كان مشهد ظهورهم وحده كافيًا ليبث في النفوس رهبة عميقة.
رجال طوال القامة، عراض المنكبين، يحيط خصر كلٍّ منهم سيف طويل، وقد ارتدوا ملابس سوداء زادتهم هيبة وجلالًا.
لم يكن هناك أدنى شك في أنهم جنود نخبة، تلقّوا تدريبًا صارمًا من الطراز الرفيع.
وفي مقدمتهم وقف رجل في منتصف العمر، يشي شعره الفضي ونظراته الثاقبة بأنه ليس بالشخص العادي.
إنه يبدو مألوفًا…
هل كان من شخصيات القصة الأصلية؟ من عساه يكون؟
لم يكن هناك متسع للتفكير.
كان البارون والبارونة يقفان أمامه مرتجفين خوفًا.
“لـ-لم نكن نعلم قط أن ابنتنا ستجرؤ على الهرب! نقسم لك!”
“سنعثر عليها قبل أن يطلع الفجر!”
لم يكلّف الرجل نفسه حتى عناء التظاهر بأنه يستمع إليهما.
جاء صوته باردًا حادًا كحد السيف:
“سمعت أن أحدهم هرب معها.
من هو؟”
تحت وقع السؤال الصارم، لم يملكا سوى أن يهزّا رأسيهما ببطء.
لكن حين صوّب إليهما نظراته الحادة كالخناجر، اختنقت الكلمات في حلق البارونة قبل أن تنطق أخيرًا:
“كان هناك شاب يتودد إلى ابنتنا… كنا نظنه ابتعد عنها بعد تحذيرنا له بصرامة…”
لم يتغيّر تعبير الرجل قيد أنملة.
استدار نحو جنوده، وما إن التقت أعينهم حتى انطلقوا يلفّون عباءاتهم وينسحبون من القاعة بخفة وسرعة، عازمين على ملاحقة ذلك الذي فرّ مع كايلا، سواء كان اسمه فيتوريو أم فيكتورين.
“الأماكن التي اعتادت الفتاة ارتيادها؟” جاء صوته مقتضبًا أشد ما يكون.
أجاب البارون متلعثمًا: “كـ-كانت تزور الدير عند أطراف المزرعة… وأحيانًا الغابة خلف البحيرة.”
ما إن فرغ من كلماته حتى انسحب الجنود الباقون، ولم يبقَ في القاعة سوى البارون والبارونة والرجل المهيب… وأنا.
وحين التفت إليّ بنظراته الثاقبة، شعرت بجسدي يتصلب.
“ألم تكوني تعلمين أن سيدتك تتسلل للخارج؟”
ابتلعت ريقي بصعوبة وأومأت ببطء.
كانت كذبة صارخة… لكنها السبيل الوحيد للنجاة.
ولدهشتي، لم يستجوبني أكثر.
خفض عينيه ثم وجّه حديثه للبارون وزوجته:
“سمعت أن لديكما ابنة أخرى.”
تجمدت أفكاري.
“كايلا لها أخت؟” عجبًا… لم يُذكر هذا في القصة الأصلية.
هل كان يقصد وجود شابة أخرى في القصر؟
ما أقلقني أكثر كانت نظرته التي ركزها عليّ وهو يتحدث، نظرة تنذر بشر مستطير.
وقد ازداد قلقي حين رأيت الذهول يرتسم على وجه البارونين.
“إن لم تُسلَّم العروس، فإن جلالة الإمبراطورة ستغضب غضبًا عظيمًا.
ولن ينجو أحد من سخطها… لا أنا المكلّف بهذه المهمة، ولا أنتما… ولا حتى هذه الأرض.”
قالها بصوت هادئ يخلو من أي انفعال، لكنه زاد وقع كلماته رهبة.
أخيرًا خرّ البارون والبارونة على ركبتيهما يتوسلان:
“أرجوك… ارحمنا!”
“مولاي، نستحلفك… سنعثر على ابنتنا بأي ثمن، فقط اترك لنا حياتنا!”
لكن توسلاتهما ذهبت أدراج الرياح، إذ لم يظهر عليه أدنى أثر للتأثر.
حين التقت عيناي بعينيه مصادفة، سارعت بإزاحتهما.
كان يخترقني بنظراته كأنما يقرأ أعماقي.
لماذا يمعن في التحديق بي هكذا؟ هذا يثير قشعريرتي…
ثبّت عينيه الرماديتين المعتمتين عليّ، ثم قال:
“على أي حال، أوصتني جلالة الإمبراطورة بأن أحضر ابنة البارون إنريو… لكنها لم تحدد أي ابنة.”
اتسعت عينا البارون والبارونة، وفي اللحظة نفسها نظرا نحوي.
ومع ابتسامة الرجل المريبة وذهولهما، شعرت بنذير شؤم يتسلل إلى قلبي.
“مـ-مستحيل… ما الذي يحدث؟!”
وجدت نفسي غارقة في مأزق لم يخطر لي ببال.
“لا يزال أمامكم وقت قبل أن نغادر.
سأترك لكم فرصة لتتشاوروا بهدوء… كعائلة.”
وغادرنا، تاركًا خلفه صمتًا ثقيلًا.
كعائلة؟ يا لها من سخرية مريرة.
وبعد رحيله، انهمك البارون والبارونة في محاولات إقناعي.
ومن بين كلماتهم المبعثرة، انجلت لي قصة ستيلا.
كانت ثمرة علاقة عابرة للبارون قبل زواجه، ابنة غير شرعية نبذتها البارونة، ففرضت عليها أن تعيش كخادمة في القصر.
وبعد وفاة والدتها، لم تجد مأوى سوى خدمتها المخلصة لكايلا.
يا لعظم صدمتي كقارئة! حتى لو لم تكن ستيلا البطلة في القصة، ألم يكن جديرًا بالرواية أن تلمح إلى أن وصيفة الدوقة شقيقتها غير الشرعية؟
شعرت بخيبة، وكأنني أمام حبكة هزيلة في مسلسل رخيص.
“أختان غير شقيقتين؟ من كان ليخطر بباله هذا؟!”
لقد خدعتنا الرواية تمامًا.
أي ملاك ذاك الذي يعامل شقيقته غير الشقيقة وكأنها سيدة نبيلة بحق؟ هذا يناقض كل منطق.
أشرقت الشمس، لكن النار كانت متقدة في داخلي.
لو عاد بي الزمن، لما ساعدت كايلا على الهرب.
“كان يجدر بي الذهاب إلى العاصمة بحثًا عن سبيل للنجاة.”
كنت كأرنب محبوس، أذرع الغرفة جيئة وذهابًا حتى بزغ الفجر.
عاد البارون والبارونة أخيرًا.
“ربما كنا قاسين عليك، لكننا لم نرَ فيك يومًا سوى ابنتنا.”
كان صوت البارون مشوبًا بعاطفة أبوية متكلفة، فيما تحدثت البارونة برقة مصطنعة.
“نعم يا ستيلا… حتى وإن كنتِ خادمة، فقد كنتِ دومًا قريبة من كايلا، أليس كذلك؟ لم نكلفك يومًا بأعباء شاقة.
لقد نعمْتِ بحياة نبيلة.”
نعمت؟ أي هراء هذا؟ كنت أعلم جيدًا كم عانت ستيلا من كايلا.
بدا أن امتعاضي ظهر جليًا، إذ عادت ملامح البارونة إلى قسوتها.
“لم نتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد.
لكن ما الخيار أمامنا؟ إن لم تذهبي، سنهلك جميعًا.”
وضعت يديها على خصرها، وقالت بنبرة متوعدة:
“وأنتِ أيضًا، يا ستيلا…
مهما كانت أصولك، فأنتِ تحملين دم آل إنريو.”
ما أوقحهم!
حين احتاجوا إلى خادمة، كنت خادمة، وحين احتاجوا إلى ابنة، صرت ابنة!
“قلت كل ما عندي.
الآن القرار لكِ.
إن استمر الحال هكذا، سنموت جميعًا!” صاحت البارونة وغادرت، بينما رمقني البارون بنظرة تخفي يأسه تحت قناع المودة.
“ستيلا… أعلم أن الأمر يبدو كما لو أننا ندفع بك فجأة لتكوني ابنتنا، وأنا آسف لذلك.
لكنه السبيل لإنقاذ الجميع.
أما كنتِ وكايلا كالأختين؟”
تبددت أفكاري تحت وقع الأحداث.
“أرجوكم… أمهلوني قليلاً لأفكر.”
“بالطبع… لطالما كنتِ حكيمة.
أنا واثق أنك ستتخذين القرار الصائب.”
بعد مغادرته، وقفت عند النافذة، أحدق في الخدم المتعبين بثيابهم البالية وأيديهم المتشققة، وأيقنت أنني ما زلت أسكن جسد خادمة.
“إن لم أذهب إلى العاصمة، سأفنى هنا أو أموت شقاءً.”
قبضت رأسي بيدي.
يا لها من ورطة!
“لم لا أهرب كما فعلت كايلا؟”
لكن القصر كان محاطًا بحراسة مشددة، والكلاب تجوب المكان، وحتى لو فررت، سأُلاحق كجارية هاربة في عالم لا يرحم.
استجمعت شتات نفسي.
“اهدئي… القصة انحرفت عن مسارها.
يجب أن أفكر بعقل لا بعاطفة.”
رغم قبح كلمات البارون، كان في جزء منها حقيقة.
ما عدت أبالي بمصير آل إنريو، كل ما يشغلني هو النجاة.
وهكذا فكرت…
“ماذا لو أصبحتُ عروس الدوق بدلًا من كايلا؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"