كان همس القاعة خافتًا حين سأل أحد الفرسان:
“ما الأمر؟ أهي تلك الفتاة التي جلبها القائد بنفسه؟”
استدارت روزالين لترى فارسًا ذا شعر رمادي مسرّح إلى الخلف بعناية، غير أنّ مظهره العام بدا مترهِّلًا لا يليق بمقام فارس من طبقة النخبة.
“السيّد نائب القائد.”
تقدّم جيمي خطوة للأمام احترامًا، لكنّ الرجل الملقّب بـ”نائب القائد” لم يكلّف نفسه عناء الالتفات إليه.
‘أهذا حقًّا نائب القائد؟’
لقد سمعت روزالين عنه من قبل.
إنّه هيو ديلان، الوريث الوحيد لأسرة الكونت ديلان، سيّء الصيت بين النبلاء بسوء سلوكه وتصرّفاته الطائشة.
بكلماتٍ مختصرة: رجل متهوّر متغطرس.
‘تمامًا كما قيل عنه…’
من شعره اللامع إلى جلسته المتكاسلة، كان مثالًا حيًّا على الأرستقراطي المتدلّل الذي لا يعرف الانضباط.
اقترب هيو بخطواتٍ واثقة، ثم مدّ يده ليمسك بذقن روزالين بخشونة.
“وجهكِ ليس قبيحًا.”
“…….”
عبارته كانت تافهة لدرجةٍ لم تُغضبها، بل جعلتها تتساءل:
‘لماذا يحتفظ كاسيوس بمثل هذا الفاسد إلى جواره؟’
لم يكن في قلبها سوى الفضول، بينما أخذت ملامح جيمي تزداد شحوبًا.
“نائب القائد، هذا تصرّف غير لائق!”
ابتسم هيو بسخرية قائلاً:
“غير لائق؟ وهل تعرف أنتَ ما أنوي فعله أصلًا؟”
كانت نبرته مشبعة بالغرور والاستهانة.
“يُقال إنك امرأة ذكيّة وخطيرة، تمسكين بخيوط الأسرار وتتحكّمين في كبار النبلاء كي لا يجرؤ أحد على تحدّيكِ.”
رغم لهجته الساخرة، ظلّت روزالين متزنة، تراجع في ذهنها ما تعرفه عن آل ديلان.
‘نقطة ضعف آل ديلان هي…’
لكنّ هيو اشتعل غضبًا حين رأى الهدوء في عينيها، فشدّ قبضته على ذقنها أكثر.
“آه!”
قال بنبرةٍ حاقدة:
“أكره أمثالكم. أنتم حثالة العامة الذين نسوا مكانهم الطبيعي، كان عليكم أن تبقوا خاضعين!”
في تلك اللحظة، التمعت عينا روزالين وقد رأت ظلًّا مألوفًا خلفه.
‘أوه…’
ابتسمت ابتسامةً صغيرة أزعجته.
“هل تسخرين مني؟”
دفعها فجأة، فسقطت أرضًا محدثة صوت ارتطامٍ خفيف، وصرخت:
“آآه!”
ارتدّ صداها في القاعة، فتجمّد الجميع في أماكنهم.
ثم دوّى صوت خطواتٍ حازمة تُعلن حضور شخصٍ مُهاب.
“ما الذي يجري هنا؟”
جاء الصوت باردًا كحدّ السيف، لتتّجه الأنظار نحو الدرج الكبير.
نزل كاسيوس بخطواتٍ رصينة من خلف الستائر الثقيلة.
“نائب القائد، سألتك ما الذي يحدث هنا.”
تردّد صوته الجليدي في القاعة حتى كأنّ الهواء نفسه تجمّد.
تلعثم هيو قائلًا:
“لا شيء يُذكر، كنتُ فقط أوجّهها قليلًا… لم أدفعها حقًا.”
“هيو ديلان.”
تقطّعت الكلمة من فم كاسيوس كطعنةٍ حادّة.
‘أجل، هذا هو القائد الحقيقي! العدل بعينه!’
هتفت روزالين في سرّها، وقد نسيت كلّ انزعاجها السابق منه.
لكنّ توتّر هيو كان حقيقيًّا، لا تمثيل فيه.
أما روزالين، فحين رأت القائد يقترب، قرّرت أن تؤدّي دورها للنهاية،
فأخذت تمثّل الألم كأنّها ضحيّة حقيقية.
قال كاسيوس بصوتٍ جليّ:
“هل لديك سلطة لفعل هذا؟”
فهم الحاضرون مقصده فورًا؛ فحقّ توجيهها منوط بالقائد وحده، لا بنائبه.
وهكذا يكون هيو قد تجاوز حدوده.
تردّد قليلًا ثم قال:
“…لا، ليست لي سلطة بذلك.”
أومأ كاسيوس ببرود وقال:
“جيد.”
لكنّ نبرته بقيت كالجليد، لا دفء فيها.
‘ما دام في جانبي، فالأمان حليفي اليوم.’
تبسّمت روزالين في سرّها، فالنصر أحيانًا يكون بابتسامةٍ لا بضربة سيف.
حين حاولت النهوض، ارتجفت ساقاها من التنمّل،
وإذا بظلٍّ يقترب منها وصوتٍ يقول برقةٍ غير متوقّعة:
“هل أنتِ بخير؟”
رفعت عينيها لتجد كاسيوس أمامها، منحنياً على ركبةٍ واحدة يمدّ يده نحوها.
‘يا إلهي… كأنّه فارسٌ ينقذ أميرةً في حكايةٍ قديمة!’
لكنّها شعرت بخجلٍ غريب أكثر من الامتنان.
قالت بسرعة:
“أنا بخير، أستطيع النهوض وحدي… آه!”
وما إن حاولت الوقوف حتى أمسك كاحلها، وسأل بجدّية:
“أأصبتِ؟ يجب أن نذهب إلى العيادة.”
صرخت عندما رفعها فجأة بين ذراعيه، فالتصقت يدها بعنقه لا إراديًا،
واقتربت أنفاسها من رائحةٍ باردةٍ تشبه هواء البحر في منتصف الشتاء،
رائحةٍ قوية تليق بفارسٍ يُلقّب بـ”حجر الحديد والدم”.
فتح كاسيوس باب العيادة بكتفه ودخل، فشهق الطبيب العسكري متفاجئًا.
“القائد…! ما الذي—”
“لقد سقطت.” قالها ببرودٍ مختصرٍ أنهى دهشة الجميع.
“من هنا، سيدي!”
أسرع الطبيب يرشده، فوضعها كاسيوس على السرير بلطفٍ غير متوقّع.
“ماذا حدث تحديدًا؟”
“نائب القائد دفعها.”
شهق الطبيب:
“ماذا؟! نائب القائد نفسه؟!”
لكنّ روزالين رفعت يدها وقالت مهدّئة:
“مجرد التواء بسيط في الكاحل، ليس بالأمر الخطير.”
غير أنّ كاسيوس أصرّ بلهجةٍ صارمة:
“لم تستطع الوقوف. يجب فحصها جيدًا.”
شعرت روزالين بالحرج،
‘سيظنّون أنني على حافة الموت!’
اقترب الطبيب قائلًا:
“اسمحي لي أن أرى.”
عندها أدار كاسيوس ظهره احترامًا، بينما رفع الطبيب طرف ثوبها ليفحص الكاحل بحذر.
“آي!”
قال الطبيب بعد لحظات:
“إنه التواء خفيف، لا خطر منه، لكن الألم لا بدّ أنه كان شديدًا.”
‘مبالغ قليلًا…’ فكّرت روزالين وهي تعضّ شفتيها.
وقبل أن يُكمل الطبيب كلامه، دخل بعض الرجال يحملون مصابًا.
“جرح ناري!”
قال الطبيب بسرعة:
“سيدي، المريض الآخر يحتاج إلى رعاية عاجلة!”
أجابه كاسيوس دون تردد:
“اذهب، سأعتني بها بنفسي.”
انحنى الطبيب شاكرًا وغادر مسرعًا.
جلس كاسيوس على ركبةٍ واحدة أمام روزالين، ونزع حذاءها برفق، ثم وضع قدمها على فخذه، يثبّت الجبيرة بخبرةٍ دقيقة.
تابعته بنظراتٍ متردّدة؛ فكلّ حركةٍ من يديه كانت هادئة ومضبوطة،
ومع ذلك، أحسّت بحرارةٍ تتسرّب عبر فخذيه إلى أطرافها.
قالت بخجل:
“يبدو أنك خبيرٌ في هذا.”
ردّ دون أن يرفع رأسه:
“في ساحات الحرب، لا يُمكن دائمًا نقل الجرحى إلى الخطوط الخلفية.”
فهمت عندها أنّه اكتسب هذه المهارة من سنوات القتال الطويلة.
“كم سنة قضيتَ هناك؟”
“ستّ سنوات.”
“تمامًا كحرب مملكة بايمار ضدّ الإمبراطورية…”
أمسكت أصابعها تعدّ، ثم رفعت نظرها نحوه وقد ملأ عينيها الإشفاق.
“ستّ سنوات في الجحيم إذًا.”
قال بهدوءٍ ثابت:
“ذلك واجبي كفارسٍ إمبراطوري.”
لكنّ صمته التالي كان أثقل من الكلام،
وحين التقت عيناهما عن قرب، كاد الزمن يتوقّف للحظة.
عيناه الزرقاوان كانتا هادئتين كبحرٍ في ليلٍ بارد، عميقتين بلا نهاية.
أشاح بنظره أولًا، وقال بنبرةٍ خفيفة:
“لا تبذلي جهدًا اليوم. استريحي هنا ثم عودي.”
ثم نهض، متجهًا إلى الباب، وعباءته الزرقاء الداكنة تتماوج في أثره كظلٍّ مهيب.
لم تستطع روزالين الرد،
فقد امتلأ قلبها بمزيجٍ من الإعجاب والارتباك.
بعد لحظات عاد الطبيب مبتسمًا:
“لحسن الحظ، الإصابة بسيطة. سأعطيكِ كيسًا للكمّادات الباردة… هل تشعرين بحرارة؟”
احمرّ وجه روزالين وقالت بسرعة:
“لا، ليست حرارة، فقط احمرار بسيط!”
أصرّ الطبيب بجدّية:
“إن ارتفعت حرارتكِ، عليكِ تناول الدواء فورًا.”
رفعت صوتها بحرجٍ وهي تقول:
“قلتُ لك إنها ليست حرارة، مجرد احمرار طبيعي!”
فتردّد صداها في الممرّ الطويل،
والجنود بالخارج لم يتمالكوا أنفسهم من الابتسام.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"