“أُهغغ.”
حين حاول أن ينهض ببطء، شعر بألمٍ حادٍّ في صدره.
خفض رأسه فرأى جذعه وقد لُفَّت عليه الضمادات بإحكام.
‘مَن الذي اعتنى بي؟’
فكّر وهو يجلس على حافة السرير.
على الطاولة القريبة كان هناك كأس ماءٍ ممتلئ، وتفاحة، وقميص واسع مطويّ بعناية.
كان عطشانًا، لكنّه بعد تردّد مدّ يده إلى القميص أولًا.
بدا قديمًا، غير أن قماشه كان ذا جودة جيدة.
طَق.
وبينما كان يرتديه، سمع صوت مقبض الباب يدور.
رفع يده إلى خصره بحذر، لكن الباب الذي انفتح قليلًا لم يظهر خلفه أحد.
كان قبل قليل مُغلقًا بإحكام.
“……سيفي؟ أين هو؟.”
خرج صوته مبحوحًا.
لم يجد سيفه ولا غمده ولا حزامه. بدا واضحًا أن مَن أنقذه قد أخذه.
اقترب من الباب بحذر وأمسك مقبضه.
كان من نحاس قديم، لامع بفعل الاستعمال الطويل، وما زالت عليه حرارة خفيفة.
فتح الباب ببطء، فظهر أمامه ممرّ طويل.
جدران حجرية، سقف عالٍ، ونوافذ واسعة أوحت بأن المكان قصر ضخم أو قصر قديم.
لكن……
‘إنه مُتهالك.’
الأعمدة بالكاد تسند السقف، والممرّ خالٍ من الزينة، وإطارات النوافذ بالية.
بدا واضحًا أن صاحب هذا المكان كان ذا جاهٍ في الماضي، أما الآن فقد سقط به الحال.
وبينما يخطو، لمح شيئًا متناثرًا على الأرض.
“……أوراق عشب؟”
كانت قطعًا صغيرة مصطفّة كما لو كانت تدلّه على الطريق.
تردّد قليلًا، ثم قرر أن يتبعها.
لو كان في الأمر كمين، لَمَا اتخذ شكلًا بسيطًا كهذا.
في الصمت، ظلّت خطواته تتبع أثر الأوراق.
كان يمشي فوق سجادة قديمة، نظيفة رغم اهترائها، فيزداد حذرًا.
وما هي إلا لحظات حتى قادته إلى بابٍ خلفيّ مفتوح.
وما إن خرج حتى غمره ضوء الشمس، فقبض على وجهه وأغمض عينيه قليلًا قبل أن يعاود فتحهما.
تجلّت أمامه هيئة صغيرة.
شخصٌ نحيل منحني الظهر.
رمش بعينيه ليتّضح المشهد أكثر.
كانت امرأة ترتدي تنورة صفراء فاتحة مع بلوزة بيضاء، وشَعرها الكتّاني مربوط إلى أعلى.
ذراعاها مكشوفتان تحت أكمامٍ مشمّرة، وبشرتها ناصعة مثل رقبتها الظاهرة.
تحت أهدابٍ طويلة، بدت عيناها الخضراوان جادّتين، لكن وجنتَيها المتورّدتين وأنفها الدقيق وشفتاها الصغيرتان منحوا وجهها ملامح لطيفة.
‘أنها أشبه بأرنب لطيف صغير.’
وجهها الطريّ الشفاف جعلها تبدو كأرنب.
لم ينتبه إلى أنّه كان يراقبها بفضولٍ غير معتاد.
أراد فقط أن تلتقي عيناهما، ليرى أيّ بريق ستُظهره نظراتها.
وكاد يخطو نحوها، لكنّها رفعت رأسها فجأة ورأته.
كان بيدها مرش ماء، ما أوضح أنّها كانت تسقي النباتات.
“آه، لقد استيقظتَ وأخيرًا.”
ابتسمت ابتسامة هادئة جمعت بين الترحيب والحرج.
“هل تعرف أين أنت؟ هذا المكان يُدعى تشرينغين، يقع في أقصى جنوب شرق إمبراطورية تروبيز.”
قالت وهي تضع المرش في صندوق خشبي.
ألقى نظرة على محيطه، فلم يرَ سوى هدوءٍ وصوت حيوانات صغيرة.
“لا أعرف ما الذي أصابك، لكنني وجدتك مُلقى في زقاق السوق خارج القرية.
فأحضرتك إلى هنا. أما الأشياء الخطرة التي كانت بحوزتك فقد أبعدتها، مع حقيبتك.”
وأضافت: “سأُعيدها لك لاحقًا.” ثم رفعت خصلة من شعرها خلف أذنها.
‘الأشياء الخطرة؟ لا بدّ أنها تقصد السيف والخنجر.’
فكر وهو يُركز نظره على أذنها وما يحيط بها من شعيرات ناعمة بدت رقيقة للغاية.
“هل أنت بخير؟ كان جرحك عميقًا…….”
سألته بقلق بعدما لاحظت صمته ونظراته.
ارتجفت أهدابها الطويلة حول عينيها الخضراوين.
‘……هل فقدتُ صوابي؟’
شعر برغبة جامحة أن يلمسها.
مدّ يده لا شعوريًّا—
“أمّي.”
انطلق صوت طفل صافٍ مع خطوات خفيفة.
إذن ذلك الإحساس السابق لم يكن أرنبًا بل طفلًا صغيرًا.
التفتت المرأة نحو الصوت بابتسامة مشرقة مغايرة لتلك التي منحته إيّاها.
“ابنتي!”
أسرعت طفلة بضفيرة وردية إلى أحضانها.
‘أمي… وابنتي…….’
رمش الرجل بتفكيرٍ بطيء.
‘……إذن هما أمّ وابنة.’
وبالتالي، فالمرأة على الأرجح متزوجة.
التفتت نحوه وجوه صغيرة تُشبه الأرانب، وعاد عقله فجأة إلى الواقع.
—
“هُمم.”
“هُممم.”
“هُموم.”
ثلاثة أزواج من العيون الفضولية كانت تنظر إليه.
وكان أول من تكلّم هو ماكسيميليان:
“إذن، ما اسمك؟”
“يمكنك دعوتي بـ لاسكا.”
أجاب الرجل الذي نجا من الموت مبتسمًا وهو جالس على السرير.
كان يتعافى، وإلى جانبه كانت سيلين وروتي.
وبعد سماع خبر استيقاظه، حضر فيرا وماكسيميليان أيضًا، فصار محاطًا بعيونٍ مستفسرة.
“ألا تملك اسم عائلة؟”
سألت فيرا.
“كلا، لا أملك.”
عدم امتلاك اسم عائلة دليل على أنّه من العامة.
أومأ لاسكا مبتسمًا بخجل.
كان وجهه المشرق وابتسامته الهادئة كافية لجعل أيّ شخص يطمئن إليه.
“أمّي هي من أنقذته.
عالجته وضمّدت جراحه ومسحت وجهه.”
قالت روتي بعينيها اللامعتين وهي تحدّق به بذكاء.
بدا وكأنها تنتظر منه شيئًا.
أما سيلين، فبدت محرَجة.
‘فقط أردتُ أن أتحمّل مسؤولية من أحضرته.’
لكن من يسمع كلام روتي قد يظن أنّ سيلين قد أولته عناية خاصة.
وقبل أن تُصحّح قولها، سبقها لاسكا بكلمات شكر.
“أشكركِ كثيرًا، يا سيدتي.
لولاكِ لكنتُ ميّتًا على الطريق.”
“آه…… نعم.”
ابتسمت نصف ابتسامة، بينما كانت عيناه الزرقاوان تضيئان.
قبل قليل فقط، حين رأته في الحديقة، بدا كالشخص الضائع.
أمّا الآن، فقد ظهر رجل وسيم، هادئ الصوت، باسِم الوجه، لكن يخفي شيئًا غامضًا.
‘ربما كانت مجرد أوهام.’
هزّت سيلين رأسها وقالت وهي تشير إلى روتي:
“لو لم تعثر ابنتي روتي على السيّد لاسكا في الزقاق، لما استطعنا مساعدتك.”
التفتت الأنظار نحو الطفلة، فانحنت بخجل.
“أنا روتي.”
ابتسم لاسكا بلطف، مميلًا رأسه نحوها.
“أشكركِ أيضًا يا آنسة روتي.”
بانت أسنانه البيضاء المتناسقة، وزاد وجهه لطفًا.
بدا وكأنه ملاك من لوحة فنية قد تحوّل إلى إنسان، ما جعل عيني روتي تتّسعان بدهشة بريئة.
فتحت شفتيها الصغيرة مبهورة.
“جرحك لم يكن عميقًا، لكنك فقدت الكثير من الدم. كِدت تموت بسبب النزيف. كيف حصل ذلك؟”
سأل ماكسيميليان بنبرة عادية تُخفي خلفها حذرًا.
لكن قبل أن يرد لاسكا، سبقه صوت آخر:
“لهجتك تحمل أثر مملكة تيان.
تبدو منهم، فما الذي جاء بك إلى الإمبراطورية؟”
دخل هايدر الغرفة بخطوات واسعة، وحدّق في لاسكا بعينين باردتين.
“اللورد إلدِين.”
نادته سيلين بصوتٍ مرتبك، ولم تلحظ أن عيني لاسكا قد التفتتا إليها.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"