مرّ سيفي قاطعًا الهواء حيث كان عنق العنكبوت لتوّه.
من شدة ارتباكي، لم أتمكن من الهبوط بثبات، فدُستُ على جسد العنكبوت وانزلقت.
اقترب ريجاه مني ومدّ يده نحوي، ثم سألني بصوتٍ عذبٍ يحمل دفء لقائنا الأول قبل أن تسكنني الروح الأخرى:
“هل أنتِ بخير؟ هل أصبتِ بأذى؟”
في البداية، ظننتُ أنني أخطأتُ الرؤية.
كيف لقداسته البابا، الذي لا يُفترض إلا أن يكون في أروقة الكاتدرائية المقدسة، أن يكون هنا؟
نظرتُ إليه بدهشةٍ، فابتسم بلطف وقال:
“يبدو أنكِ فزعتِ كثيرًا. لا بأس الآن، أنا هنا، فلا داعي للقلق.”
“آه، نعم، لقد فزعتُ بالفعل.”
كدتُ أنفجر ضحكًا، لكنني كبحتُ رغبتي بصعوبة.
‘يا للحظ! لم أكن أتوقع أن ألقاه هنا.’
من ذا الذي لا يفزع حين يأتيه عدوه الذي يتوق لقتله بنفسه، دون حاجةٍ لاقتحام الكاتدرائية المحصنة؟
كنتُ أظن أنني لن ألقاه إلا باختراق حصون الكاتدرائية، لكن ها هو أمامي الآن بلا حارسٍ واحد!
كنتُ أشدّ على أسناني بقوة لئلا ينفلت ضحكي الهستيري.
“لم أتوقع أبدًا أن يظهر قداستكم هنا.”
ابتسمتُ ببراءة طفلةٍ وأمسكتُ بيده، بينما أحرّك طاقتي السحرية داخل جسدي ببطء.
كانت طاقتي قد نضبت تقريبًا من معركتي مع العنكبوت، لكن ريغن كان غارقًا في طمأنينته.
‘هل أستطيع قتله؟’
لم أكن واثقة، لكن فرصةً كهذه لن تتكرر بسهولة.
“آه!”
تظاهرتُ بأن قدمي المصابة قد خانها، فتعثرتُ، فأمسك بي ريجان ليدعمني.
“احذري، يا صغيرة.”
اقترب جسده مني أكثر.
لو طعنته الآن، سينتهي كل شيء.
لكن في تلك اللحظة، انفجرت الصيحات كالألعاب النارية:
“قداسته؟ هل جاء قداسته حقًا؟”
“واه! قداسته جاء لينقذنا!”
“هاها! الآن لا خوف من أي وحش! قداسته الذي قتل التنين الشرير هنا!”
“نجونا! آه، يا إلهي، شكرًا! شكرًا!”
شعرتُ كأن دلوًا من الماء البارد سُكب فوق رأسي، فبردت أفكاري فجأة.
كان الناس يهتفون بحماسةٍ للبطل الذي قتل التنين الشرير.
“…لكنني أنا من قتله.’
أنا من قضى على التنين الشرير.
كل هذا الحب والتأييد الذي يتلقاه ريجان، أنا من صنعته له.
“ماذا لو قتلته الآن؟’
سأصبح أنا الشريرة، تابعة التنين، بينما يُخلَّد ريجان كبابا بطلٍ قتل التنين لكنه لقي مصرعه بشكلٍ مأساوي.
في كل ذكرى لوفاته، سيزور الناس قبره، يضعون الزهور، يبكونه، ويتحدثون عن مدى عظمته.
‘هل سأرضى بذلك؟’
كلا، مستحيل.
نظرتُ إلى ريجان وهو يبتسم للناس ويلوح لهم بيده، فقلتُ في نفسي:
‘ليس الآن.’
سحبتُ الطاقة السحرية التي كنتُ أحشدها في يدي.
أدركتُ أن تدمير كل ما بنيته له سيكون الانتقام الأمثل.
اقترب الناجون من ريجان، يتعلقون به وهم يقولون:
“حقًا… من المريح أن قداستكم جاء.”
“كيف أنهى ذلك الوحش القوي بلحظة، كان مذهلاً!”
كنتُ أنا من قاتل طوال الوقت، لكنهم تجاهلوني وتزاحموا حوله كالنحل.
‘هل هذا هو الفرق بين الشهرة وعدمها؟’
شعرتُ بمرارةٍ خفيفة.
أجاب ريجان الناس بابتسامةٍ رقيقة:
“كلا، بل أنا من يأسف. لو جئتُ أسرع، لأنقذتُ أرواحًا أكثر.”
فجأة، شقّ رجلٌ ذو شعرٍ أزرق داكن طريقه بين الحشود.
“ابنتي!”
كان دوق كلاستا. لفت ظهوره المفاجئ أنظار الجميع.
“دوق كلاستا؟ ما الذي أتى به إلى هنا؟ هل جاء لقتل الوحش؟”
“لكنه قال لتوّه ابنتي…”
صحيح أن ريجان اشتهر كبطلٍ قتل التنين، لكن دوق كلاستا لم يكن أقل شأنًا.
بعد مقتل التنين، اضطر ريجان للتواري عن الأنظار بسبب إصاباته.
لكن الإمبراطورية ظلت تعاني من الفوضى التي خلّفها التنين ووحوشه.
كان دوق كلاستا هو من قضى على تلك الوحوش، واستعاد أراضي الإمبراطورية المفقودة، وأعاد النظام إلى البلاد.
تجاهل الدوق همهمات الناس وتقدم نحوي مباشرة.
بدأ يتفحص وجهي وجسدي بعناية، وقال:
“سمعتُ أن وحشًا ظهر فجأة. هل أنتِ بخير؟ هل أصبتِ؟”
تحولت أنظار الناس إليّ.
“لم أرَ الدوق يهتم هكذا من قبل!”
“سمعتُ أنه تبنى فتاة… أهي هذه الفتاة؟”
بعد أن اطمأن الدوق على سلامتي، ابتسم برضا وقال:
“هذا مريح، لا إصابات. لكن…”
نظر إلى السيف الذي أحمله، ثم أردف:
“هل ابنتي هي من قضت على هذا الوحش بمفردها؟ أنتِ حقًا… ألم أقل لكِ أن تهربي إذا واجهتِ وحشًا؟ لماذا لا تطيعين أوامري؟”
عندما رفعني الدوق بين ذراعيه، بدأ الناس يتهامسون:
“الآن أتذكر، قبل وصول قداسته، كانت هذه الفتاة تواجه الوحش بمفردها.”
“كنتُ أظن أنها ماهرة جدًا بالسيف لعمرها. إنها حقًا ابنة دوق كلاستا!”
“لولا وقوفها في وجه الوحش، لكنا جميعًا قد متنا.”
عندما بدأ الناس يتحدثون عن بطولتي، لاحظتُ ارتعاشةً خفيفة في عيني ريجان.
قد لا يراها غيري، لكنني خبيرة بكل ما يتعلق بريجان.
‘يبدو أنه ليس سعيدًا.’
كان منزعجًا لأنني شاركته الأضواء التي يريدها لنفسه.
‘هل أستفزه أكثر؟’
نظرتُ إلى الدوق وقلتُ بنبرةٍ حازمة:
“لم يكن لدي خيار، كان عليّ حماية الناس. الوحش كان يحاول قتلهم.”
انفجرت أصوات الإعجاب بين الناس:
“يا إلهي، كيف لفتاةٍ صغيرة أن تكون بهذا النبل!”
“لولاها، لكنا في ورطة. ألم تروا رأس الجندي وهو يُسحق؟ حتى الفرسان علقوا في شبكة العنكبوت!”
“إنها ابنة عائلة كلاستا، فليس غريبًا أن تواجه وحشًا مرعبًا كهذا.”
لكن أحدهم قال:
“لكن من قضى على الوحش هو قداسته، أليس كذلك؟”
فرد آخر:
“صحيح، لكن لولا تأخيرها للوحش، لكنا جميعًا قد متنا قبل وصول قداسته.”
في تلك اللحظة، تقدم ريجان نحونا وقال:
“لم نلتقِ منذ زمن، يا دوق كلاستا.”
“لم أتوقع لقاء قداستكم هنا.”
‘بالطبع، لأنه قتل التنين.’
كراهية الدوق للتنين كانت عظيمة، فليس غريبًا أن يكن الود لريجان الذي انتقم له.
“سمعتُ أنكم توقفتم عن الظهور بعد قتل التنين بسبب صحتكم.”
“كذلك كان، لكنني تعافيتُ الآن، فلا داعي للقلق. بالمناسبة، هل هذه ابنتك؟ لم أسمع أنك تزوجت.”
“إنها ابنتي بالتبني.”
“أنا آرييل كلاستا.”
“قد لا تربطكما الدماء، لكن يبدو أنكِ ورثتِ سيف عائلة كلاستا الحاد.”
اقترب مني ووضع يده على رأسي.
كدتُ أصفع يده دون تفكير، لكنني تماسكت.
“سمعتُ أنكِ حميتِ الناس قبل وصولي. أحسنتِ حقًا.”
كانت هذه أول مديحٍ أسمعه منه، بعد كل ما قاسيته تحت إمرته.
“لا شيء، كان واجبي.”
“لكن في المرة القادمة، تجنبي استفزاز الوحوش. قد يتأذى الناس إذا تورطوا في القتال.”
بدت كلماته كقلق، لكنني أعرف ريجان جيدًا.
كان يقول لي بعبارةٍ أخرى: “لا تسرقي الأضواء مني مرةً أخرى.”
“حسنًا، إذا ظهر وحشٌ أقوى في المرة القادمة، سأفعل.”
تقلّصت جبهة ريجان.
لقد جعلته يبدو سخيفًا. ألمحتُ بأن الوحش كان ضعيفًا، فقلّلتُ من هيبته.
ربما كان يتوقع شيئًا كهذا:
“يا إلهي، قتل وحشًا خطيرًا كهذا بمفرده! قداستنا ريغن عظيم!”
“لا أحد غير قداسته يستطيع قتل وحشٍ مرعبٍ كهذا!”
لكن كلام الناس كان عكس توقعاته:
“حقًا، إذا استطاعت طفلةٌ مواجهته، فالوحش لم يكن قويًا.”
“لكنه وحش! حتى فارسٌ قُتل وهو يحاول قتاله.”
“ربما كان ذلك الفارس ضعيفًا.”
“لكن تلك الفتاة مذهلة! أن تواجه وحشًا بمفردها في عمرها هذا إنجازٌ عظيم.”
أنا طفلة، فأي إنجازٍ أحققه سيُقابل بالتصفيق.
لكن ريجان مختلف.
هو بطل قتل التنين.
قتل وحشٍ تستطيع طفلةٌ مواجهته لا يليق بسمعته.
كان يحتاج لوحشٍ يقتل مئات الناس ويهزم الفرسان، وحشٍ لا يقوى عليه أحد، ليبدو جديرًا بلقب قداسته.
رأيتُ مزاجه يتدهور مع ردود فعل الناس المخيبة لآماله، فشعرتُ بفرحةٍ عارمة.
قال الدوق في اللحظة المناسبة:
“حسنًا، ابنتي تبدو متعبة، سنغادر الآن.”
وأخذني بعيدًا بسرعة.
“هل سبق ولقيتِ قداسته من قبل؟”
“كلا، هذه أول مرة.”
“حقًا؟ عادةً يتوتر الناس عند لقاء البابا لأول مرة، لكنكِ لم تفعلي.”
“ربما لأنني أرهقتُ طاقتي السحرية، فأنا متعبة جدًا.”
غيّرتُ الموضوع بسرعة.
‘يجب أن أكون أكثر حذرًا.’
لا يجب أن يعرف الدوق أبدًا أنني أخطط لقتل ريجان.
بالنسبة له، ريجان هو المنتقم الذي قضى على عدوه.
“لكن كيف وصلتَ بهذه السرعة، يا سيدي الدوق؟”
كان يجب أن يستغرق وقتًا طويلاً ليصل من القصر إلى هنا.
فجأة، بدا الدوق كمن ضُبط متلبسًا، وارتسمت على وجهه نظرة الحيرة.
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 27"
شكرا على الترجمة
نبغا دفعة فصول
شكراً على الترجمه بليز نزلي اكثر💗