الفصل 35: تزوجي
كانت إيميلين شاحبة، تكاد أنفاسها تنقطع، وكتفاها يهتزان بصدمة لم تستوعبها. رفعت يديها المرتجفتين لتغطي فمها، محاولةً أن تُبعد عن ذهنها كل ما تسمعه.
ما الذي يجري؟ ما هذا الذي يحدث؟
تشوّشت رؤيتها، وصوتٌ غريب من الخارج يضرب أذنيها فيرتفع معها غثيان موجع.
تراجعت خطوة بلا وعي. كان زينون خلفها، مثل جدار يحميها من السقوط. شعرت بالبرد ينهش أطرافها.
حتى لو كانت ساذجة في أمور الرجال والنساء… كانت تفهم تمامًا أن ما يجري في الخارج شيء لا ينبغي لها أن تسمعه.
أغمضت عينيها بعنف.
لقد زار أمي قبل أيام فقط… كيف يمكن أن يفعل هذا؟
انطبقت أسنانها بقوة. كانت الحقيقة تضربها مثل حجر ثقيل… هل الرجل الذي فقد وقاره هكذا هو والدها الذي اعتبرته مثالًا على الانضباط؟
همست بصوت مكسور، غير قادرة على تحمّل ما يحدث.
وفي تلك اللحظة، امتدّ دفء لطيف نحو أذنها، كما لو أن أحدًا يحاول إبعاد الضجيج عنها.
حين فتحت عينيها ببطء، وجدت يدًا كبيرة تغطي أذنها.
وجاء صوت منخفض قريب منها:
“لا تسمعين شيئًا… لا تحتاجين لهذا.”
كان صوته قريبًا لدرجة أنها شعرت بحرارته عند عنقها. توقّفت أصابعها فوق يده، وتركت نفسها تهدأ قليلًا.
شعرت بثقل يستقر فوق رأسها… زينون يضع جبينه على شعرها الأسود، يضمّها ليحجب عنها ما يحدث.
صدرها يرتفع وينخفض بسرعة… لكن شيئًا فشيئًا بدأت أنفاسها تنتظم.
وقبل أن تستعيد هدوءها بالكامل، جاء صوت من الخارج هزّ المكان.
شهقت إيميلين، وعيناها الواسعتان ترتجفان.
لكن زينون همس مرة أخرى:
“تنفسي ببطء… أنتِ بخير.”
اقترب منها أكثر، حتى باتت تشعر بدفئه من خلال طبقات الملابس.
“لا يجب ان تسمعين شيء. ركّزي عليّ فقط.”
تتابع الهمسات الهادئة كان مثل غطاء يُسدل فوق خوفها، حتى بدأت الأصوات بالخارج تتلاشى شيئًا فشيئًا.
وبعد وقت بدا طويلًا، انقطع كل شيء.
أبعد زينون يده عن أذنها برفق. التفتت نحوه بسرعة، وجهها محمّر من الصدمة، لكنها لم تجد الكلمات.
مدّ ذراعه وأحاط كتفها، وجذبها إليه بخفّة. لم تقاوم. فقد كانت مرهقة لدرجة أنها ارتمت في حضنه بلا وعي.
“انتهى. الأمور هادئة الآن.”
حين سمعت ذلك، أدركت أن الخارج صار صامتًا.
لكن الحقيقة التي حاولت الهروب منها ارتطمت بها مجددًا… والدها… وخيانته… ووجود زينون معها حين اكتشفت ذلك.
تراجعت دمعة على خدّها وهي تخفض رأسها. شعر زينون برجفة جسدها، فضمها بقوة أكبر.
أسندت جبينها على كتفه، وأغمضت عينيها. كان دقات قلبه ثابتة، تمنحها شيئًا يشبه الأمان.
ظلّت ملتصقة به لدقائق طويلة، غير قادرة على التحرّك، كأنها تحاول أن تمحو ذكرى اللحظة التي مزّقت عالمها.
—
في المساء
كانت رائحة الورود القادمة من نافذة غرفتها تخفف ثقل اليوم. نظرت طويلًا إلى المكان الذي غادر منه زينون، حتى طرق أحد الخدم الباب.
“آنسة، السيد يطلب حضورك على العشاء.”
“…حسنًا.”
نزلت بتوتر واضح. حاولت أن تبدو هادئة عندما وصلت.
“وصلتِ يا إيميلين.”
“…نعم، أبي. أتمنى أنك بخير.”
ابتسمت ابتسامة ضعيفة. الغضب يفور تحت جلدها، لكن لم تستطع قول شيء.
جرت الوجبة بصمت. لم تستطع تناول سوى القليل.
كلما رفعت عينها ورأت والدها، عادت الكلمات المقيتة التي سمعتها تطن في أذنها.
من كانت تلك المرأة؟ كيف يفعل هذا وأمي مريضة؟
ضغطت على شفتيها وهي تأكل بصعوبة.
ناداها والدها:
“إيميلين.”
“…نعم؟”
تصلّب قلبها. خافت أنه اكتشف أنها كانت هناك.
لكن قال:
“سيعود أنطوني قريبًا خلال إجازته.”
“…أخي؟ هذا أمر جيد.”
تنفّست الصعداء.
لكن بعدها قال شيئًا جعل الشوكة تسقط من يدها تقريبًا.
“وأعتقد أن الوقت قد حان لتتزوجي.”
تجمّدت.
حاولت أن تبتسم كي لا تثير شكوكه.
“نعم… ربّما.”
أجابها بثقل:
“لقد اخترتُ لك عريسًا مناسبًا.”
وضع كأسه على الطاولة بقوة خفيفة.
“ستتزوجين الابن الأكبر لمركيز هانوفر.”
التعليقات لهذا الفصل " 35"