وقفت أمامه وبدأت تمسح وجهه بالمنديل المبلل، تزيل ما علِق من الأوساخ.
كان يبدو كجرو عاد للتو من جولة لعب. ظهوره بهذه الحالة…
مسحت وجهه بنفَسٍ منزعج قليلًا. نظر إليها بصمت، ثم ابتسم فجأة.
التقطت النظرة المشاغبة في عينيه، فحدجته باستفهام، لكنه لفّ ذراعيه حول خصرها فجأة وجذبها إليه.
لم تملك وقتًا للمقاومة. ركبتاها ارتطمتا بحافة الأريكة وسقطت في حضنه.
حدّقت فيه وهي ما تزال ممسكة بالمنديل المبلل. نظراته كانت غارقة بمزيج من الحنان والشوق.
اشتدّ حضنه حول خصرها قليلًا. وصارت نظراته أعمق وأكثر دفئًا.
“إميلين.”
“ماذا الآن؟ تسحبني هكذا دون سابق إنذار…”
أبعدت عينيها بخفة، لا تحتمل ذلك الشعور الذي يُداعب صدرها.
ثم قالت له، وهي ما تزال تمسح وجهه:
“هلّا تجلس باحترام؟”
لكن يدها توقفت حين قال…
“هل نتزوج؟”
رفعت عينيها إليه سريعًا. رمشت، غير مستوعبة.
ولمّا لم تُجب، أسند رأسه على كتفها، محتضنًا إيّاها بقوة كما لو أنه يخشى إفلاتها.
“ألستِ راغبة؟ أنا… أحبك.”
داعب شعره رقبتها بخفة.
بعد ثوانٍ من استيعاب الكلمات، أفلتت إميلين أنفاسًا مقطوعة.
وضعت المنديل جانبًا ثم أمسكت كتفيه لتجبره على النظر إليها. أمسكت وجهه بين كفيها بإحكام.
“هذا ليس عرضك الرسمي، صحيح؟”
ضحك بقلق، ثم قال بصوت يحمل بعض الهزيمة: “حين تتألقين في ظهورك الرسمي، سأرسل عرضًا حقيقيًا. لست أحمقًا لأتقدم دون خاتم.”
وبابتسامته الجادة، قال بهدوء: “إذًا… ما جوابك؟”
وبينما رأته ينتظر بقلق، ارتسمت بسمة هادئة على شفتيها.
لم يكن هناك سوى جواب واحد لإميلين.
ذلك الرجل الذي بدأ غريبًا مزعجًا… صار الآن الشخص الوحيد الذي يدعم أحلامها.
ربما كانت دفء صدقه أحيانًا هي التي أيقظت قلبها نحوه.
في لحظة ما، صار يشغل تفكيرها، وتتوق لرؤيته، وتستمتع بكل ثانية معه.
مع زينون، صارت حياتها أكثر حيوية. منح أيامها الباهتة جمالًا لم تره من قبل.
أصبح عزيزًا عليها، غاليًا لدرجة أنها لم تعد تكترث لاعتراض أسرتها.
مالت نحوه وقبّلته قبلة قصيرة.
“حسنًا.”
“إميلين…”
تنفّس بارتياح، وارتسمت على وجهه ابتسامة خالصة قبل أن يقترب منها مجددًا.
“شكرًا لك.”
“همم.”
“أحبك.”
“…وأنا كذلك.”
ضحك بخفة على خجلها.
تماس أنفاسهما الدافئة، ورفع يده من خصرها ليحيط رأسها.
“إميلين… أحبك.”
ثم قبّلها قبل أن تتمكن من الرد. أحاطت ذراعيه بعنقها.
وكأن تلك الليلة، التي تبادلا فيها وعد المستقبل، ستدوم إلى الأبد.
يا لسذاجتهما.
—
بعد وعدهما بالزواج، ركّزا على الدراسة استعدادًا للامتحانات.
وخلال دراستهما في المكتبة كالعادة، تنهدت إميلين وهي تفرك عنقها، فقد جعلها طول الجلوس تشعر بالتصلّب.
“هل تشعرين بالتعب؟ نتمشّى قليلًا؟” سأل زينون من الجهة المقابلة.
ترددت لوهلة ثم أومأت. “نعم، لِنخرج.”
“فكرة جيدة.”
دفعت كرسيها وأزالت نظارتها، ونهضت، ولحق بها زينون.
وعند خروجهما من المكتبة، بدا أن زينون تذكّر أمرًا وقال: “قدّمتِ طلبك لامتحان القبول، صحيح؟ قبل مدة وصل خطاب إلى منزلي يؤكد الطلب. يحتوي على موعد الامتحان ويبدو أنك تحتاجين موافقة ولي الأمر.”
“وصل خطاب؟ متى بالضبط؟” سألتها بقلق. لم تتوقع ذلك. سيرى والدها الخطاب حتمًا.
لحسن حظها، كان والدها مسافرًا لأسبوع، وأخوها الوحيد يدرس في جامعة روبلك، مما يعني أن كبير الخدم لم يجد ما يثير الشبهة.
تمنت أن يكون الخطاب قد وصل أثناء غياب والدها.
“وصل قبل يومين. إن وصل خطابك بنفس التوقيت، فالغالب أن والدك لم يره بعد.”
“هذا مطمئن…”
زفرت براحة، لكنها لم تستطع الاطمئنان كليًا.
كانت خطتها الأصلية أن تحصل على القبول أولًا ثم تواجه والدها بالنتيجة. سيغضب بلا شك حين يسمع أنها ستجلس للامتحان، لكن نتائج تفوق أبناء أغلب العائلات النبيلة ستجعله يرضخ.
لكن الآن، ربما تُكتشف قبل الامتحان نفسه. ولمنع ذلك…
التعليقات لهذا الفصل " 33"