4
– يونسان: الحاكم.
الفصل الرابع
نظر دو تشون حوله في المنزل وهو يتنفس بصعوبة وعجلة. كان المنزل يتكون من غرفتين وحمام، وفي الفناء الخلفي كان هناك مستودع كبير وآخر صغير. من خلال الباب المفتوح على مصراعيه للمستودع الكبير، رأى مكتبًا واسعًا ولوحة مفاتيح إلكترونية موضوعة فوقه. يبدو أنها ستعلم العزف على البيانو هناك. تخيل دو تشون المشهد في ذهنه، الأصوات الموسيقية وهي تملأ المكان.
“شكرًا لك.”
“لا داعي لذلك.”
رد دو تشون على شكر المرأة بصوت خشن، وهو يحاول تهدئة نفسه مع سعال زائف. ثم أضاف، وهو ينظر إليها بعينين مترددتين: “لكن، هل ستفتتحين حقًا أكاديمية لتعليم البيانو هنا؟ تبدين صغيرة السن، وكأنكِ لا زلتِ في مرحلة التعلم.”
نظرة المرأة الهادئة والثاقبة جعلته يدرك فورًا أنه قال شيئًا أحمق. شعر بالحرج، وأسرع يلوح بيديه محاولًا تصحيح الموقف: “لا، ليس المقصود أن أقلل من شأنك، أعني فقط…”.
لكنها استدارت فجأة، وقطعت كلامه بحركتها السريعة. توجهت بخطوات واثقة نحو المستودع الكبير. دو تشون، الذي كان يحدق في ظهرها، وجد نفسه يتبعها بخطوات مترددة دون تفكير. كانت خطواتها تحمل نوعًا من الجاذبية التي سحبته خلفها.
فجأة، سمع صوت “دينغ” خفيف. صوت يشبه البيانو، لكنه أخف قليلًا، يحمل نبرة إلكترونية. ثم بدأت نغمة موسيقية تنساب في المكان، كأنها موجة رقيقة تملأ الفضاء. دو تشون اتسعت عيناه دهشةً وهو يستمع إلى النغمات المألوفة التي تتدفق بسلاسة وأناقة.
بدأت النغمات ببطء، ثم أخذت تتسارع تدريجيًا بنسق إيقاعي متناغم. كانت النغمات تارة خفيفة كأنها تدغدغ الجلد بلطف، وتارة أخرى قوية ومثيرة، تخترق أذنيه بعمق وتثير مشاعره. لم يكن يعرف شيئًا عن البيانو، لكنه شعر أن ما يسمعه استثنائي.
من خلال النافذة، رأى وجهها المركز وهي تعزف. كانت ملامحها تعكس انغماسًا كاملًا في الموسيقى. أصابعها تتحرك بسرعة مذهلة، كأنها جزء من آلة دقيقة. أذهله هذا المشهد، وشعر بالإعجاب يتسلل إلى قلبه.
لكن العزف توقف فجأة. نهضت المرأة من كرسيها، وتوقفت عن العزف دون مقدمات. دو تشون، الذي كان مسحورًا بعزفها، رمش بعينيه بدهشة وسأل: “لماذا توقفتِ؟ لمَ لا تكملين؟”.
ردت بهدوء: “ظننت أنك قد تشعر بالملل.”
“ملل؟! لا، إطلاقًا! كان ذلك رائعًا حقًا. أنا عادة لا أسمع سوى موسيقى التروت، لكن صوت البيانو هذا… كان مذهلاً!”.
هز رأسه بقوة، محاولًا إقناعها. لاحظ أن شفتيها ارتسمت عليهما ابتسامة خفيفة. كانت تدلك مفاصل يديها بحركات هادئة، وهو لم يستطع أن يرفع عينيه عنها. فجأة، اندفع يقول بنبرة عفوية: “هل يمكن لشخص لا يعرف شيئًا عن الموسيقى أن يتعلم؟”.
نظرت إليه بدهشة، وكأنها لم تتوقع السؤال. شعر بالإحراج، وبدأ يحرك عينيه في الفراغ. ثم سمعتها تهمهم وتضع ذراعيها متقاطعتين:”لا أستطيع تدريس الأشياء الصعبة. أنا، كما قلتَ، لا زلت في عمر التعلم.”
ضحك بحرج، وشعر بقلحة: “آه، حسنًا…”.
لكنها ابتسمت فجأة، وكشفت عن أسنانها الأمامية البارزة قليلاً. هذا المشهد جعله يبتسم بدوره. ثم سأل: “كم الرسوم الشهرية؟”.
رفعت حاجبها، مندهشة: “هل ستتعلم حقًا؟”.
“نعم، لمَ لا؟ في الريف لا يوجد الكثير لفعله. صوت البيانو رائع، وهذا النوع من الموسيقى الراقية لا نسمعها كثيرًا، لذا… شعرت أنها فرصة جيدة.”
كاد أن يضيف “والمعلمة جميلة أيضًا”، لكنه لم يكن أحمقًا ليقول ذلك. توقّع أنها ستفرح لأنه ربما يكون أول طالب لها، لكن تعبير وجهها لم يتغير كثيرًا. فقط تحركت شفتاها قليلاً، وارتفع زاوية فمها بابتسامة خفيفة.
قالت: “أنت أول طالب لي. أرجو أن نعمل معًا بشكل جيد.”
رد بحماس: “أنا من يجب أن يقول هذا. اسمي سونغ دو تشون.”
ردت بهدوء: “أنا غو نانا.”
“يا له من اسم لطيف! هل لقبكِ… بانانا؟”.
كان تصرفًا تلقائي منه غافلًا تمامًا. حاول تجاهل ابتسامتها المكتومة، وتنهد بصمت، ضاحكًا في الفراغ. شعر برغبة في البكاء من الحرج.
***
دخلت نانا الغرفة وهي تجفف شعرها المبلل بمنشفة. الجو لطيف الآن، لكن مع اقتراب الشتاء، ستحتاج بالتأكيد إلى مدفأة. الشيء الجيد الوحيد هو أن الكهرباء تعمل بشكل جيد. نظرت إلى المصباح الفلوريسنت الذي يضيء بقوة. كانت قد أعدت شموعًا وولاعة ومصباحًا يدويًا للطوارئ، لكن يبدو أنها لن تحتاجها. مع ذلك، كان المصباح اليدوي مفيدًا جدًا عند ذهابها إلى الحمام ليلاً.
على الرغم من استعداداتها، كانت تشعر بعدم الراحة في كل شيء. القلق من قدرتها على التأقلم مع هذا المكان الجديد كان يثقل كاهلها. الليلة الماضية، أول يوم لها هنا، بالكاد استطاعت النوم، مما جعلها تشعر بالإرهاق الشديد. ومع ذلك، كانت في حالة تأهب عجيبة، كأن عقلها يرفض الراحة.
لا زالت رائحة الرطوبة تعبق المكان. فتحت النافذة نصفها، تاركة شبكة الحشرات في مكانها، وأشعلت شمعة لتحاول تحسين الجو. كانت تأمل أن يصبح المكان مألوفًا قريبًا برائحة الحياة.
– “لا تقلقي، قريتنا مثالية للعيش بمفردكِ. على عكس المدينة، الكل يعرف بعضهم، لذا إنها آمنة.”
تذكرت فجأة صوتًا منخفضًا سمعته، فتجمدت أكتافها.
مقارنة بالمدينة، الأمن هنا ضعيف للغاية. كانت قد أغلقت الباب الحديدي بالقفل، لكن الجدار منخفض، ويمكن لأي شخص أن يدخل إلى الفناء بسهولة. الباب الزجاجي المنزلق الكبير لم يوفر حماية حقيقية، فبإمكان أي شخص كسره إذا أراد. إغلاق القفل لم يكن له معنى كبير.
لم يكن هذا الوضع غريبًا تمامًا على نانا. حتى المرحلة الثانوية، عاشت في غرفة صغيرة بلا حدود واضحة مع الجيران. في ذلك المكان، لم يكن هناك شيء اسمه الخصوصية. الجميع يعرف متى تدخل البيت، متى تذهب إلى الحمام، حتى متى ينام الزوجان معًا. الأبواب هناك كانت من خشب قديم، يمكن تحطيمه بركلة واحدة. كلما شعرت أن ذلك العالم الضيق يشبه تابوتًا مصممًا لها، كانت تراودها الكوابيس.
هزت رأسها لتطرد هذه الأفكار المزعجة، وواصلت تجفيف شعرها بحركات آلية. وجهٌ وسيم، لكنه مخيف بطريقة ما، ظهر في ذهنها وهو يبتسم.
“…السيد الشاب.”
عندما رأت المنزل الفخم الذي لا يتناسب مع الجزيرة، ورأت حتى رئيس القرية، رجل مسن، ينحني أمامه، أدركت بسهولة مكانة هذا “السيد الشاب” في هذه الجزيرة. في كل مجتمع مغلق، هناك دائمًا شخص يقود القطيع. السؤال هو: أي قوة يستخدم للسيطرة؟.
الذكاء البارع أو الفضيلة؟ تلك أشياء توجد في الكتب فقط. في الواقع، عادةً ما تكون إما المال أو إما العنيف. البشر الذين عرفتهم نانا كانوا، في معظمهم، أقرب إلى الحيوانات غير المتطورة، يحلون كل شيء بالطريقة الأكثر بدائية.
في هذه الحالة، كان المال على الأرجح. كان يسيطر من خلال توفير الراحة لسكان الجزيرة. تذكرت رجلاً متهمًا بالسرقة، مضروبًا حتى سقط عاجزًا عن الوقوف، فتجعد جبينها.
الجزيرة تحت سيطرة يونسان. هو الملك، وهو القانون.
هل تستطيع تحمل هذا؟.
شعرت بدوخة، فأطفأت النور واستلقت. كانت مرهقة للغاية بسبب كل ما يشغل عقلها، لكن جسدها رفض النوم. بعد أن أبقت عينيها مغلقتين لفترة، فتحتهما وهي تتقلب في الفراش. فجأة، توقف بصرها.
هب نسيم من النافذة المفتوحة، فتأرجح لهب الشمعة. خلف الظلال المتماوجة، بدا أنها سمعت صوتًا.
كانت نانا تعرف جيدًا صوت الخطوات الحذرة التي تحاول إخفاء نفسها. في لحظة، شعرت بكل شعرة في جسدها تنتصب كحيوان يستشعر خطرًا.
رفعت الغطاء بهدوء، ونهضت.
الخطوات لا تزال بعيدة. في ليلة غير هادئة، لربما لم تسمعها. لو كانوا مجرد فضوليين يتجسسون، لكانت اعتادت عليهم خلال اليوم ونصفه الأول. إذا كانوا يراقبون فقط ويمضون، فهذا شيء يجب أن تتأقلم معه.
الباب الحديدي الضعيف مغلق بالقفل. ما كان يجب أن تنتبه له هو صوت أي شخص يتسلق الجدار. الجدار ليس مرتفعًا، لكنه يتطلب بعض الجهد لتسلقه، مما يعني أنه سيكون هناك ضوضاء.
في صمت الليل، سمعت صوت “أنين” خافت مع قفزة فوق الجدار. في لحظة، التصقت نانا بالجدار بسرعة. في الزاوية، كان هناك عصا طويلة.
مدت يدها، وشعرت بملمسها الخشن، وهي تُركز أذنيها.
ليسوا عدة أشخاص، بل شخص واحد فقط. أو ربما يكون كشافًا. المتسلل توقف، كأنه يراقب الشمعة المتأرجحة ليتأكد من حركتها.
كانت التوتر يملأ الغرفة، كأن شيئًا سيحدث في أي لحظة.
بعد لحظات من التوقف، بدأت الخطوات تقترب ببطء نحو الشرفة.
أمسكت نانا العصا بقوة. الباب بدأ يُفتح ببطء.
دخل ظل أسود، وما لبثت أن دوّت صرخة مدوية في الجزيرة بأكملها.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 2025-07-30
- 5 2025-07-30
- 4 2025-07-30
- 3 2025-06-16
- 2 - 2 - الحاكم 2025-06-12
- 1 - 1 - الحاكم 2025-06-12
التعليقات لهذا الفصل " 4"