الفصل 13: الإهانة
مع سماع شهقات صديقاتها المندهشة، استعادت إيميلين وعيها. وبحضور الجميع حولها، سارعت إلى ضبط تعابيرها.
زينون، الذي كان يحدّق بها كما لو كان يفحص ردّة فعلها، بدا كأنه مستمتع. رغبت في تجاهله والمغادرة، لكنها ردّت عليه بهدوء:
“مرحباً. هل لديك ما تودّ قوله؟”
كان تبادل المجاملات مع شخص من عائلة منافسة أمراً مبالغاً فيه.
وبمجرّد أن وقف وريثا دلزايير وترانسيوم وجهاً لوجه، بدأت الأنظار تتجه نحوهما. ومع كل تلك الآذان حولهما، كان على إيميلين أن تكون حذرة، بل شديدة الحذر.
“سعدت فقط برؤيتك هنا، فقلت إنني يجب أن أحييك.”
“…يبدو أنك متفرّغ جداً إذا كنتَ سعيداً برؤيتي.”
“لا داعي للنظر إليها بهذه الطريقة. بالنسبة لشخص مميّز مثلك، فمن الطبيعي أن أسعد حين أصادفه.”
“مميّزة؟”
ارتجفت ابتسامتها قليلاً. ما الذي يريد أن يقوله هذه المرّة؟
كانت قلقة بما يكفي بسبب كل الانتباه الموجّه نحوهما، وتخوّفت أن يبدأ زينون بتفاهاته عن كونهما مقرّبين. القلق كان يخنقها.
جاء مع مركيز ترانسيوم، فما الذي يدور في رأسه ليقترب منها هكذا؟
“أليس هذا صحيحاً؟ أنتِ من خسر المركز الأول أمامي. أشعر ببعض الذنب، لذا طبعاً تبدين مميّزة بالنسبة لي.”
كانت كلماته غير متوقعة، وكأنه ينتظر ردّة فعلها. قبل أيام فقط، كان يساعدها لأسباب مجهولة، واليوم يستفزّها. لم يكن من السهل فهم نواياه.
لكن رغم كل شيء، طعنت كلماته كرامتها. ومن دون أن تشعر، رمت زينون بنظرة حادّة وابتسامة متكلّفة.
“مبروك على نجاحك.”
قالتها ببرود ثم التفتت يساراً لتُظهر بوضوح أنها لا تنوي متابعة المحادثة. لم يكن هناك أي مكسب من الوقوف أمام زينون ترانسيوم أكثر من ذلك.
لكن فجأة تقدّم خطوة ليقف أمامها ويقطع طريقها.
“ما الذي يفعله؟”
حدّقت به باستفهام، وهو يبتسم ابتسامة عريضة لم يكلّف نفسه عناء إخفاء مغزاها.
“تبدين جميلة جداً اليوم.”
اتّسعت عينا إيميلين.
كلمة واحدة فقط من زينون ترانسيوم كانت كافية لتُحدث صدمة. احمرّ وجهها، وصدرت أصوات دهشة متزامنة تقريباً من خلفها.
وبعض من كانوا يراقبون بدأوا بالهمس.
تسلّل البرد إلى عمودها الفقري. الكثيرون بالتأكيد سمعوه. ومع هذا الثقل من النظرات، ضيّقت عينيها والنظرة في حدّتها كانت سهماً موجّهاً نحوه.
لا بد أنه فقد عقله. ومع ذلك بدا غير مبالٍ تماماً. اقترب منها خطوة أخرى وهو يبتسم.
“سمعت أن الموسيقى ستبدأ قريباً… هل تتفضّلين برقصة معي؟”
“…ماذا قلت؟”
لم تستطع تصديق أذنيها.
أجبرت نفسها على عدم فتح فمها من الصدمة. ماذا أكل هذا الرجل، أو على أي باب ضرب رأسه، ليقول شيئاً كهذا؟
ابتسم زينون بمكر لرؤيتها متفاجئة. عندها فقط أدركت إيميلين أنه يتعمّد إحراجها أمام الجميع.
‘ألا يخشى أن يلومه أهله على هذا؟’
وصلت همسات الناس إلى أذنيها، فعضّت شفتها. ربما لا يهتم زينون، لكن إيميلين كانت تشعر بالاختناق. كانت تخشى أن يصل إلى والدها خبر تواصلها معه.
تذكّرت كره والدها، برنارد، لعائلة ترانسيوم. ومع السمعة السيئة لزينون أصلاً، فإن رؤيتها معه قد تجلب لها عواقب لا تتوقعها.
ولحسن الحظ، والدها لم يكن هنا الآن، إذ كان في اجتماع خاص مع الملك.
رفعت إيميلين نظرتها المرتعشة نحو زينون. كان عليها رسم خط واضح بينهما، خصوصاً بوجود هذا الجمهور.
فتحت عينيها بغضب ورفعت صوتها:
“لا أفهم كيف تجرؤ على اقتراح كهذا. إن كانت مزحة، فأتمنى أن تتوقف. الأمر غير مقبول للغاية.”
“غير مقبول؟ تتحدثين وكأنك تعرضتِ للإهانة.”
“نعم، كانت إهانة.”
سلبه للمركز الأول. اقترابه الوقح منها. ألعابه الغريبة. والآن، تعمّده إزعاجها وهو يعلم أنها متضايقة. كل ذلك كان إهانة لإيميلين دلزايير.
وباعتبار مكانتها وسمعتها، كان عليها رسم الحدود.
“يا إلهي… هل يتشاجران؟”
يبدو أن كلماتها وصلت إلى من حولهما فبدأوا بالهمس. كان واضحاً أن العائلتين على خلاف. ولم يجد أحد ذلك غريباً.
بالطبع. كان ذلك طبيعياً. الغريب الوحيد هنا كان زينون ترانسيوم الذي يدّعي صداقتهما. ما الذي يسعى إليه؟ لم تكن تعلم.
“حتى لو كانت لديك هوايات غريبة كهذه، عليك أن تنتبه لمن تقترب منهم. هناك ما يكفي من الشائعات حولك، والآن تريد إضافة المزيد؟”
كلماتها كانت حادّة، تهدف إلى إحراجه. كان ذلك السبيل الوحيد لحماية نفسها.
‘غالباً سيردّ بسخرية كما يفعل دائماً.’
لكن بدلاً من ذلك، نظر إليها نظرة مختلفة. مطوّلة. جادّة. غير مألوفة.
لم يبدو غاضباً، لكن صمته كان يدلّ على أنه تأذى… أو ربما جُرح كبرياؤه.
شعرت إيميلين بانقباض، لكنها تجاهلته وتقدّمت مبتعدة عنه. وتبعتها صديقاتها المذعورات.
اقتربت أنجل منها وأمسكت ذراعها بلطف. “ليدي دلزايير، هل أنتِ بخير؟”
“…طبعاً. ولمَ لا أكون بخير؟”
كانت هي من قالت تلك الكلمات القاسية. وهي من وضعت الحد. رسمت ابتسامة مألوفة رغم تصلّب شفتيها.
“ما به؟ لماذا يفتعل شجاراً بهذه الطريقة؟ كونه وسيماً لا يعني شيئاً. شخصيته بائسة.”
“سُرِرنا بسماعك تقولين ذلك. بدا عليكِ التوتر.”
“أن يطلب منك رقصة هكذا فجأة… لا بد أنه يحمل نوايا غير جيّدة. كوني حذرة.”
وقفوا إلى جانبها، يتعاملون مع زينون كعدو.
“أشكركنّ… على وقوفكنّ معي.”
ابتسمت قدر ما تستطيع. لكنها لم تستطع طرد الضيق الذي خنق صدرها.
وقاومت رغبتها في الالتفات.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"