01
“لقد وصلنا، يا آنستي. هذا هو القصر الملعون… لا، بل القصر العظيم لدوقية غَنَر.”
“شكرًا لك.”
ألقت هايلي تحية خفيفة قبل أن تترجل من العربة، لترفع بصرها إلى البوابة الحديدية الضخمة التي تعلوها.
تحت السماء الرمادية، وقفت البوابة السوداء شامخة، شاهقة إلى حدٍّ اضطرها إلى إرجاع رأسها للخلف لرؤية نهايتها.
صُنعت القضبان من الحديد المطاوع، متشابكة في أنماط هندسية معقدة، أما السور العالي فبدا كحصنٍ منيع، يصدّ أي دخيل بعزمٍ لا يتزعزع.
أحكمت قبضتها على حقيبتها دون أن تدري، هل كان ذلك بسبب التوتر أم الهيبة التي يبعثها المكان؟ خلفها، انطلقت العربة بسرعة، كما لو أنها تهرب من هذا القصر.
حدّقت هايلي في الشعار الذهبي المنقوش على البوابة، وعيناها تضيقان ببطء، كأنها تحاول فكّ طلاسمه. معرفة هوية صاحب هذا القصر جعلت ذلك الذهب البراق يبدو لها أكثر ريبة.
“ربما يكون ذهبًا حقيقيًا…”
تمتمت مع نفسها قبل أن تزفر بهدوء، مرخية كتفيها للحظة، ثم سرعان ما رفعت ذقنها باعتداد، كأن خوفها كان مجرد وهْم عابر.
لم تكن تدري كيف وصلت الأمور إلى هذه المرحلة، لكنها لم تعد تملك خيارًا للعودة. لقد سُكب الحليب بالفعل، والتراجع لم يكن واردًا.
شددت على شفتيها بعزم، ثم مدت يدها وسحبت الحبل المعلّق بجوار البوابة.
“…”
لم يُسمع أي صوت.
“هل هو معطل؟”
همّت بسحب الحبل مجددًا، لكن عندها، أبصرت ظلًا يتحرك بسرعة من خلف القضبان.
بسرعة، رتّبت هيئتها، ورسمت على وجهها ابتسامة هادئة. كان فستانها الأزرق الداكن، رغم قِدمه، نظيفًا وأنيقًا، يمنحها لمسة من الرقي الذي لا يبهت مع الزمن.
كــــــــــــــرك ـــــــــــــ
فُتِحت البوابة الضخمة، ليظهر من خلفها خادم ذو شعر مجعد وملامح ودودة، يرتدي حمالات بنطال.
أهدته هايلي ابتسامة مشرقة وردّت عليه بلطف
“مرحبًا، أنا هايلي شالمون.”
كان واضحًا أن الخادم، الذي كان يحرس الباب، يعرف مسبقًا بقدومها، لكنه تردد للحظة وكأنه يبتلع كلماته.
تساءلت عما كان على وشك قوله، لكنها تجاهلت الأمر، مكتفية بالابتسام.
سرعان ما تمالك الخادم نفسه ومد يده إليها بتحية رسمية.
“أهلًا بكِ في قصر الدوق، آنسة هايلي. تفضلي معي، وسأتولى حمل حقيبتك.”
“شكرًا لك.”
ناولت هايلي حقيبتها إليه بابتسامة دافئة.
لم تكن هذه سوى بداية الطريق، وكانت تدرك جيدًا أهمية الانطباع الأول في أي مكان تذهب إليه. فقد قيل إن الوجه البشوش لا يُلقى عليه اللوم أبدًا.
لاحظت للحظة لمعة غامضة من الشفقة في عيني الخادم، لكنه سرعان ما تفادى نظراتها وقال بنبرة خفيفة
“يمكنك مناداتي بيتــــر.”
“شكرًا لك، بِيتر.”
ربما كان ذلك مجرد وهم، لكن نظراته حملت شيئًا غير مألوف. مع ذلك، شدّت هايلي ظهرها بإدراك تام لموقفها، وخطت وراءه إلى داخل القصر.
أول ما لفت انتباهها كان الحديقة الواسعة الممتدة بلا نهاية. كانت الشجيرات مشذبة بعناية لا متناهية، بينما وقفت الأشجار على طول السور بارتفاع موحد، وكأن بستاني القصر مهووس بالكمال.
“توقفي عن التفكير في أمور سخيفة. أنتِ على وشك دخول عرين الأسد. عليكِ أن تكوني حذرة.”
رفعت ذقنها مجددًا، محاولة أن تبدو واثقة. في وسط الحديقة الشاسعة، برز بناء مربع الشكل يفرض هيبته.
كانت جدرانه ذات لون كريمي، ما أضفى عليه طابعًا دافئًا، أما السقف الأخضر المزرق فبدا زاهيًا حتى تحت السماء الرمادية.
في قلب الحديقة، تدفقت المياه من نافورة، بينما بدت التماثيل التي زينتها وكأنها ستنبض بالحياة في أي لحظة.
ضحك “بيتر” بخفة وهو يقول
“هاها، القصر صغير بعض الشيء، أليس كذلك؟ لكنه مجرد مسكن مؤقت يستخدمه الدوق عند انشغاله بشؤون المجلس في العاصمة. أما القلعة الحقيقية في إقطاعية ويتفيلد، فلا يمكن مقارنتها بهذه إطلاقًا. لا بد أنكِ سمعتِ عنها، صحيح؟ يسمونها “قلعة الذهب”.”
“نعم، أعلم ذلك.”
“بالطبع، فلا أحد في هذا البلد يجهل دوقية غَنَر. إنها العائلة التي تُلقّب بحامي المملكة، وأفرادها أبطال الحرب.”
لكن هايلي كانت تعلم أن هناك فارقًا بسيطًا بين ما يقوله “بيتر” وبين ما سمعته هي.
“الدوق الملعون، تيـــــون غَنَر.”
واصل “بيتر” الحديث أثناء عبورهما الحديقة، مما خفف من توترها قليلاً.
“لا يوجد الكثير من الخدم هنا، فالدوق لا يحب الضوضاء. لذا، على كل شخص أن يؤدي عمل أكثر من فرد واحد.”
“لابد أن ذلك صعب.”
“لكن الرواتب هنا مجزية مقارنةً بغيرها، كما أن الدوق يقضي نصف العام في إقطاعيته، لذا فهذه وظيفة مريحة في الحقيقة.”
“هل هذا صحيح؟”
“نعم. أعتقد أنكِ ستعجبين بالمكان أيضًا. تفضلي بالدخول، آنسة هيلي.”
فتح بيتر الباب الأمامي وتراجع قليلًا.
خطت هايلي إلى الداخل، لكنها ما لبثت أن توقفت في مكانها بدهشة.
كان التصميم الداخلي مختلفًا تمامًا عن بساطة المظهر الخارجي. غُطّيت الجدران بالحرير القرمزي، وتزينت بلوحات لفنانين مشهورين، بينما وُضعت الأثاثات العتيقة في أماكنها بعناية فائقة.
لم يكن القصر مبالغًا في فخامته، ولم يكن بسيطًا حدّ الزهد، بل حافظ على توازن مثالي بين الأناقة والوقار، وهو أمر لم تغفل عنه هايلي، لأنها تعلم أن مثل هذه التفاصيل الصغيرة تعكس مكانة العائلة.
“أوه، ها هي السيدة مَاستِس نازلة.”
نظر “بيتر” إلى السيدة الممتلئة التي كانت تنزل السلم المركزي. حدقت في “هيلي” ببرود، لكن هذه الأخيرة لم تتردد في رسم ابتسامة ودودة.
“مرحبًا، أنا هايلي شالمُن.”
“تشرفت بلقائكِ، آنسة هايلي.”
رغم كلماتها، لم يكن في صوتها أي دفء. كان شعرها الرمادي وثوبها البسيط يمنحانها مظهرًا صارمًا.
حاول “بيتر” تلطيف الجو وقال:
“سأنقل حقيبتك إلى غرفتك، آنسة هيلي.”
“شكرًا لك، بيتر.”
بعد أن غادر، استدارت السيدة “ماستس” وقالت بلهجة آمرة
“اتبعيني.”
قادتها إلى غرفة المعيشة بدلًا من الصالون، حيث جلسا معًا.
أخرجت هايلي رسالة مختومة وقالت بابتسامة
“هذه توصية من الكونت لاندرز.”
فتحت السيدة الظرف بصمت، فيما ازداد توتر هايلي. وخلال تلك اللحظة القصيرة، تساءلت مجددًا…
كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟
للإجابة على ذلك، يجب أن نعود إلى قصة كيف أصبحت “لي هاي إن” تُدعى “هايلي شالمُـــن”.
قبل ثلاثة أشهر فقط…
في ذلك اليوم، حدث أمر لم تكن لتصدقه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "01"