“أه… لم، لم أرَ شيئًا…”
فليرجم الأرامل البائسات من كان بريئًا فحسب.
كانت جنازة زوجي، الماركيز، مهزلةً بكل معنى الكلمة.
فرغم كثرة أبنائه غير الشرعيين، لم يترك خلفه وريثًا شرعيًا، فانقضَّ أقاربه الطامعون على التركة كذئاب، يتبادلون الشتائم ويتضاربون بالأيدي أمام التابوت.
أما أنا، فقد لعبت دور الزوجة الثكلى، أذرف دموعًا زائفة وأجففها بمنديل حريري.
“آه… آه، ماركيزي العزيز! كيف حدث هذا؟!”
وكيف حدث؟ السبب، بطبيعة الحال، هو بطل القصة.
رغم أنني قدّمت بعض “المساعدة” البسيطة.
ربما كانت هناك طرق أخرى للنجاة في النص الأصلي، لكن من بحقك يرغب في أن يعيش إلى جوار ماركيزٍ عجوزٍ مهترئ؟
“ماذا عساني أن أفعل بعد رحيلك المفاجئ؟ آه…”
ذاك العجوز السافل الذي لاحق الفتيات الصغيرات لم يجنِ سوى ما زرعت يداه.
ومن طرف عيني، راقبت نظرات الحاضرين وهي تلين رويدًا رويدًا، منجذبةً إلى أدائي البارع، بينما استعدت في ذهني تلك الليلة الصادمة التي استرجعت فيها ذكريات حياتي السابقة.
—
“آنسة… آنسة! استفيقي!”
كانت خادمة غريبة تهز كتفيّ العاريتين بعنف، ملامحها تنذر بأنها على وشك صفعتي، ولم أكن لأمانع.
بل كدت أطلب منها أن تفعل وتنتهي.
“أصررتِ على الاستحمام وحدك فتركناكِ، لكننا خفنا أن نجد جثةً في الماء!
لا جدوى، اخرجي من الحمام الآن!”
“جثة…”
“كفي عن التفكير بالأمور الغريبة، اخرجي حالًا! الماركيز أنهى طعامه!”
سحبتني من الحوض وكأني خادمة تحت أمرها، لا نبيلة، وشرعت تدعك جسدي بفرشاة خشنة مغطاة برغوة، كما لو كنت قطعة أثاث تحتاج إلى تنظيف عميق.
“استلقي بثبات، آنستي، لا تقاومي…”
كانت التعليمات التالية مهينة، لكن عقلي كان منشغلًا بالحلم الذي راودني وأنا في الحوض.
اقتربت خادمتان أو ثلاث، وأوقفنني أمام مرآة بعد غسلي، ثم شرعن يدهن جسدي بزيوتٍ معطّرة.
وجهٌ فاتن، وجسدٌ عارٍ، ينعكس في المرآة.
لم أره بعيني فقط، بل بعين الوعي..
هذه لستُ أنا بالكامل.
هل هذا تلبّس؟ أم بعثٌ جديد؟
ذاك الشعور الطفيف بالواقع كمّم صرختي، وشددتُ رأسي بين يديّ وأنا أستوعب أنني لم أُبعث تحت سقفٍ غريب، بل في حمّامٍ فخم داخل رواية كنت قد قرأتها في حياتي السابقة.
“آنسة! قلت لكِ لا جدوى!”
ربما ظنّت الخادمة أنني أذوب خجلًا من ليلتي الأولى مع الماركيز، فصاحت بحدة وهي تعيد دهن شعري المبلل بالزيت وتسرّحه بفظاظة.
كان شدّها لفروة رأسي كفيلًا بإعادتي إلى الواقع.
لقد بُعثت من جديد داخل رواية “كنتُ فقط أُعالج الجرحى”، لكن لا كبطلتها… بل كزوجة الشرير، الماركيز، التي لا تنطق بكلمة واحدة… وتموت باكرًا.
كابنة غير شرعية لعائلة فيكونت ساقطة، أُجبرت على الزواج من الماركيز بضغطٍ من عائلتي.
واليوم، في ليلتي الأولى، يُفترض أن يشنّ بطل الرواية هجومه الأول على الماركيز.
في النسخة الأصلية، ينجو الماركيز باستخدامي كدرع بشري.
يفشل البطل في محاولته، ويهرب مصابًا، ليصادف البطلة التي تُنقذه… فيقع في حبها.
أما أنا؟
فأموت… مطعونة بسيف البطل العشوائي.
“آاااه!”
“آنسة!”
ضربت إحدى الخادمات ظهري بقسوة.
كانت تلك لحظة الإدراك الحقيقي.
لم يتبقَّ على ليلتي الأولى…
وموتي، سوى ساعات قليلة.
—
“هاه… حتى لو وقعت بين أنياب نمر، يمكنك النجاة إن حافظت على رباطة جأشك.”
هذا ما يقوله المثل الذي لم أكن أعرفه قبل بضع ساعات.
جلست على السرير مرتدية ثوبًا شفافًا وقصيرًا، أفكر في الوضع.
“إن كان كمينًا، فلماذا لا يختبئ ويباغته؟ لماذا يدخل من الخارج؟”
لو أن البطل اختبأ في الغرفة منذ البداية، لعقدت صفقةً معه قبل وصول الماركيز من حمّامه.
لكن لا… لقد قرر التسلل في ذروة “الليلة الأولى”.
“لا يمكنني الموت هكذا.”
نظرت مجددًا إلى المرآة.
شعر وردي ناعم ينسدل حتى خصري، وعينان واسعتان بلون رمادي مزرق بلمحة بنفسجية، وبشرة ناعمة بيضاء… أيّ شخصٍ سيراني سيتحسّر على جمال كهذا.
لكنني، في حياتي السابقة، لم أكن أعلم حتى أنني جميلة، فقد عشت منطفئة كابنة غير شرعية منبوذة.
ربما لذلك، حين وقع الهجوم، لاحظ الماركيز الأمر لأنني كنت متخشبة تمامًا من الرعب.
“وإلا، كيف له أن يلتفت عن كل هذا الجمال؟”
قلّبت شعري المتشبّع بعطر الزيت، وتحركت الآلهة في المرآة معي.
قررت خطتي على الفور:
“الإغواء.”
خطةٌ كلاسيكية… وُلدت مع أول حواء.
لكن هذا لا يعني أنني كنت أنوي النوم مع ذلك العجوز.
فقط جذب انتباهه… قليلًا، لا أكثر.
“هل يمكنني؟ لا… يجب أن أنجح.
يمكنك فعلها، أسيليا!”
هذا الجسد، رغم شبابه، يحمل داخله عمرًا يفوق الأربعين إن حسبنا حياتي السابقة.
ومع ذلك، فأنا ما زلت أصغر بكثير من الماركيز.
أيّ عجوزٍ مختلّ هذا؟
نعم، لقد حافظ على مظهره جيدًا بفضل حياة الترف، لكنه يظل عجوزًا، لا يليق به الزواج من فتاة تصغره بأكثر من نصف قرن.
لا بد أنه مختل.
“يا للقرف.”
فكرة أنني مضطرة لمعانقته حتى يصل البطل كانت تكفي لإفراغ معدتي، لكنني لم أكن قد أكلت شيئًا. تماسكت وجلست على السرير، أترقّب.
ثم بدأت أسمع خطواتٍ ثقيلة تقترب…
خطواتٌ مقززة، مفعمة بالغبطة.
“أسيليا— زوجتي!”
“…ماركيز.”
فتح الباب، ودخل كيلدريك، الماركيز.
وقفتُ من السرير وهممت برفع تنورتي لتحيته، ثم تذكرت أن الفستان أقصر من أن يفعل ذلك، فتراجعت فورًا.
“جميلة، كما توقعت.”
ابتسم الشيخ العجوز كمن فاز بجائزة العمر.
تذكرت ما قالته الخادمة في الحمام: “لا تقاومي.”
هل أبدو كفتاةٍ خجولة؟
يا إلهي، معدتي تنقلب مجددًا.
“هل انتظرتِ طويلًا؟ بشرتكِ باردة.”
“…لا، ماركيز.”
تحسّس كتفي العاري بيده الثقيلة، فشعرت بالاشمئزاز، لكنني أخفيت مشاعري وأدرت وجهي خجلًا مصطنعًا.
“لكنّكِ ترتجفين…
أهو من البرد؟ أم من حماسكِ؟”
يا ربّي…
اغسلوا أذنيَّ من هذا القرف! هل وصل البطل إلى أسوار القصر؟ أتمنى أن يصل قبل أن أتقيأ عليه.
“ومن لا يرتجف وهو يستعد لخدمة الماركيز؟”
“رقيقةٌ أنتِ، كجمالك.”
ضغط على كتفي بقوةٍ كادت تُسقطني، كمن لا يسمح باعتراض.
“ماركيز…”
“لستُ مجرد ماركيز بعد اليوم، بل زوجكِ.
من الآن، لستِ أسيليا كورنيل، بل أسيليا فانت.”
كنت أرغب في صفعه على وجهه المتغضّن، لكنني تريّثت، وقررت كسب بعض الوقت.
تفاديت شفتيه المتجهتين نحوي، وهمست بخجل:
“كلّ هذا جديدٌ علي…”
“أوه، مسكينتي… دعي كل شيء لي.”
“أخشى فقط أن أعجز عن إرضائك، ماركيزي.”
يبدو أن تلك العبارة أصابت وترًا حساسًا في قلبه العجوز.
فانتهزت اللحظة، وأجبرت عيني على الامتلاء بالدموع. لا بد أن البريق بدا مؤثرًا في عيني.
“آه، أسيليا… سأكون رقيقًا معكِ.”
ومن خلف الدموع المصطنعة، رأيت نافذة الغرفة تغرق في الظلام… لقد وصل البطل.
“أنا سعيدة لأن زوجي هو الماركيز الطيب.”
عانقت الماركيز وهمست في أذنه، وعيناي لم تفارقا النافذة التي بدأت تُفتح بهدوء.
“…
“…آه، ماركيز…”
تقابلت أعيننا.
ذلك البطل المجنون دخل بوضوحٍ لا يُغتفر.
نظرت إليه ببرود، وتكلمت بنبرةٍ عذبة:
“هل أنت سعيدٌ بزواجنا أيضًا، كاسيون ييغر؟”
من البطل المجنون إلى العجوز الخرف، كلّهم جنون.
تردّد الماركيز قليلًا عندما عانقته، مستمتعًا بادّعائي للخجل.
تمسّكت به بقوة، وأرسلت للبطل إشاراتٍ هستيرية بعيني.
أسرع! الآن!
“أتوسل إليك، أن تنظر إليّ بعين الرضا، ماركيز…”
“أسيـليا… آرغ—!”
استلّ البطل سيفه أخيرًا.
وعندما اخترق النصلُ جسد الماركيز وسط ضوء القمر، دفعتُ وجهه نحو الوسادة لأخنق صراخه.
عينا البطل الحمراوان، خلف القناع، اتسعتا.
لا تحدّق! استخدم ذراعيك، أيها الأحمق!
تخبّط الماركيز قليلًا، لكنه لم يلبث أن انهار فوقي كجثة بلا حياة.
“اترك يدي، أيها الغبي.”
مدّ البطل يده نحوي وكأنه يسحبني بعيدًا، لكنني رفضت.
راودتني فكرة مظلمة: هل ينوي قتلي أيضًا؟
لكن يبدو أن ما تبقى من شرف البطولة منعه من ذلك.
لم يوجّه سلاحه نحوي، بل تراجع بهدوء.
“أمامكِ عشر ثوانٍ.
اهرب. “
مسحت وجهي بدماء الماركيز لأبدو أكثر إثارةً للشفقة، ففهم البطل قصدي، واختفى من النافذة.
حان وقت عرضي المسرحي.
“كييييييياااااه!!
الماركيز!
يا ألهيّ!! الماركيز!!!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 1"