إن كان ذلك من أجلكِ، فلا بأس أن أكون الشريرة - 1
كانت روزالين، شقيقة ليليث الصغرى،
فتاة أشبه ببطلات الروايات الرومانسية.
فتاة جميلة ولكن مريضة، زهرة متألقة من عائلة دوقية بلين.
كانت خصلات شعرها البلاتيني، التي تشبه ضوء النجوم،
تنساب دائمًا برقة، ووجنتاها المتوردتان بلطف كانتا تشعّان إشراقًا مثل زهرة متفتحة حديثًا.
بحلول عامها السادس عشر، أصبحت روزالين تتمتع بجمال آسر يفوق الكمال.
كانت روزالين تجمع بين الرقي والكرامة النبيلتين،
إلى جانب براءة طفولية تأسر القلوب.
وحتى مع سنوات المرض الطويلة التي عاشتها،
لم تفقد ابتسامتها أو لطفها، مما جعلها أكثر تميزًا.
الجميع أحبوا روزالين، وهي بدورها أحبت الجميع.
كانت بوضوح بطلة هذا العالم.
وربما لهذا السبب، أساء الناس فهم ليليث، واعتقدوا أنها
“شريرة شائعة في الروايات التقليدية تغار من أختها”.
لكن ذلك لم يكن يهمها. لأنها، بكل صدق، كانت تحب أختها الوحيدة.
كانت ليليث على استعداد لفعل أي شيء من أجل روزالين.
لم تغر منها أبدًا ولم تحاول إيذاءها ولو لمرة،
حتى لو أساء الآخرون الفهم. بالنسبة لها،
كانت تلك الأوهام مجرد انعكاس لحسدهم تجاهها بسبب وجود روزالين كأخت لها.
كل ما كان يحدث كان بسبب حب الناس الكبير لروزالين،
ولم يكن ذلك يعني شيئًا ما دامت روزالين سعيدة. لذا، لم تكن سمعتها تهمها أبدًا.
إلى أن جاء ذلك اليوم…
عندما قدمت روزالين ذلك الرجل لأول مرة، لم تستطع ليليث قبول الأمر على الإطلاق.
“أختي، رحّبي به. هذا صديقي الجديد.”
عندما عادت ليليث إلى المنزل بعد فترة طويلة من إنهاء دراستها في الأكاديمية،
وجدت بجانب روزالين شابًا غريبًا لم تره من قبل.
كان شابًا وضيعًا، أشبه بكلب قتال في ساحة تحت الأرض.
عبدٌ وضيع خرج من حياة البؤس، بلا قيمة سوى وجههِ الجميل.
لم يكن في أي حال من الأحوال مناسبًا لروزالين.
لأول مرة، أعربت ليليث عن رفضها القاطع تجاه قرار اتخذته شقيقتها.
لم يكن من الممكن أن تبقي رجلًا غامضًا وخطيرًا بجانب أختها العزيزة.
لكن روزالين كانت مصرة على إبقاء ذلك الرجل بجانبها.
وفي النهاية، لم تستطع ليليث التغلب على عناد أختها وسمحت له بالبقاء.
لكنها لم تستطع تقبله.
حتى بعدما أدركت مع مرور الوقت،
أن الرجل لم يكن سيئًا أو خطرًا كما توقعت، لم يتغير شيء بالنسبة لها.
“لدي شخصٌ أحبه. ورغم أنه حبٌّ من طرفٍ واحد،
فقد عاهدت نفسي منذ وقت طويل على حمايته.”
عندما سمعت اعترافه العاطفي هذا، لم يجعلها ذلك أكثر قبولًا لوجوده بجانب أختها.
لكن لسوء الحظ، وبعكس ما كانت ترغب،
ازدادت العلاقة بينهما عمقًا.
ورغم إنكارهما المتكرر، انتشرت في القصر شائعات عن كونهما عاشقين.
كان الناس يصفون قصتهم وكأنها مقتبسة من رواية رومانسية،
فتاة نبيلة جميلة ولكن مريضة، وشاب وسيم كان عبدًا أنقذته.
إذا كانت هذه القصة رواية حقًا، وكان العالم يعتبر روزالين بطلتها،
فإن النهاية ستكون بلا شك اتحاد حبهما في النهاية.
لكن ليليث شعرت بالاشمئزاز.
لذلك، في اليوم الذي سمعت فيه إشاعة عن احتمال هروب الحبيبين معًا تحت جنح الليل، فكرت ليليث في أمرٍ واحد فقط.
عليّ أن أقتلَ ذلك الرجل.
***
الإمبراطورية في حربٍ مع التنين الناري منذ زمنٍ بعيد.
استمرَّت هذه الحرب لعشرات السنين، وما زالت بلا نتيجة حاسمة.
وكانت العائلات النبيلة مُلزمة بإرسال فرسانٍ للمشاركة في الحرب.
ولم تكن عائلة دوقية بلين، التي تنتمي إليها ليليث وروزالين، استثناءً من ذلك.
بدا القتال ضد التنين الناري شرفًا عظيمًا،
لكنه كان في الحقيقة أشبه بموتٍ محقق.
لذا، اختارت بعض العائلات التي تمتلك الموارد الكافية تجنّب التضحية بأهم قواتها عبر تبنّي أبناء أو شراء فرسانٍ من أراضٍ أخرى لتجنّب إرسال رجالها الأساسيين.
عندما أخبرها والدها، دوق بلين، أنه يجب عليها اختيار فارسٍ لإرساله إلى الحرب،
أدركت ليليث أن الفرصة قد حانت أخيرًا.
في صباح اليوم التالي، استدعت ليليث ذلك الرجل على الفور.
“سأمنحك لقب فارس، وعليك أن تذهب للحرب من أجل العائلة.”
“إذا قبلت هذا العرض، فستتحرّر من وضعك الوضيع.
ستصبح ابنًا متبنى لعائلة نبيلة، وفارسًا معتمدًا. وإذا عدت حيًا،
فسأحقق لك أمنيتك، حتى لو كانت الزواج من روزالين.
أنت ماهرٌ في فنون السيف، وستتمكن من تحقيق إنجازات كبيرة.”
لكن الحقيقة كانت مختلفة؛معدل النجاة في تلك المعارك لم يتجاوز النصف،
بل أقل من ذلك بكثير.
لحظة استماعه لهذه الكلمات، شحب وجه الرجل لوهلة،
لكنه استعاد هدوءه.
“إذا كان هذا هو ما ترغبين فيه، فسأطيعُ أمركِ.”
كان هذا الجواب كافيًا بالنسبة لليليث. لم تفكر في الأمر أكثر.
ومنذ تلك اللحظة، انطلق كل شيء بسلاسة.
أصبح الرجل ابنًا متبنى لبارون ماير، أحد أتباع عائلة الدوقية،
وتلقّى لقب فارس. حصل على اسمٍ جديد، زينون ماير.
وبعد ترتيبه ليبدو لائقًا كفارس، بدا الرجل مناسبًا بالفعل لدوره الجديد.
لحسن الحظ أو لسوئه، كانت روزالين طريحة الفراش بسبب تدهور حالتها الصحية،
ولم تكن قادرةً على مغادرة سريرها.
بينما كانت غائبة عن الوعي،
بدأت خطة إرسال الرجل إلى الموت تتقدّم بخطوات ثابتة.
لم يعد هناك رجوع.
وأخيرًا، جاء يوم رحيله. وعندما أدركت روزالين ما يحدث،
خرجت مسرعة، حافية القدمين وترتدي ثياب النوم، لتمسك به.
مشهد الفتاة الجميلة والمريضة وهي تبكي وتعانق حبيبها أثار قلوب جميع الحاضرين.
بكى خدم القصر متأثرين بقصة الحب الحزينة،
بينما انتقد البعض ليليث قائلين:”تلك الشريرة تغار من أختها! لقد فرّقت بين عاشقين بلا رحمة.يا لها من امرأة قاسية القلب وعديمة الإحساس!”
لكن ليليث لم تهتم. كانت مستعدة لتصبح الشريرة إذا كان ذلك من أجل روزالين.
بالنسبة لها، كانت علاقة روزالين بذلك الرجل أشبه بالسم.
لم يكن يجب أن يكونا معًا أبدًا.
ورغم أن حكمها كان أنانيًا، إلا أن ليليث لم تشك ولو للحظة أنها كانت على خطأ.
بل إن وصفها بأنها عديمة الرحمة والقلب البارد كان يحمل بعض الصواب.
حتى ليليث نفسها شعرت أن كلمة “شريرة” تناسبها.
لم تكن تلك الإهانة تؤثر فيها على الإطلاق.
“أختي، لا تفعلي ذلك… زينون… إنه… إنه لا يحبني. كل ما يريده هو مجرد…”
بعدما رحل زينون واختفى عن الأنظار تمامًا،
سقطت روزالين باكية في حضن ليليث.
كانت تبكي دموعًا كحبات اللؤلؤ، تهذر بكلماتٍ مبعثرة،
و صوتها مختنق بالبكاء، حتى أن أحدًا لم يستطع فهمها، بما في ذلك ليليث.
كل ما فعلته ليليث هو أن تربّت على ظهرها بصمت،
حتى انهارت روزالين تمامًا وأغمي عليها.
***
مهما كان الحب عظيمًا، فإنه يُنسى مع مرور الوقت.
مرَّ عامٌ كامل. روزالين لم تعد تبكي عندما تتذكَّر حبيبها السابق.
مرَّ عامان. عادت الابتسامة إلى وجه روزالين،
وأصبحت أحيانًا تُبادل الآخرين النكات وتضحك معهم.
مقارَنةً بالأيام التي كانت تنهار فيها بلا سبب، أصبح جسدها أكثر قوةً وصحة.
مرَّت ثلاثة أعوام. روزالين لم تعد تنطق باسمه حتى بالخطأ.
سواء كانت لا تزال تفتقده في ليالي الأرق، أو قد نسيته تمامًا،
لم يكن أحدٌ يعرف ذلك، لكن على الأقل مظهرها الخارجي كان يُوحي بأنها بخير.
حينها فقط، شعرت ليليث بالاطمئنان.
نعم، مهما كانت المشاعر متوهجة،
فهي في النهاية مجرد حُبٍّ بريء بين مراهقين.
لقد تجاوزت روزالين أول تجربة انفصال في حياتها بنجاح.
ربما يُمكن وصف ذلك بالنضوج.
وبينما شعرت ليليث بالأسف تجاه الرجل،
إلا أنها اعتبرت ما حدث “تضحية لا مفر منها”.
ودعت له بالراحة والسلام في النهاية.
ربما كان لا يزال حيًا، لكن ذلك لن يُغيّر شيئًا.
هو لن يعود.
بالطبع، لم يكن هناك أي ندم.
ومرَّت أربعة أعوام أخيرًا.
في ذلك العام، كانت روزالين تستعد لأول ظهورٍ لها في المجتمع الراقي.
رغم أن الظهور الأول في عمر العشرين كان يُعتبر عمرًا متأخرًا بعض الشيء
وفقًا لمعايير الإمبراطورية، إلا أن الجميع كانوا على درايةٍ بحالتها الصحية،
ولم يجد أحد الأمر غريبًا.
على العكس،
كان الجميع في المجتمع يتطلعون بشوقٍ لرؤية الابنة الصغرى لعائلة دوق بلين.
رغم مرضها الذي أبقاها داخل المنزل أغلب حياتها،
كانت شهرتها بجمالها قد انتشرت في أرجاء الإمبراطورية.
“أختي، كيف أبدو؟ هل أبدو غريبة؟”
روزالين، التي زينت نفسها من أجل حفلة ظهورها الأول،
كانت أجمل من أي شخصٍ آخر في العالم.
رغم أنها بدت غير مرتاحة بسبب المكياج الذي وضعته للمرة الأولى،
إلا أنها في نظر ليليث كانت رائعة بلا عيوب.
شعرت ليليث بسعادةٍ غامرة؛ فقد كان من الواضح أن روزالين ستكون نجمة الحفل اليوم.
“روزالين، لقد كبرتِ الآن. أعتقد أنكِ مستعدةٌ للزواج.”
رغم أنها حاولت التظاهر بأن الأمر عادي،
إلا أن جزءًا من قلبها لا يزال يشعر بالذنب لأنها فرَّقت بين روزالين والرجل.
يُقال إن الحب القديم يُنسى بحبٍ جديد.
إذا التقت روزالين بشخصٍ جيد، فستتمكن من نسيانه تمامًا.
لكن روزالين ردّت بشفاهٍ مزمومة:
“لا أريد! سأعيش معكِ طوال حياتي!”
ضحكت ليليث على هذه الكلمات الطفولية التي أطلقتها أختها،
غير قادرة على تمالك نفسها.
لكن في تلك اللحظة، قطع طرقٌ على الباب وقتهما.
عندما فتحت ليليث الباب، وجدت كبير الخدم واقفًا هناك، وجهه شاحب.
“الآنسة الكبرى، هناك أمرٌ عاجل. أرجو أن تخرجي للحظة.”
على الفور، شعرت ليليث أن هناك شيئًا سيئًا قد حدث.
تركت روزالين بمفردها في الغرفة، وخرجت إلى الممر.
وكما هو الحال دائمًا، كان إحساسها السيئ في محله.
“زينون ماير قد عاد.”
الرجل عاد… كبطلٍ قطع رأس التنين الناري.