حين وصلت إلى دوقية زينكيس، كان التوتر يعصف بي أكثر مما شعرت به عند لقائي بالإمبراطورة نفسها.
صحيح أن الإمبراطورة قد استدعَتني إلى العاصمة بدافع أناني، لكنها على الأقل قابلتني بترحيب ظاهر.
أما سكان هذا القصر الرمادي البارد، فقد كانوا مختلفين عن ذلك تمامًا.
كنت أشعر في أعماقي بنوع من الألفة تجاههم، لأنني التقيت بهم مسبقًا في مجريات الرواية الأصلية.
أما في نظرهم، فلم أكن سوى دخيلة غريبة اقتحمت حياتهم على حين غرة.
ما إن ترجلت من عربة الخيول حتى أبصرت الخدم مصطفين بانتظام في انتظاري، وقد بدا أنهم تلقوا أوامر مسبقة.
ومن بينهم تقدم رجل مسن ذو شعر أبيض مصفف بعناية إلى الخلف، يتلألأ على عينه أحادية عدسة زادته وقارًا.
قال بصوت هادئ ورسمي:
“أنا كبير خدم هذا القصر.
تلقيت تعليمات من جلالة الإمبراطورة، وقد جهزنا غرفة خاصة للسيدة منذ الأمس.”
حين وقعت عيني عليه، كدت أن أنطق اسمه دون وعي:
“جان!”
جان هيسن…
كبير الخدم، الرجل الذي يدير شؤون القصر بصرامة تكاد تبدو باردة، لكنها تعبر عن أمانته الخالصة وولائه التام.
حتى في الرواية، لم يكن يُظهر أي ود تجاه كايلا أو ستيلا، لكنه كان مثال الاحترام والالتزام أمام سيدة القصر.
لم يكن جان هو المشكلة…
بل الخدم الذين وقفوا خلفه، وقد كشفت عيونهم الجامدة عما يضمرون من نفور.
كان يقودهم رئيسة الخدم التي، شأنها شأن الآخرين، لطالما احتقرت الدوقة في الرواية بسبب عجزها عن كسب اعتراف الدوق.
كانوا هم من ضخّموا الأكاذيب، حتى صارت تُعرف بالدوقة الشريرة.
قال جان بأدب زائد:
“سأرشدك إلى غرفتك.”
فأجبته بابتسامة خافتة:
“شكرًا لك.”
كنت أسير خلفه، مستشعرة نظراتهم الحارقة تكاد تخترق ظهري.
حاولت رسم ابتسامة مهذبة، لكن وجوههم لم تلن.
“إذن، هكذا أصبحْتُ العدو المشترك للجميع.”
كان الجو مشحونًا بعداء صامت، كأن حبلًا خفيًا يشتد حول عنقي.
“لا شك أنهم جميعًا يعلمون أن زواج سيدهم بي ليس سوى لعبة سخيفة فرضتها الإمبراطورة.”
آنذاك فقط، أدركت كم كان عسيرًا على كايلا أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذا القصر، وكم كانت غريبة بينهم.
توقف جان والتفت إلي قائلًا:
“الدوق ليس هنا حاليًا، لكن وردتنا رسالة تفيد بأنه عائد من المعركة، ومن المفترض أن يصل صباح الغد.”
أومأت ببطء وقلت:
“فهمت.”
كان مجرد التفكير بلقاء ريكاردو يربكني.
ذلك المغرور الذي كان سبب ولعي بالرواية سيصبح زوجي؟
لقد تخيلته كثيرًا خلال القراءة، لكنني الآن أعجز عن استحضار ملامحه.
سألني جان:
“هل تودين القيام بجولة في القصر؟”
أجبته بصدق:
“كلا، شكرًا.
أفضل الراحة اليوم، فقد أنهكني التعب.”
قال بنبرة مهذبة:
“حسنًا.
سنجري جولة تعريفية غدًا.
أتمنى لك ليلة هانئة.
وإن احتجتِ شيئًا، فلا تترددي في استدعائي.”
أوصلني إلى غرفة ضيافة تطل على حديقة صغيرة. هناك فقط شعرت أنني أتنفس بحرية.
لكن مولي، التي صمتت طويلًا، بدأت تهمس بسخريتها المعتادة:
“الغرفة لطيفة.
لمن لا يعرف حقيقتك، قد تبدين كنبيلة أصيلة.”
سحبت الستائر وقلت ببرود:
“غرفتك بجوار غرفتي، ارتاحي أنتِ أيضًا…
لا طاقة لي عليك الآن.”
لكنها اقتربت بابتسامتها الملتوية وقالت:
“لا يجوز ذلك.
أنا هنا خادمة، ويجب أن أقوم بعملي كما ينبغي.
وإلا فسيعاملونك كنفاية.
ألم تري نظراتهم؟”
كانت يدها قاسية وهي تنزع ثوبي، وكأنها تنتزع مني كرامتي.
تابعت:
“نحن هنا معًا، وعلينا الاعتماد على بعضنا في هذا المكان الغريب…
أليس كذلك، أيتها الدوقة المستقبلية؟”
قهقهت بخبث.
كنت أود إبعاد يديها، لكني تماسكت وعضضت شفتي.
“ليس بعد.”
لم يحن الوقت للتخلص منها.
كانت محقة؛ لن يكون مقبولًا أن أكون دوقة بلا خادمة واحدة.
وعليّ احتمال وجودها حتى يحين الوقت المناسب.
ظنت مولي أنها انتصرت، وابتسمت بثقة.
فرددت ابتسامتها بابتسامة هادئة، أخفي وراءها ما أنوي.
“استمتعي بهذا الوقت ما استطعتِ، لأن نهايتك باتت قريبة.”
—
مع بزوغ صباح اليوم التالي، تسللت زقزقة العصافير إلى أذني. فتحت عيني فجأة:
“آه!”
نهضت كمن أفزعه حلم.
“كنت أظن أنني أغمضت عيني للحظة… لكنني غرقت في نوم عميق.”
تنهدت بضيق.
كنت أريد أن أمضي الليلة الأولى في التفكير والتخطيط، لكنها انقضت في غمضة عين.
“يا لي من مسترخية!”
لابد أنني كنت منهكة تمامًا.
لم أشعر حتى بلحظة استسلامي للنوم.
لحسن الحظ، كان الصباح لا يزال باكرًا.
لم يوقظني أحد، وكانت الغرفة المجاورة صامتة.
ظننت أن نومي في القصر سيجلب معه كوابيس، لكنني نمت كطفل بريء.
“ربما أجد راحتي هنا أكثر مما توقعت.”
نهضت، أشعر بخفة في جسدي وصفاء في ذهني.
فتحت النافذة، أتنفس هواء الصباح العليل.
“الغرفة متصلة بالحديقة، أليس كذلك؟”
ارتديت رداءً وخرجت.
كان الضباب يكسو الحديقة بلون أزرق شاحب.
كل خطوة كانت تبلل قدمي بندى الصباح، والهواء البارد ينعشني.
سرعان ما أدركت أنني ابتعدت أكثر مما ينبغي.
“لا بد أن أعود… لكن أي طريق؟”
كل المسارات كانت متشابهة، وكأنني ضعت في متاهة.
وفجأة، التقطت أذني صوت عشب يُداس.
اتجهت نحو الصوت، ظنًّا مني أنه خادم أو بستاني.
“أهناك أحد؟ أنا…”
لكن قبل أن أكمل، التفت الرجل، ووقع بصري عليه.
رجل طويل القامة، وسيم الملامح، عيناه زرقاوان كالجليد، وشعره الأسود يتناثر على جبينه.
كان المشهد كأن الزمن قد توقف.
لم يكن يراودني الشك حول من يكون…
كان هو ريكاردو زينكيس.
ذلك المتعجرف من الرواية، صاحب هذا القصر، زوجي المستقبلي.
ألم يقولوا إنه سيعود غدًا؟ ما الذي جاء به الآن؟
ثم أدركت…
لقد مرّ يوم كامل.
لعله وصل ليلًا أو عند الفجر.
لكن لم أتوقع أن يكون اللقاء الأول هكذا، في هذا الوقت، وفي هذا المكان.
وخلا ذهني تمامًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"