عند البوّابة الكبرى لمعبد أزرا، توقّفت عربة فاخرة بعد أن شقّت طريقها وسط الزحام.
ترجّل منها شابّ وشابّة من طبقة النبلاء، يتبعهما عددٌ من الفرسان كحرّاسٍ شخصيّين.
وما إن خطوا إلى داخل المعبد، حتّى سارع أحد الكهنة لاستقبالهم قائلًا:
“ما الذي أتى بكم إلى معبدنا اليوم؟”
رفعت النبيلة، ذات الشعر الذهبيّ المصفّف بعناية، رأسها بكبرياءٍ وأجابت:
“جئنا لتفقّد المعبد تمهيدًا لإقامة زفافنا هنا.”
أشرق وجه الكاهن فرحًا وقال بحماسة:
“يا للسعادة! لقد أحسنتما الاختيار. فمعبد أزرا يُعدّ منذ زمنٍ بعيدٍ من أجمل أماكن الزواج وأشهرها على الإطلاق.
تفضّلا، سأكون مرشدكما في هذه الجولة.”
ولأنّ حفلات النبلاء تكون عادةً باهظة التكاليف، لم يتمكّن الكاهن من إخفاء ابتهاجه وهو يتخيّل المكافأة السخيّة التي قد ينالها.
وأثناء حديثه بفخرٍ عن المعبد وزخارفه، مالت النبيلة روزالين نحو كاسيوس وهمست له بابتسامةٍ ماكرة:
“أرأيت؟ لقد نجحتُ في تنفيذ خطّتي.”
غير أنّ كاسيوس لم يُبدِ أيّ انفعال، وظلّ على هدوئه المعتاد.
كانت فكرة التظاهر بأنّهما خطيبان يبحثان عن مكانٍ لإقامة زفافٍ مجرّد حيلةٍ من ابتكارها.
فالمعبد دائم الازدحام، يؤمّه الناس من كلّ الطبقات، ما يجعله موقعًا مثاليًّا لتنفيذ خطّتهما دون إثارة الشبهات.
أمّا الظهور بزيّ الفرسان، فكان سيجعل كلّ الأنظار تتوجّه إليهم، وربّما يلوذ الهدف بالفرار قبل أن يتمكّنوا من الإمساك به.
“المعبد مدهش حقًّا… وذلك المكان هناك، ما وظيفته؟”
“آه، ذاك الموضع مخصّصٌ لـ…”
كانت روزالين تتعمّد طرح الأسئلة العشوائيّة لتُشغل الكاهن، بينما كان الفرسان الذين رافقوهما يتسلّلون بهدوء ويختفون وسط الزائرين.
تمامًا كما تَنَكَّر الاثنان بملابس النبلاء، ارتدى رجالهم أزياء بسيطة لا تُثير الشبهات.
لم يكن فرسان الحجر الأسود وحدهم هناك، بل كان بين الحشود أيضًا بعض أفراد نقابة “هايد” الذين اندسّوا متخفّين بين الناس.
هدفهم واحد: الإيقاع بأعضاء منظّمة “ريدفور” أثناء اجتماعهم السرّي.
“همم… أظنّ أنّ هذا الممرّ سيكون أكثر جمالًا لو فرشناه بالقماش الأبيض وزيّنّاه بالورود.
ما رأيك يا عزيزي؟”
تشبّثت بذراع كاسيوس برفق، فاحمرّ وجه الكاهن خجلًا من المشهد الرومانسيّ.
وحين بقي كاسيوس صامتًا، وخزته بكوعها بخفّة، فتمتم أخيرًا:
“ربّما لونٌ آخر غير الأبيض سيكون أنسب.”
“ولماذا ذلك؟”
“إنْ تلطّخ بالدم، فسيبدو المشهد فوضويًّا جدًّا.”
اتّسعت عينا روزالين بدهشةٍ من كلماته، ثمّ تداركت الموقف بابتسامةٍ مصطنعةٍ وقالت ضاحكةً:
“ما أغربك! من يتحدّث عن الدماء في مناسبةٍ كهذه؟ الكاهن المسكين سيُغمى عليه!”
صحيح أنّ الدماء قد تُراق اليوم، لكن ليس في هذه الجولة الزائفة.
“هيا، لنتوجّه إلى الجهة الأخرى.”
سحبت ذراعه بخفّةٍ وابتسامةٍ متوتّرةٍ تحاول أن تُخفي بها ارتباكها.
‘يا ألهيّ، أرجوك، أعِنّا لنجدَه…’
كانت مهمّتها لفت الأنظار وإشغال الناس فقط، بينما أوكلت إلى رجالها مهمّة البحث عن “بيلي”.
ورغم ثبات ملامحها الظاهرة، إلّا أنّ يدها كانت ترتجف قليلًا من شدّة التوتّر.
—
“أظنّ أنّ تعليق الأقمشة البيضاء من الأعلى سيمنح المكان سحرًا خاصًّا… أو ربّما يبدو مبالغًا فيه؟”
استمرّت روزالين تتحدّث عن الزينة والتفاصيل الصغيرة لساعاتٍ طويلة، من دون أن يحرزوا أيّ تقدّمٍ يُذكر.
‘هل ضاعت فرصتنا؟’
وفجأةً، أمسك كاسيوس بيدها وأدارها نحوه قائلًا بنبرةٍ منخفضةٍ ولطيفةٍ على غير عادته:
“لقد أرهقتِ نفسكِ، خذي قسطًا من الراحة.”
رفعت بصرها نحوه بدهشةٍ خفيفة، ثمّ فهمت ما يعنيه.
‘إنّه قلقٌ عليّ… يا للعجب، لم أتوقّع منه هذا اللطف.’
ابتسمت قليلًا وقالت بنبرةٍ هادئة:
“لا بأس، دعني أُكمل الجولة قبل أن نغادر.”
تحدّثت وكأنّها خطيبةٌ حقيقيّة تحاول أن تبدو طبيعيّة أمام الجميع، بينما تُخفي توتّرها الحقيقيّ.
وفي تلك اللحظة، اقترب أحد الفرسان المتنكّرين وهمس في أذن كاسيوس.
ازداد خفقان قلب روزالين.
‘هل وجدوه؟ أرجوك، قل إنّهم وجدوه!’
التفت إليها كاسيوس بنظرةٍ جادّةٍ مختلفةٍ تمامًا، وقال بصوتٍ مسموعٍ:
“يبدو أنّ اللون الأصفر سيكون خيارًا جميلًا لتلك الزاوية.”
ارتجف جفنها لحظةً قبل أن تُدرك أنّ “الأصفر” هي كلمة السرّ في خطّتهم، وتُشير إلى أنّ الهدف قد عُثر عليه.
“نعم، الأصفر سيكون مثاليًّا فعلًا.”
قالت بحزمٍ بعد أن كانت تُماطل منذ البداية، فانتبه الكاهن وسأل بحماس:
“إذًا، هل أرشّح لكما موعدًا للحجز؟”
“أوه لا! لقد تأخّرنا عن مأدبة العشاء! هيا بنا يا عزيزي!”
شبكت ذراعها بذراع كاسيوس واستدارت بخفّةٍ قائلةً:
“نعتذر أيّها الكاهن، سنعود لاحقًا!”
ثمّ غمزت له بعينها وغادرت على عجلٍ وهي تجرّ كاسيوس خلفها.
ورغم إحساسها بالذنب تجاه الكاهن المخدوع، واسَت نفسها في سرّها قائلة:
‘طالما نفعل هذا لإنقاذ الأرواح، فلن يغضب منّا الحاكم أزرا.’
—
كان المعبد مجرّد محطةٍ وسطى في سلسلة اللقاءات السرّية، لا مكانًا للمواجهة.
فقد لمح أحد أفراد النقابة “بيلي” وهو يخرج خلسةً من المعبد، فتتبّعه إلى مستودعٍ مهجورٍ في أطراف المدينة.
وحين وصلت روزالين وكاسيوس إلى هناك، كانت المعركة قد حُسمت بالفعل.
“بيلي!”
صرخت باسمه ما إن رأت وجهه، ثمّ هرعت نحوه واحتضنته بقوّة.
قال بدهشةٍ وارتباك:
“قائدتي! ما الذي يجري؟”
لكنّ المشهد كان أبعد ما يكون عن الهدوء؛ فإلى جانب الجدار اصطفّ رجال منظّمة “ريدفور” مقيّدين على رُكبهم، والسيوف تلامس أعناقهم.
“هل أصابك مكروه؟ هل أنت بخير؟”
“أنا بخير… لم يُصِبني أذى. لكنّني ظننت أنّ نهايتي قد اقتربت اليوم.”
تفحّصته بعينيها من رأسه إلى قدميه ثمّ زفرت بارتياحٍ قائلةً:
“كنتُ أظنّ أنّ كلّ شيء يسير وفق الخطّة، لكنّ رسالة الطوارئ جعلتني أُجنّ!”
“كنتُ أظنّ الأمر كذلك أيضًا، لكنّهم تحدّثوا عن إعدام جاسوسٍ علنًا، وكان الوصف يُطابق مكاني تمامًا، فظننتُ أنّهم اكتشفوا أمري…”
تجوّلت روزالين بعينيها في أرجاء المستودع، فرأت بقع الدم اليابس على الأرض والجدران المتّسخة، فعقدت حاجبيها بانزعاجٍ وقالت:
“كان عليك أن تهرب فورًا! ألم أقل إنّ سلامتك تأتي أولًا؟”
“لو أنّني فررت، لفقدنا فرصة الوصول إلى القادة الحقيقيّين. أعرف كم تعتبرين هذه المهمّة أساسيّة…”
“أيّها الأحمق! لا توجد مهمّةٌ تستحقّ أن تُضحّي بحياتك من أجلها!”
كانت تدرك أنّ عملهم محفوفٌ بالمخاطر، وأنّ جمع الأسرار يعني المجازفة بالحياة، لكنّها لم ترغب يومًا في فقدان أحدٍ من رجالها.
‘ربّما هو تناقض… لكنّ القلب لا يُنصت دومًا إلى العقل.’
قال بيلي وهو ينحني قليلًا باحترامٍ:
“أشكركِ يا سيّدتي. ولكن… حتى لو لم أكن أنا، فهناك من كان سيفعل الشيءَ نفسه.”
“ماذا تعني؟”
“أنتِ من منحتِ حياتنا معنى. كنّا نظنّ أنّنا لا قيمة لنا، والآن كلّنا مستعدّون للتضحية من أجلكِ.”
تجمّدت روزالين في مكانها وقد خيّم الارتباك على وجهها.
‘هذا ليس ما أردتُه منهم…’
كانت تطمح لبناء فريقٍ يعمل معها نحو غدٍ أفضل، لا جماعةٍ تفديها بأرواحها.
عضّت شفتها وهمست بأسى:
“أيّها الحمقى…”
وفجأةً، اخترق الصمت صوتٌ عميقٌ خلفها:
“هل انتهيتما من الحديث؟”
التفتت فرأت كاسيوس يقف عند الباب، متّزنًا كعادته وذراعاه مطويتان.
“نعم، لقد انتهى كلّ شيء. فلنعد.”
لم يتبقَّ لها ما تفعله، فمسؤوليّة التحقيق وتنظيف المكان تقع الآن على الفرسان.
“لكن، سيّدتي، لماذا فرسان الحجر الأسود هنا؟ هل… هل سيقبضون عليّ؟”
سأل بيلي بخوفٍ واضحٍ وهو يبتلع ريقه.
ابتسمت روزالين وقالت بنبرةٍ مطمئنةٍ:
“اطمئن، إنّهم هنا لمساعدتنا.”
لكنّ وجوه الفرسان ظلّت جامدةً لا تعبّر عن شيء، كما لو أنّ المجاملة لا تُناسب طباعهم الصارمة.
لم تُعرهم اهتمامًا، وأشارت نحو كاسيوس مبتسمةً قائلة:
“دعني أُعرّفك على القائد الأعلى لفرسان الحجر الأسود، أنبل رجلٍ وأعدل فارسٍ في المملكة.”
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"