كان واضحًا ما كانت تتوقّعه، لكن كان لديّ سؤالٌ أردتُ طرحه حتّى لو كسر ذلك الأجواء.
“بخصوص جلالة الإمبراطور…”
“ما به جلالته؟”
“هل من المناسب إحضار شخصٍ يبدو على وشك الموت إلى هنا؟ هل هو حقًا ابنه؟”
عند سؤالي، فتحت والدتي فمها ورمشت بعينيها ببطء.
“ما الذي تقصدينه؟”
كانت والدتي مندهشة من أنّ انطباعي الأوّل عن وليّ العهد كان هكذا.
لكن، وأنا أنظر إلى وجه وليّ العهد، لم يخطر في ذهني سوى هذا الانطباع.
“إذا لُمسته برفق، يبدو أنّ عظامه ستنكسر.”
كلّما نظرتُ إلى وليّ العهد بعناية، زاد دهشتي.
“كيف يمكن لشخصٍ يُفترض أن يكون طريح الفراش أن يسير هكذا؟”
شعره الذّهبيّ الذي يشبه شعر الإمبراطور كان متدليًا بلا حياة، على عكس والده، وعيناه الذّهبيّتان كانتا باهتتين كأنّ النّور قد انطفأ منهما.
كانت خدّاه غائرتين بلا لحم، وتحت عينيه كانت هناك هالاتٍ سوداء داكنة.
بين طيّات ملابسه، كان معصمه النّحيل يظهر عظامًا بارزة، وكانت ساقاه ترتجفان بتردّد مع كلّ خطوة، كما لو كانا غزالًا حديث الولادة.
سمعتُ أنّ وليّ العهد يبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا هذا العام، لكن حالته الجسديّة تجعلني أصدّق أنّه في عمري.
‘لهذا السبب كانت الأجواء مضطربة عندما قيل إنّ وليّ العهد قد جاء.’
أدركتُ الآن سبب ردود الفعل تلك.
لم يكن من المفترض أن يكون وليّ العهد هنا، بل يُفترض أن يكون مستلقيًا في مكانٍ ما.
تمنّيتُ لو أستطيع صنع كرسيّ متحرّك وإهداءه له.
“صحته تحسّنت كثيرًا الآن.”
“واو.”
رددتُ بلا مبالاة على كلام والدتي، وابتلعتُ تنهيدة داخليًا.
‘مستقبل هذه الإمبراطوريّة يقلقني.’
إذا كان وليّ العهد، الذي سيصبح إمبراطورًا يومًا ما، في هذه الحالة، فهذا أمرٌ مقلق حقًا.
إذا أصبحتُ أفضل فارسة في الإمبراطوريّة يومًا ما وسيف وليّ العهد، ففكرة أنّ يكون هذا الشّخص سيدي جعلتني أتنهّد.
“على أيّ حال، هدفكِ في المستقبل هو أن تصبحي قويّة بما يكفي لحماية هذا الشّخص من أيّ خطر. تذكّري ذلك دائمًا عندما تمسكين بالسّيف.”
“سيكون ذلك صعبًا جدًا.”
كم سأعاني لحماية وليّ العهد الضّعيف هذا؟ امتلأ رأسي بهذا التّفكير.
“ماذا؟”
“لا شيء.”
سألتني والدتي وكأنّها أساءت السّمع، لكنّني تظاهرتُ بأنّني لم أقل شيئًا وهززتُ كتفيّ.
كان الإمبراطور ووليّ العهد قد وصلا إلى المقاعد العليا في قاعة الحفل.
جلس الإمبراطور على الكرسيّ المُعدّ له، ونظر إلى الحضور.
“يسعدني أنّ الجميع حضر.”
كان صوت الإمبراطور ينضح بسلطة حاكم الإمبراطوريّة. كان رجلًا وسيمًا بابتسامةٍ منعشة.
رفع كأس النّبيذ التي قدّمها الخادم بقوّة وقال:
“تُقام مسابقة الصّيد هذه لتذكّر المجد القديم، حيث مُنحت القوّة منذ زمنٍ بعيد لإنقاذ البشريّة من معاناتها مع الوحوش. فليتعامل الجميع مع هذا الحدث بروح حماية البشريّة والإمبراطوريّة.”
بمجرّد أن أنهى الإمبراطور كلامه، شرب النّبيذ دفعة واحدة. ردّ النّبلاء برفع كؤوسهم عاليًا وهتفوا:
“من أجل روتيناس!”
“من أجل جلالة الإمبراطور!”
مع ظهور الإمبراطور، تحوّلت قاعة الحفل إلى أجواء احتفاليّة. كان الجميع بحماس يتوقّعون بدء مسابقة الصّيد.
“لا تزال الوحوش تهدّد البشر في هذه القارّة. يجب ألّا تستكين روتيناس للسّلام. يجب أن نتذكّر أنّ هناك من يعملون في الخفاء لحماية روتيناس، بل وحماية هذه القارّة.”
بينما كان الجميع يستمعون إلى كلام الإمبراطور ويومئون برؤوسهم، كنتُ فضوليّة بشأن قصّة الوحوش التي ذكرها الإمبراطور. شددتُ طرف ثوب والدتي، التي كانت ترتشف النّبيذ، وسألت:
“أمّي، ما معنى هذا؟”
“آه، سيل، لا تعرفين بعد. هذه قصّة أسطورة تأسيس إمبراطوريّة روتيناس. مسابقة الصّيد هذه بدأها الإمبراطور الأوّل واستمرّت حتّى الآن كتقليد.”
التعليقات لهذا الفصل " 24"