في يومٍ ما، بينما كان داميان يضع ابنه في الفراش، همس له بكلماتٍ باح بها أنطونيو الآن بكل برود.
فارتجفت شفتا سالي قليلًا وهي تكتم ابتسامتها. و غطّت فمها بكلتا يديها و تحدثت بصوت مفعم بالمرح،
“يا إلهي، إذًا كان أول حب للدوق هي سيدتنا سيدة البرج؟ وأنتِ أيضًا، أليس كذلك؟”
“نعم، صحيح.”
“أوه! اعترفتِ مباشرة؟ كنت أظن أنكِ ستخجلين.”
“في مثل هذا الوقت، ما فائدة الخجل؟”
لوّحت أراسيلا بيدها وهي تضحك.
بعد عشر سنوات من الزواج، لم يعد كون كلٍّ منهما أول حب للآخر أمرًا يستحق الخجل، خاصةً بعد أن عبرا معًا الكثير من المنعطفات والتحديات.
كان رودي يراقب سالي بصمت وهي تطلق صيحةً صغيرة من الحماس، قبل أن يتحدث فجأة،
“بالنسبة لي، نعم، سالي هي أول حب……لكن أنا لست أول حب لها. لقد كانت على علاقة بشخص آخر من قبل.”
“حقًا؟ سالي؟”
اتسعت عينا أراسيلا بدهشة، بينما احمرّت أذنا سالي حتى صارتا كالجمر، وضربت كتف رودي ضربةً قوية.
“ولِمَ تقول ذلك فجأة؟!”
“ماذا؟ لم أقل شيئًا غير صحيح.”
“لكن……!”
“إذًا يا سالي، كانت علاقتكِ بروي هي الثانية؟”
قرصته سالي بقوة في خصره، وهي تسارع بالنفي،
“لا، لا! بصراحة، رودي هو أول شخص أرتبط به رسميًا. فقط……قبل ذلك خرجت في بضع مواعيد قصيرة.”
“حقًا؟ مع من؟ هل هو أحدٌ من البرج؟”
ولأن سالي ترددت في الإجابة، تكفّل رودي بالكشف،
“لا، لكنه شخصٌ تعرفينه جيدًا يا سيدة البرج. إنه قائد فرسان الصقر الأحمر الحالي.”
“القائد ويند؟! هو وسالي خرجا معًا؟”
“نعم، لكن الأمر كان قصيرًا جدًا، التقينا ثلاث أو أربع مرات فقط وانتهى كل شيءٍ بهدوء.”
أسرعت سالي بالكلام دون أن تأخذ نفسًا لتوضيح الأمر. فقد مر أكثر من خمس سنوات على تلك القصة.
كان إيزيك هو من بادر بالاقتراب، وسالي لم تجده سيئًا، لكن كان هناك حاجزٌ يصعب تجاوزه بينهما: الطبقة الاجتماعية.
فإيزيك كان ابن عائلة نبيلة، بينما سالي مجرد ساحرة من أصول بسيطة.
حتى لو سارت الأمور على نحوٍ جيد وأمكن تجاوز ذلك الحاجز، فأن تصبح سيدة نبيلة لم يكن أبدًا ما تحلم به سالي منذ صغرها.
فهي أرادت أن تبني نجاحها بقدراتها كساحرة، لا أن تصعد طبقيًا عبر الزواج مثل أميرات الحكايات.
لذلك، أنهيا العلاقة باتفاق قبل أن تتعمق المشاعر، وكانت مجرد فترة قصيرة وعابرة لا تترك أثرًا.
وبعد ذلك، تزوّج إيزيك من آنسة نبيلة من طبقته، فيما بدأت سالي علاقة مع صديقها القديم رودي.
مع أنه كان يعرف هذه الحقيقة جيدًا، إلا أن رودي كان أحيانًا يُظهر غيرته الطفولية السخيفة.
“آه، صحيح……أذكر أن اللورد ويند كان يُبدي بعض الاهتمام بسالي في الماضي. لكن يا رودي، إن بقيت تحمل مثل هذه الأمور في قلبكَ، سيقول الناس عنك أنكَ رجلٌ ضيق الأفق.”
نصحتْه أراسيلا وهي تنقر لسانها بأسف، فصمت رودي، وقد احمر وجهه قليلًا وكأنه شعر بالحرج.
“بالضبط! لا تتصرف كطفل غيور! وإن تجرأت على نبش ماضيّ مرة أخرى، سأنتف كل شعرةٍ في رأسكَ.”
لم تفوّت سالي الفرصة، فلوّحت بقبضتها مهددة، لكنها في الوقت نفسه مدت يدها بخفة تحت الطاولة وأمسكت بيده. و رودي بدوره شبك أصابعه بأصابعها وكأنه اعتاد ذلك.
همم……هم يعيشون فترة حب جميلة إذًا.
ذلك التواصل الذي كانا يظنان أنه خفيٌ تمامًا كان واضحًا وضوح الشمس أمام أراسيلا، التي اكتفت بإسناد ذقنها إلى يدها والابتسام قبل أن تحوّل نظرها.
ثم أخذت تضع الطعام الذي بدأ يُقدَّم على الطاولة في طبق أنطونيو الصغير، متجاهلةً سالي ورودي اللذين كانا يعتنيان ببعضهما بأنفسهما.
***
في فترة ما بعد الظهر، وعند عودتهما إلى مكتب أراسيلا، غلب النعاس أنطونيو حتى نام قرب وقت الانصراف.
فحملته أراسيلا بين ذراعيها، وغادرت العمل في موعدها لأول مرة منذ فترة.
و خارج برج السحر، كان داميان يقف ومعه ديبورا ينتظران خروجها.
وما إن رأت أُمها وأخيها حتى قفزت ديبورا بمرح ولوّحت بيديها عاليًا.
“أمي! توني!”
“ديبو!”
ابتسمت أراسيلا ابتسامةً مشرقة وهي تسرع نحوهما.
“اشتقت لابنتي الجميلة. شكرًا لأنكِ جئتِ لاستقبالي……وشكرًا لكَ أيضًا يا داميان.”
“لا داعي للشكر، لقد أنهيتِ عملكِ بجهد اليوم أيضًا يا زوجتي.”
أخذ داميان أنطونيو منها بحركةٍ طبيعية، بينما انحنت أراسيلا لاحتضان ديبورا بقوة. فقد كانت رائحة الطفولة الدافئة وحرارة جسدها تمنحها إحساسًا عميقًا بالسكينة.
“وأنا أيضًا اشتقت إليكِ يا أمي.”
“حقًا؟ إذاً نحن نشعر بالشيء نفسه!”
“هيهي.”
قفزت ديبورا بحماس لتعانق أمها، فحملتها أراسيلا وصعدت معها إلى العربة. بينما كان أنطونيو نائمًا، فتمدّد على ركبتي داميان.
وفي داخل العربة التي تسير بسلاسة، كانت أراسيلا تنصت لحديث ديبورا المرح حينها فتح أنطونيو عينيه ببطء.
“أوه.….”
“توني، هل استيقظت؟”
“أين نحن……؟”
“في عربة عودتنا إلى البيت.”
داعب داميان شعر ابنه بحنان وهو يبتسم، بينما كان الصغير يرمش بعينيه ما زال مثقلًا بالنعاس.
تحرّك أنطونيو قليلًا ثم جلس على ركبتي أبيه. فربّت داميان على وجنته الطرية وسأله،
“كيف كان يومكَ يا توني؟ هل تعلمت الكثير وأنت تراقب والدتكَ في العمل؟”
“نعم، أعتقد أن أمي هي أروع وأعظم شخص في العالم.”
“صحيح، فوالدتكَ شخصٌ مميزٌ حقًا.”
“وأنا……عندما أكبر، سأصبح مثل أمي، ثم سأتزوجها.”
أطلقت أراسيلا ضحكةً على هذا التصريح البريء، بينما أخذ داميان الأمر بجدية كاملة، فأجلس ابنه ليواجهه مباشرة.
“توني، هذا لا يمكن. أمكَ متزوجةٌ من أبيكَ، وقد وعدتني أن تبقى معي مدى الحياة.”
“إذًا……لن أستطيع الزواج من أمي……؟”
“لا، لكن إذا كنت ولدًا مطيعًا ولطيفًا، فستلتقي يومًا ما بامرأةٍ رائعة مثل أمكَ. فهمت؟”
أومأ الطفل برأسه بخفة وهو يوشك على البكاء، فابتسم له داميان بإعجاب.
لكن أراسيلا، وقد خطر لها أن تداعبه، أمسكت بيد ابنتها الجالسة بجانبها و تحدثت عمدًا،
“سمعتِ يا ديبو؟ إذا فعلتِ مثلما قال والدكِ، ستلتقين أنتِ أيضًا برجل طيب مثل أبيكِ.”
“حقًا؟”
تلألأت عينا ديبورا المستديرتان، فيما تجمّد وجه داميان فجأة.
فهو من النوع المفرط في الحماية، الذي يتمنى من الآن أن تبقى ابنته، ذات الثمانية أعوام، معه للأبد وألا تتزوج أبدًا حتى لا تقع في يد “رجل سيئ”.
“لا، ديبو، أنتِ لست مضطرةً للبحث عن أحد.”
“لماذا؟ أنا أريد أن أصبح مثل خالتي، سيدة عائلة، وأجد زوجاً وسيمًا!”
“زوج……؟”
ارتسم على وجه داميان تعبيرٌ وكأن السماء سقطت فوقه، بينما كانت أراسيلا تهز رأسها وهي تنظر إلى زوجها المصدوم من مجرد تلك الفكرة.
ثم فتحت ذراعيها مشيرةً لابنها أن يأتي إليها، فابتعد أنطونيو عن والده المذهول وارتمى في حضن أمه.
“إذًا، هل استمتعتَ اليوم؟”
“لقد كان ممتعًا جدًا.”
“هذا يكفيني، فأنا أيضًا كنت سعيدةً جدًا بقضائي اليوم كله معكَ يا توني.”
ارتسمت الابتسامة على شفاه الأم والابن معًا، وهكذا أسدل الستار على تجربة أنطونيو في برج السحر بنجاح.
***
في أحد أيام الربيع الجميلة بعد الظهر، تحت جلسةٍ بيضاء في حديقة القصر الإمبراطوري حيث تتفتح الأزهار البديعة، جلس الدوق فاندرمير والإمبراطور متقابلين يحتسيان الشاي.
“سمعت أن موعدكَ لتصبح أبًا قد اقترب، فأهنئكَ مسبقًا، جلالتك.”
“صحيح، لم يتبقَّ سوى نحو شهر على موعد الولادة. سيبدو الأمر وكأنني أغمضت عيني وفتحتهما فإذا بالوقت قد مر.”
ردّ الإمبراطور لوكاس بهدوء وهو يضع فنجان الشاي جانبًا، ثم فجأة أطلق تنهيدةً طويلة.
“داميان، قل لي بصراحة……هل تظن أنني سأكون أبًا صالحًا؟”
“هذا يذكرني بالسؤال المشابه الذي طرحته على جلالتكَ في الماضي.”
“صحيح……والآن فقط أفهم شعوركَ آنذاك. كنت أعلم منذ ذلك الحين أنني قد لا أكون أبًا كاملًا، ومع ذلك لا أدري لماذا يثقل قلبي بهذا القلق……”
خفض لوكاس رأسه وهو يفرك جفونه.
لقد مضت أربعة أعوام منذ أن ورث العرش، وحرص على أن يرزق بزوجة وريثة لتعزيز استقرار الحكم، لكن مع مرور الوقت كان شعوره بالضغط كأب يزداد.
هل يمكنه أن يكون أبًا صالحًا، كما كان إمبراطورًا جيدًا؟
رأى داميان الظل القاتم يكسو وجه لوكاس كما كان يكسو وجهه في الماضي، فتكلم ببطء،
“لقد تجاوز جلالتكَ الكثير من المنعطفات الصعبة في حياتكَ حتى وصلت إلى العرش. و هناك من يلقبك بالفعل بالحاكم العادل. فما الذي يمكن أن يعجزكَ بعد ذلك؟”
“…….”
“وأهم من ذلك، جلالتك لست الإمبراطور الراحل، تمامًا كما أنني لست أبي. فلا تشك في نفسكَ.”
ارتسمت على شفتي لوكاس ابتسامةٌ مرتخية متأثرةً بكلمات المواساة الصادقة، وتلاشت الغيمة القاتمة من وجهه، ثم مد يده وربت على كتف داميان.
“شكراً لكَ على قول ذلك، حقاً لا يوجد صديقٌ مثلكَ.”
“الأمر ليس كذلك.”
“آه، صحيح، تذكرت، لقد وصلني قبل أيام شرابٌ نفيس، لِمَ لا نشرب كأساً معاً-”
دَرَج-
لكن بسبب نهوض داميان المفاجئ واقفاً، لم يتمكن لوكاس من إنهاء كلامه.
تحقق داميان من الوقت في ساعته الجيبية، ثم انحنى بانضباط.
“أعتذر يا جلالة الإمبراطور، لدي أمرٌ عاجل وعليّ أن أذهب حالاً.”
“آه، هكذا إذاً؟ مؤسف، لكن لا حيلة في الأمر، إذن اذهب بسرعة.”
“نعم، شكراً لكَ.”
قدّم داميان تحيةً رسمية ثم غادر القصر الإمبراطوري بخطوات سريعة، وكانت وجهته شارع الرقم 7.
في هذه الأثناء، في صالون استقبال قصر الكونت أندرسون، كانت الكونتيسة تلتقي بسيدة البرج.
الآن أصبحت باولا، التي كانت سابقاً آنسة قصر الكونت هايدن، كونتيسة قصر أندرسون، وكانت تتناول الحلوى مع أراسِيلا وتتجاذبان أطراف الحديث.
قضمت باولا قطعةً من الكعك بفرقعة ثم وضعت يدها على جبينها وتمتمت.
“أراسِيلا، لم أكن أعلم أن تربية الأطفال صعبةٌ هكذا.”
“لماذا؟ أليس لوغان يطيعكِ؟”
“بلى.”
لوغان هو ابن بولا المشاغب البالغ من العمر سبع سنوات، وقد سبق أن كسر ساقه قبل مدة وهو يتسلق شجرة.
“في هذه الأيام، صار يرد عليّ بكلام معاند وكأنه صار كبيراً.”
“إنه في سن العناد الآن، حتى أولادي، مع أنهم هادئون نسبياً، يرهقونني أحياناً.”
“آه يا للأسف، كنا في السابق منشغلين بامتحانات الأكاديمية، والآن بتنا نتحدث عن مشاكل تربية الأبناء.”
ضحكت أراسِيلا موافقةً على ما قالته باولا.
ما زالت ملامح وجهها البريئة عند لقائهما الأول واضحة، لكن من الصعب تصديق أن كليهما أصبحتا أماً.
ومع ذلك، لم تتغير بعض طباعهما، مثل عادة بولا في تحريك عينيها باستدارة عند الكلام، أو عادة أراسِيلا في تحريك أنفها، تماماً كما لم تتغير صداقتهما.
“لوغان! لا تركض! ستتعرض للأذى مجدداً!”
صرخت باولا بغضب على ابنها الذي كان يظهر من خلف النافذة وهي تحتسي الشاي.
ثم التقت عيناها بعيني أراسِيلا، فحكّت طرف حاجبها وكأنها تشعر بالحرج.
“أنا حقاً بسبب لوغان، صرتُ مع الوقت أتكلم بصوتٍ أكثر غلظة.”
“هل أحضر لكِ دواءً سحرياً مفيداً للحلق يا كونتيسة أندرسون؟”
“يا إلهي! سأكون شاكرةً لكِ بالطبع يا دوقة فاندرمير……لا، بل يا سيّدة البرج؟”
تبادلت الصديقتان الكلام بمكر لطيف، ثم انفجرتا بالضحك في الوقت نفسه.
وضعت باولا فنجان الشاي جانباً، ثم خطر ببالها فجأةً اقتراح.
“إن لم تكوني مشغولةً اليوم، ما رأيكِ أن نتسوق معاً؟ فأنا ذاهبةٌ لشراء حلوى يحبها لوغان.”
“آسفة، لدي موعدٌ لاحقاً.”
“لا بأس، لنذهب في المرة القادمة.”
تبادلت أراسِيلا مع باولا الحديث لبعض الوقت، ثم غادرت قصر كونت أندرسون حين حان موعدها.
و وجهتها بعد أن ركبت العربة كانت أحد المطاعم.
_____________________
اراسيلا وداميان طالعين في موعد؟ يحليلهم عيالي 🤏🏻
باولا جابت ورع عمره قريب من توني = اطلق اخويا
ولوكاس بيصير ابو 😭 شخصياتي يكبروووون
المهم عز الله داميان بيعاني مع ديبورا 😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 208"