عقب حادثة “التمرد المستند إلى السحر الأسود”،
تم تعليق الجولات الإرشادية المعتادة التي تُخصَّص للموظفين الجدد، وصدر تعميم يُلزم الجميع بالبقاء في منازلهم إلى حين الانتهاء من التقييم الدقيق للأوضاع.
لكنني، برفقة ذلك الرجل و الشعر بلون العِنَب، وجدنا أنفسنا مجتذبَين قسرًا إلى داخل القصر الإمبراطوري.
كان الموضع الذي نُقِلنا إليه هو القاعة الأولى للمؤتمرات في القصر، ولم يقتصر الحضور على كبار المسؤولين الذين سبق أن التقينا بهم خلال التوجيه، بل تجاوزهم إلى شخصيات ذات نفوذ رفيع ومهابة أعظم.
الوزراء أنفسهم كانوا هناك…
هل من المعقول أن يُلقى بمثلي،
هذا الكائن الضئيل، وسط هذا الجمع المهيب من أرباب السلطة والنفوذ؟
راودتني رغبة جارفة في الفرار من المكان فورًا!
وما زاد الأمر غرابة، أن هذا الحدث لم يُذكَر قط
في النص الأصلي للرواية.
هل فقدت البطلة الرئيسية السيطرة حقًا؟!
قضينا ثلاثتنا فترة احتجاز داخل القصر بغرض إجراء التحقيقات.
أنا وذو الشعر العِنَبي خضعنا للاستجواب بخصوص ما جرى، أما البطلة، فقد كانت تمر بسلسلة من الفحوصات الطبية للتأكد من سلامتها الجسدية.
أليس المدير ثيودور هو من أعطاها الجرعة العلاجية؟
ربما يسعون حاليًا إلى التحقق من مدى بقاء آثار السحر الأسود عالقة بها، أو إن كانت هناك مضاعفات خفية خلفها الحادث.
هل ستكون البطلة بخير؟
إنها ترفض السحر الأسود بشراسة…
فماذا لو أن أثره انسرب إليها رغمًا عنها؟ ألن يكون في ذلك كسر لكبريائها؟ ألمٌ لكرامتها؟ سأزورها ما إن يُفرَج عنّا.
لكن، ما بال هذا الرجل ذو رأس البنفسجي يحدّق بي على هذا النحو الغريب؟!
“فينلي”
“…”
“ألديك ما تقوله؟”
“بل أنتِ من يجدر به أن يبدأ بالكلام”
اللعنة…
منذ اللحظة التي كُشف فيها عن “جوهر السحر الأسود”، وعيناه لا توحيان إلا بشيء واحد:
سحقي بنظراته.
آثرتُ الصمت حينها.
فما عساني أقول إن كنت لا أعلم شيئًا؟
لكنني كنت بحاجة إلى مخرج من نظراته، فاخترتُ أن أفتعل حديثًا جانبيًا.
“صحيح… لدي ما أود قوله لك”
“تفضلِ…”
“شكرًا لكَ على إنقاذي وقتها”
“…ماذا؟”
“لِمَ الدهشة؟
أنتَ من أمسكني وسحبني، أليس كذلك؟”
لأكون أكثر دقة، لقد قبضتَ بياقة قميصي وجذبتِني بعنف.
ورغم أن عنقي لا يزال يؤلمني حتى اللحظة
، إلا أن وجهي نجا من الارتطام بفضل تلك الحركة المباغتة.
فلتأخذي شكري وتنصرفي، أيتها المغرورة.
“كان ينبغي عليّ شكرك مسبقًا.
آسف يا فينلي.
لقد أنقذتني “
“لا، لم أكن أرغب بسماع ذلك…”
“يا لك من متواضع!”
“أنتِ…!”
وقبل أن تتفاقم حدة الموقف، دوّى صوت هادئ، جليل، ومهيب:
“من المؤسف حقًا أن يُعقد هذا الاجتماع في أعقاب حادثٍ بهذه الجسامة”
إنها رئيسة الوزراء، السيدة لوِيلا هاليفاكس.
نظرتُ إلى تلك السيدة متوسطة العمر، بشعرها الأبيض المصقول بعناية، وأدركت أمرًا بالغ الأهمية:
الأسرة الإمبراطورية لا تمتلك حضورًا فعليًا هنا…
إذ لم يظهر أي من أفرادها.
التفتت رئيسة الوزراء نحو المدير ثيودور، وقالت:
“سيدي وادزورث، ما حالة الآنسة يوريانا كروسويل؟”
“كلاهما لم يتعرض لأذى يُذكر، إلا أنني رأيت أنه من غير المناسب استدعاؤها لهذا المجلس”
“أتفهم ذلك…
لكن اللجوء إلى السحر الأسود؟
ما الذي دفعها إلى هذا الخيار؟”
“بحسب ما أفادت به كروسويل…”
تنحنح المدير وأجاب:
“قالت إن الضغط الذي تعرضت له ضمن الفريق الثاني كان يفوق قدرتها على التحمل”
“وأين هو ذلك الفريق؟”
عندها، وقفت أليسون كابريس.
رغم شحوبها، إلا أن ثقتها كانت تفيض عن ملامحها بثباتٍ بارد.
“يا صاحبة السمو، أرى أن رواية كروسويل مؤسفة، لكنني لم أقم سوى بتعليمها المبادئ الأساسية”
بدت ملامح المدير منزعجة من رباطة جأشها.
“رئيسة الفريق كابريس، عذرًا، لكن شهادة كروسويل ذكرت أن إهاناتك اللفظية…”
“أرى أن شهادتها مجحفة أيضًا.
كانت تلك المتدربة غير مستقرة منذ البداية”
ماذا تقول؟
تابعت أليسون بوجه خالٍ من الخجل أو التردد:
“وما المعنى في أن تتأثر موظفة بكلمات موجّهة من مشرفتها إلى درجة تجعلها تلجأ للسحر الأسود؟!”
بدأت الهمسات تتسلل بين الحضور:
“كابريس محقة”
“كنت أظن كروسويل من المتفوقين، خيبة أمل حقًا”
“هل أخفوا حالتها النفسية أثناء التقييم؟”
“ربما كانت لديها ميول خفية للسحر الأسود…”
ساد صمت ثقيل قاتم كالسحب الداكنة.
إن ثبتت إدانتها، فإن مصيرها الموت.
أيها الوغد…
أطبقت على أسناني بغضبٍ متصاعد.
أن يُقتل أحدهم بناءً على شهادة مختلقة كهذه؟
هذا عبث لا يُحتمل.
يجب أن أتكلم.
تصريحات أليسون تعدّت حدود الاحتمال!
لكن…
لا أملك دليلًا يُدينها.
في تلك اللحظة، لاحظ شيموس نظراتي القلقة
وأنا أضغط جبهتي وأتنهد.
فنهض من مكانه دون تردد، ورفع يده عاليًا.
توجّهت إليه الأبصار جميعها.
“أيمكنني الحديث؟”
“ومن تكون؟”
“أنا شيموس فينلي، زميل الآنسة كروسويل”
“تفضل، فينلي، ما الذي تود قوله؟”
“ما قالته رئيسة الفريق كابريس لا يستند إلى منطق”
“ماذا تعني؟”
“ليس من الإنصاف نعت كروسويل بعدم الاستقرار منذ البداية”
“أتفهّم رغبتك في الدفاع عنها، لكن…”
هنا، رفع شيموس سوارًا معدنيًا يتخذ شكل جمجمة.
“أداتي هذه ليست للقتال فقط… بل تُسجّل أيضًا”
ضغط على الجمجمة، وإذا بالأصوات تتردد جلية:
– “هذا المكتب مضيعة للمال؟
أوه، هل تألمتِ؟ آسفة على ذلك”
– “لـ، لا…”
– “صحيح؟ لا تفهمون إلا بالوضوح”
– “تطمحين لمنصب حكومي فقط لتتزوجي؟
يا لكِ من مخادعة”
ومنذ اليوم الأول للجولة مع فريق البروتوكول، توالت الإهانات…
– “هل تحاولين التباهي بخبراتك؟”
– “شكرًا على المديح”
– “كونك من دار أيتام يفسّر كل شيء”
كنت قد رددت عليها يومها بسخرية، أما الآن…
فوقع تلك الكلمات كان مفجعًا.
بدأت أصوات السعال والإحراج تتعالى.
“أهمم”
“لا، لا أصدق…”
“كنت أظنها شائعات، لكن بهذا الشكل؟”
ارتجفت شفتا أليسون غضبًا، لم تكن تتصور أن شيموس، الذي اعتبرته أحمقًا، سينقلب عليها هكذا.
وأنا أيضًا، لم أكن أتوقع منه هذا.
ما الذي تفعله يا شيموس؟
لا…
من الآن فصاعدًا، لن أناديك إلا باسمك الحقيقي:
شيموس! لا ريب في أنك كنت مرشحًا لتكون البطل!
نهضت بدوري، وقد شجعني ما حدث.
نظرت إليّ أليسون بعينين مرتجفتين.
“أنا ليلي لويل، زميلة كروسويل.
وكل ما قاله فينلي هو الحقيقة!”
“أنتِ…!”
“كروسويل لم تكن ضعيفة من البداية.
لقد بدأت الإهانات منذ اللحظة الأولى…”
“هذا افتراء! وتلك الأداة مجرد خدعة!”
صرخت أليسون، ووجهها يتلوّن من فرط الانفعال.
“بأي حق تُصدقون هذا؟!
حتى لو كنت صارمة، فأنا مشرفة على البروتوكول…”
لكن صوتًا ذكوريًا عميقًا قاطعها.
نهض الرجل الجالس في مقدمة الصف، فتوجّهت الأنظار إليه.
“شهادة رئيسة الفريق كابريس لا يُعتد بها”
“سيد لوبيسك؟! ماذا تقول؟!”
“رأيت بأم عيني رئيسة الفريق كابريس تدفع الآنسة لويل نحو المبنى عند انفجار السحر الأسود”
“كان ذلك حادثًا!”
“لكنها لم تحاول حتى فتح الباب لإنقاذها”
“….!”
“وأشهد بذلك شخصيًا”
تحولت نظرات الحاضرين نحو أليسون إلى جليد لا يرحم.
تنهدت رئيسة الوزراء، وضربت بإصبعها على مسند الكرسي:
“هاه… ابتعدنا كثيرًا عن جدول الاجتماع”
“عذرًا، صاحبة السمو”
“يكفي، قائد الفريق لوبيسك.
ما يهم الآن… هو مشرفك…”
وفي تلك اللحظة، فُتح باب القاعة.
“أوه، أرجو المعذرة على التأخر”
ذاك الصوت…
يتقطر وقارًا وهيبة.
مهلًا…
أيمكن أن يكون هو…؟
أليس هذا هو العقل المدبّر الخفي في القصة الأصلية؟
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"