كان نفس السيف الذي تلقّيته من والدي خلال احتفال بلوغ سنّ الرشد الخاص بي قبل تراجعي. حتّى بدون تأرجحه، كنتُ أعرف بشكلٍ مسلٍّ كيف سيكون شعوره.
ربما انسكبت تفضيلات والدي المتّسقة أيضًا عندما طلب صنع السيف بنفس المظهر الخارجي. لكن حتّى مع ذلك، تغيّرت علاقتي مع والدي عن السابق، فكيف يمكن أن يقدّم لي نفس السيف في كلتا المرتين؟
أصبحتُ فضوليّة وسألتُ: “متى صنعتَ هذا؟”
سكت والدي للحظة.
“في اللحظة التي أمسكتِ فيها بسيفٍ خشبي لأوّل مرّة، طلبتُ من حدّاد رئيسي كان يصنع سيوف عشيرة بايكري لأجيال أن يصنع واحدًا لكِ أيضًا.”
“لم أكن أكبر من ستّ سنوات في ذلك الوقت، وطلبتَ منه أن يصنع لي سيفًا يمكنني استخدامه عندما أصبح بالغة؟”
قال والدي بلا مبالاة: “ليس من الصعب توقّع أيّ نوع من القوام سيكون لكِ عندما تصبحين بالغة إذا تحقّقتِ من العضلات.”
مرّرتُ يدي على الغمد. تساءلتُ عما كان يفكّر فيه والدي وهو يطلب صنع السيف.
تساءلتُ أيضًا عما كان يفكّر فيه وهو يقدّم لي هذا السيف كهديّة قبل تراجعي. لم يكن هناك طريقة لمعرفة ذلك الآن.
بصوتٍ مصدوم، سأل والدي:
“يـ-يون، هل تبكين؟”
هززتُ رأسي.
“إذا لم يعجبك، يمكنني—”
هززتُ رأسي مجدّدًا وعانقتُ السيف.
“أحبّه.”
* * *
ليلة احتفال بلوغ سنّ الرشد. تركتُ رسالة على سريري وغادرتُ عشيرة بايكري بهدوء.
ركضتُ لفترة ودخلتُ الغابة بعيدًا عن عشيرة بايكري. اقترب منّي ظلّ كبير وهو يصهل. رأيتُ سوك غاياك، الذي أصبح الآن مراهقًا.
ابتسمتُ بخجل وقلتُ: “شكرًا على العناية به.”
“كنتُ أتساءل أيّ معروف ستطلبينه. لا أصدّق أنّ هذا كان هو.”
كان من السهل الهروب من عشيرة بايكري بمفردي. لكن مع حصان؟ تلك قصة مختلفة.
لم يكن لدي خيار سوى طلب من سوك غاياك أن يعتني بحصاني ويجلبه لاحقًا.
مؤخرًا، بدأ سوك غاياك يقضي وقتًا أقلّ في منزل الطبيب الإمبراطوري سوك. كان يغادر لأكثر من عام، يعود لشهر، ثمّ يذهب مجدّدًا.
والآن، عاد بعد أربعة أشهر أخرى. كنتُ قد طلبتُ من سوك غاياك، الذي لم أره منذ أربعة أشهر، مثل هذا المعروف.
سلّم لي اللجام وسأل: “هل ستغادرين حقًا؟”
“نعم.”
تبعني سوك غاياك من جانبي، كما لو كان يودّعني.
“هذا الاتجاه سيؤدّي بكِ إلى النهر. هل تخطّطين لأخذ القارب؟”
كان فضوليًا لمعرفة لماذا سآخذ حصانًا إذا أخذتُ القارب.
“نعم. سأركب القارب لمدّة ساعة تقريبًا، ثمّ أنتقل إلى ركوب الحصان من بعدها.”
كان والدي دائمًا يستيقظ عند الفجر لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا ليلاحظ أنّني مفقودة. لهذا كان عليّ الابتعاد قدر الإمكان عن عشيرة بايكري قبل أن يلاحظ.
التعليقات لهذا الفصل " 211"