في اليوم التالي، استيقظ إيرن متأخرًا على غير العادة.
كان يشعر بثقل في رأسه وحالة مزاجية سيئة.
أمسك بجوديث، التي كانت تتحرك بنشاط منذ الصباح الباكر، وسألها بصوت متعب:
“هل جئتِ إلى غرفتي الليلة الماضية؟”
“الليلة الماضية؟
لا، كنت متعبة جدًا، فنمت مبكرًا.”
ردّت جوديث بنبرة صادقة.
لم تكن من النوع الذي يكذب في أمر كهذا، مما جعل إيرن يتساءل: ماذا حدث إذًا؟ هل كان مجرد حلم؟
استعاد شريط الليلة الماضية في ذهنه.
كان قد سمع صوت جوديث، ففتح الباب… لكن لم يكن هناك أحد.
أو لعلّه لم يفتح الباب أصلًا؟
ذاكرته كانت مشوشة، كما لو أنه أسرف في الشرب.
ربما كان حلمًا لا أكثر—أن يسمع صوتها، ويخرج من غرفته.
وأثناء انشغاله في التفكير، وضعت جوديث يدها على جبينه.
“ما الأمر؟”
“إيرن، أعتقد أنك مريض فحرارتك مرتفعة.”
“حرارتي مرتفعة؟”
أبعد يدها، ثم لمس جبينه، ثم جبينها هي.
كانت يدها باردة، بينما جبينه كان ساخنًا فعلًا.
“أعتقد أنك أصبت بالبرد.”
لم يحدث قط أن أُصيب بالزكام، حتى عندما كان يقف تحت المطر في عزّ الشتاء.
هل بدأ يضعف لأنه توقف مؤخرًا عن التدريب؟
لكن مهلاً… هل هو مجرد برد؟
“لا تلمسيني.”
سحب يده بسرعة عن جبينها، فتبدّى الارتباك على وجهها.
“أنت من بدأ بلمسي، أليس كذلك؟”
“قد تنتقل إليكِ العدوى.”
“بالطبع، لأنك مريض.”
“لا…”
مرر يده بين شعره في توتر، ثم أمسك برأسه الذي يؤلمه.
اللعنة… هذا بالضبط ما حذّر منه هنري.
مرض مجهول، لا يُعرف مصدره، ولا يوجد له علاج، سواء أكان عدوى أم نوعًا من الجراثيم الغامضة.
—
بدأ كل شيء بحمى خفيفة.
في البداية، كان إيرن يتحدث بشكل طبيعي مع هنري، الذي جاء لزيارته فور تلقيه الخبر.
“لا يبدو أنه وباء.
لم تُسجَّل حالات جديدة.
لكن، فقط احتياطيًا، كوني حذرة يا آنسة.”
سمعت القصة كاملة من هنري.
يبدو أن من اقتربوا من المومياء أو لمسوا جثتها، تلوّثوا بجراثيمها.
بعضهم مات، بينما آخرون لم يُصبهم شيء.
لذا أوصوا بالحذر.
“لكن الأمر غريب.
إيرن كان بخير… لماذا تدهورت حالته فجأة؟”
بحسب تقرير الشرطة، فإن جميع المصابين ظهرت عليهم الأعراض في اليوم ذاته.
لكن حمى إيرن بدأت متأخرة.
هل يعني هذا أنها ليست بسبب المومياء؟ ربما مجرد نزلة برد؟
لكن للأسف، كانت تلك مجرد أمنية ساذجة.
ففي اليوم التالي، اشتدت الأعراض.
كانت الحمى تتأرجح بين الارتفاع والانخفاض، أما وعي إيرن فلم يعُد.
“إيرن، هل أنت نائم؟”
“…”
لم يصلني أي رد.
فتحت الباب قليلًا. كان ممددًا على السرير دون حراك.
وضعت صينية العصيدة وخافض الحرارة على الطاولة، وعدتُ حاملة حوضًا من الماء البارد ومنشفة.
“يغلي… جسده يغلي تمامًا.”
لمست جبينه بحذر، وعضضت شفتَي من شدة الحرارة المنبعثة من جلده.
بهذه الحرارة، حتى شخص قوي كإيرن لن يصمد.
“ما نوع الجراثيم التي حملتها تلك المومياء؟”
كان الهدف هو دراسة جثة لم تتحلل، لكنها تسببت في وقوع ضحايا.
“…”
تنفّسه كان غير منتظم.
بدا غريبًا أن أراه ممدًا هكذا، وهو الذي لم يتغير تعبير وجهه حتى عندما طُعن بسكين مسمومة.
مسحت جبينه وعنقه بمنشفة مبللة.
لكن الحمى كانت شديدة، لا تنخفض حتى بالكمادات.
فتحت أزرار قميصه بحذر.
صدره الذي كان يعلو ويهبط بصعوبة، كان ساخنًا كالجمر.
تنزلق المنشفة من عنقه إلى صدره، ومن جانبه إلى عضلات بطنه.
“ما جدوى كل هذه العضلات؟ لا تستطيع حتى هزيمة الحمى.”
هل يجب أن أخلع سرواله أيضًا؟ وضعت يدي على فخذه.
حتى من فوق القماش، كان جسده دافئًا للغاية.
“…”
عليّ أن أخلعه.
أعلم أن الأمر يبدو منحرفًا، لكنني لا أفعل هذا لأي غرض خاطئ.
إنه لأجل علاجه.
لقد رأيت جسده من قبل.
الأمر ليس جديدًا.
وبالطبع، لا أنوي تعريته بالكامل.
فقط السروال… فقط هذا…
“ماذا تفعلين؟”
بمجرد أن لمست أطراف سرواله، أمسكت يده الساخنة بمعصمي.
حرارة بشرته اخترقت جلدي فورًا.
“لماذا في كل مرة أغيب فيها عن الوعي وأستيقظ، أراك تفعلين هذا؟”
كان صوته مخنوقًا بأنفاس ساخنة ومتقطعة.
“كيف لي أن أستريح وأمرض بسلام هكذا؟”
على الأقل، لا يزال حيًا بما يكفي ليمزح.
“ماذا تقول؟ أنا فقط أعتني بك.”
“أي ممرضة تبدأ بإزالة الملابس؟ هذا يُعد تحرشًا يا آنسة هارينغتون.”
“تشه، حتى وأنا أعتني بك…”
تمتمت باستياء، ورميت المنشفة في الحوض، ثم رفعت صينية الطعام.
“إن كنت قادرًا على المزاح، فتناول هذه العصيدة.”
جلس إيرن بصعوبة، وأسند ظهره إلى السرير، وكأن الحركة تستهلك منه طاقة هائلة.
تأمل العصيدة الدافئة بلا اهتمام.
لم يكن لديه شهية، ولا حتى الرغبة في التذوق.
ومع ذلك، أمسك بالملعقة.
لم يستطع تجاهل اهتمام جوديث، التي أعدت له الطعام رغم انشغالها بكل ما حولها.
كانت العصيدة لطيفة في فمه، بطعم مقبول، وهو أمر نادر هذه الأيام، حيث بات كل شيء كالرمال.
لكن رغم ذلك، قال بصوت أجش:
“طعمها سيئ.”
“ومن قال إن العصيدة تؤكل من أجل الطعم؟ هي تؤكل لتبقى حيًا.”
لم تكترث جوديث لتذمره، فهما لم يعتادا المجاملات الرقيقة.
“كُلها، ثم تناول الدواء.”
“ولماذا؟”
لماذا؟ هل يحتاج المريض إلى تفسير ليأخذ دواءه؟
نظرت إليه بدهشة.
“ألن يكون من الأفضل لكِ، آنسة هارينغتون لو متُّ؟”
حتى إيرن لم يفهم سبب قوله.
ربما أراد القليل من الدلال.
لكنه في أعماقه، كان يتساءل…
في وضع كهذا، جوديث ستكون الرابحة إن مات: لا طلاق، لا نفقات، وستحتفظ بكل العائد من بيع القصر.
بمعنى آخر، بقاؤه حيًا يعني خسارتها.
فلماذا تفعل كل هذا لأجله؟ وهي التي تكره الألم أكثر من الموت؟
“أظن أنه يستحق البقاء حيًا… طالما العصيدة مليئة بالحبوب.”
ظنت جوديث أنه يمزح، فتجاهلت كلماته.
“خذ الدواء.”
“…”
“هل هو مرّ أم حلو؟ يقولون إن الدواء النافع غالبًا ما يكون مرًّا.”
“لم أسمع هذا من قبل.
هل اختلقتِه للتو؟”
“ألا يوجد هذا المثل هنا؟”
هزّت رأسها، ثم أزاحت الصينية.
بدأ تأثير الدواء يظهر على إيرن، وعيناه تغلقان ببطء.
“انتظر، إيرن.
بدّل ملابسك، ثم نم.”
كانت المنشفة قد بللت قميصه.
لم تكن قادرة وحدها على مساعدته في تغييرها.
حاول خلع القميص بصعوبة، ومال بجسده مبتعدًا عنها.
“أأنتِ متأكدة أنكِ لا تختلقين الأعذار لإشباع رغباتك؟ لا يُفعل هذا بمريض.”
جزّت جوديث على أسنانها وهي تراقبه يتجرد من قميصه.
“أيمكنك فقط لفّ نفسك بالبطانية؟!”
—
هل هذه هي “كثرة الكلام دون أفعال”؟
تذمّر من مرارة الدواء، ثم غرق في النوم.
بات وقت يقظته ينكمش يومًا بعد يوم.
رفعت الحوض، ونهضت.
“كم أن أكمامي مبتلّة.”
كنت أبلّل المنشفة مرارًا، حتى تبللت ملابسي.
ذهبت لتبديل ثيابي.
“ماذا كنت تقصد، إيرن؟”
ألن يكون من الأفضل لكِ لو متُّ؟
عادةً ما يمزح بهذه الطريقة، لكن في ظل هذه الظروف… بدا كأنه يوصي بشيء ما.
وخزني شيء في صدري.
لم أعد واثقة إن كان جادًا أم لا.
حين عاد إيرن إلى الحياة أول مرة، لم أكن سعيدة.
بسبب عودته، اضطررت لتقاسم المال الناتج عن بيع اللقب والقصر، والذي ظننته لي وحدي.
لكن الآن، لو سألني أحد إن كنتُ ما زلت أظن أن موته أفضل…
“لا أعلم.”
ربما سيكون من المحبط اقتسام ثمن القصر لاحقًا، لكنني لم أتمنّ موته مرة أخرى منذ ذلك اليوم.
لا، لا أريد أن يموت.
في لحظة ما، اعتدت العيش مع إيرن.
نستيقظ صباحًا، نتشاجر، نأكل معًا، ونتقاسم المهام.
لو مات، سأبقى حيّة، لكنني سأأكل بصمت، وأعيش دون أي ضحكة.
ربما يبدو الأمر بسيطًا، فقد اعتدت هذا طوال حياتي، لكن مع ذلك…
“لا أريد أن يموت إيرن.”
هذا هو شعوري الحقيقي.
ربما كان عليّ قول ذلك له، أن أخبره بحقيقة مشاعري…
“أوه… أوه…”
لكن، مجرد تخيل قولها يبدو غريبًا.
مستحيل أن أتفوه بكلمات كهذه.
حككت ذراعي بلا سبب.
في اللحظة التي نهضت فيها لأطفئ الشموع وأعود إلى غرفة إيرن—
“هيييييييينغ—”
صهيل عالٍ لفرس في الحديقة.
“انظر إلى هذا الحيوان المدلل، يأكل طعامًا باهظًا ويسهر بلا سبب.”
ليس من الطبيعي أن تسهر الخيول… فلم لا ينام؟
تنهدت، واتجهت إلى النافذة لأطمئن، خصوصًا أن ذلك الحصان ثمين للغاية.
“ما القصة؟ لماذا يصهل عندما يراني؟”
الأمر غريب.
في تلك اللحظة، أملت رأسي.
طق طق.
طرقات على الباب.
طق طق.
لا أحد يطرق باب هذا القصر.
التعليقات لهذا الفصل " 35"