م.م:الفصل بيه مشاهد رومانسية قد تكون مزعجة للبعض.
الفصل 26: الشرارة
كان التجاهل التام في نظره كفيلاً بأن يترك إيميلين مذهولة. وسؤاله الفجّ جعل وجنتيها تشتعلان حمرة.
وقبل أن تتمكن من الرد، تابع زينون مستفزاً:
“ليس لديكِ تقريباً من يقترب منكِ، وأفكاركِ لا تزال طفولية… ما الذي قد تكونين قد مررتِ به أصلاً؟”
“……”
“آه، صحيح. أنتِ متعالية إلى درجة أنكِ قد ترتعبين لو لامسكِ أحد، أليس كذلك؟”
كانت كلماته تحمل حدّة غريبة عن نبرته المعتادة.
وقد أصاب تعليقُه لُبّ أعصابها، فأغاظها وأوجعها في آن.
وعندما فهمت كلامه على أنه سخرية واستفزاز، اشتعلت عيناها. وفي زرقة عينيها، توهّج لهب أشد من أي وقت مضى.
“لقد فعلتُه أنا أيضاً. أتريد أن أُريك؟”
“فعلتِه…؟”
بدأ زينون يضحك بسخرية، لكنه لم يكمل؛ إذ أمسكت إيميلين ياقة ثوبه وجذبته نحوها بقوة.
لقد أشعل استفزازه شرارتها، وما إن اندلع ذلك اللهيب حتى لم يعد قابلاً للإيقاف.
اصطدمت شفاههما فوراً، تحملان دفئاً من نوع مختلف.
تجمّد زينون في مكانه.
أما هي، فتأكدت من أن يرى ما تفعل، ثم لفّت ذراعيها حول عنقه، وارتفعت على أصابع قدميها لتضغط شفتيها الناعمتين عليهما بقوة أكبر.
حدّق بها زينون بعينين مذهولتين.
وللحظة، شُلّت أفكاره تماماً، ووقف بلا حراك.
ثم بدأ ببطء يدرك ما يجري.
لم تكن قبلة… بل مجرد لمسة شفاه طويلة.
وعندما استوعب ذلك، خرج منه ضحك خافت غير إرادي عبر شفتيهما المتصلتين.
كانت عينا إيميلين مغمضتين بقوة، والغضب المشتعل فيهما ما زال واضحاً من انكماش حاجبيها.
مرّ عبير ناعم يشبه رائحة بودرة الأطفال، ممزوجاً بنفحة زهرية أعمق، أمام أنف زينون. ولانت نظراته.
وحين شعرت بنظرته الوادعة، فتحت عينيها ببطء.
لم تكن معتادة على دفء شخصٍ يلامس بشرتها، فارتعشت أهدابها قليلاً.
وعندما تلاقت نظراتهما من تلك المسافة القريبة جداً، اختفى الانزعاج من عيني زينون، وحلّ مكانه لطف هادئ.
ولمّا أدركت إيميلين ذلك، ابتعدت بسرعة، وانفصلت شفاههما. ارتسمت على وجهها صدمة مكتملة الملامح.
ابتعدت الشفاه دون مقاومة… هكذا فقط.
وبدا زينون، الذي كان شبه مذهول، يحرّك شفتيه كأنه يحاول أن يقول شيئاً، قبل أن ينطق أخيراً:
“فهمت الآن معنى القبلة عندك. لكن يبدو أن قبلة نفسي مختلفة قليلاً.”
ومع ابتسامة تجمع بين خفة الظل والخجل، وضع ذراعه بخفة حول خصرها.
ارتجفت إيميلين من المفاجأة وتراجعت خطوة، لكن زينون تبعها بهدوء.
وكانت خلفها مكتبة تمنعها من الهرب، وحتى لو وُجدت مساحة، لكان زينون سيتبعها أينما سحبتْه.
ضمّها بلطف وقال من مسافة قريبة جداً:
“ما رأيكِ أن تقيّميها بنفسك؟ شاهدي الفرق بين قبلة وقبلة.”
وبينما يرقب رد فعلها، انحنى ببطء نحوها.
كانت إيميلين منهارة تحت ثقل ما حدث منذ لحظة البداية… فغمضت عينيها تلقائياً.
كان بإمكانها دفعه لو أرادت، لكنها لم ترغب في ذلك لسبب لم تفهمه.
وما إن التقت شفاههما من جديد، حتى شعرت بشيء مجهول يشتعل داخلها.
لم تكن قبلة تحدٍّ كما حدث أول مرة… بل كانت قبلة تهز قلبها بعنف مخيف.
تعلّقت بقميصه بقوة.
أما هو، فقرّب شفتيه بهدوء، كأنه يقول لها أن تهدأ… ثم مال برأسه لتزداد القبلة عمقاً ودفئاً.
ارتجفت جفونها لا إرادياً، وانطلق من زينون ضحك خافت.
وفي النهاية، ابتعد وهو يكاد يلهث.
قال لها بمرح ممزوج بدهشة:
“لماذا لا تتنفسين جيداً؟”
“كنت… أتنفس…” قالت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، ثم رمقته بنظرة حادة رغم ابتسامته المستمرة.
“تبدين مثل قطة حين تحدقين هكذا.”
“وأنت تبدو مثل كلب.”
“بما أنك لا تستعملين كلمات نابية… أفترض أنه مدح؟”
“…لقد لعقتني.”
“لم أفعل… آه، هل كانت إهانة؟”
ولا يزال ذراعه حول خصرها.
وحين رفعت رأسها إليه، دوّى خفقان قلبها في أذنيها كأنه يبتلعها بالكامل.
كان قربه خانقاً، لكنه لم يزعجها. كان شعوراً دافئاً يجعلها ترغب في الاقتراب أكثر.
ورغم أنه شعور خطِر، لم تستطع منعه.
وصوت صراخ الزيزان بالخارج بدا وكأنه يمحو آخر بقايا توازنها.
تعلقت بنظرته، ثم أمسكت ياقة ثوبه من جديد وجذبته نحوها بقوة لم تعهدها في نفسها.
استسلم زينون لسحبها تماماً، ورفع يدها ووضعها حول عنقه، ثم مال ليقابل شفتيها.
اختلطت أنفاسهما.
وبدأت القبلة ببطء… ثم فقدت إيقاعها تماماً، واحترقت شفتاهما بحرارة مربكة.
ومع لهيب الجو، شعرت إيميلين بدوار، وقلبها يقرع كطبول الحرب.
ضمته بقوة أكبر، لا تدري إن كانت هي من ينجذب نحوه أم هو من يجتذبها نحوه.
وحين ضعفت أنفاسها وتراخت شفتيها، استجاب زينون تلقائياً وتعمق أكثر.
وانتقلت حرارة أشد إلى بشرتها الرقيقة.
وعندما لامست لسانه طرف شفتيها من الداخل، ارتجفت وأطلقت أنّة خافتة.
وتوقّف زينون… تماماً.
ظل واقفاً بلا حركة، كأنه آلة تعطلت لحظة، ثم ابتعد أخيراً.
فتحت عينيها بصعوبة، والغموض يغمرهما.
كان وجهها محمراً بشدة، والحرارة ما تزال مشتعلة فيه.
تبادل الاثنان نظرات متوترة، وبدت على زينون ملامح حيرة حقيقية.
ثم أزال ذراعيها عن عنقه بلطف، وتراجع خطوة.
حرّك شفتيه أكثر من مرة قبل أن يقول بصوت متردد:
“آسف… لقد انجرفتُ كثيراً…”
رمشت إيميلين بدهشة.
كانت ملامحه هذه المرة جادة… وقد احمرّت أذناه تماماً.
ومسح شفتيها المبتلتين بكمّ ثوبه، لشدّة اضطرابه حتى إنه لم يفكّر باستخدام منديل.
ثم قال بتردد يائس:
“وآسف على هذا أيضاً… أظن أنه عليّ أن أغادر الآن.”
“أأنت… سترحل الآن؟”
“سنلتقي مجدداً.”
قال ذلك بسرعة ثم غادر باضطراب واضح، فيما بقيت هي واقفة، أنفاسها غير مستقرة.
وبمجرد أن غاب عن بصرها، انطفأت الحرارة التي أسكرت عقلها.
وبقي صوت قلبها وحده… يدق بلا رحمة.
“هاه…”
ما الذي فعلته للتو؟
غمرها مزيج من الخجل والفراغ.
—
في وقت لاحق، كانت إيميلين مستلقية في سريرها، تتذكر ما حدث… ثم جلست فجأة.
“أي نهاية كانت هذه؟!”
كانت القبلة بحد ذاتها صدمة… لكن رحيله الفوري كان أشد قسوة.
وأكثر من ذلك… أنه لم يزرها منذ ذلك اليوم.
ورغم خجلها، بعثت له عدة رسائل، لكنها لم تتلق إلا اعتذاراً مقتضباً وذريعة الانشغال.
أكاذيب.
سخرت في داخلها.
كان شريكاً في كل ما حدث، ومع ذلك يتجنبها الآن بوضوح.
هل يظن أنه الوحيد الذي يرغب في نسيان ما حدث؟
تمدّدت مجدداً وسحبت الغطاء فوق رأسها.
وعيناها في الظلام كانتا ملبدتين بالغم.
كلما حاولت نسيان ما جرى، عادت المشاعر والأحاسيس بوضوح مخيف.
مجرد تذكر اللمسة يجعل قلبها يضطرب بعنف.
الإحساس الخفيف الذي كانت تشعر به بقرب زينون… صار ملازماً لها طوال اليوم.
وكان قلبها يخفق بحرارة تذيب جزءاً من مقاومتها.
وبدأت فكرة ثقيلة تتسلل إليها…
كانت تعرف هذا الشعور.
ولمحت سبب اختفاء زينون، الرجل الذي كان يواجهها حتى حين تهاجمه بالكلمات… ثم اختفى فجأة.
كان عليها أن تكون ألطف… ربما.
لكن الحقيقة الأقرب أنها تعتقد أنه يهرب… لأنه ندم.
تنفست بعمق، وأغمضت عينيها.
الليل كان أثقل وأشد صمتاً من المعتاد.
.
التعليقات لهذا الفصل " 26"