كانت الطفلة كارين، ابنة إيزيك، في الثالثة من عمرها هذا العام.
وما إن رأت ديبورا حتى بدأت تلوّح بذراعيها وتتحرك بحماس.
“أختي!”
“يا إلهي، كارين!”
أنزل إيزيك ابنته. فأسرعت كارين، التي كانت تتعلق بديبورا كما لو كانت أختها الكبرى، وركضت نحوها بخطًى صغيرة.
ثم عانقت الطفلة الصغيرة الطفلة الأصغر منها بكل حماسة.
“أختي، يوم ميلاد سعيد. هذه كتبتها كارين.”
“حقًا؟ شكرًا لكِ، كارين.”
أخرجت كارين بخجل مظروفًا ورديًّا مرسومًا عليه الكثير من القلوب. وحين تلقّت ديبورا الرسالة بفرح بالغ، احمرّت وجنتا كارين الممتلئتان.
“كارين، هل تودّين اللعب مع الأخت؟”
“نعم!”
“أبي، هل يمكنني الذهاب إلى أصدقائي؟”
عندما أومأ داميان برأسه، انطلقت ديبورا بفرح لتأخذ أنطونيو، وتوجهت بالأخوين، كلٌّ على أحد جانبيها، نحو مجموعة الأطفال المتجمعين هناك.
وبينما كان الكبار يتحدثون مع بعضهم، والأطفال مع بعضهم، اقترب وقت تقطيع الكعكة دون أن يشعر أحد.
دخلت إلى وسط القاعة كعكةٌ ضخمة على هيئة بيت من الحلوى، أعدّها كبير الطهاة خلال أسبوع كامل.
ثم وقفت ديبورا أمام الكعكة بكل فخر تحت أنظار الجميع.
“شكرًا لحضوركم حفلة يوم ميلادي اليوم. لنتناول معًا أطعمةً لذيذة ونقضي وقتًا ممتعًا!”
وما إن أنهت تحيّتها المرحة حتى دوّى التصفيق.
أمسكت يدٌ صغيرة بيضاء بسكين التقطيع الصغير. و لوّحت به ثلاث مرات، فأصدر صوتًا كالريح.
وكانت حركتها في التلويح به غير عادية البتة. و قطعت ديبورا بيت الحلوى بدقة، وقد بدا بوضوح أنها ورثت موهبة والدها.
بووم! بووم!
انفجرت الألعاب النارية من السقف، وانتشرت البودرة اللامعة في الأرجاء، فراح الأطفال يمدون أيديهم ويصرخون من الفرح.
رفعت ديبورا رأسها نحو الأعلى مستمتعةً بالمشهد، ثم نظرت نحو باب القاعة وقد غمرتها مشاعر الترقب.
لكن ما إن رأت الباب مغلقًا دون أن يتحرك، حتى خيّمت مشاعرٌ من الخيبة على عينيها. فقد كانت تأمل أن تظهر أمها لحظة تقطيع الكعكة.
عضّت ديبورا على شفتيها الصغيرتين، لكنها سرعان ما غيّرت ملامحها إلى ابتسامة متكلفة.
كان داميان يقف خلفها بخطوةٍ واحدة، فألقى عليها نظرةً جانبية.
“هيهي، جميلة.”
فقالت ذلك بصوت متصنع للبهجة وهي تمسك بقصاصات الورق المتطايرة، لكن الحزن تسلل إلى وجهها بخفة.
فربّت داميان على كتفها الصغير بصمت، محاولًا أن يملأ الفراغ الذي خلّفه غياب أراسيلا.
ومضى الوقت دون رحمة.
ورغم أن الحفلة التي بدأت عند وقت الغداء استمرت حتى الغروب، لكن أراسيلا لم تأتِ.
وبينما كانت ديبورا تتحمّل الأمر بصبر، انفجرت في النهاية عند اقتراب وقت العشاء.
“لا أريد أن آكل! متى ستأتي أمي؟ لماذا لا تأتي…..هوووااه!”
انهارت ديبورا على السرير وبدأت تبكي بحرقة. فراحت أودري تمسح على ظهرها مرتبكة، لا تعرف ما تفعل.
أما داميان، فكان يضغط على مؤخرة عنقه بوجه حائر، ثم اقترب من ابنته بحذر.
“ديبو، أمكِ تحاول أن تأتي بأسرع ما يمكن. إذا لم تأكلي، ستنزعج ماما، لذلك دعينا نأكل، حسنا؟”
“لااا…..أنا أكثر انزعاجًا الآن. لا أريد أن آكل.”
“…..لقد حضّرنا لك السلمون المشوي الذي تحبينه، وفي الحلوى تارت الليمون أيضًا.”
حاول استمالتها بصوته الهادئ، لكن ديبورا لم تُبدِ أي تجاوب.
ثم اقترب أنطونيو بتردد وأضاف،
“أختي…..سأعطيكِ التارت الخاص بي أيضًا.”
“كله لكَ. أنا لا أريد شيئًا.”
وحين فشلت محاولة أنطونيو أيضًا، ساد جوٌ من الكآبة في الغرفة. بينما تبلّلت الوسادة التي دفنت ديبورا وجهها فيها شيئًا فشيئًا.
وبعد أن تبادل من حولها النظرات الحائرة، انسحبوا في النهاية واحدًا تلو الآخر. فلم يبدُ أن مواساتها ستجدي نفعًا، وكان من الأفضل تركها لبعض الوقت بمفردها.
“ههيك…..أواااه..…”
بقيت ديبورا وحدها في الغرفة بعد مغادرة الجميع، وبكت طويلًا.
كانت دائمًا ابنةً صالحة تتفهم انشغال أمها، لكنها لم تستطع كبح شعورها بالحزن لغيابها في يوم ميلادها.
وبينما كانت دموعها تتواصل، بدأت بالتدريج تخفت مع حلول الظلام.
***
استغرقت المناقشات حول إنشاء برج سحري ثانٍ في إمارة كيستون وقتًا أطول مما كان متوقعًا. فقد انقسم الحاضرون بين مؤيد ومعارض، مما صعّب الوصول إلى اتفاق.
وبعد جهد، تم اتخاذ القرار ببنائه، فسارعت أراسيلا بالاستعداد للعودة.
“لقد مر وقتٌ طويل منذ آخر لقاء لنا، فهلّا شربتِ كوبًا من الشاي قبل المغادرة؟ بل يمكنكِ المبيت هنا إن رغبتِ.”
“أعتذر، لكن اليوم ميلاد ابنتي، وعليّ العودة بأسرع ما يمكن.”
حاولت الدوقة كيستون إقناعها بالبقاء، وعلى وجهها مسحة من الأسف، لكن أراسيلا اعتذرت بأدب وهي تفكر في ديبورا.
عادت إلى العاصمة عبر السفينة الطائرة، و عندما وصلت إلى القصر، كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بمدة طويلة.
و كان داميان بانتظارها، إذ لم ينم وبقي يترقّب عودتها.
“زوجتي، مرحباً بعودتكِ.”
“مرحباً داميان، و ماذا عن الأطفال؟”
“نام توني قبل قليل، أما ديبورا فقد بكت حتى غفت دون أن تأكل شيئًا.”
“آه…..وهل أعطيتها الهدية؟”
هزّ داميان رأسه نافيًا. فقد كان يعلم أن تقديم الهدية دون وجود أمها لن يدخل السرور إلى قلب ديبورا.
طرقت الباب برفق. وعندما دخلت، رأت ديبورا نائمة وهي تتكوّر على نفسها وتحتضن الغطاء.
نظرت أراسيلا إلى آثار الدموع العالقة على خدها الطريّ بحزن، ثم هزّت جسدها الصغير بلطف.
“ديبو، ماما هنا. استيقظي يا صغيرتي.”
“هممم..…”
“هل ستستمرين في النوم؟ هل أعود إليكِ في الصباح؟”
“همم…..ماما؟”
فتحت ديبورا عينيها المنتفختين بالكاد، ومدّت يدها. فأمسكت أراسيلا بيد ابنتها وهي تبتسم لها بلطف.
“نعم، ماما هنا.”
“…..لماذا تأخرتِ إلى هذا الحد؟ لقد انتهى يوم ميلادي بالفعل..…”
“أنا آسفة، كنت أودّ المجيء باكرًا، لكن كان لدي الكثير من العمل.”
“هيي..…”
تكورت شفتا ديبورا بأسى، وبدأت دموعٌ جديدة تتجمع في عينيها. فأسرعت أراسيلا باحتضانها، تربت على ظهرها بحنان.
“لا تبكي، ماما عادت، أليس كذلك؟ لم تتخيلي كم اشتقتُ إليكِ طوال الوقت الذي كنت أعمل فيه.”
“…..هيك.…”
“كيف يمكنني أن أُرضي أميرتي ديبو؟ هل ترغبين في التنزه مع ماما في الحديقة؟”
“…..نعم.”
“رائع.”
أحضرت أراسيلا بنفسها عباءةً من غرفة الملابس، و ألبستها لابنتها، ثم حملتها على ظهرها وخرجت إلى الحديقة.
كانت الحديقة في ليلة الشتاء مغطاةً بطبقة ناعمة من الثلج الأبيض، تنبض بهدوء وجمال. بينما أضاء القمر المكتمل طريقهما بنوره الفضي.
“هل أنتِ بخير؟ لستِ بردانة؟”
“لا، لستُ بردانة.”
“أنا آسفة لأنني لا أستطيع أن أكون بجانبكِ دائمًا. لكن هذا لا يعني أنني لا أحبكِ.”
وبينما كان صوت أمها يتردد بهدوء، شدّت ديبورا ذراعيها حول عنقها أكثر، ودفنت وجهها في كتفها. و حين تسللت رائحة أمها المألوفة إلى أنفها، شعرت بالسكينة تعود إليها.
“يوم ميلاد سعيد، ديبو. أحبكِ كثيرًا. وسأبذل جهدي لأكون معكِ في كل ميلادٍ لكِ، فلا تكرهي ماما، حسنًا؟”
“…..لا أكرهكِ يا ماما. أنا أيضًا أحبكِ…..أكثر من أي أحد في هذا العالم.”
عندما وصلها هذا الرد المتلعثم، ارتسمت ابتسامةٌ مشرقة على شفتي أراسيلا.
“حقًا؟ هل تحبين ماما؟”
“نعم…..أنا أخاف من أمي، لكنني أحبها.”
“تخافين من ماما؟ وماذا عن أبيك؟”
“أبي…..لا أحبه بقدركِ..…”
كان ذلك نتيجة أن أراسيلا هي من تولت مسؤولية التربية، لأن داميان كان دائمًا يضعف أمام ابنته.
ضحكت أراسيلا بخفة، ثم عادت إلى الداخل وهي تقلق من أن تصاب الصغيرة بالبرد.
وكان داميان بانتظارهما، يحمل بطانيةً في يده.
“ديبو، لم تأكلي العشاء، أتشعرين بالجوع؟”
“قليلاً فقط.”
“إذًا، هل تريدين تناول الطعام وتلقي هدية ماما وبابا معًا؟”
“هاه! نعم!”
صعد الثلاثة إلى غرفة ديبورا، بينما كانت أودري قد حضرت وجبةً خفيفة في المساء.
ولأنها كانت شديدة الجوع، التهمت ديبورا الطعام بسرعة كبيرة.
رغم أنها تلقت التهاني من كثير من الناس خلال النهار، إلا أن لحظات وجود والديها إلى جانبها كانت أسعد ما مرّ بها في ذلك اليوم.
مسحت أراسيلا فم ابنتها بمنديل، ثم أرسلت نظرةً إلى داميان. فأحضر صندوقًا مزينًا بشريط وردي جميل.
“تفضلي، ديبو. هذه هدية ماما وبابا.”
“ما هي؟”
“افتحيها بنفسكِ لتعرفي.”
فتحت ديبورا الغلاف ووجهها مليءٌ بالتشوق. ومن داخل الصندوق المستطيل ظهر…..
“وااو! سيف!”
كان سيفًا خاصًا صُنع خصيصًا لها، بتصميم يناسب الأطفال.
وقفت ديبورا من مكانها بحماسة، ولوّحت بالسيف. و كان مقبضه مناسبًا تمامًا ليدها الصغيرة، وخفيفًا لا يرهق معصمها.
“ألم تقولي أنكِ تريدين أن تصبحي فارسةً شجاعة مثل أبيكِ؟ لهذا السبب صنعا ماما وبابا هذا السيف خصيصًا لكِ.”
“لنتمرن معًا باستخدام هذا السيف، تمامًا مثلما يفعل الفرسان.”
“نعم! شكرًا جزيلاً!”
وضعت ديبورا يديها بأدب على بطنها وانحنت بانضباط، مبتسمةً بسعادة وكأنها لم تبكِ أبدًا.
وخلفها، بينما كانت تتأمل السيف بعينين تتلألآن كالنجوم، تبادل داميان وأراسيلا الحديث بصوت خافت.
“لقد تجاوزنا الأمر بصعوبة.”
“كاد أن يحدث ما لا يُحمد عقباه يا زوجتي.”
“أعلم ذلك، وسأحرص على تنظيم جدول أعمالي جيدًا حتى لا يتكرر هذا في العام القادم.”
تنهدت أراسيلا بصوتٍ خافت، ثم ربّت داميان على ظاهر يدها. فمالت برأسها قليلًا إلى كتفه العريض.
“شكرًا لتعبكَ اليوم بدوني، يا داميان.”
“وأنتِ أيضًا بذلتِ جهدًا كبيرًا في عملكِ. لكن الأهم أن ديبورا لن تتذكر هذا اليوم كيوم ميلاد سيئ، وهذا ما يبعث على الارتياح.”
“معكَ حق.”
ارتسمت الابتسامة على وجهيهما في آنٍ واحد وهما ينظران إلى ابنتهما.
كانت أنظاراً حانية ومليئة بالمحبة تملأ الجو دفئًا.
لقد كانت ليلةً دافئة في قلوب الجميع.
***
وفي خريف العام التالي، كانت أراسيلا حاضرةً لحسن الحظ في ميلاد أنطونيو السادس.
و على عكس شقيقته الكبرى النشيطة والجريئة، كان أنطونيو هادئًا وخجولًا، ونادرًا ما يطلب شيئًا لنفسه. لكن هذه المرة، عبّر للمرة الأولى عن رغبته في الحصول على هدية معيّنة.
“حقًا؟ ماذا تريد؟ فقط قل لي.”
“أممم…..أريد الذهاب مع ماما إلى برج السحر.”
“برج السحر؟”
“نعم. أنا فضوليٌ لمعرفة ما تقوم به ماما في عملها، ولأنني سمعت أن من يريد أن يصبح ساحرًا عليه أن يدخل برج السحر لاحقًا..…”
وبمعنى آخر، كان يريد أن يخوض تجربة برج السحر بنفسه، ما جعل داميان وأراسيلا يفتحان أعينهما دهشة.
فبينما تحلم ديبورا بأن تصبح فارسةً مثل أبيها، كان أنطونيو، على العكس، يتمنى أن يصبح ساحرًا مثل أمه.
كان أنطونيو، كما يليق بابن أراسيلا، موهوبًا بالفطرة، لذلك بدأت تعليمه السحر في سن مبكرة. إلا أن خجله الشديد منعه من إظهار قدراته أمام الآخرين.
ولكن عندما أبدى للمرة الأولى رغبةً واضحة بنفسه، سارعت أراسيلا إلى تلبية طلبه على الفور.
“إذًا، هل نذهب معًا إلى العمل غدًا؟”
فأومأ أنطونيو برأسه ووجنتاه متوردتان من الخجل.
وفي اليوم التالي مباشرة، وصلت أراسيلا إلى برج السحر وهي تمسك بيد ابنها.
وعندما ظهر أنطونيو، الذي يشبه خاله أدريان إلى حدٍّ كبير، عمّت البلبلة بين السحرة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات