كانت العربة تشق طريقها بسرعة على درب ضيّق يجاور سفح التل، تتمايل بين الحفر والمنعطفات الوعرة.
في داخلها، جلست شابتان ترتديان السواد، وقد ارتسمت على وجهيهما ملامح الحزن العميق واليأس القاتم.
“أرجوكِ، لا تدعي الأسى يلتهمكِ.
علينا أولاً أن نحرص على البقاء أحياء”
قالت الخادمة بنبرة مشفقة، تحاول أن تخفف من وطأة المصاب عن سيدتها.
لكن الشابة أجابت بصوت متهدج تملؤه الحسرة: “آه…
ليتني متُّ بدلاً من أن أُزجّ في الدير.
حياتي انتهت يا ستيلا.”
انهمرت دموعها مدراراً، تنساب على وجنتيها كالسيل، كأنها لا تنوي التوقف.
“لقد صار الدوق إمبراطورًا الآن، يمكنكِ أن تبدئي من جديد يا سيدتي.
أنا واثقة أن السيد والسيدة سيجدان لكِ مخرجًا مما أنتِ فيه.”
“لا طائل من الأمل بعد الآن…
حتى إرادة العيش هجرتني… آه…”
تمتمت كايلا، وعيناها غارقتان في الدموع، وقد أسندت رأسها على كتف خادمتها، تنتحب كطفلة ضائعة.
“سيكون كل شيء على ما يرام…
صدقيني…” همست ستيلا وقد أحاطتها بذراعيها.
“ستيلا، ما ذنبي؟ ماذا اقترفت حتى أُعاقَب هكذا؟ لم أفعل سوى أنني أحببته… آه…”
لم تستوعب كايلا بعد أنها نُبذت من زوجها بكل هذه القسوة.
احتضنتها ستيلا بقوة، تربّت على ظهرها كما تفعل أخت كبرى بشقيقتها الصغرى، تغالب دموعها هي الأخرى.
كانت كلمات سيدتها ترنّ في أذنها:
“ما خطأي؟”
فأجاب قلبها: “ذنبك الوحيد يا سيدتي أنك أحببتِ رجلاً لا يستحق…
أحببته بجنون، فأغمضت عينيك عن حقيقته.”
كانت كايلا دوقة بالاسم فقط، سجينة حبٍّ أعمى لرجل لا يبادلها أي شعور، بل احتقرها الجميع حتى ألقاها زوجها خارج القصر بغير رحمة.
ومع ذلك، ظلّت متشبثة بوهمها، عاجزة عن إدراك السبب.
“اختفي في الدير حتى لا أرى وجهك البغيض ثانية. كنتُ لأزهق روحك الآن، لكن تركك حيّة هو آخر ما أُبقيه من رحمة لك.”
تذكرت ستيلا صرخته تلك، حين أزاح زوجته المتوسلة عن قدميه وأدار لها ظهره بلا أدنى شفقة.
ذلك كان آخر ما تبادلاه من كلمات قبل أن يُحكم عليها بالنفي إلى الدير.
ومرّ أمامها طيف نظرته الأخيرة…
عينان زرقاوان جليديتان، لا أثر فيهما لرحمة، بل امتلأتا احتقارًا واشمئزازًا.
وشهدت المشهد كله امرأة أخرى…
المرأة التي تقاسمت معه الحياة فعليًا رغم أنها لم تحمل اللقب رسميًا:
يلينا، ابنة الماركيزة غينيرو، ابنة الأسرة النبيلة العريقة المخلصة للإمبراطورية، ابنة وزير الخزانة.
راقبت يلينا ما جرى بنظرة امتزجت فيها الشفقة بالعجز، ثم أدارت وجهها في صمت وتبعت الدوق.
كان ذلك اليوم آخر ما بقي محفورًا في ذاكرة ستيلا من حياة القصر.
وهي تسترجع تلك الذكرى القاتمة، دوّى صراخ مفاجئ خارج العربة.
“آه!”
تأرجحت العربة بعنف، وكأن السائق أصابه مكروه. تبادلت كايلا مع ستيلا نظرة مذعورة.
“انتظري لحظة.”
أزاحت ستيلا رأس سيدتها عن كتفها، وفتحت نافذة العربة تستطلع الأمر، لكن—
“آه!”
شقّ خدها سهم خاطف، ما حسبته نسمة ريح كان رأس سهم جرَحها جرحًا رفيعًا بدأ الدم ينزف منه.
“ستيلا!” صاحت كايلا، وقد شحب وجهها من الهلع، لكن ذلك لم يكن إلا البداية.
هوى السائق أرضًا، والدم يغمره، بينما اندفع نحوهما رجال ملثمون يمتطون جيادًا سوداء، والسيوف تتطاير نحو العربة كالنيازك.
تكوّمت المرأتان على بعضهما، تتشبثان بالحياة الواهنة.
“سيقتلوننا!”
صرخت كايلا، وعيناها تتوسلان النجاة.
ثم ارتجّت العربة وارتطمت بشجرة، قبل أن يُسحبن بعنف إلى خارجها.
“اقتلوهما.” جاء الأمر كصفعة باردة.
“أرجوكم! ارحموني!
ريكاردو… أنقذني!”
حتى في الرمق الأخير من حياتها، صرخت كايلا باسم زوجها، قبل أن يغرس أحدهم شفرة في صدرها، فتهاوت جثة هامدة.
وتلقت ستيلا طعنة غادرة في ظهرها، شعرت ببرودتها تتسلل إلى عظامها.
“يا له من قدر ظالم… أن أموت هكذا…”
فكرت وهي تحدق إلى السماء الزرقاء، يغشاها السواد رويدًا.
وأطل وجه عليه مسحة تأكد من موتها، فتملكتها غصة من الدوق الذي غدر بها.
وفاضت روحها بندم ثقيل…
تذكرت ذلك الوجه الذي لطالما كان لها خيرًا.
“لو أنني استجبت له حينها…
هل كان ليكون مصيري مختلفًا؟”
وغرق كل شيء في ظلام دامس.
—
كان ذلك أول ليلة بكيت فيها في نومي.
حين استيقظت، وجدت وسادتي مبللة بالدموع، والغرفة تغرق في الظلمة.
“يا له من حلم عجيب…”
أن أجد نفسي في جسد شخصية من رواية كنت أطالعها قبل النوم…
الخادمة ستيلا، لا البطلة ولا حتى الدوقة.
ما زال ثقل الحلم جاثمًا على صدري، رغم يقظتي.
كانت الرواية التي أنهيت فصلها الأخير قبل أن أغفو، بعنوان “النصل الذي لا ينكسر”، تحكي عن البلاط والمؤامرات في زمن العصور الوسطى.
توقعت شيئًا من الرومانسية، لكنني وجدت حربًا ودماءً ولعنات.
ومع ذلك تابعت القراءة، مفتونة بالأحداث، متعلقة بشخصية ستيلا، الخادمة النبيلة.
لطالما رغبت أن تهرب ستيلا وتنقذ نفسها، لكنها ظلت وفيّة حتى النهاية، وهذا ما جعلني أُحبها أكثر.
قبل أن أغفو، كنت قد رميت الرواية غاضبة بعد مشهد موتها المأساوي.
لم أعد أكترث بما سيأتي. ربما سيتوّج ريكاردو إمبراطورًا، ويتزوج يلينا، ويظلان سعيدين.
لكن بدون ستيلا، لم يعد الأمر يعنيني.
وها أنا، حتى بعد استيقاظي، أشعر وكأنني ما زلت أحيا ألمها.
تقلبت في فراشي، أحاول طرد الكابوس، حتى لمح بصري شيئًا غريبًا…
اتسعت عيناي ذهولًا.
“ما الذي يحدث…؟”
كل شيء حولي بدا غريبًا، ستائر، أثاث، غرفة لا أعرفها.
نهضت متوترة، وصوت ارتطام عنيف دوّى في الغرفة المجاورة، تلاه صوت نافذة تُفتح بعنف.
“ما الذي يجري بحق السماء؟!”
صفعت خديّ وقرصت ذراعي…
كلا، هذا ليس حلمًا.
اندفعت نحو الغرفة المجاورة، دون أن أفكر حتى بالنظر في المرآة بحثًا عن ملامحي الجديدة.
وحين فتحت الباب…
شهقت، ووضعت يدي على فمي، مذعورة مما رأت عيناي.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"