لكن بسبب كونه ابن سيدة البرج، لم يجرؤ الناس على الاقتراب منه بسهولة، واكتفوا بالنظر إليه من بعيد بإعجاب.
وسط ذلك، كان هناك من اقترب بثقةٍ، وهما بالضبط سالي و رودي.
“مرحبًا، سيدة البرج. ما الذي جعلكِ اليوم تأتين مع الصبي؟”
“مرحباً، لأنه كان فضوليًا حول عملي.”
“هل تذكرنا، أيها الصبي؟ لقد التقينا بكَ لفترة وجيزة من قبل.”
انحنت سالي بلطف، وألقت نظرةً ودودة.
كان ذلك حين جاء داميان إلى البرج برفقة ابنه التقت بأنطونيو حين بدأ يتعلم المشي.
أنطونيو قبض سرًا على ثوب والدته وهز رأسه خجلاً، وكان واضحًا عليه توتره بسبب الخجل من الغرباء.
“أنا رودي، وهذه سالي. نحن تلاميذ وأتباع سيدة البرج.”
جلس رودي القرفصاء وأدار عينيه ليقدم نفسه بحيوية.
بينما بدا التوتر واضحاً على وجه أنطونيو، الذي تقدم مترددًا.
“آه، مرحبًا. أنا أنطونيو فاندرمير.”
وقف الطفل مستقيماً حتى كاد يبرز بطنه قليلاً، وامتلأ وجهه بالاحمرار كتفاحة ناضجة.
“أنا أيضًا أحلم بأن أصبح ساحرًا.”
“حقًا؟ لا شك أن الصبي سيحقق هذا الحلم.”
“شكرًا لكم……”
ابتسم أنطونيو بخجل لكنه سعيد.
سالي و رودي، اللذان كانا ساحرين من عامة الناس، لم يكونا بحاجةٍ إلى الرسمية، لكنهما حرصا على إظهار الاحترام كطلاب راغبين في السحر.
بعد تحية الاثنين، تبع أنطونيو أراسيلا إلى الطابق العلوي من البرج.
جلبت أراسيلا كرسيًا وجعلت ابنها يجلس بجانب المكتب. بينما كانت عيون أنطونيو تتنقل بفضول في مكتب والدته الذي لم يره من قبل.
كانت الرفوف ممتلئةً بالكتب على جانبي الحائط، وأكوام الوثائق منتشرة في كل مكان، وأدوات السحر متنوعة.
هز أنطونيو رجليه بحماسٍ الى الأمام و ااخلف، ونظرت إليه أراسيلا بابتسامة خفيفة قبل أن تجلس في مكانها.
ثم أخرجت نظاراتها التي تستخدمها لقراءة الوثائق وأمسكت بالقلم.
“ابقَ هادئًا هنا أثناء عملي. إذا شعرت بأي إزعاج، أخبرني.”
“نعم.”
ابتعدت عيناها عن الطفل الذي أجاب بأدب وبدأت بقراءة تقرير الصباح.
ثم عبست فجأة واستدعت شخصًا ما. فدخل ساحر شاب لا يزال يحتفظ بمظهر الصبية مترددًا.
“هل ناديتني، سيدة البرج؟”
“لقد قرأتُ بحثكَ عن جرعة السحر.”
“آه! أعتذر، آسفٌ حقًا……لقد فشلت لأن قدراتي لم تكن كافية……”
الساحر، الذي ظن أن أراسيلا استدعته لتوبيخه، انحنى فورًا.
لن أراسيلا، وقد نزعت نظارتها ووضعتها، لوّحت بيدها نافية.
“لم أستدعكَ لأسمع اعتذاركَ. على ما يبدو أنكَ أخطأت في مزج المكونات، فجرب أن ترفع نسبة دموع سحلية الرياح إلى سبعة، وتقلل الطحلب اللامع إلى ثلاثة.”
“آه! نعم! فهمت، شكرًا جزيلًا على نصيحتكِ الثمينة.”
“حسنًا، اذهب وعد لعملكَ.”
“نعم، يا سيدة برج السحر، شكرًا جزيلًا!”
غادر الساحر وهو يرمقها بعينين لامعتين مفعمتين بالامتنان. ثم انتقلت أراسيلا إلى التقرير التالي.
وبعد أن أنهت مراجعة التقارير، بدأت تنفيذ تجربتها الجديدة في إعادة إحياء السحر القديم، وهو موضوع اهتمامها مؤخرًا.
كان أنطونيو يراقب أمه من مسافةٍ آمنة. و بدت له وهي تتحكم بسحر معقد لم يتقنه بعد بمنتهى الروعة.
وبينما كان يرسل إليها نظرات إعجاب، التفت فجأة نحو المكتب.
كان المكتب مغطى بأوراق مبعثرة، وكأنه في حاجة ماسّة لمن يرتبه.
‘سأساعد أمي أنا أيضًا.’
فوقف الطفل مدفوعًا بنيّة طيبة، ثم قرّب الكرسي من المكتب، ووقف عليه ليجمع الأوراق……
تحطّم-!
لكنّه أسقط زجاجة الحبر. و سال الحبر الأسود ليغمر الأوراق، وتدحرجت الزجاجة على الأرض وتحطّمت.
“توني! ابتعد، إنه خطر!”
أراسيلا، التي كانت منشغلةً بالتجربة ولم تنتبه لابنها، انتفضت بفزع. فأسرعت بسحب أنطونيو إلى الخلف باستخدام السحر، وركضت لتتفقده.
“هل أنتَ بخير؟ هل أصبتَ؟”
“آه……لا، لم أصب.”
“يا للراحة، هذا يطمئنني.”
أطلقت زفرة ارتياح وبدأت في معالجة الحادث. و جمعت الأوراق المبتلة بالحبر والتقطت شظايا الزجاج المكسور.
و عندما استدارت بعد أن رتبت المكان على عجل، رأت أنطونيو ودموعه تتلألأ في عينيه وهو يحاول كبح بكاءه.
“توني، تعال هنا، لقد ارتعبتَ كثيرًا، أليس كذلك؟”
“هُه……هِك……آسف، آسف……هِك.”
“لا بأس، فقط كن حذرًا في المرة القادمة.”
“كـ….نعم….هه……آآآه!”
انفجر الطفل في بكاءٍ مرير، فاحتضنته أراسيلا بحنان، تربّت على ظهره وتهدّئه بخبرة الأم.
بينما غمرت الدموع زيّها الأبيض الخاص ببرج السحر، حتى بدأ أنطونيو يهدأ تدريجيًا.
ثم أخرجت أراسيلا منديلًا ومسحت وجه ابنها، و ابتسمت بخفة.
“لكن، لماذا لمستَ المكتب يا توني؟”
“كنت أريد مساعدة أمي……”
“آه، كنت تريد ترتيب المكتب بدلًا عن أمكَ؟ كم أنت ولدٌ رائع يا بني.”
حين فهمت أمه قصده تمامًا، تحسّنت ملامح أنطونيو، فربّتت أراسيلا بحنان على رأسه الصغير.
“توني، هل أنتَ فضوليٌ لمعرفة ما يفعله السحرة الآخرون غير أمكَ؟”
أومأ برأسه.
“إذًا، تريد أن نذهب ونرى؟”
ثم أومأ بحماسٍ أكبر. و عاد البريق والحيوية إلى عينَيه الذهبيّتين الكبيرتين.
فأخذته أراسيلا معها ونزلت إلى الطابق السفلي. و توقفت خطواتها أمام بابٍ معين.
كان في الماضي مختبرها الخاص، لكنه أصبح الآن مختبرًا يستخدمه ساحران.
طرقت الباب ودخلت، فاستقبلهما سالي و رودي بابتسامةٍ عريضة.
“أوه! سيدة البرج! والسيد الصغير!”
“ما الذي أتى بكما إلى هنا؟”
“أنطونيو أراد رؤية ما يفعله السحرة الآخرون، وبما أنني أجري الآن تجربة سحر قديم، من الخطر أن يكون معي في الغرفة نفسها. هل يمكنكما الاعتناء به قليلًا؟”
“بالطبع!”
هز الاثنان رأسيهما بالموافقة على الفور، فشكرتهم أراسيلا وغادرت تاركةً ابنها معهم.
جلسا سالي ورودي إلى جانبه وبدآ يعرّفانه على الأداة السحرية التي يعملان على تطويرها.
“ها هو، هذا هو جهاز كشف الكذب السحري الذي نصمّمه حاليًا.”
“وقد ركزنا على أن لا يسبب أي ضغط جسدي أو نفسي، وهو الآن في مراحله النهائية.”
كان جهاز السحر بحجم ساعد رجل بالغ، وفي داخله سائل خاص متموّج يعتمد على عقار الاعتراف، تتوسطه نبتةٌ صغيرة.
“إذا وضعت يدكَ هنا وقلت كذبة، ستموت النبتة، أما إذا قلت الصدق، فتتفتح زهرة.”
“واو، هذا مدهش……”
“هل تريد أن تجربه؟”
“نعم.”
قامت سالي بطيّ كم أنطونيو الصغير وأدخلت يده في الجهاز السحري. فارتجف قليلًا حين لامس برودة السائل، ثم اعتدل جالسًا.
“مم……عن ماذا أسألكَ….آه! ماذا تناولتَ كوجبة خفيفة البارحة؟”
“بسكويت الشوكولاتة.”
“وكم قطعة أكلتَ؟”
“……ثلاث قطع؟”
حين نطق أنطونيو، أضاء السائل الشفاف للحظة، ثم ذبلت النبتة فجأةً كأوراق الخريف اليابسة. إشارة إلى أنه كان يكذب.
فارتجّت عيناه الكبيرتان قليلًا، واحمرّت وجنتاه بخجل. بينما كتمت سالي ضحكتها وانحنت نحوه.
“إذًا، كنتَ تكذب؟”
“……نعم، أكلت خمس قطع.”
“هههه، ما أروعكَ!”
مدّت سالي يدها دون وعي وربّتت على رأسه، ثم اعتذرت سريعًا، لكنه هز رأسه بخجل وكأنه يقول: لا بأس.
“حسنًا، اجلس قليلًا هنا، سننظف المختبر.”
“حسنًا.”
نقلاه إلى الأريكة، ثم شرعا في ترتيب الغرفة من فوضى العمل على تطوير الجهاز السحري.
أعادا أدوات التطوير إلى أماكنها، ومسحا آثار السائل السحري المتناثرة، ورتبا دفاتر البحث والكتب.
كانا يتحركان بنشاطٍ حتى لا يشعر الطفل بالملل، بينما كان أنطونيو يتابعهم بعينيه الواسعتين اللامعتين.
“سالي، ضعي هذا في رف الكتب.”
“حاضر.”
ناولها رودي كتابًا، فتلامست أطراف أصابعهما للحظة ثم ابتعدت. وأثناء مرورها بجانبه وهو يكنس الأرضية، لامست سالي ذراعه بخفة.
وقد انعكس الاثنان بوضوح شديد في عيني الطفل الكبيرتين الصافيتين.
ثم حلّ وقت الغداء. و كعربون شكر لسالي ورودي على اعتنائهما بأنطونيو، أخذتهما أراسيلا جميعًا إلى مطعم.
وأثناء انتظار الطعام بعد طلبه، وضعت منديلًا على ساقَي ابنها لتعتني به.
“يبدو أن رؤية سيدة البرج في دور الأم أمرٌ يثير الدهشة في كل مرة.”
“لماذا؟ ألا يناسبني هذا الدور؟”
“لا، الأمر ليس كذلك أبدًا.”
أسرعت سالي في نفي الأمر بيديها.
لكن في الحقيقة، كان الأمر مدهشًا لأنه بدا طبيعيًا ومألوفًا عليها للغاية.
ابتسمت أراسيلا ابتسامةً خفيفة وكأنها تمزح، وربّتت على وجنة ابنها الطرية.
“توني لم يزعجكما أثناء عملكما، أليس كذلك؟”
“أزعجنا؟ أبدًا، لقد كان سيدًا صغيرًا في غاية الأدب.”
هز رودي رأسه موافقًا وهو يجلس بجانب سالي.
فعادةً ما يسبب الأطفال المتحمسون المتنقلون في المكان إزعاجًا، لكن أنطونيو كان ناضجًا بشكل لا يُصدق مقارنةً بسنّه التي لا تتجاوز ست سنوات.
“يبدو أنه تصرف بذكاء، حسنًا……وماذا عنكَ يا توني؟ هذان الاثنان من أفضل السحرة في البرج، هل تعلمتَ الكثير منهما؟”
“نعم……لكن لدي سؤال.”
“ما هو؟”
“لماذا يمسك رودي وسالي أيديهما خلسةً طوال الوقت؟”
رنّ السؤال البريء في المطعم بوضوح تام.
مالت أراسيلا برأسها قليلًا، و بينما كان رودي يشرب الماء بصقه فورًا.
“هاه؟”
“بوووف―!”
صم قفزت سالي من مقعدها وقد احمر وجهها حتى العنق، وبدأت تهز رأسها بجنون.
“لا، لا، الأمر ليس كما رأيت! أنت مخطئ، لم نمسك أيدي بعضنا!”
“بالـ، بالـ، طبع……أبدًا……هاهاها!”
مسح رودي فمه بكمّه وأسرع بمساندة إنكارها، لكن أراسيلا نطقت بالحقيقة ببرودٍ تام،
“لأنهما حبيبان. لا يوجد قانونٌ يمنع العلاقات العاطفية داخل البرج.”
“……!”
فدق قلبهما في آنٍ واحد!
نهض رودي من مكانه بملامح مذهولة، وقد شحب وجهه على عكس وجه سالي الذي كان محمرًّا.
“سيـ……سيدة البرج، كيف عرفتِ ذلك……؟”
“ألم تسمع بالمقولة؟ إذا وقع ساحران في البرج بعلاقة حب، حتى أحجار المانا تعرف بالأمر.”
“……لا يمكن.”
“بل يمكن، لقد انتشرت شائعة علاقتكما لدرجة أنها وصلت حتى إلى أذني.”
كانت تلك اللحظة التي انهارت فيها سرية علاقتهما.
فتبادل سالي ورودي نظراتٍ سريعة، ثم جلسا من جديد بوجوه يختلط فيها الاستسلام بالإحراج.
تنفّس رودي بعمق ومسح وجهه بيديه قبل أن يتكلم،
“هاه… …أعتذر لعدم إخباركِ منذ البداية.”
“لا عليكَ، لستما مضطرَين لإخباري بأمور حياتكما الخاصة. ما دمتما لم تتسببا بمشاكل في العمل بسبب العلاقة، فالأمر لا يخصني.”
أراسيلا رفعت كتفيها ببرود وكأن الأمر تافه، ثم أسندت ذقنها إلى يدها وضاقت عيناها بنبرةٍ مازحة.
“إذًا، منذ متى وأنتما معًا؟”
“……لم يمض وقتٌ طويل، فقط أكثر من عام بقليل.”
“مباركٌ لكما. بعد كل تلك المشاحنات بينكما، هكذا إذًا انتهى الأمر.”
“ها……هاها……”
ابتسمت سالي بخجل.
لقد أمضيا وقتًا طويلًا كصديقين قبل أن تتطور العلاقة بينهما، ولهذا كان من الصعب عليهما إعلانها.
كيف يمكن أن تقول: “كنا مجرد صديقين البارحة، أما اليوم فأصبحنا حبيبَين”؟
حتى الفكرة وحدها كانت كفيلةً بجعل وجهيهما يشتعلان.
وبينما كانا غارقين في خجلهما، رفع أنطونيو نظره إليهما بعينين صافيتين، ثم ألقى سؤالًا أشبه بالقنبلة،
“إذًا، هل سالي ورودي أيضًا أول حبٍ لبعضكما؟ أبي قال أن أمي كانت حبه الأول.”
_____________________
انطونيو وده يخرب بيوت؟😭
بس اوميقااااد ماتوقعت سالي ورودي وينس يا ريم شوفي عيالس
توني كيووووووووووووووت واراسيلا ام بزياده واو 🤏🏻
ابي بعد مومنتات ابويه مع داميان ☹️
Dana
التعليقات