بإرشادٍ من الموظف، جلس في المقعد المطل على أجمل منظر بجوار النافذة. ولم يمض وقتٌ طويل حتى ظهرت صاحبة المقعد المقابل.
لقد كانت أراسِيلا، بشعرها البنفسجي الفاتح المنسدل طبيعياً والمزين بدبوس شعر لؤلؤي، مرتديةً فستان شيفون بلون المشمش تعلوه زينةٌ من الزهور البيضاء الناعمة.
و بمجرد أن رآها، نهض داميان ومد يده ليُسندها بأدب.
“مرحباً، زوجتي.”
“هل انتظرتَ طويلاً؟”
“لقد وصلتُ للتو أيضاً.”
ابتسمت أراسِيلا برقة وجلست على الكرسي الذي سحبه لها داميان، ثم أرسلت نظراتها نحو المنظر الخارجي.
كانت أشعة شمس الربيع تنعكس على سطح البحيرة، فتشكّلت تموجاتٌ لامعة كأنها مجرة في وضح النهار، مما جعل طرفي عيني أراسِيلا ينحنيان بابتسامة.
“بمناسبة ذكرى زواجنا، العودة إلى مكان أول موعد لنا أمرٌ يمنحني شعوراً مختلفاً.”
ابتسمت شفتا داميان بدوره. فقد قرر الزوجان في هذه الذكرى أن يتركا أولادهما لدى الأجداد ويخرجا معاً في موعد خاص.
وكان الأمر مميزاً أكثر لأنهما اتفقا على إعادة تمثيل أول موعد بينهما، ما جعل الحماس يملأ الجو.
“في ذلك الوقت كان هناك من يفسد علينا الجو فلم نستمتع وحدنا، أما اليوم فلنقضِ وقتاً دافئاً معاً.”
“فكرةٌ رائعة.”
بعد قليل، وُضع على طاولتهما طبقٌ من شرائح اللحم المشوي الشهي.
فسحب داميان طبق أراسِيلا أمامه، وقطع لها اللحم إلى قطع صغيرة يسهل تناولها، ثم أعاد الطبق أمامها.
لكن أراسِيلا غرزت الشوكة في قطعة لحم، ولم تضعها في فمها، بل قربتها من فم داميان.
“هيا، قل: آه.”
“لا بأس، زوجتي، تناولي أنتِ أولاً.”
“همم، لا ترفض في موعدنا.”
ارتسمت على وجهها ملامح جدية كما لو كانت تخاطب أنطونيو، فابتسم داميان بخفة وفتح فمه.
“ما رأيكَ، ألذ؟”
“نعم، يبدو أنّ طعمه ألذُّ لأنكِ أنتِ من أطعمْتِني إيّاهِ يا زوجتي. والآن حان دوركِ، قولي: آه.”
ثم وضع قطعة اللحم في فم أراسِيلا، وما إن رأى شفتيها تمضغان حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة رضا.
ووجهه الذي ظل وسيماً منذ عشر سنوات، وما يزال، وسيظل كذلك بعد عشر سنوات، عبّر بوضوح عن امتعاض طفولي.
و هو أمرٌ لم يكن ليصدر عن داميان القديم، غير أنّ داميان الحاضر، الذي تعلّم أن يكون صريحاً أمام من يحب، أسند ذقنه إلى يده وأدار نظره نحو الخارج.
“داميان، هل غضبتَ؟”
“نعم.”
“هيا، وأنت تعلم أنّي أُمازحكَ. لقد أصبحت لا أجد للطعام طعماً إن لم تكن معي.”
“وماذا عن تلك المرّة التي قلتِ فيها أنكِ ازددتِ وزناً لأنكِ أكثرتِ من الطعام اللذيذ أثناء سفري؟”
“كنتُ أعني أنّ غيابكَ يجعل قلبي خاوياً، خاوياً تماماً.”
غمزت أراسِيلا بعين واحدة، فذهب انزعاج داميان سريعاً، و اعتدل في جلسته وجذب شفتيه بابتسامةٍ لطيفة.
وأكملا طعامهما وهما يطعمان بعضهما بحميمية لفتت أنظار من حولهما.
“يا للعجب، الدوق و الدوقة فاندرمير، ما زالا على وفاق رائع دائماً!”
“لقد مضى على زواجهما أكثر من عشر سنوات، وما زال الجو بينهما بهذه العذوبة!”
“صفاء المودّة بينهما يبعث فينا نحن أيضاً البهجة.”
كانت ردود الأفعال التي اعتادا في الماضي جلبها عمداً، تخرج الآن على نحو طبيعي.
ودون أن يلقي بالاً لما يقوله الآخرون، أبقى داميان عينيه مثبتتين على أراسِيلا، قبل أن يتوقف فجأة.
“زوجتي، لحظةً واحدة.”
“……؟”
مد يده فمسح بإبهامه أثر الصلصة عن طرف شفتيها، ثم بلا أي تردّد أدخل إصبعه في فمه.
ثم التقت عيناه بعينيها وابتسم ابتسامةً واثقة، فحدّقت أراسِيلا نحوه وكأنها تنظر إلى ثعلب ماكر.
“أتغويني الآن؟”
“بطبيعة الحال، فالرجل في أول موعد يبذل قصارى جهده ليظفر بقلب المرأة.”
“هممم، وتعلم أنّ هذا وحده لا يكفي، أليس كذلك؟”
“كما توقّعتُ، فأنتِ امرأةٌ صعبة المنال يا زوجتي.”
أومأت أراسِيلا برأسها بتعجرف خفيف، وكأنها تقول أمراً بديهياً.
وبعد أن أنهيا طعامهما، انتقلا إلى مكان النزهة المائية، حيث ركبا قارباً صغيراً يجوب بهما أرجاء البحيرة، مستمتعين بنسيمها العليل.
أخذ داميان يرتّب برفق خصلات شعر أراسِيلا التي تفرقت قليلاً، فاستسلمت لحركته الماهرة وهي تتابع منظر ضفاف البحيرة. ثم تحدّثت فجأة،
“لنأتِ في المرة القادمة مع الأطفال. أظن أنهم سيستمتعون كثيراً، سواءً بطعام المطعم الذي ذهبنا إليه أو بجولة القارب هذه، أليس كذلك؟”
هزّ داميان رأسه موافقاً.
“كنتُ أفكّر في الأمر نفسه، فالصوص الذي قُدّم مع شرائح اللحم سينال إعجاب ديبو، أما توني فيحب استكشاف الطبيعة، وسيكون مسروراً للغاية هنا.”
“أتظن أن الأطفال بخير الآن؟”
“نعم، لا شك أنهم يقضون وقتاً ممتعاً مع والديكِ.”
“بدأتُ أشتاق إليهم قليلاً.”
“…..وأنا كذلك.”
كان هذا الوقت المنفرد بينهما ثميناً وعاطفياً، لكن فكرة الأطفال لم تفارق زاويةً من قلبيهما. وهذا أمرٌ طبيعي، فهما ليسا زوجين فحسب، بل والدان أيضاً.
ومع ذلك، ونظراً لأن هذه اللحظات التي يجتمعان فيها وحدهما لا تتكرر سوى مراتٍ قليلة في العام، آثرا كتم شوقهما والتركيز على اللحظة الراهنة.
أمسك داميان بالمجداف، وفكّ أحد أزرار قميصه، ثم طوى كمّيه، فكشفت حركته عن عضلات ساعديه القوية وعروق بارزة.
“زوجتي، سأحاول عبور البحيرة من طرفها إلى طرفها الآخر في دقيقة واحدة.”
“هه، حقاً؟”
“نعم، شاهدي بنفسكِ.”
حرك داميان ذراعيه بقوة، وكأنه يستعرض عضلاته أمامها عن قصد، فانطلق قاربهما بسرعة ملحوظة تخترق صفحة الماء.
كانت أراسِيلا تتأمل يدي داميان برضا، إلى أن أدركت فجأة أنها ليست الوحيدة التي تفعل ذلك.
فمن بين فتحة ياقة قميصه المنفرجة ظهرت عضلاته الرجولية، ما جعل عدداً من النساء حولهما يثبتن أنظارهن عليه دون انقطاع.
كانت عيونهن تتنقّل بين عضلات صدره وعضلات ذراعيه، فانخفض طرف ابتسامة أراسِيلا قليلاً.
‘همم…..لا يعجبني أن ينظرن إلى رجلي بهذه الطريقة’
“زوجتي، هل أنتِ مستمتعة؟”
“كلا.”
“…..ألستِ مستمتعة؟”
“نعم، توقف الآن.”
انتزعت أراسِيلا المجداف من يديه، وأعادت إغلاق أزرار قميصه بنفسها، ثم أنزلت كمّيه الملفوفين.
وبعد أن رتبت ملبسه بعناية، ابتسمت وهي تدرك خيبة نظرات النساء من حولها.
‘أجل…..هكذا أفضل.’
“داميان، إن أردتَ إغوائي، فافعل ذلك في مكان لا يوجد فيه أحد، فهمت؟”
“نعم، ولكن لماذا..…؟”
“لأنني لا أحب أن ينجذب غيري أيضاً.”
“أهي…..غيرة؟”
ارتعشت شفتا داميان بدهشة، وكاد يكتم ضحكةً تسللت إلى وجهه، فغمزت أراسِيلا وهي تنقر وجنته بإصبعها،
“نعم، غيرة. وللعلم، المرة القادمة سأكشف بدوري بعض جلدي.”
ثم، وكأنها جادّة، حرّكت قليلاً—قليلاً جداً—ياقة فستانها إلى الأسفل.
فانتفض داميان فوراً، وأعاد رفع ياقة الفستان إلى أعلى مما كانت، وهو يلتفت حوله بحذر خشية أن يكون أحدٌ قد رآها.
“هذا ممنوعٌ تماماً. لا تفعلي ذلك.”
“إذن أنتَ أيضاً لا تفعل.”
“حتى لو متّ، فلن أفعل.”
تشابكت أصابعهما في وعد صغير، ثم عادا ليستمتعا بجولتهما في القارب بسلام.
هبّت نسمةٌ قوية جعلت الأشجار على ضفاف البحيرة تتمايل، وتناثرت أزهارٌ متفتحة من أغصانها.
فتلقّت أراسِيلا إحدى تلك البتلات المتساقطة مثل الثلج، وألصقتها على وجه زوجها وهي تبتسم ببهجة.
ثم أزال داميان بتلات الزهور العالقة بشعرها وهو يبتسم لها، كانت ابتسامةً أبهى وأدفأ من شمس الربيع.
بعد أن استمتعا بموعد أكثر انتعاشًا من أول لقاء لهما، عاد الاثنان إلى قصر الدوق فاندرمير قبل غروب الشمس.
وفي الطريق نزلا من العربة وأمسكا أيدي بعضهما، يمشيان جنبًا إلى جنب ويتبادلان الأحاديث الهادئة.
“داميان، هل تتذكر حين التقينا أول مرة؟”
“وكيف أنسى ذلك؟ حين أرسلتِ لي فجأةً رسالة اقتراح زواج، ثم اقتحمتِ بشجاعة مقر فرسان الصقر الأحمر.”
“وقتها كنتَ مجرد رجل متأنق المظهر، مزعج لأبعد حد.”
“لن أنكر ذلك، لكنكِ أنتِ أيضًا كنتِ متهورةً بدرجة غير عادية.”
تبادلا ضحكةً خافتة، فأمسكت أراسيلا بيده الكبيرة الدافئة وهزتها بلطف.
“وقتها لم أتخيل أبدًا أنني سأصبح زوجتكَ حقًا، ولا أنني سأقع في حبكَ وأتزوجك، بل ونصبح والدين أيضًا.”
“وماذا ترين إذاً؟ كيف كانت حياتكِ الزوجية مع رجل لم تتوقعي الزواج منه؟ هل شعرتِ يومًا بالندم أو التعاسة؟”
“لا، كنت دائمًا سعيدةً بجانبكَ، ومهما واجهت من صعاب، كانت تزول ما دمتَ معي.”
كان ذلك هو السبب في أن طريق الأشواك الذي سلكاه في الماضي لم يترك في قلبها أثر صدمة أو حزن.
تشابكت ذراع أراسيلا بذراعه وأرخت رأسها على كتفه العريض.
“وبفضلكَ التقيتُ ديبو وتوني أيضًا، لذا فأنت يا داميان فاندرمير حظٌ لن يتكرر في حياتي.”
“أهكذا ترين الأمر؟”
“وماذا عنكَ؟ هل وجدت الحياة معي صعبةً أو مرهقة؟”
“أنا دائمًا أخشى أن أكون مقصرًا في حقكِ وحق أولادنا، ورغم أنني تخلصت من خوفي من أن أصبح مثل والدي، إلا أن رغبتي في أن أكون زوجًا وأبًا صالحًا لا تستطيع مفارقة ذهني.”
عانق داميان كتفها النحيل، وبينما كانا يسيران وصلا أخيرًا إلى القصر، فتوقفا عند نافورة أمام المبنى الرئيسي.
أمسك كلٌ منهما بيد الآخر وتبادلا ابتسامةً لطيفة.
“داميان، أنتَ بالفعل زوجٌ صالح وأبٌ رائع، بل أنت الأفضل بلا منازع.”
“أنتِ بالنسبة لي أكثر مما أستحق، وسأظل دائمًا مسؤولًا عن إسعادكِ أنتِ والأطفال.”
مدّ داميان يده بحذر يمسح خد زوجته، ثم أمسك بذقنها. و اقترب وجهه ببطء، فأغمضت أراسيلا عينيها بخفة، لتطبع شفاهه المألوفة قبلةً على شفاهها.
في تلك اللحظة، انهمرت من فوقهما أصواتٌ صغيرة.
“أمي وأبي يتبادلان القبل مجددًا!”
“دائمًا يفعلان ذلك من دوننا!”
“وأنا، وأنا! أنا أيضًا أريد!”
كان الأطفال الذين انتظروا عودة أراسيلا وداميان بلهفة قد خرجوا إلى الشرفة، ليصادفوا هذا المشهد العاطفي.
وبما أنهما لم يُضبطا للمرة الأولى، لم يشعر الزوجان بالحرج، بل أمسكا وجهي بعضهما وأكملا قبلتهما.
في هذه الأثناء، اندفع الأطفال نحوهم وارتطموا بهم في مرح.
“قبلةً لديبو!”
“وأنا أيضًا أريد!”
“أيها الصغار المدللون، أتريدون قبلة؟”
“إذا أرادا ديبو وتوني، فالأب مستعد في أي وقت.”
حمل كل منهما أحد الطفلين، وطبع قبلةً على خده الناعم، فضحك الصغيران بمرح وردّا القبل لوالديهما.
مدّ داميان يده ليعانق خصر أراسيلا، فالتصق أنطونيو الذي كانت تحمله بها في حضنه أيضًا.
اتكأ أنطونيو نصف جسده على أبيه، فيما داعبت ديبورا شعر أمها، ثم انحنى داميان ليضع جبهته على جبهة أراسيلا.
كانت الابتسامة المشرقة على وجوههم جميعًا غايةً في الروعة والجمال.
و كان ذلك يومًا عاديًا ومميزًا في حياة عائلة الدوق فاندرمير.
<نهاية الفصول الخاصة>
_____________________
وبكذا انتهت الروايه نهائياً 😔
الفصل حلو بس الصدق فيه كرنج ثم قلة تربية
اجل قاعدين تكملون بوسة قدام بزرانكم؟😭
يوم ركبوا القارب كان ودي يجيبون طاري يوم داميان رش ماء بالغلط على اراسيلا وتهاوشوا😭😭😭😭
ااااااااااا ما اصدق انها خلصت طيب ليه المؤلفة ماتسوي جزء لأنطونيو وديبورا؟ فكره صدق
المهم شكرا لكم انفداكم🫂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 209"
مافي فصول اضافية لاختها وخطيبها ؟