“قالوا إنها جثة خالدة؟”
“هل شيء كهذا موجود فعلًا في هذا العالم؟”
توقف إيرن عن الجلوس على الكرسي الخالي حين تسللت إلى أذنه نبرة كين الحادة، كأنها قبضة من حديد.
“عن أي جثة تتحدث؟”
“آه؟ جثة غير قابلة للتحلل؟”
جثة لا تتعفن.
رغب إيرن في استجوابه فورًا ليعرف مكانها، لكنه تمالك نفسه حتى لا يبدو مريبًا.
سأل متظاهرًا بالهدوء:
“هل توجد جثة خالدة حقًا؟”
“نعم، ستُعرض في المزاد.”
“مزاد؟”
ضحك كين ساخرًا وقال:
“لا عجب أنك لا تعرف، فأنت جديد هنا.”
كان صاحب الحلبة يدير أيضًا دار مزاد غير قانوني، وغالبًا ما كان يستعين بلاعبي الحلبة كحراس هناك.
كين نفسه عمل عدة مرات معهم، وأثناء جلسة سُكر مع مدير المزاد الذي صار صديقه، سمع منه عن جثة خالدة ستُعرض قريبًا.
“قالوا إنها ستُطرح في المزاد هذا الأسبوع.”
“وكيف يمكنني دخول المزاد؟”
“كضيف؟”
حك كين رأسه بينما أومأ إيرن.
“تحتاج إلى دعوة خاصة، ولا أعرف من أين تحصل عليها.”
“حتى لو عرفنا، أشخاص مثلنا لن يُسمح لهم بالدخول كضيوف.”
ضحك اللاعبون الآخرون ساخرين:
“الطريقة الوحيدة لدخولنا المزاد هي أن نعمل فيه، أيها المبتدئ.”
لكن لاعبًا آخر، وهو يضغط بإصبعه، قاطعهم قائلًا:
“مهلًا، أيها النحيل، إن فزت هذه المرة، ستكون فزت خمس مرات متتالية، أليس كذلك؟ هناك تقليد يقول إن من يفوز خمس مرات، يحصل على شراب مع المدير.”
“وماذا في ذلك؟”
“اطلب منه دخول المزاد حينها.
ربما يسمح لك بالدخول لمرة واحدة.”
انتصار واحد إضافي فقط، وسينال فرصته.
وكانت تلك، حتى الآن، أقصر الطرق إلى الجثة الخالدة.
جثة خالدة… هل هي من صنع أتباع أولئك الكائنات؟
ربما إذا تتبع مصدرها، سيعثر على معقل أولئك الأتباع.
حتى وإن لم يحدث ذلك، فقد يكتشف سبب عدم تحلل جسده.
لكن، عليه أولًا أن يراها بعينيه.
—
في اليوم التالي:
“أيها النحيل، أبذل جهدك هذه المرة أيضًا!”
“إلى متى سأظل نحيفًا، هه، هذا يكفي.”
دخل إيرن الحلبة، بينما كان المذيع بالخارج يصرخ معلنًا قرب انتهاء وقت المراهنات.
استند إلى عمود في زاوية الحلبة، وأخذ يتفحص الحشد بعينيه، فرأى شعرًا بنيًا مربوطًا بإحكام على شكل ذيل حصان صغير.
كان رأس صغير يتنقل بين الرجال الكبار، يضع الرهانات بحماسة.
وهو ينظر إليها بتسلية، صفّق الحكم بيديه:
“استعدوا! استعدوا!”
وعندما انتبه، كان الخصم قد بدأ التسخين.
لف إيرن كتفه بخفة استعدادًا، لكنه توقف فجأة عند سماع ضوضاء شديدة.
“ما هذا؟”
اتجه بنظره إلى مدخل الساحة.
الضجيج يزداد وضوحًا.
“صوت حوافر خيل؟”
لم يكن وحده من لاحظ، فقد تبادل الآخرون النظرات بقلق.
“مداهمة!
إنهم يداهمون المكان!”
وما هي إلا لحظة حتى بدأت الأرض تهتز تحت الأقدام.
سُمعت أصوات الحوافر تتبعها صرخات وتحطيم أشياء.
“أهربوا!!”
تحول النداء إلى إشارة فوضى.
هرع الجميع إلى الباب الخلفي، يتساقطون ويتصادمون.
إيرن جال بعينيه يبحث عن جوديث.
“أين أنتِ بحق الجحيم؟”
كانت جوديث تقاوم تيار الناس الهاربين، بالكاد توازن خطواتها.
“إلى أين ذهبت تلك الحقيبة؟!”
اللعنة!
أطلق إيرن سبة وهو يشق طريقه خارج الحلبة، شاقًا الزحام حتى أمسك بجوديث.
“ما الذي تفعلينه؟ تعالي بسرعة!”
“انتظر لحظة، نقودي، إنها هناك!”
أشارت إلى رجل يهرب ومعه حقيبتها.
“هل المال أهم من حياتك؟ لو سقطتِ الآن فلن يعثروا حتى على عظامك!”
ولم يكن ذلك مجرد مجاز.
“أرجوك، إيرن، نقودي! إنها كل ما أملك!”
رفع إيرن جوديث وسحبها معه من الباب الخلفي.
ثم غيّر اتجاهه ليتجه مباشرة نحو القوات المداهمة.
“تصرّفي وكأنكِ لستِ مذنبة.
خذي نفسًا عميقًا وامشي بجانبي وكأننا زوجان.”
رفع ذراعها ولفها حول ذراعه، ثم…
وقفت أمامهم فرس، وصرخ فارسها:
“توقفا! رأيتكما تخرجان من الحلبة.
ارفعا أيديكما واستديرا.”
كان إيرن على وشك الانقضاض عليه وسرقة الفرس، لكنه تجمّد عند سماع صوت مألوف.
رفعت جوديث رأسها ببطء.
“… السير هنري؟”
ابتسمت بخجل.
“كونتيسة؟ إيرن؟”
فرك هنري عينيه ونظر إليهما مجددًا بدهشة.
لحظة صمت مرّت بينهم كأنها دهر.
من بين الجميع… هنري؟
غمر إيرن شعور بالخزي والعار.
“حقًا يا إيرن؟”
“أنت لم تكتفِ بالموت والعودة،
بل صرت تتورط في كل هذه الفوضى؟”
تنهد هنري ومسح وجهه بيده، ثم أشار بيده:
“اذهبا، بسرعة.”
هرب إيرن دون كلمة، وهو يجر جوديث خلفه.
بينما تابع هنري صديقه بنظرة معقدة.
“… دفعت مقابلها ذهبًا.
ذهبًا كاملاً.”
—
بعد عدة أيام:
“يجب أن تلمس شفتيك، هكذا.”
زمّت جوديث شفتيها بضيق بينما كانت تحاول التظاهر بأنها بخير.
هز إيرن رأسه وضغط برفق على شفتيها المزمومتين.
“ستعضين إصبعكِ هكذا.”
“انسَ الأمر، لا تذكره مجددًا.”
“لا يمكن، لقد خسرنا بلا فائدة.”
قالت:
“تحدث بدقة، يا مستر إرنست.
لم نخسر، فقط فقدنا شيئًا… وكان يمكن تعويضه.”
هي محقة. خسرت رهاناتها الأخيرة، لكنها جنت أرباحًا تكفي لتسديد فوائد ثلاثة أشهر، وتكاليف المعيشة، وشراء مواد بحثها.
لكن كلما تذكرت تلك الأموال، كانت تتألم وكأن قلبها انكسر.
“فكرت في الذهاب بك إلى حلبة أخرى، لكن…”
صرخ إيرن:
“لا تذكري حتى كلمة ‘حلبة’.
أسمعها وسأعتبرها طلاقًا رسميًا!”
من الواضح أنه لا يزال يشعر بالخزي من هروبه من الشرطة ولقائه بهنري.
“فكر في العمل الشريف لكسب المال.”
“أنت آخر من يحق له قول ذلك.”
“ارخي حاجبيك، ستظهر التجاعيد.”
ضغط على جبينها بخفة، فدفعت يده وسألت:
“لكن إيرن، ألم تقل إنك ستذهب لرؤية الجثة الخالدة اليوم؟”
—
كاد المخطط ينهار، لكن إيرن تمكن أخيرًا من التسلل إلى دار المزاد بأمان.
وكان لكين، ذو القبضة الفولاذية، فضل كبير في توظيفه هناك كحارس.
حين أخبر إيرن جوديث بذلك، تهلّل وجهها فرحًا:
“هل أصبح لدي زوج يتقاضى راتبًا؟!”
“ليومٍ واحد فقط.”
“تمنيت لو استمريت.”
لكن لسبب ما، هذه المرة، لم يرغب إيرن في تلبية أمنياتها.
فمن الممتع رؤية شفتيها الممتعضتين وهي تقول:
“ولمَ أتقاضى راتبًا وأنت تطعمني؟”
**
عُيّن إيرن كحارس، مما منحه فرصة لرؤية المعروضات عن قرب.
وقبل بدء المزاد، أخذه مدير المزاد إلى المستودع ليتفقد البضائع.
مرّا على الكثير من المقتنيات الغريبة والباهظة، حتى وصلا إلى… “هي”.
قال مدير المزاد بحماس:
“التحفة الأهم اليوم! الجثة الخالدة!”
تابوت خشبي قديم، باهت من أثر الزمن.
صفق المدير بفرح، ففتح عاملان غطاء التابوت.
كيييك—
صدر صوت ثقيل ومزعج.
لم يُفتح الغطاء بسرعة، بل ارتفع ببطء، فتطاير منه غبار كثيف.
“آخ، الغبار…”
غطى إيرن أنفه وفمه بقطعة قماش سوداء، وسعل مرارًا.
فقط بعدما تلاشى الغبار، تمكّن من النظر إلى داخل التابوت…
التعليقات لهذا الفصل " 33"