استقبلته أيملين بابتسامة مشرقة. حدّق زينون في وجهها المتوهج تحت الضوء الدافئ، وكأنه مسحور، ثم قال:
“نعم… أخيرًا وصلت. اشتقت إليك كثيرًا حتى ظننت أني لن أصل.”
“والآن؟”
“الآن… أشعر أنني قد أختنق من شدة السعادة برؤيتك.”
ضمّها فجأة إليه بحركة دافئة، كطفل يشتاق لأحد. ضحكت أيملين بخفة على تصرفه. ما من أحد يعانق بهذه الطريقة الغريبة إلا هو… وبما أنها لم تنزعج، تركته يفعل ما يشاء.
بعد لحظات من الهدوء بين ذراعي بعضهما، جلسا أخيرًا على الأريكة وبدآ يتحدثان براحة.
وبسبب مُمازحاته، وجدت أيملين نفسها وقد وضعت رأسها في حجره بينما مصباح صغير يضيء وجهيهما بهدوء.
“الآن فهمتُ لماذا قرأته أكثر من مرة. كلما تعمقتُ فيه… اكتشفت معنى جديدًا.”
ازداد تركيز زينون وهو ينظر إليها. أبعد خصلة شعر عن وجهها وأبقى أصابعه قرب أذنها.
“وأنت… أي جزء جعلك تقرأ الكتاب حتى اهترأ؟”
بدت عليها الحيرة. هي تحب القراءة، لكنها لم تتمسك بكتاب إلى تلك الدرجة.
أجاب بصوت هادئ بينما ينعكس الضوء على ملامحه:
“النهاية.”
“النهاية؟ كانت أصعب جزء بالنسبة لي.”
في المشهد الأخير، يكون جو على وشك الموت، مستلقيًا في الحقل، ثم يختفي تمامًا في اليوم التالي دون ترك أي أثر.
“ما هو جو بالضبط… حتى يختفي هكذا؟”
بينما كانت تتكلم، كانت أصابعه تلامس المنطقة قرب أذنها بحركات خفيفة أربكتها قليلًا.
“لا أحد يعرف. الكاتب تعمّد الغموض. أما أنا… فأحب أن أظنه الريح.”
“الريح؟ لماذا؟”
توقف قليلًا ثم قال:
“الكاتب وصفه كثيرًا بأنه يتحرك بطريقة تشبه الدوران. وأينما ذهب… ترك فوضى بسيطة خلفه، ومع ذلك يتقبله الناس كأنه جزء طبيعي من المكان. أليس هذا شبيهًا بالريح؟”
“الآن بعدما ذكرت ذلك… نعم، يبدو منطقيًا.”
“وإذا فكرتِ به كريح… تصبح نهاية الكتاب أجمل.”
جو، الذي كُتِب عليه التنقل دائمًا، حاول للمرة الأولى التوقف والتساؤل عن وجوده. وعندما اختفى… ربما كان ذلك تحرره من مصيره.
صمتت أيملين وهي تستمع، وكأن الفكرة أثارت شيئًا عميقًا في داخلها.
“آه…”
تفاجأت بإحساس حاد على أذنها، فنظرت إليه. كان يبتسم بمشاكسة طفولية. ثم خفّت ابتسامته لتتحول إلى نظرة دافئة. لمس أذنها بخفة جعلتها ترتجف من الإحراج.
“ما الذي تفعله…؟”
“لم أتمالك نفسي… تبدين جميلة هكذا.”
اقترب وقبّلها قبلة خفيفة كريشة طائر. ضحكت بخجل، فوضعت يدها على خده، وتحوّلت القبلة الخفيفة إلى واحدة أطول وأكثر دفئًا..
حين انتهيا من القبلة، وجدت نفسها جالسة على حجره. قبّل خدها وهمس:
“أنتِ تحبين الكتاب، أليس كذلك؟”
“…نعم.”
“كنت أعلم ذلك. نحن متشابهان.”
ثم مال ليقبّل أعلى رأسها، ثم خدها، ثم اختفى وجهه قرب رقبتها، يترك لمسات خفيفة تجعلها تحاول تمالك نفسها من الإحراج، لكنها بقيت هادئة بين ذراعيه.
“زينون…”
رفعت يديها واحتضنته بقوة. شعرت بمدى تعلقه بها في الطريقة التي ضمّها بها.
بعد لحظات طويلة ..، عاد كل منهما لتهدئة أنفاسه. ساعدته على ترتيب ثيابه، بينما كان يمازحها بلمسات خفيفة على يديها وشعرها. ضيّقت عينيها وقالت:
“هل تريد أن أوبّخك؟”
ضحك بخفة:
“لا… آسف.”
أخيرًا وقفت أيملين وقالت:
“لقد تأخر الوقت. يجب أن أذهب.”
“حسنًا.”
رافقها حتى الشرفة. تبادلا وداعًا لطيفًا، ثم قفز بخفة إلى الأسفل. رغم أن الحركة بدت خطرة، إلا أنها لم تكن عالية.
راقبته وهو يبتعد. فجأة توقف زينون واستدار نحوها وكأنه سيقول شيئًا…
لكن صوتًا قاطعًا ارتفع:
“من هناك؟”
تجمدا في مكانهما. تعرفت على الصوت فورًا. التفتت ببطء.
أنتوني كان يقف هناك، ينظر إليها بصدمة، ثم حوّل نظره إلى زينون.
“هل هذا… وريث تيرانسيوم؟ لماذا يغادر غرفة أختي في هذا الوقت؟”
ضاق بعينيه واستند برأسه قليلًا، وكأنه لا يصدق ما يرى:
التعليقات لهذا الفصل " 44"