وبينما كانت الطفلة تبكي بصوت عالٍ، كان داميان ممسكًا بيد أراسيلا المنهكة ويتمتم،
“لن يكون هناك طفلٌ ثانٍ، يا عزيزتي. أبدًا، لن يكون هناك طفل ثانٍ……”
و قد كانت عيناه محمرتين من شدة الخوف من فقدان زوجته طوال الولادة.
لكن بعد عامين، في أوائل الخريف، أنجبت أراسيلا ابنًا كثاني طفلٍ لهما.
وبينما كان يرافقها وهي تتألم،
“لو متِّ، سأموت معكِ.”
“……داميان، إن كنت ستتفوه بالهراء، فاخرج من هنا.”
كانت أراسيلا منزعجةً فعلًا، وزادها كلام زوجها اختناقًا، فلوّحت بيدها لطرده.
و بعد أن انتظر بقلق على باب الغرفة، تمكن داميان أخيرًا من لقاء زوجته وابنه سالمَين.
ثم ركض إليها لاهثًا، وكان العرق يتصبب من وجهه، فمدّت يدها لتمسح وجهه،
“لن يكون هناك طفل ثالث. واضح؟”
“نعم، وأنا أيضًا……فعلًا، لن يكون هناك طفلٌ ثالث بعد الآن.”
وهكذا أصبحا والدَين لطفلين، فتاة وصبي.
الأولى: ديبورا فاندرمير. و الثاني: أنطونيو فاندرمير.
لقد كبرت عائلة الدوق فاندرمير من اثنين إلى أربعة.
***
بعد سبع سنوات.
كانت أراسيلا، بصفتها سيدة برج السحر، تعقد اجتماعًا دوريًا كل يوم أربعاء.
حتى إن لم تكن هناك أمورٌ تستدعي النقاش، كانت تحرص على الاطلاع الكامل على أوضاع برج السحر الداخلي.
وفي هذا اليوم، كانت تجتمع مع كبار السحرة في قاعة الاجتماعات وتناقش معهم بحماسٍ طلب الدوق الأكبر كيستون بشأن “بناء برج سحر ثانٍ”.
“أ-أعذريني، سيدة البرج. وصلكِ اتصالٌ عاجل عليكِ التأكد منه فورًا.”
دخل أحد السحرة، والذي كان يقوم بدور سكرتيرها، بخطى حذرة.
“ما الأمر؟”
مدّت أراسيلا يدها وتسلّمت الرسالة التي قدّمها لها السكرتير. وما إن قرأت محتواها حتى تجمّدت ملامح وجهها.
ثم طوت الورقة إلى نصفين، و نهضت بسرعة،
“سننهي الاجتماع عند هذا الحد لليوم. اجمعوا آراءكم وسنلتقي مجددًا غدًا.”
وقبل أن يتمكن الحاضرون من وداعها، كانت قد غادرت برج السحر مسرعة، متوجهة إلى منزل الكونت لوندري.
عادةً ما يتلقى أطفال النبلاء تعليمًا خاصًا في المنزل حتى دخولهم الأكاديمية، لكن لتعليمهم المهارات الاجتماعية، يُرسلون أحيانًا إلى دروس تعليمية منزلية خاصة.
ديبورا وأنطونيو كانا من الفئة الثانية.
المكان الذي كانا يرتادانه تديره كونتيسة لوندري، وكان مشهورًا جدًا في مجتمع النبلاء، حتى أن الناس يصطفون طوابير طويلة لتسجيل أبنائهم فيه.
وكانت الكونتيسة حازمة جدًا في إدارة المدرسة من أجل الحفاظ على سمعتها، فإذا حصل أي خطأ مهما كان صغيرًا، كانت تستدعي الوالدين فورًا.
وقد استُدعِيا أراسيلا وداميان بالفعل عشر مرات من قبل الكونتيسة.
هل هذه هي مسؤولية الأبوّة؟
عندما وصلت إلى قصر الكونت ودخلت إلى غرفة الاستقبال، تكررت أمامها مشاهد اعتادت رؤيتها.
ديبورا وأنطونيو جالسان إلى جانب الكونتيسة التي كانت تبدو محرجة، بينما يجلس في الجهة المقابلة زوجان يبدو عليهما الغضب الشديد، وبجانبهما فتى صغير.
كانت ديبورا بشكل خاص في حالة يرثى لها، شعرها الأنيق الذي رُبط صباحًا كان أشعثًا، وثيابها غير مرتبة، لكن عيني أراسيلا اتجهتا أولًا نحو الطفل الآخر.
كان وجهه محمرًا من البكاء، وقد سُدَّ أنفه بمحارم ورقية.
همم، يبدو أن ابنتي قد تسببت له اليوم بنزيف في الأنف.
بل في كلا فتحتي أنفه.
“دوقة، أنتِ هنا.”
“نعم، كونتيسة.”
“كما ترين، ديبورا ونِيفيل تشاجرا، فاضطررنا إلى استدعاء والدي الطفلين من كلا الطرفين.”
شرحت الكونتيسة لوندري الموقف بابتسامة متكلّفة على وجهها، وقد بدت عليها علامات الإرهاق وكأنها عانت الأمرّين قبل وصول أراسيلا.
“شجار؟! ابنتكم قامت بضرب ابني ضربًا مبرّحًا! كنز آل جاكسون، ابننا الوحيد، تعاملت معه بتلك الوحشية!”
صرخت الكونتيسة جاكسون وهي تنهض غاضبة من مكانها. فحتى لو كانت الطرف الآخر هي الدوقة فاندرمير وسيدة برج السحر، فإن الأم التي ترى طفلها مجروحًا لا تعرف حدودًا.
كظمت أراسيلا أنفاسها المشتعلة واقتربت من الطفلين.
مرّرت يدها على رأس أنطونيو الهادئ، ورتّبت ملابس ديبورا، ثم سألتها بهدوء،
“ديبورا فاندرمير، لماذا ضربتِ زميلكِ؟”
عندما نادتها أمها باسمها الكامل بدلًا من اسمها المعتاد، رمشت ديبورا التي كانت مكتوفة الذراعين كأنها لم ترتكب أي خطأ، ونظرت إلى أمها بحذر.
بينما كانت عينها الزرقاء اللامعة، الموروثة عن أراسيلا وحدها، كانت تغلي بالظلم.
“لم أخطئ! نيفيل هو الذي بدأ! لقد ضايق توني، وشدّ شعري!”
صرخت ديبورا غاضبة وهي تحدّق في نيفيل بنظرات نارية، فما كان منه إلا أن انفجر بالبكاء واندسّ في حضن أمه من الخوف.
“واااه! مخيفة!”
“دوقة! ألا تعرفين قوانين هذه المدرسة؟! الأطفال هنا متساوون، بغض النظر عن عائلاتهم! لا تستخدمي نفوذكِ كدوقة لتهديد الآخرين!”
قالت الكونتيسة جاكسون ذلك وهي تحتضن ابنها، ناظرةً إلى أراسيلا وأطفالها وكأنهم مجرمون.
‘وكأننا ارتكبنا جريمة!’
نظرت أراسيلا بدهشة، وبحسب ما قالته ديبورا، كان الطفل الآخر هو من بدأ.
‘إذًا، المشكلة ليست في ابنتي، بل في ابنها هي.’
لكن رغم ذلك، لم تندفع أراسيلا فورًا للدفاع عن ابنتها. لأنها كانت تعلم أنّ…..
“من الذي تجرأ على لمس ابنتي؟”
دووووم-!
في تلك اللحظة بالضبط، فُتح الباب بعنف وظهر داميان.
وما إن رأته ديبورا حتى انتعشت روحها، وركضت نحوه بسعادة.
“أبييييي!”
“ديبو، هل أنتِ بخير؟ كنت قلقًا عليكِ طوال الطريق. هل أصبتِ في أي مكان ما؟”
“لا، لم أتلقَّ أي ضربة!”
“أحسنتِ، عملٌ رائع، يا ابنتي.”
ابتسم داميان ابتسامةً عريضة وهو يحتضن ديبورا بين ذراعيه.
ورغم أن الموقف لم يكن يستدعي الفخر، إلا أن تعابير وجهه كانت مليئةً بالاعتزاز.
بينما وقفت أراسيلا تنظر إلى الأب وابنته الغارقين في عالمهما الخاص، وذراعاها معقودتان.
آه، كنت أعرف أنه سيصبح هكذا…..غبيٌ بسبب ابنته.
حين كانت حاملاً بديبورا، كان داميان يقلق من كونه لن يكون أبًا جيدًا، لكنه بمجرد أن ولدت، تحوّل إلى أحمقٍ أعمى بها تمامًا.
سواءً كانت ديبورا مخطئة أم محقة، فموقفه دائمًا معها.
لذا، كانت أراسيلا تبذل جهدًا كبيرًا كي تحافظ على حيادها كأم.
“انتظر لحظة، يا دوق! ابننا هو من ضُرب، كيف تقول أن ابنتكَ أحسنت؟!”
صرخ الكونت جاكسون الذي كان يراقب الموقف بذهول، وقد بدا عليه الانفعال. أما داميان، فمسح نظره على آل جاكسون بنظرة باردة.
صحيحٌ أن ملامحه أصبحت أكثر لطفًا منذ أن كوّن عائلة، لكنه لا يزال ذلك الرجل الذي يمكنه إخافة الآخرين بمجرد نظرته.
وبينما عائلة جاكسون يختنقون بالصمت، انحنى داميان إلى ابنته مبتسمًا برقة.
“ديبو، احكي لي بالتفصيل ما الذي حصل.”
“نيفيل حاول أن يأخذ لعبة توني، فطلبت منه أن يتوقف. لكنه فجأة شدّ شعري! ففعلت ما علّمتني إياه، دُرت للخلف ووجّهت له لكمة!”
رفعت ديبورا يدها بفخر، فقد ورثت عن والدها موهبة الفروسية والمبارزة، وليس فقط ملامح الوجه.
علمًا أن داميان، ومنذ أن بدأت ديبورا تمشي، بدأ يُدرّسها فنون الدفاع عن النفس من شدّة قلقه عليها…..
“رائعةٌ بالفعل. أنتِ تلميذتي النجيبة بحق.”
ابتسم بفخر، ثم على الفور، تحوّلت ملامحه إلى الجدية وهو يوجه نظره نحو عائلة جاكسون.
حين وقف داميان بعدما كان جاثيًا إلى جانب ديبورا، ارتفعت زاوية نظره فجأة بشكل مهيب، فما كان من عائلة جاكسون إلا أن تراجعوا تلقائيًا وانكسر موقفهم.
“على ما يبدو، ابنكما اعتدى على ابني وجرّب ضرب ابنتي أيضًا. أعتقد أن الطرف الذي يحتاج إلى توجيه تربوي ليس نحن.”
“لا، الأمر ليس كما تقول..…”
“كل هذا بدأ لأن ابنكم الطماع أراد الاستيلاء على لعبةٍ ليست له. أنصحكم بشراء ألعابه الخاصة، وتربيته ليكون أكثر خفةً وحذرًا.”
وأضاف ساخرًا، وهو يحمل ديبورا بين ذراعيه ويمسح على يدها وكأنه يتحدث إلى الجميع عن عمد،
“كان عليه على الأقل أن يعرف كيف يتفادى اللكمات.”
بيد صغيرة كهذه، ناعمة وضعيفة، لا بد أنها آلمتها هي أيضًا عندما ضربت، فظهر في عيني داميان الذهبيتين لمحة من الحنان العميق.
نظرت أراسيلا إلى عائلة جاكسون المذهولين، ثم إلى داميان وديبورا المتفاخرين، وتنهدت أخيرًا بصدق.
“داميان، هذا يكفي. أنزل ديبورا.”
وبصوتها البارد، أعادت زوجها إلى رشده، فوضع ديبورا على الأرض بهدوء وهو يراقب تعابير وجه زوجته.
أراسيلا كانت تعرف جيدًا أنه حتى لو كان الخطأ من الطرف الآخر، فإن تربية الأطفال بشكل صحيح تتطلب أيضًا توبيخ أولادها إن تجاوزوا الحد.
“لنفعل الآتي. ابن عائلة جاكسون ضايق طفلينا، وطفلانا ردّا عليه باستخدام العنف، لذا فليعتذر الجميع لبعضهم، وننهي الأمر هنا.”
“إن لم تكن السيدة قادرة على الاعتراف بخطأ ابنها، فنحن أيضًا لن نرضى. هل نفتح تحقيقًا رسميًا في واقعة محاولة انتزاع لعبة من طفل لم يتجاوز الخامسة؟”
“انتزاع..…؟ لا داعي لوصفها هكذا. إنه مجرد شجار عابر بين أطفال..…”
“بالضبط، ولهذا السبب نقترح أن يعتذر الجميع وينتهي الأمر. وطبعًا، أنتم أولًا.”
وضعت أراسيلا يدها على كتف ديبورا وأشارت بذقنها، فتبادل الكونت جاكسون وزوجته نظرات صامتة ثم دفعا ابنهما نحو الأمام على مضض.
فلو تفاقم الأمر حقًّا، فلن يكون في صالحهما أيضًا، لذا كان لا بد من إنهائه هنا.
“نيفيل، اعتذر الآن لابنة الدوق.”
“…..آسف، ديبورا.”
“ألن تعتذر لتوني أيضًا؟ لقد حاولتَ أن تأخذ لعبته.”
“آه، آسف يا أنطونيو أيضًا..…”
تمكّنت ديبورا، التي تتحدث بوضوح فائق مقارنةً بسنها، من انتزاع اعتذار لأخيها أيضًا بكل حزم. بينما كان أنطونيو ممسكًا بيد والده داميان، يرمش بهدوء بعينَين وديعتين.
ثم ربّتت أراسيلا على كتف ابنتها، في إشارة إلى أن دورها قد حان.
“أعتذر لأنني ضربتكَ، نيفيل. ولكن إن تجرأت على مضايقة أخي مرة أخرى، فلن أرحمكَ.”
“آه…..حاضر.…”
أجاب نيفيل بصوت واهن وقد انكمش في مكانه، حين رآها تُطبِق قبضتها مجددًا.
وعندما رأت أراسيلا ذلك المشهد، خطرت ببالها فكرة،
‘كيف انتهى الحال بديبورا إلى أن تكتسب هذا الطبع القتالي؟’
وقد كانت قد نسيت تمامًا كيف كانت هي في طفولتها، فلم يكن أمامها سوى أن تبذل قصارى جهدها اليوم أيضًا كأم.
وهكذا، انتهى الحادث أخيرًا، وغادرت عائلة الكونت جاكسون أولًا.
وبينما كانت عائلة الدوق فاندرمير تستعد للرحيل، استوقفتهم الكونتيسة لوندري.
“سيدتي الدوقة، سيدي الدوق، هل يمكننا التحدث قليلًا؟”
كانت تبتسم ابتسامةً رسمية حين قالت ذلك، فتبادل داميان وأراسيلا نظرة قصيرة ثم وقفا في مواجهتها.
“ديبورا تشاجرت هذا الشهر فقط مع ثلاثة أطفال. في مرة، ركلت أحدهم لأنه سخر من زميله، وفي مرة أخرى، استخدمت سيفًا خشبيًا لتأديب طفل تسلل في الطابور أثناء توزيع الحلوى.”
طبعًا، هما يعرفان ذلك جيدًا. فكل مرة من تلك المرات استُدعيا إلى قصر لوندري.
قالت الكونتيسة بهدوء لهما، وهما يعتمران وجوهًا يعلوها الحرج،
“أعلم أن ديبورا كانت دائمًا تتشاجر دفاعًا عن الآخرين، ولكن…..ليس كل الأطفال يلجؤون إلى اللكمات مباشرة. أتفهمان ما أقصده؟”
هزّ الاثنان رأسيهما بإحراج، إذ كانا يعلمان أن الكونتيسة دائمًا ما تتولى تصفية الأمور كلما افتعلت ديبورا مشكلة.
“إذاً، أرجو أن تعتنوا بها جيدًا. أنا حقًّا أرغب في أن يستمرا ديبورا وأنطونيو في ارتياد هذا المعهد لوقت طويل. فهما يحظيان بشعبية بين أصدقائهما، وذكيّان، وطيّبا القلب.”
أنهت الكونتيسة حديثها بكلماتٍ لطيفةٍ مليئة بالثناء، ثم ودّعتهما بحذر.
وبعد أن ركبت أراسيلا العربة مع وداميان والأطفال، تحدثت بصوت منخفض.
“ديبو، قبل أن تستخدمي قبضتكِ، فكري ثلاث مرات. العنف لا يحلّ كل شيء. هل فهمتِ؟”
“نعم، أمي.”
أجابت ديبورا بحماس. ثم همس أنطونيو الذي كان يتململ بهدوء بجانبها،
“أمي، أريد أن آكل كعكة.”
“كعكة؟ هل نشتري واحدةً ونأخذها معنا للمنزل؟”
“ما رأيكِ أن نأكلها في المحل، زوجتي؟”
“فكرة جيدة! لم نخرج لتناول الطعام منذ فترة.”
“رائع! أحب ذلك!”
هتفت ديبورا بفرح وفتحت ذراعيها بحماس، وابتسم أنطونيو بدوره حتى ظهرت غمازتاه.
فارتسمت ابتسامةٌ دافئة على وجهي أراسيلا وداميان وهما ينظران إلى أطفالهما بسعادة.
بينما كانت أشعة الشمس الصفراء، بلون الليمون، تنساب بدفء فوق رؤوس هذه العائلة المتآلفة.
___________________
يجننوووووووووووون اخيرا هذا الي كنت انتظره في الفصول الاضافية 😭
بداية الفصل وضع داميان يضحك بس عنه ذاه صار احمق بنته🤏🏻
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات