الدليل الأول، الدليل الثاني. ثم قصة لعنة ولي العهد والدواء الأزرق.
وحتى وثيقة الاتهام التي تلخص كل ما جرى حتى الآن بشكلٍ واضح، قرأها الإمبراطور بالكامل، ووجهه قد تشوّه من شدة الغضب.
“…..مروّع.”
“هذه مؤامرة!”
صاحت الملكة وقد شعرت بالخوف من تمتمة الإمبراطور.
“أتعلمين حتى ما هذا الذي تصفينه بالمؤامرة؟”
“أ…..لا، لا أعلم. لكنني أقسم أنني لم أرتكب أي ذنب. لا أعلم لماذا تحمل القديسة ضغينةً ضدي، لكنها تحاول توريطي زوراً.”
“القديسة تحاول توريط الملكة؟ ولماذا تفعل ذلك؟”
“من يدري؟ كيف لي أن أعلم؟ ربما لأنها لم تستطع التخلص من طبيعتها الخبيثة…..!”
“آه، هذه الكلمات…..”
كان هيلديون من قاطع كلام الملكة.
“هل تقصدين أنني أتهمكِ زوراً، يا صاحبة الجلالة؟”
كان هيلديون يراقب الوضع بصمت، لكنه تحرك أخيراً.
“أي منطقٍ هذا يا ولي العهد؟”
“المنطق الأعوج هو من جهتكِ يا صاحبة الجلالة. كل هذه الأدلة تم التحقيق فيها من قبلي ومن قبل القديسة معاً. وبالتالي، كلماتكِ تعني أنني أنا من يتهمكِ زوراً أيضاً، أليس كذلك؟”
عند سؤال هيلديون الحاد، شدّت الملكة على أسنانها. ثم ضحكت باستخفاف وفتحت فمها لتتكلم.
“أجل. الآن اتضح أنكَ من حرّض القديسة. انظر يا جلالة الإمبراطور، كيف يعاملني ولي العهد! هذا الفتى لطالما رآني شوكةً في عينه. لذا، من المؤكد أنه تواطأ مع القديسة ليتخلص مني ويجعل أمه في السلطة بدلاً عني!”
“ما هذا الهراء؟! ليس لدي أدنى اهتمام بمنصبكِ!”
صاحت نيكيتا فوراً، مشدودةَ القبضة.
“هَوّني عليكِ، أرجوكِ.”
وعلى الرغم من محاولة هيستين لتهدئتها، التزمت الصمت بصعوبة.
في خضم هذه الفوضى التي لا تقل عن الفوضى العارمة، مال هيلديون برأسه جانباً وتكلم مجدداً.
“في هذه الحالة، لدي وسيلةٌ للتحقق من صدق نوايا صاحبة الجلالة. هل سمعتم بمطرقة العدالة من قبل؟”
قال ذلك واضعاً يده على مقبض سيفه.
‘أوه لا، ما الذي أغضبه فجأة؟!’
هل يمكن أن يكون السبب أن الملكة شتَمتني؟ يا إلهي، هذا منطقي فعلاً. بالنسبة إلى عضلات حبيبي، فهذا تصرفٌ طبيعي.
فزعاً، أمسكتُ بذراع هيلديون بسرعة.
“سموك، لقد استخدمنا مطرقة العدالة المرة الماضية، ولا يمكننا استعمالها اليوم.”
“…..يا للأسف.”
تمتم هيلديون وهو ينظر إليّ وكأنه يشعر بخيبةٍ حقيقية.
عندها، وثبت الملكة وتحدثت بانفعال.
“يا جلالة الإمبراطور، هل رأيتَ ذلك؟ لقد همّ برفع السيف عليّ للتو! لا شك أن ولي العهد قد نصب لي فخاً ليتخلص مني!”
هممم، لا يا عزيزتي، ليس بهذه السهولة. لن أسمح لكِ بتلفيق التهم على رجلي.
“كلا. مطرقة العدالة هي تقنيةٌ موثقة من قِبل السيدة لوكيرا. فقط لا يمكن استخدامها إلا في عند موافقتها، ولهذا لا يمكننا استخدامها اليوم.”
قاطعْتُ هراء الملكة بهراءٍ جاد. فكما هو معروف، لا يُبطَل الهراء إلا بهراءٍ مثله.
“ثم إنه لا حاجة اليوم لاستخدام مطرقة العدالة من الأساس.”
“…..وما معنى هذا الكلام؟”
سأل الإمبراطور، ففردت صدري وأجبتُ بثقة.
“لأن لدينا دليلاً يدعم صحة الوثائق التي عرضناها عليكَ، ويثبت أنها كلها حقيقية.”
“وما هو هذا الدليل؟”
“أود أن أطلب من السيد الكاهن الأكبر أن يتحقق من الدليل الأول.”
استجاب الكاهن الأكبر لطلبي بكل ترحيب. وأقسم باسمه، ألا يقول إلا الحق، ثم بدأ التحقق من الدليل الأول.
وبعد برهةٍ قصيرة.
“لا يُصدّق…..هذا من متعلقات السيدة لوكيرا المقدسة.”
“تقول أن هذه الرقعة الجلدية المقدسة؟”
“نعم. هذه الرقعة هي من متعلقات السيدة لوكيرا، ولا شك في ذلك. وهي لا يمكن أن تحتوي إلا على الحقيقة.”
“تحتوي فقط على الحقيقة، إذاً هذا يعني أن اعترافات وشهادة الكونت إيكليان المكتوبة عليها كلها صحيحة.”
عندما ذُكر اسم الكونت إيكليان، ارتجف أفراد جماعة الملكة في الوقت نفسه. و كان واضحاً لأي أحد أنهم يشعرون بالذنب أو الخوف.
حسناً، لنواصل الضغط إذاً—
“الدليل الثاني هو الشهود. هناك شهودٌ يمكنهم إثبات أن الدليل الثاني حقيقي. إنهم…..هناك.”
أشرتُ بأصبعي نحو مجموعةٍ من الناس. كانوا جميعاً من ضحايا الدواء الأزرق، أولئك الذين كانوا محتجزين في قبو قصر الكونت.
“…..وهؤلاء من يكونون—اهم.”
كان الكونت أستيان يتمتم بدهشة وكأنه تعرف عليهم، ثم سارع بإغلاق فمه.
قهقهتُ بسخرية وشرحت.
“جميع هؤلاء هم ضحايا الدواء الأزرق، وقد كانوا محتجزين في قصر الكونت أستيان. حاول الكونت التخلّص منهم جميعاً، لكننا تمكّنا من إنقاذهم سالمين.”
وبمجرد أن أنهيت كلامي، أومأ الضحايا برؤوسهم جميعاً في آنٍ واحد.
ثم بدأوا، واحداً تلو الآخر، يسردون شهاداتهم.
“كنت خادماً في قصر الكونت. مرضت، فأعطوني دواءً، لكن عندما عدت لوعيي، وجدت نفسي في القبو!”
“أنا من سكان إقطاعية الكونت. ذهبت للصيدلية أطلب مسكّناً، فأعطوني ذلك الدواء. بدأت أتناوله، وفجأة استيقظت في قصر الكونت—”
“أنا أيضاً، مررت بتجربةٍ مشابهة!”
“وأنا كذلك. تم احتجازي في قبو القصر، وعوملت كما لو كنت حيواناً!”
“القديسة وسمو ولي العهد هما من أنقذانا!”
“لو لم يكونا هناك، لكنا قد لقينا حتفنا لا محالة.”
وسط شهاداتٍ متدفقة وحماسية، رفع الإمبراطور يده بإشارة خفيفة.
“يكفي. يكفي هذا القدر. والآن، أيتها الملكة.”
“…….”
“بعد أن رأيتِ هذا الوضع، هل ما زلتِ مصرةً على أن كل هذا كذب وافتراء؟”
“أنا…..لا علم لي بأيٍ من هذا.”
“لا علم لكِ؟”
عضّت الملكة على شفتيها وأومأت برأسها.
‘…..عنيدة.’
لكن، لا عجب في ذلك. فالاعتراف هنا يعني الإعدام على الفور. لو كنتُ مكانها، لبكيت وتدحرجت على الأرض مدعيةً البراءة حتى اللحظة الأخيرة.
ويبدو أنها فكرت بالطريقة ذاتها، فلجأت إلى ورقتها الأخيرة.
“على ما يبدو، أخي الأكبر و الدوق كيليان قد دبروا كل هذا من ورائي…..فهل يُعقل أن أتحمّل مسؤولية ما لا علم لي به؟”
ما يُعرف بخطة الانسحاب من المعركة.
***
‘أرجوكَ، أرجوكَ، أرجوكَ.’
جلالتك، مرر الأمر فقط!
رغم ادعائها التماسك، كانت الملكة في داخلها لا تكفّ عن التوسل والرجاء.
“آه، إذًا الملكة لم تكن تعرف شيئاً؟”
“نعم. لم أكن أعلم. فكرة أن يكون من روج لهذا الدواء المرعب وارتكب تلك الأفعال الوحشية من عائلتي والمقربين مني…..أمرٌ مرعب للغاية.”
أجابت بكل برود، وكأنها فعلاً لم تكن تعلم شيئاً. وكان هذا هو الخيار الوحيد المتاح لها في هذا الموقف.
لكن، هذا يعني أيضاً أن الشخص الوحيد الذي يستطيع النجاة هنا هي الملكة.
“هل تحاولين الخروج من الأمر وحدكِ؟!”
صرخ الدوق كيليان، الذي ظل صامتاً يراقب الوضع حتى الآن، وقد انفجر غضباً.
فبينما هو عالق تماماً، تحاول هي النجاة وحدها؟
لكن الملكة لم تلتفت إليه حتى، بل اكتفت برفع كتفيها بلا مبالاة.
“لا أفهم ما تقول. يا كونت……لا، يا أخي. أجبني. هل كنتُ على علم بشيءٍ من هذا؟”
“…….”
تردد الكونت قليلاً، ثم التزم الصمت وأشاح بنظره، قبل أن يهز رأسه.
“جلالة الملكة……لم تكن تعلم شيئاً.”
“يا إلهي، هل هذا يعني أن جلالة الملكة كانت ضحيةً بريئة فعلاً؟”
قالت رويلا ذلك بلهجةٍ مبالغ فيها تعليقاً على كلام الكونت، ما كان كافياً لإثارة جنون الدوق كيليان.
“كذب! تلك المرأة كانت على علمٍ بكل شيء. لا، بل هي من خططت لكل هذا من الأساس!”
“لا علم لي بالأمر، يا جلالة الإمبراطور! الدوق يحاول الإيقاع بي!”
“إيقاع؟! أنتِ من وعدتني بجعل ابني ولياً للعهد! أنا الضحية هنا، تحركت بناءً على كذبكِ!”
“ما هذا الكلام الفظيع! أنا مظلومة، يا جلالة الإمبراطور!”
ارتفعت الأصوات، وأصبحت أنظار الحاضرين تتنقل بسرعة بينهما.
‘…..كان عليّ أن أبيع الفشار هنا.’
ربما كنت سأبيعه بالكامل.
وبينما كانت رويلا، التي تسببت في هذه الفوضى، تفكر في هذا الهُراء—
“كفى، كفى!”
صرخ الإمبراطور بغضب، و كام صوته مليءً بالسخط.
“ليصمت الجميع! ما هذا العار؟ أنتم تلحقون الوحل بالعائلة الإمبراطورية!”
قال ذلك بصوتٍ متعب، ثم أشار على الفور إلى الفرسان.
“خذوا جميع المذنبين حالاً. وسيتم الاستجواب الرسمي في سجن القصر.”
“أمرك!”
أجاب الفرسان بقوة وألقوا القبض على الدوق والكونت.
كانت رويلا تراقب المشهد بسرور، قبل أن تمسك بأحد الفرسان المارّين بجانبها بحذر.
“هل هناك أمرٌ ما، سيدتي القديسة؟”
“أمم…..”
“نعم؟”
“ذاك الشاب، السيد كيليان، وابنة الكونت أيضاً من ضمن المتورطين. خذوهما معكم.”
“آه، نعم، حاضر!”
انحنى الفارس بأدب ثم أمسك بـ ديموس الذي كان يحاول الهرب خلسة.
“اتركني! قلت لكَ اتركني!”
كان يتخبط كخنفساءٍ مقلوبة، و كام منظره يستحق المشاهدة حقاً.
‘…..لكن، هذا مفاجئ.’
على النقيض، سيلفيا لم تُبدِ أي مقاومة، بل تبعت الفارس بهدوءٍ تام.
كنت أتوقع منها على الأقل مقاومةً بسيطة، حتى إن لم تكن بنشاط ديموس.
والأغرب من ذلك، أنها لم تبدُ منزعجةً رغم أن الأمور قد انقلبت رأساً على عقب—
ثم حدث ما قطع أفكاري.
“كيف لكَ، يا جلالة الإمبراطور، أن تفعلوا بي هذا؟!”
صرخت الملكة بصوتٍ ملؤه الغضب والخذلان، موجّهة كلماتها نحو الإمبراطور وهي محاطةٌ بالفرسان من كل جانب.
_________________
ياعناد الملكة ذي خلاص ماعاد يمديس 😂
سيلفيا تخوف شكل اهوبيف قايل لها شي
المهم دلع رويلا هنا يجنن😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 166"