أنهت أراسيلا توقيع آخر مستندات اليوم، ثم بدأت تدلّك أسفل عينيها المتعبتين. فالتوتر النفسي المتراكم نتيجة الحرب الباردة بينها وبين زوجها كان لا يُستهان به.
وضعت ذراعيها بتعب فوق صدرها، واتكأت على الكرسي بإرخاء، ثم أرجعت رأسها إلى الوراء.
رأت سقف مكتبها الذي كان غريبًا في البداية، لكنه أصبح مألوفًا الآن.
‘لماذا لم يفرح داميان بالطفل؟’
عاد هذا السؤال، الذي راودها لعدة أيام، ليظهر مجددًا في رأسها.
لو كانت علاقتهما ما تزال قائمةً على زواج بعقد كما في السابق، لكان من السهل تفهّم ردّة فعله. لكن الآن…..أليس زواجهما مستمرًا عن حب؟
وفوق ذلك، الطرف الذي سيتعرض لانقطاع في العمل بسبب الحمل لم يكن داميان، بل هي.
ومع ذلك، لماذا أظهر ذلك الفتور عند سماع الخبر؟
‘هل يكره الأطفال؟’
في الحقيقة، أراسيلا لم تكن من محبّي الأطفال كثيرًا أيضًا، لكنها شعرت بفرح غامر حين علمت أنها تحمل طفلًا من الشخص الذي تحبه.
ربما…..داميان لا يحب الأطفال لدرجة أنه لا يشعر بتلك المشاعر من الأساس.
وفجأة، أدركت أراسيلا أنها لم تتحدث يومًا بجدية مع داميان عن خططهما لإنجاب الأطفال.
كانت دائمًا ترى أن وجود الأطفال ليس ضروريًّا، فلم تفتح الموضوع من قبل، لكن قد يكون لزوجها رأيٌ مختلف تمامًا.
‘…..على ما يبدو، يجب أن أجري حديثًا صريحًا وجادًا مع داميان.’
فلا يمكنها أن تستمر في هذا الجفاء معه للأبد. و لابد من كشف حقيقية، ليتحدثا بكل صدق ويصلا إلى مصالحة تُنهي هذا البعد بينهما.
عقدت أراسيلا عزمها، فعادت إلى المنزل أبكر من المعتاد وانتظرت داميان بصبر.
ولاحتمال أن يطول الحديث بينهما، أعدّت ضيافةً دسمة مسبقًا. لكن داميان لم يعد حتى غروب الشمس.
وحين نفد صبرها، أرسلت من يتحقق من الأمر إلى مقر الفِرقة، فجاء الرد بأنه قد غادر العمل منذ ساعات.
ثم استدعت أراسيلا كبير الخدم لتسأله إن كان هناك موعدٌ مسائي قد فاتها.
“ألبرت، هل قال داميان أنه مرتبطٌ بشيء هذا المساء؟”
“لا يا سيدتي. لم يبلغني بأي شيء.”
أجاب الخادم وهو يحني برأسه باعتذار. وهذا يعني أن داميان لم يعد إلى البيت، بلا سبب ولا إخطار.
‘مهما كانت علاقتنا فاترةً هذه الأيام، فليس من اللائق أن يتصرف بهذا الشكل.’
بعد أن صرفت الخدم جميعًا، جلست أراسيلا على الأريكة محاولةً كبح غضبها.
وحين أصبح الشاي بارداً تمامًا، ظهر داميان أخيرًا. وكان الوقت قد اقترب من منتصف الليل.
“أين كنت كل هذا الوقت؟”
رمت أراسيلا السؤال بحدة فور دخول ظل طويل وضخم إلى الغرفة. فارتبك داميان للحظة وأغلق الباب بهدوء، ثم اقترب من زوجته بتردد.
كان قد سمع في طريق عودته أن زوجته غاضبة لأنه لم يتصل ولم يُعلم أحدًا بتأخره.
“…..آه، زوجتي، هل كنتِ تنتظرينني؟”
“وهل هذا سؤالٌ حقاً؟”
قالت أراسيلا ذلك وهي تنهض واقفةً أمامه. وبينما ترمقه بنظرات صارمة، بدا داميان وكأنه طفل خائف يتلقى التوبيخ.
ثم شعرت أراسيلا برائحة خافتة للكحول تنبعث منه.
“لا تقل لي أنكَ شربت؟”
سألت بوجه مصدوم. فلم يستطع داميان إنكار الأمر، ومرر يده بخجل على مؤخرة عنقه، مجيبًا بصوت منخفض.
“…..شربت نصف كأس فقط، وحدي.”
كانت هذه الحقيقة، دون ذرّة كذب. فمجرد التجوّل حول الحديقة لم يكن كافيًا ليهدّئ اضطرابه، لذا مرّ على نادٍ اجتماعي وشرب نصف كأس فقط.
ورغم أن الموظف هناك رمقه بدهشة لأنه طلب مشروبًا فاخرًا ولم يشرب منه سوى نصفه، إلا أن ذلك وحده كان كافيًا ليشعل صدر داميان نارًا.
ولم يكن قد وصل لمرحلة الثمالة، لذا استطاع العودة إلى المنزل بسلام، لكن رائحة الخمر التي عَلِقت به في النادي لم يستطع التخلص منها تمامًا.
“هاه..…”
تنهدت أراسيلا واضعةً يدها على جبينها، مصدومة من أن زوجها الذي لا يشرب عادةً عاد للبيت بعدما شرب وحده في الخارج.
لكنها فكرت أنه لا فائدة من الانفعال الآن، فهدّأت نفسها وأغمضت عينيها للحظة ثم فتحتها، وأمسكت بذراعه بإحكام،
“داميان، لماذا تتصرف هكذا بحق؟”
كان صوتها أخفض من المعتاد، لكنه كان ممتلئًا بمشاعر كثيرة. وعيناها الزرقاوان، وهما تنظران إليه بثبات، كانتا تحملان المعنى ذاته.
“هل تكره الأطفال؟ هل أربككَ الأمر لأنكَ لم تكن تريده من الأساس؟”
“لا، أبدًا، أبدًا، الأمر ليس كذلك.”
قال داميان ذلك بسرعة وقد صُدم من السؤال، فهو لم يجرؤ في حياته على التفكير في رفض طفله أو عدم قبوله، ناهيك عن قول ذلك.
شعرت أراسيلا ببعض الراحة في قلبها لرؤية صدقه، فلو كان لا يريد الطفل حقًا، لما استطاعت تجنّب الألم، مهما حاولت.
لقد نجت من أسوأ احتمال، لكن هذا لا يعني أن المشكلة قد حُلّت.
“إذاً، فاشرح لي ما الذي يحصل. هل تتوقع مني أن أظل أعاني وحدي من كل هذا؟ وأنا من يحمل الطفل؟”
“مطلقًا، لا أريد ذلك أبدًا…..أعتذر حقًا، يا زوجتي.”
أمسك داميان يد أراسيلا بحذر، وانحنى معتذرًا. وبقي واقفًا على تلك الحال دون أن يتحرك لفترة طويلة.
انتظرت أراسيلا بصبر حتى يبدأ بالكلام.
وبعد أن أخذ عدة أنفاس عميقة، تحدث داميان بصوت خافت،
“…..ليس لأنني لا أريد الطفل، بل العكس تمامًا…..أنا خائف فقط من أن لا يرغب الطفل بي.”
“ماذا تعني بهذا؟”
سألت أراسيلا وهي تحدّق فيه بعينين متوسعتين، وقد لاحظت أن وجنتيه كانتا محمرتين من أثر الكحول، لكن عينَيه كانتا محمرتين لسبب مختلف تمامًا.
و عندما لم تسمع ردًا فورياً انتظرته، ثم تكلّم داميان أخيرًا بصوت متهدّج وعميق.
“كما تعلمين…..لم أحظَ بطفولة طبيعية. هل تظنين أن شخصًا مليئًا بالنقص مثلي يمكن أن يكون أبًا صالحًا؟”
“….…”
“أخشى أن أكرر أخطاء والدي. أخشى أن أجعل طفلنا الحبيب…..تعيسًا.”
بالنسبة لمعظم الناس، يكون أوّل ما يشعرون به عند سماع خبر طفل هو الفرح، لكن داميان، الذي نشأ في ظلّ والد قاسٍ لا يعرف إلا الإهمال والإساءة، لم يكن يشعر إلا بالخوف.
ماذا لو كان وحش والدي القابع في ذاكرتي منذ الطفولة مختبئًا أيضًا داخلي؟
هل سأتمكن حقًا من تربية طفلي بسعادة؟
رغم أنه عازمٌ تمامًا على ألّا يكون أبًا مثله، لكن داميان، الذي لا يعرف معنى حب الأب من الأساس، لم يستطع التخلّص من قلقه.
“وأيضًا…..أشعر بالذنب، وكأنني أعقتكِ في بداية طريقكِ كسيّدة البرج السحري.”
رفع يده ليمسح دموعه الساخنة التي تجمعت عند أطراف عينيه. فحتى وعده الكبير بأن يدعمها بكل قوته، كي لا يقف شيء في طريق أحلامها، قد تبدّد الآن،
غمرت داميان مشاعرٌ معقدة ومضطربة كليًا. لأنه يعلم أن الحمل سيمنعها لا محالة من متابعة مسيرتها بالوتيرة نفسها.
فمنذ أن اكتشف دمية الدب المخفية التي كانت تملكها أراسيلا، بدأ يوجّه سكاكين الشك والندم نحو نفسه.
“…..داميان.”
وأراسيلا، التي لم تدرك الحقيقة إلا الآن، أمسكت بيد زوجها بقوة.
“داميان، انظر إليّ.”
وحين أزاح يده التي كانت تغطي وجهه بالكاد، ظهرت عيناه المبللتان. فاندفعت من أعماق أراسيلا حرارةٌ موجعة ومفاجئة.
هل كنت تبكي هكذا وحدكَ طوال هذا الوقت؟
ظنت أنه مع نجاح داميان في انتقامه، قد تلاشت ظلمة طفولته تمامًا. لكن آثار التعذيب بقيت كندوب راسخة في مكانٍ ما من قلبه.
ولم تدرك ذلك حتى الآن، فشعرت أراسيلا بأسى وندم يغمرانها، حتى لسع أنفها من شدة التأثر.
“أنت شخصٌ مختلف عن الدوق السابق. أنت تعرف كيف تتجاوز الجراح، وتعرف كيف تحب، ولذلك فأنت شخصٌ قادر على أن يكون سعيدًا.”
“نعم، بلا شك. لأنك تلقيت ما يكفي من حب والدتكَ، أليس كذلك؟ وستتمكن من منح ذلك الحب لطفلنا أيضًا.”
ابتسمت أراسيلا بثقة صافية، دون أدنى تردد.
وثقة زوجته المطلقة، التي نطقت بها ابتسامتها، سحبت قلب داميان من أعماق الظلمة إلى سطح الحياة.
شعر أن بإمكانه تجاوز أي محنة أو صعوبة ما دام إلى جانب أراسيلا، واستعاد ثقته بنفسه وإيمانه، فانقشعت الظلال من حوله.
“وفوق كل شيء، لا تفكر أبدًا أن طفلنا سيقف عائقًا في طريقي. حتى لو تعرضتُ لأي ظلم بسبب حملي، فذلك خطؤهم، لا خطؤكَ أنت ولا خطأ الطفل.”
حتى أراسيلا، حين علمت بحملها، سيكون كذبًا إن قالت أنها لم تشعر بالقلق حينها.
لكنها سرعان ما تماسكت وشدت من عزيمتها. فمجرد الزواج أو الحمل لا يعني أنها ستصبح عاجزةً عن فعل أي شيء.
لقد قررت مواصلة أداء مهامها كسيدة برج السحرة، وهذا ما ستستمر عليه حتى يوم تقاعدها.
قالت أراسيلا ذلك وهي ترفع ذقنها وتفرد صدرها بثقة،
“ألست تثق بي يا داميان؟ سواء كنتُ حاملاً أو لا، أنا أراسيلا فاندرمير، كما كنت دائمًا.”
“…..صحيح. أنتِ أعظم ساحرةٍ أعرفها، وأنتِ من أكنّ لها كل الاحترام.”
ابتسم داميان ابتسامةً خفيفة، وقد امتلأت عيناه، التي جفّت دموعهما، بالحب تجاه زوجته.
ثم مدت أراسيلا ذراعيها لتعانقه، فبادلها العناق، وضمهما بعضهما بقوة، وأمطر داميان رأسها بقبلاته.
“أنا في غاية السعادة لأننا سنرزق بطفل، زوجتي. سأبدأ غدًا بتجهيز غرفة الطفل.”
“ألا تعتقد أنك متسرعٌ قليلاً؟ لم يمضِ حتى شهران على حملي.”
“إذًا سنضطر للانتظار ثمانية أشهر أخرى لرؤيته. أتمنى لو كان بإمكان أحدهم أن يفقدني وعيي ويأخذني إلى المستقبل.”
ضحكت أراسيلا على همسته المتحمسة الممزوجة بالأنين.
و بالمقارنة مع ما عاناه الاثنان خلال الأيام الماضية، كانت المصالحة سهلةً وسلسة.
مدّ داميان يده الكبيرة ليمسح بحنان على بطن زوجته المسطح. و هو يتذكّر كلمات إيزيك: “الأب الجيد ينشئ طفلًا جيدًا.”
وتذكّر أيضًا كلمات لوكاس: “الابن الذي نشأ تحت أبٍ سيئ، لن يصبح أبًا جيدًا أبدًا.”
كلاهما كان على صواب، وكلاهما كان مخطئًا في آن. فالطفل الجيد قد ينشأ حتى في ظل أب سيئ، وقد يكبر هذا الطفل ليصبح أبًا جيدًا.
دنا داميان من زوجته، و داعب بأنفه أنفها، ثم قبّلها، و أقسم في نفسه، بأنه سيكون زوجًا صالحًا لأراسيلا، وأبًا عظيمًا لطفلهما.
و أقسم أن يجعل عائلته، على الأقل، تعيش بسعادة لا تُضاهى.
***
انتشرت أخبار حمل أراسيلا ببطء. و وصلت إلى بيت الماركيز هوغو، وإلى أصدقائهم، وزملاء العمل، وحتى إلى الصحافة.
تلقوا كلمات التهاني، كما سمعوا كلمات القلق والمخاوف، لكن كلاهما لم يأبه بها.
أليست الحياة قصيرة حتى نكرّسها فقط للحب والسعادة؟
كانا يعيشان أيامهما ببساطة، يستيقظان كل صباح في السرير نفسه، يتبادلان قبلة صباحية، و يتناولان الإفطار معًا، ثم يذهبان كلٌّ في عربته إلى عمله، ويعودان مساءً إلى البيت ليلتقيا من جديد.
وفي أثناء ذلك، كان الطفل يكبر شيئًا فشيئًا، حتى بدأ بطن أراسيلا المستوي ينتفخ تدريجيًا.
وفي ظهيرة يوم هادئ،
“لقد ركلني الطفل الآن، داميان.”
“حقًا؟!”
كان داميان يحتضن كتف زوجته ويقرأ لها كتابًا حين سمع ذلك، فوضع يده بسرعة على بطنها.
ومن خلال كفه المليء بالندوب، شعر بارتعاشة نابضة أثارت مشاعره.
الطفل الذي لم يكن له شكلٌ واضح في البداية، أصبح يظهر وجوده شيئًا فشيئًا، و يقترب يومًا بعد يوم من لقائه بوالديه.
راح داميان يمرر يده على بطن زوجته بحنان، وهمس بصوت دافئ.
“والديك يشتاقان إليك كثيرًا، وينتظران اليوم الذي يلتقيانك فيه على أحرّ من الجمر.”
وحين التقت عيناهما، انفجرا في ضحكة سعيدة.
كانت مجرد لحظات من الحياة اليومية لزوجين عاديين.
__________________
وبكذا انتهت الفصول الاضافية هي حلوه بس لو انهم ختموهي بالولاده كان احسن
بس عااااااادي فيه ست فصول خاصه من اول فصل فيه الولاده ✨✨✨✨✨✨
هاشفتوا داميان لو انه سامع كلامي كان تصال مع اراسيلا وشفنا رخص اكثر
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات