“حقًا، هل أحضرتِ خادمة واحدة فقط؟”
انتقل نظر الإمبراطورة إلى مولي، تلك الخادمة التي وقفت متوارية عند أحد الأركان.
وما إن أدركت أن الإمبراطورة تحدّق بها، حتى ارتجفت وانحنت سريعًا، على خلاف وقاحتها في العربة حين كانت تزعجني بلا هوادة.
“حتى لو كنتِ ابنة بارون من الأقاليم، فإن القدوم بخادمة واحدة أمر مثير للشفقة…
تسك، تسك.”
نقرت الإمبراطورة لسانها بضيق.
“ما إن تطئي عتبة قصر الدوق، حتى يبدأ الجميع بازدرائك.”
وما إن سمعت كلماتها تلك حتى تتابعت أمام عينيّ تلقائيًا مشاهد القصة الأصلية.
صحيح أن ذلك المشهد لم يُعرض بتفصيل في القصة، لكنني كنت أعلم أن كايلا حين وصلت إلى قصر الدوق كانت برفقة خادمتين: إحداهما كانت ستيلا، والأخرى خادمة أرسلتها الإمبراطورة خصيصًا.
“إذًا هكذا دارت الأمور خلف الكواليس…”
كانت تلك الخادمة المرسلة من الإمبراطورة ترفع تقاريرها عن كل ما تقوم به كايلا في القصر، ولهذا بدت الإمبراطورة دائمًا وكأنها ترى وتعلم كل شيء.
في حينها، ظنت كايلا أن الإمبراطورة تهتم لأمرها، بل وشعرت بالامتنان لها.
وحتى حين حذرتها ستيلا برفق من الوثوق بمن أرسلتها الإمبراطورة، لم تصغِ لها، بل وبّختها متهمةً إياها بالغيرة، وطالبتها بالتعايش بسلام.
واليوم، استعدت تلك المشاهد الباهتة في ذاكرتي، والتي لم أكن أوليها حينها أي اهتمام.
“لا يمكنني السماح لهذا بأن يحدث.
سأختار لكِ خادمة ذكية من عندي.”
“ل-لا خاجة لذلك يا جلالة الإمبراطورة!”
خرج صوتي أعلى مما أردت، وقد كان رفضي الفطري مفاجئًا حتى لي.
ارتفع حاجبا الإمبراطورة ونوكس بدهشة وهما يرمقاني بنظرات مستغربة.
حاولت أن أرسم ابتسامة متكلفة على وجهي، ثم بادرت بتقديم عذر مقنع.
“أقدر لطف جلالتك كثيرًا… لكن إن رافقني أحد من طرفك، أخشى أن يُسيء الدوق الفهم…”
“يسيء الفهم؟”
ضاق نظر الإمبراطورة، وبدت نظرتها أكثر حدة.
“نعم… لأن هذا الزواج ليس مما يرغب به الدوق أصلًا.
فإن رأى أن إلى جانبي من يمثل جلالتكِ… فقد لا يكتفي برفض الاعتراف بي زوجة له، بل ربما يسيء فهم نوايا جلالتكِ أيضًا.
أليس كذلك؟”
تعمدت أن أترك عبارتي معلقة، وأنهيتها بنبرة توحي بأنني أطلب منهم الموافقة.
ولحسن الحظ، بدا أن عذري المرتجل قد أقنعها، إذ خيّم الكدر على ملامحها.
وانتهزت الفرصة سريعًا وأضفت:
“وجود شخص واحد يكفيني تمامًا.
مولي التي رافقتني تعرفني أكثر من أي شخص آخر، أليس كذلك يا مولي؟”
التفتُ نحو مولي وابتسمت لها، فهزت رأسها بإذعان، وقد ارتسم على وجهها تعبير غريب لا هو بالبكاء ولا هو بالضحك.
وبما أن الاستياء ظل بادياً على ملامح الإمبراطورة، وجهت الضربة الأخيرة:
“وبعد الزفاف، إن شعرت أنني بحاجة لمزيد من المساعدة، سأكون أول من يلجأ إلى جلالتكِ.
فليس لي في العاصمة الآن من أعتمد عليه سواكِ، يا جلالة الإمبراطورة.”
شددت على عبارة “ليس سواكِ” وأنا أرسم على شفتي ابتسامة ودودة.
ولعلها أدركت أنه لا مجال للإلحاح، إذ أطلقت ضحكة باهتة وأومأت برأسها.
“إن كان هذا رأيكِ، فلن أرغمكِ على شيء.”
“أشكركِ جزيل الشكر، يا جلالة الإمبراطورة.”
انحنيت لها وأطلقت زفرة ارتياح خافتة.
وبهذا، كنت قد قطعت الطريق على الإمبراطورة في زرع جاسوسة بين خدمتي.
“لا بد أنكِ مرهقة من عناء السفر.
عليكِ التوجه الآن إلى قصر الدوق.
اتركي ترتيبات الزفاف لي، وارتاحي حتى يحين الموعد.
بما أننا في زمن حرب، فالمراسم ستكون بسيطة.”
“كما تأمرين، يا جلالة الإمبراطورة.”
قدمت التحية وغادرت قاعة الاستقبال بخطى ثابتة.
رغم توتري في البداية، لم يكن اللقاء مخيفًا كما كنت أتصور.
ربما لأنني كنت أعلم عنهم أكثر مما يعلمون عني.
وكان ذلك اليقين يمنحني القدرة تدريجيًا على توجيه المواقف لصالح خطتي.
“إذن، سأغادر هنا.
رجالي سيتولون إيصال الآنسة إلى قصر الدوق بأمان.”
“أشكرك، سيدي نوكس.”
أومأت له بأدب، ثم استدرت نحو العربة.
وما إن فتحت الباب حتى تسلل التوتر إلى أعماقي مجددًا.
“ها أنا ذاهبة أخيرًا إلى قصر الدوق.”
أطلقت بصري عبر النافذة محاوِلة أن أستعيد هدوئي.
وبينما كانت أفكاري مضطربة، بدا الطقس في الخارج صافياً ومشرقًا.
—
في غرفة فاخرة يغمرها عبير عطري دافئ، وقفت ديلزايا أمام مرآة كبيرة تتأمل صورتها، وقد رفعت إلى شعرها دبوسًا مرصعًا بالزمرد.
أمامها صندوق من المجوهرات يفيض بالبريق.
“ذكية… وتجيد التحدث أيضًا.
بقليل من التدريب، ستؤدي دورها تمامًا.”
تمتمت وهي تبتسم ابتسامة خفيفة، بينما كان نوكس يجيبها وقد بدا التردد في صوته على غير عادته:
“نعم…”
لقد شعر بقلق لم يعرف له سببًا.
حين حذرت تلك الخادمة في العربة بلهجة صارمة، ظنها شابة ذكية تعرف كيف تتصرف، بل ورأى أن قوة شخصيتها أمر جيد بالنظر إلى أنها ستكون زوجة الدوق.
فهي لن تهرب عند أول عقبة.
بل خُيِّل له أنها تدرك مدى هشاشة وضعها، كشمعة ترتجف في مهب الريح.
لكن ما فعلته للتو كان مختلفًا تمامًا.
“أقدر لطف جلالتك، لكن إن رافقني أحد من طرفكِ فقد يُسيء الدوق الفهم…”
أن ترفض عرض الإمبراطورة بهذه الجرأة، دون أن تسيء إليها، كان أمرًا أدهشه حقًا.
حتى بنات أعرق الأسر النبيلة كنّ يعجزن عن رفع أعينهن إلى الإمبراطورة، بينما تلك الفتاة نطقت برأيها بوضوح، في حين حافظت على احترامها، وفي النهاية انتزعت ما أرادت.
كانت أفعالها محسوبة بدقة يصعب تجاهلها.
“ليست شابة عادية تلك الفتاة… فلنأمل أن الإمبراطورة لم ترتكب خطأ بمحاولتها كسر شوكة الدوق.”
ولأول مرة، بدأ نوكس يشك ما إن كانت فكرة جلب ستيلا إنريو إلى العاصمة بدلاً من كايلا إنريو قرارًا صائبًا حقًا.
—
في ميدان تتناثر فيه نيران المعسكرات تحت شمس الأصيل، انتصبت صفوف الخيام العسكرية.
وعلى أكبرها خفقت راية تنين أسود.
داخل الخيمة، كان الجو ثقيلًا بالكتمان.
وقف غاري يرقب في قلق ظهر الرجل الذي كان يقرأ رسالة على ضوء النار.
ذاك هو ريكاردو زينيكس، الابن غير الشرعي للإمبراطور، القائد العام للجيش، وبطل الحرب، والدوق الذي أقسم غاري بولائه له.
حين رأى كيف طوى ريكاردو الرسالة بقبضته حتى تفتت، أدرك عمق الحقد الذي يكنّه للإمبراطورة.
“هل الأمر متعلق بالزواج مجددًا؟”
كان غاري أول من كسر الصمت.
فلم يعد بالإمكان التهرب من هذا الواقع.
دون أن ينبس بكلمة، ألقى ريكاردو بالرسالة المحترقة في موقد النار، لتلتهمها النيران سريعًا.
حتى قبل عودته من الميدان، كانت الإمبراطورة قد أمرته بالاستعداد للزواج فور عودته.
لم يكن أمامه اختيار، فالزوجة قد حُددت.
كان زواج المصلحة هذا أمرًا معتادًا، لكنه هذه المرة كان ذا مغزى أوضح.
“ترغب في كبح جماح أسرة غينيرو…
حتى مع علمها أن السيدة يرينا تكن لك المشاعر، لا تتردد الإمبراطورة في فرض هذا الزواج.”
لطالما رفضت الإمبراطورة تزويج ابنها الثاني لابنة أسرة نبيلة قوية.
فريكاردو، الذي لم تنجبه، كان مصدر قلق دائم لها، تبالغ في انتقاد كل ما فيه، وتترصد أي هفوة.
ولذا، كان واضحًا ما نوع الزوجة التي ستختارها له.
“ومع ذلك، تتدخل حتى في زواجك…”
قالها غاري بأسى، وهو يرى أن سيده يستحق أفضل وأشرف عروس في الإمبراطورية، لا أن يُهان بهذا الشكل لأنه لم ينل رضا الإمبراطورة.
لكنه كان يعرف أن ريكاردو غينيش رجل يجيد الصبر حتى تحين ساعة انتقامه.
كصياد لا يعاجل فريسته إلا حين يتيقن من الظفر.
“أوامر الأم طاعة واجبة على الابن.”
قالها بوجه هادئ، على عكس غاري الذي لم يفلح في إخفاء امتعاضه.
ورغم أن النار كانت مشتعلة في صدره، حافظ ريكاردو على مظهره الواثق المتزن.
أسند ذراعه إلى مجسم استراتيجي يتوسط الخيمة، يحدق إليه كما لو كان يرسم خطوته القادمة.
رفع راية حمراء صغيرة ترمز إلى جيشه، وأخذ يديرها بين أصابعه، كأنه يقرر أين يغرسها لاحقًا.
وراح غاري يتأمل قائلاً في نفسه:
إن الميدان التالي الذي سيرفع فيه سيدي رايته لن يكون أرض الأعداء، بل قصر الإمبراطور نفسه… وفي قمته العرش.
ورغم أنه لم يكن يدري حجم العاصفة التي تختمر في أعماق سيده، إلا أن فكرة انتقامه يومًا من تلك الإهانات أرسلت رجفة من الإثارة في أوصاله.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"