02
ها هي لي هاي إن، موظفة عادية في كوريا الجنوبية، تستمتع أخيرًا بيوم عطلة نادر، مستلقية في سريرها بسعادة غامرة.
لم يكن هناك أي مبالغة في فرحتها، فقد كانت عطلة طال انتظارها بحق. لكن راحتها لم تدم طويلًا، إذ تحطم هدوؤها بسبب شجار صاخب في الطابق العلوي.
لم يكن مجرد خلاف عاطفي عابر، بل كان أشد تهديدًا مما يمكن تجاهله.
بدافع من حس العدالة المتواضع، قررت لي هاي إن التدخل لمساعدة المرأة التي بدا أنها في خطر. لكنها لم تكن تتوقع أن ينتهي بها الأمر بطعنة غادرة من السكين الذي كان يلوّح به الرجل الغاضب.
لم تحظَ حتى بفرصة لاستيعاب الظلم الذي وقع عليها، فقد كان موتها سريعًا وسخيفًا، بلا أي معنى.
غير أنها عندما فتحت عينيها مجددًا، وجدت نفسها قد عادت بالزمن ثلاثة أشهر إلى الوراء. استوعبت الأمر ببطء، قبل أن تتمتم لنفسها
“لم يكن من المفترض أن أموت بتلك الطريقة السخيفة…”
لكن سرعان ما اكتشفت أن ما ينتظرها لم يكن حياتها السابقة، بل واقعًا صادمًا غير مألوف تمامًا.
كل شيء بدا غريبًا، حتى الأشخاص من حولها لم يكونوا من عالمها. لم تعد لي هاي إن، بل أصبحت هايلي شالمُن، ابنة الفيكونت شالمُن.
لوهلة، فكرت أن إلهًا ما قد أشفق عليها ومنحها معجزة. ربما رأى أنها روح نبيلة تستحق فرصة جديدة، بعد أن ماتت وهي تحاول إنقاذ شخص آخر. حين نظرت للأمر من هذه الزاوية، بدا منطقيًا بعض الشيء.
لم ترغب في تفويت هذه الفرصة، بل قررت استغلالها على طريقتها. إذا منحها القدر ليمونة، فستصنع منها عصير ليموناضة! قبضت يديها بإصرار وهي تعقد العزم
“هذه الحياة الثانية هدية لي، ولن أضيعها بالتدخل في شؤون الآخرين. سأعيش بهدوء، بلا طموح ولا متاعب، فقط لأصل إلى شيخوخة هانئة وأموت بسلام.”
لكن بينما كانت تهمس بهذه الكلمات لنفسها، قطبت حاجبيها فجأة. كان هناك صوت، صوت خافت كأنه قادم من حلم بعيد. صوت نادى اسمها مرارًا وتكرارًا…
― “أرجوكِ، لي هاي إن.”
ما الذي يُطلب منها؟ ومن يكون صاحب ذلك الصوت؟ هل هو من أرسلها إلى هذا العالم؟ أم ينبغي عليها أن تفكر فيه كإله بدلاً من شخص؟ لكن الصوت كان رقيقًا للغاية ليكون إلهيًا. لماذا أُرسلت إلى هنا؟ لو استطاعت التعمق أكثر في ذاكرتها، ربما تتذكر وجهه. ظلت لي هاي إن تحاول استرجاع ذكرياتها الضبابية، عابسة بتركيز.
― “أرجوكِ، لي هاي إن. لي هاي إن. هيي…”
“ها؟ آه، نعم. أعتذر، لقد شردت للحظة…”
انتشلتها نبرة حادة من أفكارها، فابتسمت هايلي بإحراج. أن تسرح في مقابلة عمل؟ تصرف قد يكون كافيًا لطردها فورًا دون فرصة لتبرير نفسها.
نظرت إلى السيدة ماستيس، التي كانت تحدق بها بوجه متجهم، ثم رسمت على شفتيها ابتسامة مودة، وكأنها ترجّت تفهمها.
“لقد استغرقني السفر من ويستهيل إلى هنا أكثر من خمس ساعات، فقد انطلقت مع الفجر. وهذه أول مرة أزور فيها العاصمة، لذا أظن أن التعب نال مني قليلًا.”
أومأت السيدة ماستيس برأسها ببطء، ثم وضعت خطاب التوصية على الطاولة، وسألتها بنبرة صارمة تنطوي على تحذير
“هل تدركين طبيعة العمل الذي ستقومين به هنا؟”
“نعم، سمعت أنه عمل كمربية للدوق.”
عند سماع كلمة “مربية”، عبست السيدة ماستيس كما لو أنها سمعت أمرًا غير معقول.
“الدوق لا يحتاج إلى مربية. إنه يتقن سبع لغات، بل إنه…”
توقفت فجأة، وابتلعت بقية كلماتها، لكن هايلي استطاعت تخمين ما كانت على وشك قوله
“بل إن ابنة فيكونت فقيرة لا يمكن أن تكون مربية له.”
كانت هايلي تدرك تمامًا وضعها. فهي ابنة فيكونت بالاسم فقط، بينما في الواقع لم تكن سوى خادمة لا تملك شيئًا. لذا، بدلاً من مجادلة السيدة ماستيس، اكتفت بالقول بنبرة هادئة
“حقًا، إنه مذهل كما تقول الشائعات.”
أضافت السيدة ماستيس بقدر من الحرج
“بدلاً من مربية، من الأدق القول إنكِ ستكونين رفيقة حديث لسانتييه. خلال الأشهر السبعة التي قضاها الدوق في أراضيه، أصبح فنانو سانتيس مشهورين في العاصمة، مما جعل التحدث بالسانتييه موضة بين النبلاء. حتى أولئك الذين كانوا يتحدثون بالنيسية حتى الخريف الماضي.”
هزت رأسها متأففة، لكنها استعادت جديتها فور أن تذكرت وجود هايلي، التي أومأت بحماس، وكأنها توافق على كل كلمة.
انتشار السانتييه في المجتمع الراقي يعني أن النبلاء في الحفلات لا يتحدثون إلا بها، ومن لا يتقنها يُستبعد من المحادثات ويصبح عرضة للسخرية لافتقاره إلى الثقافة.
وبينما كانت هايلي تتذمر داخليًا، ظلت تحافظ على ابتسامتها الهادئة.
ابتسمي. ابتسمي. بالطبع، كل ما تقولينه صحيح يا سيدتي…
أضافت السيدة ماستيس، وكأنها تخشى أن تسيء هايلي الفهم، مدافعة عن الدوق:
“لقد تعلم الدوق السانتييه، لكنه لم يستخدمها منذ سنوات، لذا فهو بحاجة إلى رفيقة حديث. عملك بسيط: قراءة كتب بالسانتييه أو التحدث بها. وبما أن لديكِ خطاب توصية من الكونت لاندرز، فلا شك في إتقانك للغة، أليس كذلك؟”
“نعم، سيدتي. والدتي من سانتيس، لذا كنت أتحدث السانتييه بطلاقة منذ صغري.”
لم تكن تكذب. بطريقة ما، كانت ذكريات هايلي الأصلية محفورة بداخلها، وقد ساعدتها تلك الذكريات كثيرًا على التأقلم في مملكة آيسلين.
بالطبع، لم يكن للحاكــــم ليمنحني ليمونة بلا نكهة. كان عليه أن يضيف القليل من الشراب الحلو ليكتمل التوازن، أليس كذلك؟
“حسنًا”
تمتمت السيدة ماستيس، لكن تعبيرها ظل متحفظًا، كما لو أنها غير مقتنعة تمامًا.
“أخشى أن يثير وجود سيدة كرفيقة حديث في قصر بلا سيدة فضيحة…”
تلاشى صوتها تدريجيًا، لكن هايلي تمكنت من استكمال ما لم يُقال. الجميع يعلم أن خمسة رجال وثلاث نساء سبقوها في هذا الدور، جميعهم من أبناء النبلاء الثانويين أو السيدات النبيلات.
ورغم ذلك، لم يصمد أي منهم أكثر من عشرة أيام. بعضهم هرب بعد ثلاثة أيام فقط، مما جعل متوسط البقاء في القصر حوالي سبعة أيام.
والسبب؟ رجل واحد فقط…الدوق الملعون، تيون غَنَر.
“هاي، أعتقد أن عليكِ رفض هذا العرض. عائلة الدوق تملك سلطة تضاهي الملكية، ومنصب رفيقة الحديث المقيمة فرصة لا تُضاهى لبناء العلاقات. في البداية، تنافس أبناء النبلاء الثانويون للحصول عليه، لكن الآن لا أحد يتطوع. ألا يخبركِ هذا بشيء؟”
حاول دانيال، الابن الأكبر للفيكونت شالمُن وأخ هايلي، إقناعها بقلق.
وسرعان ما انضم إليه الفيكونت شالمُن، مؤيدًا
“صحيح. سأطلب من الكونت لاندرز مساعدتنا. مهما كانت حاجتنا، لا يمكنني السماح لكِ بالذهاب إلى هناك.”
“بالضبط، هاي. لا يمكننا إرسالِك إلى مكان مخيف كهذا… إنه قصر ملعون.”
كان أفراد عائلتها يعاملونها بحذر منذ استيقاظها بعد ثلاثة أيام من سقوطها على الدرج، وكأنها زجاج هش قد ينكسر في أي لحظة.
مد الفيكونت شالمُن يده الكبيرة وربّت على رأسها بحنان، وكأنها لا تزال طفلة في السادسة بعينيه.
“فضلاً عن ذلك، لقد تعافيتِ للتو. قبل أيام قليلة، لم تكوني حتى تتذكرين من نحن. يا إلهي، شكرًا لك.”
رسم الفيكونت شالمُن علامة الصليب على صدره وهو يستعيد تلك اللحظة العصيبة، بينما وضع دانيال يده على كتف والده، موافقًا
“نعم، أبي محق، هاي. إذا أخبرنا الكونت لاندرز بأنكِ ما زلتِ مريضة، فلن يكون ذلك وقاحة كبيرة. يقال إن من هربوا من قصر الدوق لم يكونوا في حالٍ جيدة أبدًا. لا أحد يرغب في مقابلتهم، ويرتجفون بمجرد سماع اسمه. إذا كان لا بد من ذهابكِ… فسأذهب بدلاً منكِ.”
“لكن يا أخي، ألا ينبغي عليك العودة إلى الجامعة الملكية؟”
رمشت هايلي بعينيها ونظرت إلى دانيال. لم تعتد بعد على لفظ “أخي”، فقد كانت وحيدة في حياتها السابقة، لكن لي هاي إن حاولت تقليد هايلي قدر الإمكان—تلك الفتاة التي نشأت كزهرة مدللة في كنف عائلتها.
قطب دانيال حاجبيه ووبخها بصرامة
“وأنتِ على وشك الانضمام إلى عائلة غَنَر، هل تظنين أن الجامعة الملكية مشكلة؟”
“لا، داني. أختنا الصغيرة مُحقة. كيف يمكن التخلي عن الجامعة الملكية بعد كل هذا الجهد؟ عام واحد فقط وستتخرجين. إذا كان الأمر كذلك، فسأذهب أنا بدلاً منكِ.”
أعلن الفيكونت شالمُن بجدية وهو يشد قبضتيه. فتحت هايلي عينيها قليلاً بدهشة عند سماع لقب “أختنا الصّــــــغيرة”، بينما عبس دانيال بخفة.
بعد لحظة، قال دانيال متردداً
“لكن أبي… أنت لا تتحدث السانتييه.”
“آه، لم أفكر في ذلك…”
أطرق الفيكونت شالمُن رأسه بخيبة أمل. في تلك اللحظة، لم تستطع هايلي منع نفسها من الضحك. تبادل الرجلان النظرات بذهول.
أجابت هايلي، وهي تطوي عينيها بمرح
“لا تقلقوا. إذا لزم الأمر، يمكنني الهروب بعد عشرة أيام.”
“هايــ…”
“هايلي…”
ثم جاء الصوت الثالث، صوت السيدة ماستيس وهي تراقبها بنظرة باردة
“أتمنى أن تصمدي طويلاً، يا آنسة هايلي.”
ابتسمت هايلي ابتسامة واثقة
“نعم، سيدة ماستيس.”
استفاقت هايلي من شرودها مجددًا، مرسلةً ابتسامة بريئة، وكأنها لم تكن غارقة في أفكارها منذ لحظات.
الانطباع الأول مهم دائمًا، أينما ذهبتِ. إذا أتقنتِ التحية، فقد أنجزتِ نصف المهمة، فلا أحد يبصق على وجه مبتسم. كانت هذه إحدى الحكم التي تعلمتها من سنوات خبرتها في الحياة الاجتماعية.
حتى هنا، حيث البشر يعيشون، لا يمكن أن يكون الأمر مختلفًا كثيرًا… أليس كذلك؟
تأملت السيدة ماستيس ملامح هايلي بعمق، قبل أن تعبس قليلاً.
همم؟
“الدوق غائب حاليًا، لذا قومي بترتيب أمتعتكِ أولاً. إلى متى ستبقين مرتدية معطفكِ داخل الغرفة؟”
في تلك اللحظة، تساءلت هايلي في أعماقها، هل هذا المكان مأهول بالبشر حقًا… أم أن هناك شيئًا آخر؟
“أرجو أن تحرصي على سلوككِ حتى لا يتعرض الدوق لفضيحة.”
“نـــعم…سيدتي.”
أدارت هايلي عينيها بعيدًا، لكن إحساسًا غامضًا بالقلق تسرّب إلى داخلها، مسببًا رعشة خفيفة في أعماقها.
* * *
فتح الباب بعد طرق خفيف، ورفع تيون رأسه ببطء من فوق الأوراق التي كان يراجعها.
كان يرتدي بدلة عمل تناسب جسده تمامًا، وقناعًا مخمليًا أسود يغطي وجهه، مما جعله يبدو جديرًا بلقب “الدوق الملعون”.
برقت عيناه الفضيتان الحادتين كشفرات الحلاقة من تحت القناع الأسود. مشهد مخيف من جهة، وغريب من جهة أخرى.
اقترب جِـــــيكوب منه بتعبير معتاد، غير متأثر، وسلم الدوق ظرف دعوة موضوعًا على صينية فضية.
“زارنا خادم الكونت سايمن. هذه دعوة لحضور حفل يُقام في قصره الليلة.”
لم يفتح تيون الدعوة المزينة بشعار عائلة سايمن، بل استند إلى كرسيه وقال:
“أخبرهم أنني لن أتمكن من الحضور.”
“الأميرة آيرين بريتن ستكون حاضرة.”
عند سماع ذلك، رفع تيون زاوية فمه بسخرية، وخرج صوته المشوه من بين أسنانه:
“إذن يجب أن أذهب. يجب أن أظهر وجهي للأميرة التي تكره خطيبها الوحشي بشدة. إن وجهها وهي تحاول إخفاء اشمئزازها تحت قناع الفخر يستحق المشاهدة.”
حافظ جِـــــيكوب على تعبيره المحايد رغم سخرية تيون. لم يفهم لماذا يصر على الاقتراب من شخص يكرهه، لكن الدوق كان دائمًا خارج نطاق فهمه. كان الأمر يتطلب الحفظ لا الفهم.
كأنه تذكر شيئًا، ألقى تيون نظرة كسولة نحو جِـــــيكوب، الذي عدل نظارته المنزلقة منتظرًا سؤاله.
“كيف سارت تلك المسألة؟”
“يبدو أن تخمينكم كان صائبًا، سيدي.”
“وماذا يعني ذلك؟”
أومأ جِـــــيكوب لنظرات تيون الغامضة، ونظر حوله بعادة قبل أن يخفض صوته:
“مؤخرًا، تنتشر شائعات خبيثة عنكم بسرعة غريبة. هل تعلمون بحادثة القتل التي وقعت في شارع إنغلر قبل أيام؟”
“ابنة البارون دونالد؟”
“نعم، الآنسة تارا دونالد، التي أصبحت متوفاة، وُجدت جثة في شارع إنغلر. يبدو أن شائعات نسبت الحادثة إليكم تنتشر بسرعة كبيرة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "02"