الفصل 65: خطيبة زينون
كانت إيميلين قد انتهت منذ وقت طويل من تجهيز نفسها للنوم، لكنها ظلت واقفة أمام رف الكتب، غير قادرة على النوم.
كانت كلمات أنجل تتردد في ذهنها بلا توقف، تفكر فيها مليًا.
هل هي حقًا لم تتخلَّ يومًا عن أحلامها؟ هل ما زالت تتوق إليها؟
ربما لأن جناحيها قُصّا ذات يوم، وجدّت صعوبة في الإجابة.
وربما كانت تلك التجربة قد أزالت كل إرادتها.
أكثر ما أثقل صدرها كان سؤالًا واحدًا:
“…هل من الصواب أن أستمر في التمسك بهذا الحلم؟”
قد لا تجني سوى الإحباط والألم، وقد تُجرح مرة أخرى لا أكثر.
أغمضت عينيها، ثم فتحتهما ببطء.
“الفرص ستجد طريقها إليك دائمًا.”
حين تذكرت كلمات أنجل، خطر ببالها فجأة كتاب معين.
وبما أنها كانت تقف أمام الرف أصلًا، مدّت يدها لتبحث عنه.
كان مخبأً في الزاوية، ملفوفًا بقماش أبيض كما لو أنه يجب إخفاؤه.
كان هدية من زينون ترانسيوم، أهداه لها يومًا قبل أن يختفي فجأة.
رواية كافِن شوتريمر:
“مغتصب العالم المثالي”
كتاب ينتقد الكثير من مظالم المجتمع.
“لقد قال شيئًا مشابهًا لما قالته أنجل…”
مرّت إيميلين أصابعها على حافة الكتاب، ثم سحبته أخيرًا. فتحته بلا تردد، لكنها شعرت بالحيرة.
“…ألم أكن قد أنهيت قراءة هذا الكتاب؟”
وبالتدقيق، لاحظت أن هناك صفحات لم تُقرأ بعد الفصل الأخير.
قلبت الصفحات، فتوقفت فجأة عند قسم محدد.
في الهوامش الواسعة، برزت بعض السطور، جذبت انتباهها وهي تتبع الكلمات ببطء:
“إرادتي ما زالت تتنفس، حتى وسط الظلم والقمع والإكراه.
حتى في عالم يدوسني تحت قدميه.”
حبست أنفاسها دون وعي، تلك الكلمات القليلة أبقتها متجمدة لوقت طويل.
لم تختفِ أحلامها وإرادتها قط، بل كانت تتنفس بهدوء داخلها طوال الوقت.
لم تتمنى يومًا زوال أحلامها.
حين أدركت ذلك، امتلأ قلبها بشيء يشبه الاكتمال، ومررت يدها على غلاف الكتاب.
تسلل الفضول إليها مجددًا.
لماذا كلف زينون نفسه عناء جلب هذا الكتاب من بلد آخر ليهديه لها؟
—
مرّ الوقت سريعًا، وحلّ بعد ظهر اليوم المنتظر.
“سأساعدك في ارتداء ملابسك، آنسة.”
تعاونت الخادمات معها، ولأن اليوم كان مميزًا بعض الشيء، اختارت ملابس أكثر أناقة من المعتاد.
ورغم أن اللقاء دوري، إلا أن شعورها كان مختلفًا اليوم، لأن لابور فندين ستحضر.
“هل هذا كافٍ؟”
“هل أبدو جميلة؟”
“…عفوًا؟”
بدا الارتباك على الخادمة، فإيميلين نادرًا ما تطرح مثل هذا السؤال.
حين مالت إيميلين برأسها بترقّب، أجابت الخادمة أخيرًا:
“نعم، آنسة، تبدين جميلة جدًا.”
“أكثر من المعتاد؟”
“بالطبع.”
“إذن هذا جيد.”
ابتسمت إيميلين بخفة وغادرت القصر.
حتى لو لم يعد بينها وبين زينون شيء، فلا يصح أن تلتقي بخطيبته بالمظهر نفسه المعتاد.
رفعت طرف فستانها قليلًا، ثم صعدت إلى العربة وأمرت:
“اذهبوا إلى المكان الذي ذكرته لكم أمس.”
تغيرت المشاهد خارج النافذة مع تحرك العربة.
كان موقع اللقاء مقهى في قلب المدينة.
ورغم أن فضولها وشكوكها دفعاها لدعوة لابور، إلا أنها لم تكن مرتاحة لدعوتها إلى القصر.
فهي تنتمي لمعسكر منافس، ومن يدري ما قد تفعله؟
لم تفهم بعد سبب رغبة لابور في التواصل معها ومع السيدات الأخريات.
وصلت العربة سريعًا، ودخلت إيميلين المقهى في الوقت المحدد، ولاحظت صديقاتها على الفور.
“سعيدة برؤيتكن جميعًا، جئتُنّ مبكرًا.”
“مرحبًا بكِ، آنسة ديلزاير.”
“يا إلهي، تبدين أجمل من المعتاد اليوم!”
ابتسمت إيميلين خجولة، وشعرت بالرضا.
لكن عندما نظرت حولها، لاحظت أن هناك مقعدين فارغين.
“لقد تجاوزنا وقت اللقاء، ويبدو أننا ما زلنا ننتظر شخصين.”
“صحيح… آه! ها هي السيدة ريمونت وصلت الآن!”
دخلت السيدة جانيس ريمونت مسرعة.
“أعتذر عن التأخير، أخي الصغير حاول قطف وردة بيديه وأُصيب…”
طمأنتها إيميلين بأن الأمر لا بأس به.
الآن بقي مقعد واحد فارغ.
حين تأكدت من الحضور، أطلقت إيميلين زفرة خفيفة.
بما في ذلك إيميلين، كان هناك سبعة حاضرين اليوم:
أنجل، السيدة هينبرتون، السيدة فيليا، السيدة ريمونت، السيدة آمبرواين، السيدة دونر، ولابور فندين.
“…الأخيرة مرة أخرى.”
خطيبة زينون لم تصل بعد، رغم أنها طلبت شخصيًا دعوة لهذا اللقاء.
“السيدة فندين متأخرة.”
“هل غيّرت رأيها في اللحظة الأخيرة؟”
“لكن هذه فرصة نادرة من السيدة ديلزاير، سيكون تجاهلها وقاحة كبيرة.”
“حسنًا، عائلتها مجرد أشخاص صاعدين، يشبهون ماركيز ترانسيوم. قلة أدبهم ليست مفاجئة.”
ما عدا القلة التي تواصلت مسبقًا مع لابور، لم يكن معظم الحاضرين مسرورين بتأخرها.
ابتسمت إيميلين بهدوء:
“لنمنحها حسن الظن.”
رغم أنها بدأت تشك في نوايا لابور، قررت الانتظار بصبر.
التأخر في المواعيد أمر غير مؤدب، لكن كما هو الحال مع السيدة ريمونت، قد تكون هناك ظروف غير متوقعة.
لم يعني ذلك أنها لم تغضب قليلًا، لكنها تهدأت حين أدركت أن المقعد الفارغ هو للابور.
“لنبدأ بالمرطبات في هذه الأثناء؟”
اقترحت أنجل، ووافقت السيدات وبدأن الحديث فيما بينهن.
بعد قليل، ظهرت لابور أخيرًا.
رغم أنها كانت مستعجلة للوصول، لم يظهر عليها أي أثر تعب في حرارة الصيف.
ما أن رآها الجميع، توقفوا عن الحديث، وتحولت كل العيون نحوها.
بهدوء، قالت السيدة آمبرواين:
“أوه، السيدة فندين، لقد وصلتِ أخيرًا.”
ابتسمت لابور ببراءة:
“أعتذر كثيرًا! كنت في طريقي إلى هنا، لكن عجلة العربة تعطلت فجأة…”
“في الطريق إلى هنا؟ هل أصبتِ؟”
سألت السيدة روز فيليا بدهشة، ولاحظت البقية ترددها.
أمسكت لابور يديها الرقيقتين وقالت بصوت هادئ:
“لحسن الحظ، توقفت العربة في الوقت المناسب… كأن عناية إلهية حمتني.”
“يا له من ارتياح! لا بد أنه معجزة، كما قلتِ يا سيدة فندين.”
ابتسمت لابور بلطف، وأعربت عن امتنانها لاهتمام السيدات، ثم نظرت إلى إيميلين.
ما إن التقت أعينهما، حتى لانت ملامحها فجأة، وكأنها حملت وجه حمل بريء.
“أعتذر عن التأخير… ألن تسامحيني؟”
ساد صمت.
وضعت إيميلين فنجان الشاي بهدوء.
بادت لابور وكأنها الضحية، وإيميلين المتنمّرة.
‘مهما كان ردي، ألن يبدو أنني أنا من أسيء إليها؟’
سادت لحظة من الصمت، فتقدمت أنجل لتتكلم:
“سيدة فندين، ليس من الضروري أن تكوني—”
لكن تدخلت مرة أخرى السيدة روز فيليا:
“أليس الأفضل أن نسامحها؟ لقد قالت إنها تعرضت لحادث في الطريق…”
ابتسمت إيميلين بخفة وقالت:
“لا حاجة للمسامحة. مهما كان سبب التأخير، أنتِ ضيفة، ومن حقنا أن نتفهم. أنا سعيدة أنكِ بخير، سيدة فندين. تفضلي بالجلوس.”
“آه… شكرًا لك، سيدة ديلزاير.”
ابتسمت لابور بخفة، واتخذت مقعدها.
راقبتها إيميلين بهدوء، وعيناها هادئتان لكن متفحّصتان.
على الرغم من أن تصرف لابور أزعجها قليلًا، إلا أنها قررت عدم المبالغة.
بعد كل شيء، هي من دعتها، ولن تُقصيها قبل أن تعرف الحقيقة.
التعليقات لهذا الفصل " 65"