عاد داميان إلى المنزل في وقتٍ متأخر عن المعتاد. فبعد أن أصبح عضوًا جديدًا في مجلس البلاط بتوصية من لوكاس، تكدّست عليه المهام التي كان عليه إنجازها.
دخل المنزل بوجه مرهق، فاستقبله كبير الخدم بملامح توحي بقليلٍ من الحماس غير المعتاد.
“مرحبًا بعودتكَ، سيدي الدوق. لا بد أنكَ مرهق، تفضل بالصعود مباشرةً للراحة.”
“حسنًا.”
صعد داميان الدرج وهو يفرك عنقه المتيبّس. وحين اقترب من غرفة النوم، خفف من وقع خطواته. فأراسيلا باتت تنام كثيرًا في الآونة الأخيرة، وغالبًا ما تغفو من أول المساء. و ربما تكون نائمةً الآن، لذلك حرص على ألا يوقظها.
طق طق-
حتى بعد طرقة خفيفة على الباب، لم يكن هناك أي ردّ من الداخل.
‘لقد نامت مبكراً مرة أخرى، على ما يبدو.’
أدار داميان مقبض الباب بهدوء. وقد كانت الغرفة مظلمة، والمصابيح مطفأة.
دخل بحذر متوقعًا أن يجد أراسيلا مستلقيةً على السرير، لكن ما وجده كان خلاف ذلك تمامًا.
كانت مستيقظة، وتجلس بهدوء على الأريكة، و رأسها منخفضٌ في ظلمة الغرفة.
استشعر داميان على الفور أن هناك شيئًا غير طبيعي، فاقترب منها بخطوات سريعة.
“عزيزتي، ما الأمر؟ لماذا تجلسين هكذا؟ هل حدث شيء؟”
“…..داميان.”
نطقت بصوتٍ منخفض ومتهدّج، فازداد وجه داميان توترًا.
حتى نبرة مناداتها لاسمه وحدها كانت كفيلةً بجعله يشعر أن هناك أمرًا خطيرًا قد وقع.
ضمّها داميان إلى صدره أولًا، وربّت على رأسها برفق. فأسندت أراسيلا وجهها إلى صدره العريض والدافئ، وهمست بصوتٍ خافت،
“داميان، ماذا سنفعل..…؟”
“لا بأس، عزيزتي. أياً يكن ما حدث، سأحلّه. لذا لا تقلقي، وأخبِريني بكل شيء.”
“حقًا؟”
“نعم.”
ربما كان لصوته الواثق أثرٌ مطمئن، فقد رفعت أراسيلا رأسها ببطء.
كانت شفتاها الحمراوان الممتلئتان كانت ترتجفان بأسى. فانحنى داميان قليلاً ليتفحص وجه زوجته عن كثب، لكنه توقف للحظة، متفاجئًا.
‘مهلًا…..ما هذا التعبير؟’
رغم أن صوتها كان مرتجفًا وكأنها كانت تبكي، إلا أن ملامحها لم تُظهر أي أثر للدموع.
شفاهها كانت مضمومةً وكأنها تحبس شيئًا، وزاويتا عينيها ترتجفان قليلًا، لكن لم يكن هناك أي أثر واضح للحزن.
كان من الصعب تحديد ما إن كانت حزينة أم لا، وبينما كان يتردد في تفسير ذلك— شعرت أراسبلا بتردده، فأمسكت كتفيه فجأة،
“هناك شيء مهم عليّ إخباركَ به.”
“نعم، تفضّلي.”
“لكن، قبل ذلك…..هل يمكنكَ تفقد السرير؟”
“حسنًا.”
نهض داميان بهدوء وهو يرتب خصلات شعرها المتشابكة، ثم توجّه إلى السرير.
كان هناك انتفاخٌ واضح تحت الغطاء، أسفل الوسادة. شعر بقليل من الاستغراب، فرفع الغطاء.
وهناك، ظهرت ثلاث دمى دببة صغيرة مستلقية جنبًا إلى جنب. واحدةٌ بشريط أزرق، وأخرى بشريط وردي، وأصغرهن بشريط أحمر.
بسبب مظهرهم الذي بدا وكأنهم عائلة حقيقية، التقط داميان الدمية وهو في حيرة.
وفي الوقت نفسه، اقتربت أراسيلا بخفة واحتضنته من الخلف. فأمسك داميان بيدي زوجته بشكل انعكاسي.
“هذه هديةٌ أعددتها لأجلكَ. هل تتوقع معناها؟”
“أمم، لست متأكدًا…..تبدو كأنها عائلة من الدمى..…”
“صحيح، هذا هو الجواب. دب الأب، ودب الأم، ودب الطفل.”
قالت أراسيلا ذلك بابتسامة وهي تشير إلى دمية دب الطفل.
فرمش داميان ببطء، وبدأ ذهنه يعمل بسرعة محاولًا فهم المعنى الخفي في كلامها. و انتظرت أراسيلا بصبر دون أن تستعجله حتى يدرك الأمر بنفسه.
ولم يمر وقتٌ طويل حتى خرجت همسةٌ صغيرة من فم داميان.
“لا يمكن..…”
“داميان، نحن ننتظر طفلًا.”
قالت أراسيلا ذلك وهي تبتسم بلطف وتضع دمية دب الطفل في حضن داميان. و قد كانت متشوقةً جدًا ومتحمسة لرؤية ردّة فعله.
أخذ داميان الدمية دون وعي وحدّق بها بوجه يصعب تفسيره. وطال صمته أكثر مما توقعت.
وحين بدأت أراسيلا تشعر بشيء غريب، تكلّم داميان أخيرًا.
“حقًا؟”
“…..أهذا هو رد فعلكَ؟”
سألت أراسيلا بارتباك وقد كانت تأمل بردة فعل أكثر حماسًا. فبالنسبة لأب يسمع بخبر طفله الأول، بدا داميان هادئًا ورزينًا بشكل مفرط.
حين أدركت أراسيلا أن حرارة عينيه الذهبيتين كانت فاترة، اختفت ابتسامتها أيضًا.
“كنت أظن أنكَ ستفرح……يبدو أنني كنتُ مخطئة.”
“لا، يا زوجتي. فقط تفاجأت لا أكثر. لا تسيئي الفهم.”
“هل تظن أن تصرفكَ هذا لا يدعو لسوء الفهم؟ أنت لا تبدو سعيدًا على الإطلاق.”
في أوقات أخرى، كان سيقول ولو مجاملة أنه سعيد، لكن الغريب أنه تردد في أهم لحظة.
أما أراسيلا، التي اشترت الدمى وجهزت مفاجأةً من أجل إسعاده، فقد بدأ وجهها يبرد شيئًا فشيئًا.
وسرعان ما أصبح الجو المحيط بهما باردًا لا يمكن السيطرة عليه.
“…..أنا آسف.”
انتهى الأمر بأن انحنى داميان معتذرًا. لكن أراسيلا، التي لم تحصل على الرد الذي تمنته، أخذت الدمية منه بصمت.
وانتهت اللحظة التي ظنّتها بدايةً لذكرى جديدة، بهذا الشكل المبهم والباهت.
طوال العشاء، لم يتبادلا سوى أحاديث سطحية، وحتى عندما خلدوا للنوم، لم يديرا ظهريهما لبعض، لكن كل ما قالاه كان “تصبح/تصبحين على خير”.
كانت تلك الليلة، أول مرة يشعران فيها بالمسافة بين قلبيهما منذ أن توحدت مشاعرهما.
***
ومنذ ذلك اليوم، بدأ نوعٌ غريب من الحرب الباردة. حتى أنهما لم يتشاجرا مباشرة، لذا لم تكن هناك فرصةٌ واضحة للتصالح.
كانا يشعران بالضيق من بعضهما، لكن كلٌّ منهما تظاهر بعدم ذلك.
حتى عند تبادل التحية وقت الذهاب للعمل، لم تنظر أراسيلا في عيني داميان. وكأن جدارًا غير مرئي قد ارتفع بينهما.
وكان السبب وراء هذا كله واضحًا جدًا، حتى أن داميان أطلق تنهيدة مكتومة من الضيق.
‘كل هذا بسببي.’
لكنه لم يكن يعرف كيف يصلح الأمور.
وبحق، لم يكن داميان قد تعمّد التصرف بفتور عند سماع خبر حمل أراسيلا. لكن تعقّد أفكاره في تلك اللحظة منعه من التعبير بأكثر من ذلك.
صحيحٌ أن الأمر لا يبدو سوى أعذار طفولية من منظور أراسيلا، لكن لا يمكنه أن يستمر في هذه العلاقة الباردة إلى الأبد.
لذا، بدأ يبحث بيأس عن طريقة لحلّ الأمر.
في تلك اللحظة، وبسبب ملامح قائده القاتمة التي غلب عليها القلق والهم، بادره إيزيك بالكلام.
“سيدي القائد، هل حدث أمرٌ مقلق في المنزل؟ وجهكَ لا يبدو بخير إطلاقًا.”
“…..إيزيك.”
“نعم، سيدي؟”
“ما رأيكَ في الأب؟”
كان سؤالاً مفاجئاً تمامًا جعل علامة استفهام تظهر فوق رأس إيزيك.
وبسبب اندفاعه المفاجئ، بدا داميان نفسه مرتبكًا، فصحح كلامه بسرعة.
“أعني…..لا أقصد والدكَ بالتحديد، بل مفهوم الأب نفسه. كيف تظن أنك ستكون لو أصبحت أبًا؟”
“همم…..لم أتزوج بعد، لذا لا أستطيع تخيل شعور أن أكون أبًا. لكن، إن كنت سأقيس على والدي، فأظن أن الأب حين يكون هو المرتكز ويمنح الحب لعائلته، تنعم الأسرة بالسعادة والسكينة.”
بمعنى آخر، كان إيزيك يرى أن دور الأب هو الأساس في تحقيق أسرة متماسكة ومتناغمة.
ثم ضحك ضحكةً عريضة وأكمل،
“كما يقال، الطفل الجيد ينشأ في كنف أبٍ جيد، أليس كذلك؟”
“…..أهكذا هو الأمر.”
خفض داميان عينيه بوجه يصعب تفسيره.
أما إيزيك، فنظر إلى قائده الذي لم يبدو عليه الارتياح رغم إجابته بكل إخلاص. بل على العكس، بدا وكأن همومه قد ازدادت.
مع ذلك، شكر داميان تابعه على اهتمامه ونهض من مكانه. ففي هذا المساء، كان لديه موعدٌ مع ولي العهد.
وأثناء توجهه إلى القصر، لم يتوقف عن إطلاق زفرات ثقيلة. وفي النهاية، لم ينجُ من تلقي سؤال مشابه من لوكاس.
“ما بكَ؟ تبدو مهمومًا أكثر من المعتاد اليوم، وتتنهد كثيرًا أيضًا.”
“…..ليس هناك ما يقلق، يا سموّك.”
“أوه، يا هذا! ألسنا أصدقاء؟ لا تكبت الأمر، تحدّث إليّ.”
قال لوكاس ذلك وهو يبتسم ابتسامةً متسامحة، فظل داميان مترددًا للحظة قبل أن يفتح فمه أخيرًا.
“ما رأي سموّك في مفهوم الأب؟ كيف تظن أنكَ ستشعر إن أصبحتَ أباً؟”
“همم، دعني أرى.”
فرك لوكاس ذقنه بتأمل، ثم هزّ كتفيه بخفة.
“بصراحة، لا أملك رغبةً كبيرة في أن أصبح أبًا. صحيحٌ أنني كولي عهد يجب أن أُنجب وريثًا يومًا ما، لكن..…”
كان ذلك رأيًا صريحًا نابعًا من صدق لم يكن ليُظهره لغير من يعتبره صديقًا كداميان.
“ولمَ ذلك، سموّك؟”
“لأن والدي، رغم كونه إمبراطورًا عظيمًا، لم يكن أبًا عظيمًا.”
فحتى لو كان الطفل في خطر ما لم يُثبت كفاءته، كان الإمبراطور يتجاهله ويتركه لمصيره.
وقد نشأ لوكاس وهو يتنقّل بين بلدان أجنبية بمرارة حتى يصبح قويًا، فحمل في قلبه شيئًا من الحنق تجاه والده.
ورغم أنه الآن يكن له الاحترام بصفته إمبراطورًا، إلا أن المشاعر بين الأب والابن كانت ضئيلة.
ومع ذلك، حين يتذكر أن والده أيضًا خاض معارك قاسية في شبابه لينجو من صراعات العرش، فإنه يميل لتبرير قسوته بأنها ثمرة حياة مليئة بالصراع.
“لأنني لم أملك أبًا أقتدي به، أتساءل إن كنت سأقدر على أن أكون أبًا صالحًا لأطفالي.”
“….…”
“بصراحة، لا أظن أنني سأكون جيدًا في ذلك. ولهذا أجد نفسي أشفق على أطفالي حتى قبل أن يُولدوا. لأن والدهم سيكون مثلي. رغم أنني في موقعي لا مفر لي من إنجاب وريث.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات