تعمّق الصيف أكثر، وأصبح دفء الشمس يلامس رأسها شيئًا فشيئًا جزءًا مألوفًا من حياتها اليومية.
وبين إميلين وزينون، حدث تغيير كبير.
“سيدتي، لقد جاء السيد الشاب من ترانسيوم للزيارة.”
عند سماع خبر وصوله، نهضت إميلين من طاولة الشاي. ارتسمت ابتسامة على شفتيها قبل أن تستطيع كبحها.
ولما أدركت أنها قد تظهر حماسها أمام الخادمة، سرعان ما استعادت هدوءها.
“حقًا؟ يجب أن أنزل بسرعة إذن.”
تظاهرت بالبرود، وكأن الأمر عادي للغاية.
ووضعت تعبيرًا هادئًا مرة أخرى، وتبعت الخادمة خارج الغرفة.
لكن، ماذا لو لاحظت أنها اقتربت منه قليلًا؟
يبدو أن برنارد أراد أن تحافظ إميلين على بعض التواصل مع زينون.
لابد أنه كان يتلقى تقارير عن لقاءاتهما المتكررة، ومع ذلك لم يوبخ إميلين على ذلك.
عندما وصلت إلى غرفة الاستقبال حيث كان زينون ينتظر، دخلت إميلين مع الخادمة وسلمت عليه.
“مرحبًا.”
تحدثت بصوت هادئ، خالٍ من الانفعال عمدًا.
وعندما التقت نظراتها بنظرات زينون للحظة، طلبت من الخادمة التي جاءت معها أن تغادر.
لأن إميلين لم تحب أبدًا وجود شخص يرافقها طوال الوقت، لم يكن في طلبها أي شيء مريب.
بعد مغادرة الخادمة وبقائهما وحدهما، تلطفت ملامح إميلين وأقتربت من زينون.
“زينون.”
عندما نطقت اسمه برفق، ارتسمت البهجة على وجه زينون.
لقد تظاهر هو الآخر باللامبالاة حتى غادرت الخادمة.
“مرحبًا، إميلين.”
انتشرت ابتسامة مشرقة على شفتيه.
طريقة تظاهره بأن والده دفعه إلى هنا كانت مثيرة للإعجاب؛ والآن بدا كجرو ينتظر بفارغ الصبر صاحبه.
تغيرت علاقتهما في اليوم الذي تبادلا فيه القبلة في الحقول خلف قصر ماركيز ترانسيوم.
في ذلك اليوم، لو رأى أي شخص ما حدث، ربما قد يظنون انهم مجانين بسبب مغازلاتهم لبعضهم الاخر.
عندما فكرت إميلين في تلك اللحظة، أرادت الاختباء من الخجل.
لكن بما أن زينون اعترف لها في تلك اللحظة، أصبح ذلك ذكرى لا يمكن محوها.
“لابد أنني أحببتك طوال الوقت. أنا أحبك، إميلين.”
حتى التصرفات المتهورة كانت في النهاية نابعة من العاطفة. على الأقل، الأشياء غير المنطقية التي فعلوها كانت نابعة من هذه المشاعر.
عندما سمعت اعترافه، ردت إميلين دون تفكير:
“نعم، وأنا أيضًا. أنا أحبك.”
من اللحظة التي احتضنها فيها زينون بفرح، بدأت علاقتهما رسميًا.
أضيف سر جديد بينهما، سر لم يشاركا أحدًا به.
“لقد اشتقت إليك.”
“… وأنا أيضًا.”
تشابكت أصابع زينون مع أصابع إميلين، ممسكًا يدها.
لا تزال إميلين غير معتادة على علاقتهما، فأمالت وجهها خجلاً بعيدًا عنه.
لكن لم تستطع كبح شعورها بخيبة الأمل لعدم رؤية وجهه، فأرجعت عينيها إليه بسرعة.
ابتسم بمكر وجذب يدها.
أطلقت إميلين صرخة صغيرة لتجد نفسها فجأة على حضن زينون.
بعد لحظة صمت مندهشة، فهمت الموقف وضحكت.
“ما هذا؟”
“إنه مكافأة على مدى تحكمي بنفسي أثناء افتقادي لك.”
تلمع عينا زينون بلعب، وضحكت إميلين ثم ضاقت عيناها.
“وماذا عن موافقتي؟”
“سأعمل جاهدًا لإقناعك. لقد كنت مضطربًا جدًا، افتقدتك.”
“أتعلم أننا التقينا قبل يومين فقط، أليس كذلك؟”
“حسنًا، شعرت وكأنني لم أرَك منذ ثلاث سنوات… لم أستطع التوقف عن التفكير بك طوال اليوم.”
احتضن زينون إميلين بقوة ووضع رأسه على كتفها كأنه يتذمر. شعرت إميلين بمزاجه المتذمر ولم تستطع إلا السماح له بذلك.
“يؤلمني.”
ارتعشت عندما لامس أنفاسه رقبتها وكتفها. دفء جسده، والشعور بالوخز العميق في صدرها، ارتفع تدريجيًا.
رفعت إميلين يدها ومدّت شعره برفق. أطلق زينون تنهيدة رضا واحتضنها أكثر.
كانت دقات قلبيهما متساوية، دون محاولة أحدهما التفوق على الآخر.
عندما شعرت بأنفه يلامس رقبتها وكتفها، توترت إميلين.
“رائحتك جميلة.”
“…لا تكن غريب الأطوار. توقف.”
“…هل بدا لي أنك غريب الأطوار؟”
“تمامًا.”
حينها رفع زينون رأسه عن كتف إميلين. بدا محبطًا قليلًا، لكن عندما التقت أعينهما، ارتخى تعبيره.
ابتسم زينون فجأة وسأل: “هل تريدين الذهاب لرؤية الألعاب النارية الليلة؟”
“ألعاب نارية؟”
“نعم، هناك عرض للألعاب النارية الليلة في الساحة المركزية. أريد أن أذهب معك.”
نظر إلى إميلين بعينين مليئتين بالشوق، لكنها لم تستطع إعطاؤه إجابة مؤكدة فورًا.
“…الألعاب النارية ستكون ليلًا، صحيح؟ لا يُسمح لي بالخروج بعد المساء.”
“بإرادتك الخاصة؟”
ترددت شفتي إميلين للحظة، لكنها أجابت بحزم كما لو لم يكن هناك أي شك.
“لا.”
“هل تريدين الذهاب معي؟”
“…أليس هذا واضحًا؟”
في كل مرة يسأل فيها، تتذكر إميلين واقع أنها لا تستطيع التصرف بحرية، مما يثبط روحها.
كم كان غريبًا—اتباع رغبات والدها كان يومًا شعورًا طبيعيًا للغاية لدرجة أنها لم تكترث لأي قيود ما لم تتعلق بدراستها.
قاطعتها صوت واضح:
“إذن لنذهب.”
“…ماذا؟ قلت لك أنني لا أستطيع.” لوحت إميلين بيدها بدهشة.
مال زينون برأسه قليلًا. “ليست مسألة اختيارك، وأنت تريدين الذهاب، إذن يجب أن تذهبي. لماذا تهتمي بالآخرين؟”
تحدث بنظرة هادئة، كما لو أن لا شيء يمكن أن يقيده. بدا وكأنه، بقليل من العزم، كل شيء ممكن.
نظرت إليه إميلين وأجابت بصوت متردد، “لكن لا يوجد طريقة لتفسير خروجي وحدي معك ليلاً، والتجول في الليل هو…”
أضاف زينون بهدوء، “سرًا.”
تجمدت أفكار إميلين عند كلماته. ارتفعت نظرتها التي كانت منخفضة لتلتقي بعيون زينون مرة أخرى.
سرًا؟
هل كان يقول إنه ينبغي عليهما التسلل؟
“أنت… تقول هذا وكأنه ليس مشكلتك…”
“لكنه كذلك. مشاكل إميلين ديلزير هي مثل مشاكلي. لهذا السبب أقترح هذا. أنت تريدين الذهاب، لكن هناك من يمنعك.”
ابتسم زينون لإميلين. رغم أن نبرة كلامه قد تبدو خفيفة، إلا أن هناك جدية لا يمكن إنكارها في عينيه.
“لن نُقبض علينا. أنا جيد في هذا النوع من الأمور. وإذا قُبض علينا… فقط قولي أن زينون ترانسيوم، ذلك الوغد، جركِ معه.”
“ماذا؟”
“لم أستطع السيطرة على نفسي—كنت أريد رؤيتك بشدة، حتى في الليل.”
هز زينون كتفيه. نظرت إليه إميلين بدهشة، ثم رأت الإخلاص في عينيه وأطلقت ضحكة صغيرة.
كان الأمر سخيفًا.
التسلل في الليل دون إذن والدها؟ ومع زينون، من بين الجميع؟
كان حقًا سخيفًا، لكن…
“طالما أننا لن نُقبض علينا.” متجاهلة جرس التحذير في ذهنها، أجابت إميلين.
ابتسم زينون بفرح. “فكرة رائعة يا إميلين. كنت أرغب حقًا في الذهاب معك—شكرًا.”
“…أنت حقًا لا يُقهر.”
“أعلم. لكن أليس من المثير مشاهدة الألعاب النارية؟ مجرد التفكير في الذهاب معك يجعلني سعيدًا جدًا.”
كان سحره المتملق كما هو دائمًا.
لم تستطع إميلين إلا أن تخضع له.
“أفترض ذلك.”
—
مع حلول الليل، اختلقت إميلين حجة للخدم بأنها ستنام مبكرًا وأغلقت باب غرفتها بإحكام. ثم تسللت إلى غرفة الملابس وغيّرت ملابسها.
قال زينون إنه سيأتي قريبًا، لكن… كيف سيصل هنا بالضبط؟
مرتدية ملابس خارجية غير ملفتة، جلست على مكتبها غارقة في التفكير.
هل هذا صحيح حقًا؟ هل هذا مقبول؟
بعد تفكير جاد لبعض الوقت، تنهدت إميلين.
في تلك اللحظة، هبت نسمة من النافذة المفتوحة.
تحركت عينا إميلين بلا وعي نحو الستائر المتموجة، ثم اتسعت عيناها عندما وقفت.
شيء ما طار إلى غرفتها مع الريح وسقط على الأرض.
اقتربت منه، وهي تومض بارتباك.
«طائرة ورقية…؟»
كان شيئًا لم تطويه سوى عدة مرات وهي طفلة، والآن طار إلى غرفتها.
ومشتبهة أنها تعرف من وراء هذا، التقطت الورقة ونظرت للأعلى.
سرعان ما رأت شخصًا يجلس على شجرة قريبة من نافذتها.
وعندما التقت أعينهما، ابتسم زينون ابتسامة مشرقة ولوح بيده.
حدقت إميلين بدهشة قبل أن يتحول تعبيرها إلى صدمة.
هل… صعد الشجرة؟
التعليقات لهذا الفصل " 31"