بالكاد تمكن الكاهن لوميير من إخفاء اندهاشه من ردّة فعل البطل.
قال بنبرة رسمية: “أيها الدوق الشاب لوبسك، ما جرى يستحق احتفالًا كبيرًا من المعبد”
فأجابه البطل بهدوء: “الوضع لا يزال محفوفًا بالخطر، فما زلنا نجهل المتسبب في الحادثة…
كما أن انكشاف الأمر قد يعرّض لويل للخطر”
أومأ المدبّر تأييدًا، وعقّب بنبرة جدّية: “لوبسك على حق، يا لوميير”
ردّ الكاهن مترددًا: “سيدي…”
فأكمل المدبر حديثه: “إن أثَرنا ضجّة وخسرنا شخصًا يملك قدرة نادرة، فستكون خسارة فادحة للمعبد”
ساد الصمت لحظة، ثم أومأ الكاهن أخيرًا، وإن على مضض.
قال بهدوء: “حسنًا… سأُبقي الأمر طيّ الكتمان، آنسة لويل”
ردّت بصوت خافت: “آه… نعم”
قال وهو يستعيد شيئًا من حماسته: “سأتولى مهمة التحقق من العائلة التي تنتمين إليها.
وبما أني سبق أن أكدت وجود قوى إلهية لديك، فلن تكون المهمة عسيرة”
أجابت بهدوء: “أفهم…”
ابتسم مطمئنًا: “سأسعى لإحضار أخبار سارّة لك”
شكرته بامتنان، فيما كانت أفكاري تتلاطم داخلي.
هل تخلى والداي عني عمدًا؟ أم أن مصيبة قد فرّقتنا قسرًا؟
وحين شارفت جلسة التقييم على الانتهاء، التفت البطل إليّ وقال:
“لويل، كما ترين… قدرتك خارقة للعادة.
بل يمكن القول إنها تقف في وجه السحر الأسود ذاته”
“آه… نعم”
“وإن شاع أمر هذه القدرة، قد تقوم برج السحر باختطافك”
“وماذا لو فعلوا؟”
تنهّد ثم أجاب: “إنهم مولعون بالبحث العلمي”
في تلك اللحظة، راودتني فكرة سريالية: في إطارٍ كوميدي رومانسي، قد أتحول إلى عيّنة محفوظة في الفورمالين.
الخياران المتاحان أمامي: إما أن ألقى حتفي في حادث عمل، أو أن أُعامل ككائن غريب يخضع للفحص والدراسة.
شعرت وكأن الطريق أمامي مفروش بالأشواك، وكمَن لا يملك مفرًّا من عبوديته، استسلمت للأمر.
قلت: “هاه… سأوقّع عقد العمل”
في تلك اللحظة، تلألأت عينا البطل كمن تلقّى عرض زواج منتظر.
وعندما وُضع العقد أمامي، لم أملك سوى إطلاق تنهيدة طويلة.
لا أعلم ما الذي أفعله بعد الآن. ومع ذلك، كانت يدي المرتجفة ما تزال تمسك بالقلم.
“ليلي لويل”… لماذا يصعب عليّ كتابة هذا الاسم؟
سألني البطل باهتمام وقد اقترب مني: “لويل، هل تعانين من رجفة؟”
نظراتنا التقت مجددًا، عميقة، مشبعة بالتصميم، وكأنه عقد العزم على مرافقتي في الجحيم ذاته.
أما أنا، فكنت أشعر وكأنني أتشبّث بحافة هاوية، أقاوم السقوط قدر استطاعتي.
قال: “هل أساعدك؟”
أجبته سريعًا: “لا حاجة لذلك”
ابتعد، أرجوك.
في المقابل، وقّع شيموس عقده بلا تردد.
وفي لحظة، أصبحت عقودنا في يد المدبر، الذي علّق بابتسامة رضا: “هكذا نكون قد أتممنا تجنيد العناصر الجديدة”
وأضاف: “أتطلع للعمل معكِ، لويل… ومعك أيضًا، فينلي”
أما أنا، فحماستي كانت في الحضيض.
لقد فشلت في تحقيق خطتي الكبرى لعيش حياة مترفة دون جهد، وشعرت وكأن فيلًا قد دهس كل أفكاري.
تساءلت: هل أبدأ غدًا بنمط عمل فوضوي؟ قلت لنفسي: لا يمكنني التغيب، لكن هل يُسمح لي بالتأخر؟
العمل يبدأ عند التاسعة، سأصل في التاسعة والربع، وأمضي أول 45 دقيقة في احتساء القهوة.
لكن المدبر ابتسم وقال: “آنسة لويل، والسيد فينلي”
أجبنا معًا: “نعم؟”
قال مبتسمًا: “احتياطًا، ستبدؤون السكن في القصر مؤقتًا”
صُدمت: ما هذا؟!
عادةً، يُسمح بالإقامة لمن يبعد منزله عن العاصمة… لكن الملجأ قريب جدًا!
تابع حديثه بنبرة رسمية: “بما أنكِ تورطتِ في حادثة تتعلق بالسحر الأسود، فإن فرض الحراسة أمر لا مفرّ منه.
لا يصح أن تتسببي في إرباك الأطفال، أليس كذلك؟”
تمتمت بإحراج: “آه…”
بصراحة، لا يمكنني معارضته. تخيلي المكان يعجّ بالأطفال، فيما رجال الأمن ينتشرون بسببي…
لا حاجة للخيال، فالمشهد واضح جدًا.
سأل المدبر فينلي: “وماذا عنك؟”
فأجاب ببساطة: “أنا أعيش بالفعل في السكن”
يا للروعة… سنلتقي كل يوم من الفجر حتى المساء.
وقبل أن أستوعب الفكرة، بادر البطل بالقول: “بما أن الوضع خطير، سأمرّ لأصطحبك كل صباح”
ماذا قلت للتو؟!
مهما بلغ إخلاصك، أن تأتي كل صباح لأخذ مرؤوستك؟! هذا كثير!
نظرت إليه بذهول، فبادلني النظرة ذاتها بعينين متألقتين بالحسم:
“لويل، أظن أنه عليّ الذهاب معك لمكان إقامتك، أليس كذلك؟”
“أه… عليّ إبلاغ المديرة أولًا بما جرى…”
“حسنًا، فلنذهب سويًا”
“ماذا؟!”
“أنا مشرفك الجديد، ومن واجبي مساعدتك وتحمل مسؤوليتك”
لا بد أن هذا العالم الخيالي الرومانسي لديه فهم غريب لمعنى “المرشد”.
منذ متى يتدخل المشرف في ترتيبات انتقال مرؤوسه؟!
وفي مساء اليوم نفسه، رافقني البطل إلى مبنى الملجأ.
بصراحة، لم أرغب باصطحابه، لكن لم أملك طاقة لمقاومته.
ومع ذلك، هناك شيء واحد أطلبه…
قبل أن نترجل من العربة، قلت له بحزم:
“سأدخل أولًا لجمع أغراضي… يمكنك الدخول لاحقًا”
رفع حاجبه متسائلًا: “لم لا نذهب معًا من البداية؟”
أجبته ببرود: “سأناديك لاحقًا”
لا يمكنني السماح له برؤية الفوضى…
وليس خجلًا من الأطفال.
“أختي، عدتِ!”
“واو، الأخت ليلي رجعت!”
رغم أننا لا نشترك في الدم، لم أشعر يومًا بالخجل من هؤلاء الأطفال الذين رافقتهم منذ ما قبل استعادة ذاكرتي.
[مبروك على الوظيفة!]
[كما كنا نتوقع، الأخت هي الأذكى!]
[اوني=أختي الكبيرة بس كتبتها أختي]
هم الوحيدون الذين هنأوني من قلوبهم.
أما الكبار…
فهم من لا أريد أن يراهم البطل.
“ليلي!”
كانت المديرة ماي تتقدم نحوي مسرعة، وجهها محمر كأنها ستغلي بيضة فوقه.
“لمَ عدتِ متأخرة؟ أخبرتكِ أن تساعدي الأطفال في الاستحمام فور عودتك!”
“لكن المعلمات الأخريات…”
“أنهين دوامهن!”
عظيم… سأبدأ عملي حال وصولي، دون أجر إضافي.
عندما التزمت الصمت، عبست المديرة وقالت:
“كم هو راتبك؟ يجب أن تعطيني إياه دون أن أطلبه.”
“لم يُكمل الشهر بعد، ولا أعلم مقداره بالضبط…”
“لا تجادليني!”
حدقت بها بصمت.
أنا القديمة، قبل أن أستعيد ذكرياتي، كنت مطيعة دومًا.
كانت هذه المرأة “الوصيّة” عليّ.
تقاطع دراستي، وتكلفني بالأعمال، لكنها تطلب الامتنان والاعتراف.
[مديرة، فزت بجائزة!]
[حقًا؟ غيّري حفاضات الأطفال.]
[أريد التفرغ قليلًا للدراسة…]
[من لا يعرف كيف يدرس هو من يشتكي!]
كان الأمر مرهقًا، لكن هذا النوع من الأوصياء لم يكن الأسوأ، لأنه لم يستخدم العنف.
بل كانت توقظني فجرًا أو ليلًا لتكلّفني بمهام رفضتها المعلمات.
كل ذلك تحت شعار “رد الجميل”، دون شكر.
حتى الآن، لم تسأل عن صحتي، رغم ملامحي الشاحبة.
لكن هذه هي طبيعة العلاقات البشرية.
عليّ أن أشرح الوضع قبل دخول البطل، يجب أن أضبط ملامحي.
قلت: “مديرة، أريد إخبارك بشيء…”
لكنها قطعتني، وقد اتسعت عيناها واحمر وجهها.
ما الذي تنظر إليه؟ آه… لا بد أن البطل اقترب.
عندها، أدركت سبب رد فعلها.
فهو ببساطة… أجمل رجل في هذا العالم.
شعره الأسود ينساب مع النسيم، عيناه القرمزيتان، وملامحه المتناسقة.
وسيم، يفيض أناقة وهيبة.
همست لي بحماسة مكبوتة: “ليلي، من يكون هذا الرجل؟!”
“زميلي في العمل… من دوقية لوبسك الكبرى…”
“يا للعجب! ولماذا أتى إلى هنا؟!”
بدت وكأنها على وشك فقدان وعيها من شدة الدهشة.
كفى مبالغات…
إنه مجرد مشرف مهووس بالعمل.
قال: “لويل”
تمتمت مرتبكة: “أمهلني لحظة…”
قال بابتسامة: “عذرًا، لم أستطع الانتظار، فجئت إليك”
إنه الزميل الذي يجعل إتمام جملة واحدة مهمة مستحيلة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"