“لِمَ لَمْ تَخلدي إلى النّوم بعدُ؟”
“سمعتُ صوتَ الضّيوفِ عندَ قدومهم.”
تحرّكت روتي بقلقٍ وهي تقف أمام الباب، وقد انكشفت قدماها العاريتان من تحت طرفِ ثوبِ نومِها المُطرَّز بالدّانتيل.
“أمّاه، ستستقبلينهم، أليس كذلك؟”
لم يكن في وسع سيلين أن تعرف إلى أيِّ مدى كانت ابنتُها تُدرك ما يجري حولها، لكن حين وصلت العربات في تلك اللّيلة المتأخّرة، كان قدرُ روتي قد كُتِبَ بالفعل.
“نعم يا روتي.
سأصطحبكِ إلى فيرا الآن. “
ابتسمت سيلين برفقٍ ومدّت يدها نحو ابنتها.
رمقتها روتي بنظرةٍ متردّدةٍ قبل أن تضع يدَها الصّغيرة الدّافئة في كفّ أمّها.
تقدّمتا بخُطًى بطيئةٍ وهما تمسكان ببعضهما.
“سيّدتي.”
ظهرت فيرا فجأةً، وقد أيقظها الضّجيج، تبحث عن سيلين.
“فيرا، أرجوكِ اعتني بروتي.”
“حاضر، لا تقلقي.”
سلّمت سيلين طفلتَها إلى فيرا، ثمّ مضت مع إيلين نحو البهو الرّئيسيّ. كان هناك من ينتظر بالفعل.
“…”
لم يُعِر هايدر سيلين أو إيلين اهتمامًا، بل تقدّم بصمتٍ وفتح الباب الكبير. رمقته إيلين بنظرةٍ حادّة، غير أنّها لم تُجْدِ.
“ما زال هذا المكانُ كئيبًا كما عهدتُه.”
لم يكن أحدٌ قادرًا على منع هذا الضّيف من القدوم.
“…نُحيّي جلالتَك الإمبراطور.”
انحنت سيلين وإيلين وهايدر بانحناءةٍ رسميّة أمام الإمبراطور.
استقبلهم إمبراطور البلاد، هندريك، بتعبيرٍ فاترٍ خالٍ من الاهتمام.
لم يُلقِ عليهم سوى نظرةٍ سريعةٍ قبل أن يتقدّم إلى داخل القصر متّجهًا إلى قاعة الاستقبال.
وبينما كانت سيلين تلحق به، تقدّم أحدُ الخدم إليها وقدّم صندوقًا صغيرًا بين يديها.
“جلالتُه أرسل لكِ هذا.”
قالها بصوتٍ خفيضٍ تحت عباءته المقنّعة. همّت سيلين بأخذ الصندوق، لكن إيلين أسرعت وانتزعته.
“سأتولّى أمرَه.”
بدت على الرّجل رغبةٌ في الاعتراض، لكنّ نداءَ الإمبراطور الغاضب أسكته:
“ما الذي يؤخّركِ؟ اتبعيني!”
فأسرعت سيلين نحو القاعة دون أن تلتفت.
تردّد الرّجل قليلًا، ثمّ انسحب بصمت.
ما دام الإمبراطور داخل هذا المنزل، فلن يجرؤ أحدٌ على التقدّم نحوه سواها.
“مرّت أربعةُ أشهرٍ، أليس كذلك؟ منذ أن قضيتُ الشتاء في الفيلا؟”
قالها هندريك وهو يجلس بتعبٍ على مقعدٍ فخمٍ ويعقد ساقيه.
لم تعد سيلين تذكر إن مضى عامٌ منذ قدومها إلى شيرينغن أم أقلّ قليلًا، لكنّه كان يزور على فتراتٍ متباعدةٍ دون انتظام.
“نعم يا صاحبَ الجلالة.”
أجابته سيلين بهدوءٍ رسميّ. وكالعادة، لم يكن في الغرفة أحدٌ سواهما.
“الفيلا تفقد بريقها في كلِّ زيارةٍ جديدة.
ربّما آن الأوان لأبحثَ عن مكانٍ آخر.”
قالها بنفادِ صبرٍ وهو يُلوّح بيده بلا اكتراث.
التقطت سيلين الإشارة على الفور، وقدّمت له كأسَ النبيذ.
أمسكها وهو يُراقبها تصبّ له الشراب بانتباهٍ صامت.
“هل سمعتِ بخبرِ حملِ جوهانا؟”
سألها وهو يُحرّك النبيذ في كأسه ببطء، كمن يختبر ردّ فعلها.
جوهانا فييل بيرتان، أصغرُ بنات دوق فييل، وزوجتُه الثّانية، والإمبراطورةُ الحاليّة.
“قرأتُ ذلك في الصحف، مباركٌ لجلالتِك.”
أجابته سيلين بثباتٍ دون أن يتغيّر وجهُها أو ترتجف يدُها التي تحمل الزجاجة.
“ظننتُها عاقرًا، لكنّها أخيرًا حَبِلت.
هل تتصوّرين كم عامًا اضطررتُ لتحمّلها فقط لأنّها ابنةُ أحد أهمّ نبلائي؟”
قالها بامتعاضٍ وهو يرشف من كأسه، فاسترخى قليلًا.
“ولتكريمِ ميلادِ وريثِ الإمبراطوريّة المنتظَر، منحتُ دوق فييل هديّة.”
حين سمعَت سيلين كلمة (هديّة)، رفعت نظرَها نحوه بحذرٍ، فصدر منه صوتُ نقرٍ ساخرٍ وابتسامةٌ ماكرة.
“عائلة برايت.”
“عائلة برايت؟”
فتّشت سيلين في ذاكرتها.
إنّها العائلة التي جُرّدت حديثًا من ألقابها وأراضيها بعد أن اتُّهمت بمهاجمة مبعوثي تِيَان.
“كان الدوق يرغب في أراضيهم في راينلاند. يبدو أنّ عنبَ تلك التّربة مثاليٌّ لصناعة النبيذ.”
‘من أجلِ قطعةِ أرض؟ أهرقت الدّماء واعتديت على مبعوثي تيان لأجلِها؟’
لو قرّرت تيان الردّ عسكريًّا، لعجزت الإمبراطوريّة عن الدّفاع. لكنّهم راهنوا على أنّها لن تفعل.
عضّت سيلين باطنَ شفتيها لتكتم زفيرًا حادًّا.
غير أنّ صمتها لم يَرُق لهندريك، فقبض على معصمها بعنفٍ مخيفٍ حتى كادت تصرخ.
“اصدقي القول، وأنتِ تُربّين وريثًا لا يحمل دمًا إمبراطوريًّا، هل حقًّا تُسعِدكِ أن تكون الإمبراطورةُ حاملًا؟”
حدّق في وجهها بنظرةٍ ملوّثةٍ بالشكّ، فأجابته بثباتٍ لا يخلو من الكبرياء:
“نعم، يا صاحبَ الجلالة. فترسيخُ وراثةِ العرشِ أمرٌ يُسعد كلَّ رعيّةٍ في الإمبراطوريّة.”
“كذب.”
قهقه بازدراءٍ وأفلت يدَها بعنف. سحبت سيلين ذراعَها تؤلمها قبضتُه.
“وكيف حالُ الطفلة؟”
كان يقصد روتي.
ومع ذِكرِها، تغيّر وجهُ سيلين لحظةً قبل أن تستعيد سكونها.
“إنّها بخير. أنها طفلةٌ عاديّة، بطيئةٌ قليلًا في الكلام، وضعيفةٌ في الحساب.”
كانت تكذب.
كانت تعلم أنّ روتي أذكى بكثيرٍ من غيرها رغم قلّة احتكاكها بالأطفال.
“بطيئةٌ في الكلام؟ يا للأسف. لم ترث ذكائي إذًا.
أمّها كاستين كانت جميلة، لكنّها غبيّة.”
تابع ساخرًا: “ولذا، رغم دعمي لها، لم تجرؤ على المطالبة بحقّها، بل اكتفت بتلك الابتسامة الهزيلة التي جلبت لها سُخريةَ أمّي.”
ذاك الرّجل الذي بكى مرّةً على فقدِ محبوبته اختفى منذ زمن.
لقد صار طاغيةً متغطرسًا لا يعرف سوى القسوة والتسلّط.
رمق سيلين بنظرةٍ جانبيّةٍ جامدة، ثمّ وضع كأسَه على الطاولة بعنف.
“أليس من العسير تربيةُ طفلةٍ في هذا المكان المقفر؟ إن شئتِ، أستطيع أن أمنحكِ منزلًا في العاصمة، فقط اطلبي.”
“…”
“يمكنكِ أيضًا أن تعهدي بإدارة المِلك إلى قيّمٍ من اختياري.”
قالها وكأنّه يُغريها بالقبول.
“لا، يا صاحبَ الجلالة. أفضّل البقاء هنا.
لقد ألفتُ المكان.”
قالتها بهدوءٍ، غير أنّ وجهه انكمش غاضبًا.
“ألفتِ؟ لهذا البؤس؟ لقد تسرّبت رائحةُ الفقر إلى دمك!”
أطلق ضحكةً ساخرةً، ثمّ ثار فجأة ونهض غاضبًا.
“لهذا السبب لم تكوني يومًا تليقين بي!
عائلتُكِ الحقيرةُ لا تختلف عنكِ.
مجرّد تفكيري بأنّي تلطّختُ بمخالطتكم يثير اشمئزازي!”
انفجر غضبُه ثانيةً، فتراجعت سيلين بخوفٍ صامت. تجاهلها، وخطف زجاجة النبيذ ورفعها إلى شفتيه يشرب بشراهةٍ.
“اللعنة… لا شيء يُرضيني هُنا…”
انساب النبيذ على ذقنه، فمسحه بيده وهو يتمتم باضطراب. كانت نظراتُه زائغةً وقد غطّاها الخمر.
“الملاذُ الوحيدُ الذي وجدتُ فيه راحتي كان بين ذراعَي كاستين.”
بقيت سيلين صامتة. أمّا هو فأمسكَ كتفَيها بعنفٍ شديد.
“أنتِ، وتلك الطفلة التي أنقذتِها، دمّرتما حياتي!
هل تسمعين؟”
“آه!”
اهتزّ جسدُها النّحيل، وفقدت توازنَها لوهلة.
وحين رفعت رأسها، التقت عيناها بعينَين تراقبانها من خلف شقّ الباب الضيّق.
“…!”
تجمّدت نظراتُهما لحظةً، ثمّ هزّت سيلين رأسها نافيةً على عجل.
أدركت أنّه كان على وشك اقتحام الغرفة لانتزاعها من قبضته.
‘هذا مستحيل…’
لم يكن لدى لاسكا أيُّ سببٍ يدفعه لذلك، ومع ذلك، تولّد في داخلها شعورٌ غامضٌ لا يمكن تفسيره، إحساسٌ لم تستطع إنكاره.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات