“روتي، هل صحيح أنّكِ شرحتِ للضيف كيف يُمكنه مساعدتنا في العمل؟”
تقدّمت سيلين نحو الطفلة بملامحٍ جادّة.
ورغم أنّها حاولت التظاهر بالصرامة، لم يَكُن في وجهها ما يُثير الخوف، إنّما اجتهدت لتبدو رسميّة قدر الإمكان.
“أممم… نَعَمْ. أنا فعلتُ ذلك.”
حرّكت روتي عينيها يمنةً ويسرة، ثم أومأت بخفّة.
فحتى وإن لم يُرهب أحدًا تعبير سيلين الحازم، إلا أنّه كان دومًا يُؤثِّر فيها.
“أرجو المعذرة، يا سيّد لاسكا. لقد أخطأت روتي، وسأجعلها تُدرك ذنبها وتعتذر بنفسها.”
أحنَت سيلين رأسها قليلًا وهي تُخاطبه.
“آه، لا، ليس هناك داعٍ لذلك مطلقًا. أنا مَن عرض المساعدة، يا سيّدتي.”
قال لاسكا مرتبكًا، مُحاولًا أن يُدافع عن الطفلة، غير أنّ سيلين ثبّتت نظراتها الجادّة على ابنتها.
كان القصر يعجّ بالمهام، فيما الأيدي قليلة.
وأحيانًا كانوا يستعينون ببعض العمّال المؤقّتين، لكن أغلب الأمور البسيطة كانوا يُرجئونها لوقتٍ لاحق.
أما الرجل الذي جاؤوا به، فلم يكن أجيرًا.
سيلين هي مَن سمحت له بدخول البيت، وبما أنّه دخل، فقد بات ضيفًا.
“روتي، السيّد لاسكا ليس عاملًا مأجورًا.
لا يجوز أن نُحمِّله عملاً من غير مقابلٍ مستحق.”
قالت سيلين بنبرةٍ تنبيهية.
لكن الطفلة وسّعت عينيها فجأة كأنّها اهتدت إلى فكرة رائعة.
“إذن… ألا يمكننا أن نُوظِّف لاسكا؟”
“ماذا تقولين؟”
بدت الدهشة على سيلين، بينما كانت عينا روتي الخضراوان تلمعان بثبات.
لقد عرفت سيلين هذه النظرة تمامًا؛ إنّها النظرة التي تُصرّ فيها ابنتها على رأيها.
“ألم يَحِن الوقت ليُحال ماكسيميليان إلى التقاعد الأسبوع الماضي؟ لكنه ما زال هنا، لأنّه لا يوجد مَن يحمي تشيرينغن، أليس كذلك؟”
“ذاك…”
لم تستطع سيلين الإنكار بسهولة، فهي لم تكن بارعة في الكذب. عندها نظرت روتي نحو لاسكا.
“سيكون رائعًا لو أصبح لاسكا قائد الحرس الجديد.”
“آه، ذاك…”
ارتبك لاسكا، محرّكًا عينيه بقلق.
“إسبيروتيا.”
نادتها سيلين باسمها الحقيقي هذه المرّة، لا بكنيتها المعتادة، ونظراتها أكثر حدّة.
فانكمشت روتي قليلًا من الخجل.
“اعتذري للضيف لأنّكِ أوقعتِه في موقفٍ صعب.”
“أ… آسفة يا لاسكا.”
“لا عليكِ، يا آنسة.
أشكر لطف اقتراحك.”
قالها بابتسامةٍ مطمئنة ليُخفّف عنها.
“حسنًا يا سيّدتي، سأُسلِّم الستائر الآنسة فيرا.”
كان سريع الملاحظة، فالتقط الستائر وغادر.
وما إن ابتعد، التفتت سيلين إلى ابنتها.
“روتي، السيّد لاسكا ضيف، وهو يعتقد أنّه مدين لنا. ليس من الصواب أن نُثقله بطلبات تُحرجه.”
“لكن… لاسكا إنسان جيّد.
يُلاعبني ويُخبرني قصصًا ممتعة.”
ولم تكن مخطئة.
فطبيعته المرحة والمباشرة وإن سبّبت حرجًا أحيانًا، إلا أنّه لم يكن شخصًا سيّئًا.
“أعرف ذلك يا روتي. ولهذا أُكنّ له الامتنان.
لكن بالذات لأنّه إنسان طيّب، لا أريد أن أضعه في موقفٍ يُزعجه.”
لينت نبرة سيلين، لكن ملامح الأسى بقيت على وجه الطفلة. قبضت بيديها على ثوبها، وارتجفت قليلاً.
“ثمّ أيضًا…”
تردّدت روتي، ثم نطقت بما يَختلج في قلبها دفعةً واحدة:
“أمّي، أنتما تُناسبان بعضكما.”
“ماذا؟”
تفاجأت سيلين بما سمعت، فبادرت روتي لتوضّح:
“لاسكا ودود معكِ.
وهو وسيم، طويل، ذكيّ، وبالتأكيد يعرف الكثير عن الكتب.
إن قضيتم وقتًا معًا، فقد تُعجبان ببعضكما.”
“ولهذا تريدين أن نُوظّفه؟”
كان صوت سيلين يحمل شيئًا من السخرية المُرهقة.
فهو لم يكن طيّبًا معها وحدها، بل مع الجميع. ومع ذلك، بدت لها ابنتها مُحبّبة في براءتها.
“فقط شعرتُ أنّ لاسكا سيكون مهمًّا لكِ يا أمّي.”
قالتها بخفوت، ورأسها مُنكس، وعلى ملامحها حزنٌ طفوليّ يُحاكي الكبار.
عندها انطفأت كل بقايا الضيق في قلب سيلين.
‘أفهم أنّكِ تقلقين عليّ.’
لكنّها لم تَرضَ أن تُقلق ابنتها نفسها لأجلها.
فالطفلة ابنة ينبغي أن ترعاها، لا أن تنقلب الأدوار.
قالت بلطف:
“يا روتي، يكفيني أن تكوني أنتِ معي.”
لكن الصغيرة لم تُفلِت من تردّدها تمامًا.
“لكن… قد تكون هناك فرصة…”
“همم، أظنّ أنّها فرصة كاصطياد دبّ من جبال ميتر.”
ولم تُرِد أن تُؤذيها، فاكتفت بلمس أنفها بخفّة.
كانت جبال ميتر شاهقة وخطيرة، وحيواناتها المفترسة نادرًا ما تنزل إلى القرى.
حتى ماكسيميليان لم يجلب سوى بعض الطيور أو الغزلان من سفوحها، إذ كان خطرًا أن يُثير غضب الوحوش الكبرى.
“لذلك، لا تُضيّعي وقتكِ في القلق.
ادخلي الآن، اغسلي يديكِ وتناولي طعامكِ.
سأجيء بعدكِ.”
دفعت سيلين ظهر ابنتها برفق، فتحرّكت بخطوات بطيئة.
هبّت ريحٌ يابسة. انكمشت الطفلة حينما شمّت رائحة الغبار والتراب، بل ورائحة دمٍ خفيفة.
“لكن، إن لم يكن لاسكا… فلن نجد حلاً آخر.”
اختفى صوتها وسط وقع خطواتها الخافتة.
—
كان ذلك في ربيعٍ ما.
أفاقت سيلين لتجد نفسها في مكانٍ غريب.
‘هل هذا حلم؟ أين أنا؟’
نظرت حولها، فبدت لها ملامح البناء مألوفة. ثمّ تذكّرت أنّه القصر الإمبراطوري.
‘كيف وصلتُ إلى هنا فجأة…؟’
لقد فارقته منذ زمن بعيد.
جالت بنظرها على القصر الفخم، الزينة الباذخة، النوافير المتدفّقة، والحدائق المهيبة.
كان أوسع وأجمل كثيرًا من قصر الأمير الرابع حيث عاشت قديمًا.
لا شك أنّه قصر الإمبراطور نفسه.
مدّت يدها نحو كتابٍ على ركبتيها، لكنّها فوجئت بأن يدها هزيلة لا تعرفها.
ارتبكت وأغلقت الكتاب، وإذا بصوت غصنٍ يابس ينكسر تحت وطأة قدم.
التفتت برأسها، فإذا بها ترى وجهًا لم تتوقّعه.
‘السيّد لاسكا؟’
كان يرتدي ثيابًا فاخرة، وملامحه جادّة مُتعبة على غير عادته، لكنّه هو بعينه.
شهقت من الدهشة وعجزت عن الكلام، فيما حدّق هو فيها أيضًا قبل أن يسأل:
“ما اسمُكِ؟”
وفور سماعها السؤال، استيقظت من الحلم.
—
“… ما أغرب هذا المنام.”
تمتمت وهي تحدّق في السقف.
كانت غفوة مسائية بعدما نامت روتي. بلا شك، ظلّت كلمات ابنتها عالقة في ذهنها.
‘القصر مع السيّد لاسكا… لا يليقان… أو ربّما يليقان.’
في الحقيقة، بدا الأمر مناسبًا للغاية.
فمظهره وسمته يفوقان كثيرًا من النبلاء، وسلوكه يجمع بين انضباط الفارس وأناقة الأرستقراطي.
استعادت في ذهنها عبير جسده الذي لامسها عابرًا في النهار. فارتجفت كتفها قليلًا.
شعرت بالبرد، فأدركت أنّ النافذة مفتوحة.
‘لقد تأخر الوقت، من الأفضل أن أعود للنوم كما أنا.’
نهضت لتغلق النافذة، لكن في تلك اللحظة سمعت صوت عجلاتٍ تدور.
كانت هناك عربات وخيل، وحرسٌ يرافقهم.
إحساس مألوف لكن مُقلق في هذا الوقت المتأخّر جعلها تُغمض عينيها لوهلة. شعرت أنّ الواقع يقتحم حياتها فجأة.
“كيف غفلتُ عن هذا الأمر؟”
زفرت بعمق، وعاد إليها هدوؤها.
‘لابد أنّ اللورد ديفونشير قد غادر.
سأطلب من إيلين أن تحرس الباب…’
لكن فجأة سُمِعَت طرقةٌ خفيفة على الباب. في الحقيقة لم تكن طرقة حقيقية، بل صوتًا صغيرًا يُقلّد الطَّرْق.
“دق دق.”
ابتسمت سيلين فور أن تعرّفت على الصوت.
تقدّمت بخطواتها نحو الباب، وأمسكت بالمقبض، وما إن فتحته…
حتى ظهرت ابنتها الصغيرة واقفة أمامها.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"